حوار الأندلسي أحمد بلافريج للأميرشكيب أرسلان حول زيارته للأندلس و شمال المغرب (عام 1930)
بقلم هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.
عام 1930م قام أمير الفكر و الأدب و البيان شكيب أرسلان برحلة إلى إسبانيا جال في أكثر أنحائها, و من وحي هذه الرحلة ألف الأمير بعد سنوات قليلة موسوعته الأندلسية النفيسة التي قرنت الرواية بالرؤية و جعلت القَدَم رداءا للقلم و التي سماها "الحلل السندسية في الأخبار و الآثار الأندلسية".بعد ختام زيارته لإسبانيا اجتاز الأمير شكيب مضيق جبل طارق و زار مدينتي طنجة و تطوان بالمغرب الأقصى في غشت 1930, و استُقبل استقبالا عظيما يليق بمقامه السامي. و قد أجرى معه الأستاذ أحمد بلافريج - و هو من مورسكيي أورناتشوس الرباطيين و الذي سيتولى بعد استقلال المغرب عام 1956 منصب وزير للخارجية ثم منصب وزير أول - حوارا في غاية الأهمية.
نُشر هذا الحوار عام 1930في جريدة الفتح لصاحبها المفكر السوري محب الدين الخطيب. و هذا ما جاء في المراسلة التي بعثها أحمد بلافريج (مؤسس حزب الاستقلال و الوزير الأول المغربي بعد الاستقلال) للجريدة بالقاهرة:
" الأمير شكيب أرسلان في المغرب الأقصى
حديث مع كاتب الشرق الأكبر
"زار كاتب الشرق الأكبر بلاد الأندلس الساحرة و وقف هناك على آثار أجدادنا الخالدة, و لكنه وجد هذه الآثار في محيط غبر مناسب لها, و جدها غريبة في وسط حياة لم تخلق من أجلها, فاجتاز بحر الزقاق إلى العدوة (المغرب الأقصى) حيث يمكنه أن يقف على آثار الأندلس في وسط أندلسي محض بين سلالة أولئك الأندلسيين أصحاب هذه الآثار العجيبة, فنزل بطنجة يوم السبت 14 ربيع الأول و اقتبل بحفاوة عظيمة من جميع الطبقات و أقام له السيد المنبهي وزير الحربية سابقا مأدبة حضرها كثير من الأعيان, حتى المندوب السلطاني, و من طنجة توجه عطوفة الأمير إلى مدينة تطوان الجميلة حيث نزل ضيفا على آل بنونة في منزل معالي الحاج عبد السلام بنونة وزير مالية المنطقة سابقا و بمجرد ما شاع في البلاد خبر وصول الأمير تواردت الوفود من جميع أنحاء المغرب, خصوصا و الأمير لا يجوز له أن يدخل المنطقة التي تحت النفوذ الافرنسي.
"و قد أقامت له مدينة تطوان حفلة عظيمة حضرها جم غفير من الناس و ألقيت خطب متعددة في التنويه بقدر الأمير الجليل, فأجاب الأمير بخطبة كلها درر.
و ليس قصدي هنا وصف الحفلات التي أقيمت لعطوفته فإنها لا بد أن تكون وصلتكم من مراسليكم في تطوان و طنجة, و إنما أردت أن أنشر حديثا أخذته عنه و فيه ما ارتسم في ذهن الأمير عن زيارته المغرب.
قلت سائلا:
أحمد بلافريج: هل سفركم إلى المغرب كان مقررا من قبل؟
أحمد بلافريج: هل سفركم إلى المغرب كان مقررا من قبل؟
الأمير شكيب أرسلان: كان لي ميل إلى زيارة المغرب من قبل, فلما جئت إلى الأندلس و وجدت أنه ممكن أن أزور طنجة و المنطقة التي تحت نفوذ إسبانيا قصدت طنجة ثم جاء بعض أهل الفضل من تطوان و استدعونا إليها.
ما هي إحساساتكم الأولى عندما وصلتم أرض المغرب؟
- إنني بعد رؤيتي أرض الأندلس التي أعدها إسلام بلا مسلمين, و بعد ما مررت في السنة الماضية على كثير من بلاد الشرق دون أن أتمكن من الدخول إليها, فإنني ابتهجت عند وصولي إلى شمال إفريقية, إذ أيقظت مشاهدها حنينا في نفسي إلى بلادي و إخواني, و قد استأنست كثيرا لما وقع نظري في جبل طارق على العمائم و البرانس.
ما هو رأيكم في أهل المغرب؟
- إنني أرى أن همم أهل المغرب أقوى من همم أهل المشرق, فإن المغرب مع امتداده جغرافيا إلى مصر ثم مع قربه من أوربا و ليس فيه إلا عشرين مليونا من السكان, و قد دافعوا في الماضي عن الذمار, ثم كونوا مدنية عظيمة, و كان منهم الملوك العظام كالموحدين و المرينيين.
هل شعرتم أن هنا نهضة في المغرب؟
-نعم شعرت بنهضة قوية, فوق ما كنت أتصور, و قد لاحظت تمكن الشبان من اللغة العربية - فإن الخطب التي ألقيت أمامي كلها جيدة التركيب, حسنة اللفظ, و لم أسمع من خطيب لحنا.
ما هي الصلة التي شعرتم بوجودها بين أهل المغرب و أهل المشرق؟
- من خصوصيات العالم الإسلامي أنك في شرقه كما أنت في غربه, فإن العادات واحدة و طرق المعاش واحدة و الأخلاق واحدة, و ذلك دليل على قوة الوحدة الإسلامية, و مهما بلغت وحدة الكاثوليك فإنها لا تبلغ وحدة المسلمين.
ما هي عيوب العرب الاجتماعية التي لاحظها الأمير في المغرب؟
-فابتسم الأمير و أراد ألا يجيب على هذا السؤال, و لكنني ألححت عليه, فقال و هو يبتسم: الإنسان في مدة قصيرة لا يرى إلا المحاسن.
فحولت هذا السؤال إلى أسلوب آخر, و في هذه المرة لم ير حضرته بدا من الجواب.
ما هي الأمور التي تنقصنا؟
- لا ينقصكم أكثر مما ينقص غيركم من العرب, أي الجرأة و التضحية, فالأمم لا تترقى بدون أن تشعر منه للخطر, فلا بد للناس أن يبلوا في الأنفس و الأموال, و حب الدنيا لا يتفق مع حياة العز, و إن الأمم الإسلامية تخاف الموت, و لكنها تساق إليه من حيث لا تدري, لكن الموت الأول الذي تهابه فيه عزها, و الثاني فيه ذل, و مع الجرأة يجب أن يعرف الإنسان حقه, و لا يتأتى ذلك إلا بالعلم.
أي شيء تنصحون لأهل المغرب باقتباسه من أوربا؟
- أنصح للمغاربة أن يقتبسوا العلوم الأوربية مع المحافظة على معتقداتهم و مشخصاتهم, و أنا لا أعتقد أن هناك علما أوربيا و علما شرقيا, فالعلم مشاع بين البشر أجمعين, و اليابانيون أخذوا عن الغرب ما نفعهم و حافظوا على شخصيتهم و دينهم, و التفرنج في نظري شر الأشياء, و الأمم مهما كانت فمن شأنها أن تحافظ على كيانها, فكيف بأمة عظيمة لها تاريخ مجيد.
ما رأيكم في اللغة العربية بالمغرب؟
- إن اللغة العربية في المغرب قد تقاربت كثيرا مع لغة أهل المشرق, و لعل ذلك بسبب كثرة الصلات و ذيوع الجرائد و سهولة المواصلات, و كنت مسرورا جدا بحضور التمثيل العربي بطنجة, أما لغة العامة فإنه لم يصعب علي فهم شيء منها.
ما هي مميزات المغاربة في نظركم؟
- فيهم أكثر المزايا التي تلزم للأمم المرشحة للنهوض و الترقي و تراهم كلهم بلباس واحد و هذا دليل على تمسكهم بقوميتهم و عاداتهم واحدة و مع أنهم أقرب الأمم للغرب - فإن المسافة بين الجزيرة الخضراء و سبتة ساعة و نصف لا غير - لم تبهرهم المدنية الغربية و لم تدفعهم لترك مدنيتهم, و هذا دليل على عزة النفس, و هم أهل مدنية راقية نستدل عليها من هذه الآثار و من هذه البيوت التي يقف السائح أمامها موقف الدهشة و الإعجاب, و قد قرأنا كثيرا من رحلات الأوربيين فوجدناهم دائما مبتهجين بما رأوه من مدنية في المغرب الأقصى, و كل رجل يتمسك بعوائده و مميزات قومه فاعلم أن في روحه شمما حمله على ذلك, و قد سُئل بيير لوتي (و هو قريب من الموت): أي الأمم تحب؟ و كان من المتوقع أن يقول "التُرك" لكثرة ما كتبه عنهم و لإعجابه بهم, و لكنه أجاب: "العرب لأنهم قوم متشبتون بشخصيتهم".
ما هو أحسن تأثير وقع في نفسكم و أنتم في المغرب؟
- انشرح صدري أولا بمقابلة أهل البلاد, لأنهم يتكلمون لغتي و ليس بيني و بينهم فرق في العواطف و الإحساس, و ثانيا فإنني رأيت طبيعة البلاد تشبه طبيعة بلادي, و وجدت هنا المدنية العربية الأصيلة, و ما رأيته في الأندلس مقفرا و بدون حياة رأيته هنا بسكانه و حياته.
و ما هو مستقبل المغرب فيما ترون؟
- مستقبل المغرب متعلق بتوصل المغاربة إلى مقام كريم بين الأمم, و هذا متوقف على محافظة المغاربة على لغتهم و عوائدهم و قوميتهم - و أنا لا أظن أن الضغط يردي بالمغاربة إلى ترك قوميتهم, بل هو على عكس ذلك سيزيدهم تمسكا به.
ما هو أحسن تأثير وقع في نفسكم و أنتم في المغرب؟
- انشرح صدري أولا بمقابلة أهل البلاد, لأنهم يتكلمون لغتي و ليس بيني و بينهم فرق في العواطف و الإحساس, و ثانيا فإنني رأيت طبيعة البلاد تشبه طبيعة بلادي, و وجدت هنا المدنية العربية الأصيلة, و ما رأيته في الأندلس مقفرا و بدون حياة رأيته هنا بسكانه و حياته.
و ما هو مستقبل المغرب فيما ترون؟
- مستقبل المغرب متعلق بتوصل المغاربة إلى مقام كريم بين الأمم, و هذا متوقف على محافظة المغاربة على لغتهم و عوائدهم و قوميتهم - و أنا لا أظن أن الضغط يردي بالمغاربة إلى ترك قوميتهم, بل هو على عكس ذلك سيزيدهم تمسكا به.
أجرى الحوار الأستاذ أحمد بلافريج.
مصدر الحوار: كتاب "وثائق سرية حول زيارة الامير شكيب أرسلان للمغرب" لمحمد ابن عزوز حكيم. ص 55-60.
صلة الرحم بالأندلس.
جميل
ردحذف