العلاقات الثقافية المغربية الإسبانية (حتى عام 1985 من خلال مقال
لجريدة إلباييس).
هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس.
غياب
الاستمرارية, الارتجال, التغيرات الجذرية في التوجهات لأسباب مزاجية, إهمال الدفاع
عن اللغة و الثقافة الإسبانية, إضافة لشيء من عدم الإحساس بمسؤولية الترويجلإسبانيا
الديمقراطية, كلها عوامل طبعت مسار الحركة الثقافية الرسمية لإسبانيا في المغرب
منذ استقلال هذا البلد عام 1956 و حتى اليوم. و النتيجة لا يمكنها إلا أن تكون دراماتيكية
بالنسبة لتاريخ الثقافة الإسبانية في المغرب: حوالي مليونَي مغربي من بين الثلاثة
ملايين الذين كانوا يتحدثون الإسبانية عند نهاية فترة الحماية, تخلوا عن اللغة
الإسبانية لصالح الفرنسية؛ ما يجعل المغاربة و الإسبان يتعارفون اليوم بشكل أسوأ
من تعارفهم قبل 30 عاما.
عند زوال
نظام الحماية الإسبانية في شمال المغرب عام 1956, كان أكثر من 3 ملايين مغربي, أي
خمس سكان البلاد آنذاك, يتحدثون الإسبانية. بعد 30 سنة, بالكاد مليون شخص لازالوا
يحفظون الإسبانية كلغة ثانوية. لقد نجحت اللغة الإسبانية في البقاء بينهم ليس بفعل
حركة ثقافية تدعمها الدولة, و إنما بفضل التقدم التقني الذي جعل برامج القناة
الإسبانية تي في إي تُلتقط بشكل واضح في شمال المغرب. كانت الحركة الثقافية
الإسبانية, و إن كان من الأدق الحديث عن ثقافة الإسبان, تتجاوز بمراحلالحملات
الثقافية الكلاسيكية التي كانت تقوم بها الدول الاستعمارية الأوربية بغرض تسهيل
التغلغل التجاري و السياسي. هكذا, و عكس فرنسا, عندما بدأت الحماية رسميا عام
1912, لم تبذل إسبانيا جهدا كبيرا, لخلق قاعدة ثقافية تُسهل مهمتها.
تولد عن
الترابط التاريخي الخارج عن العادة بين أندلوسيا و المغرب الأقصى, و الذي يبدو
يوتوبيا لكنه واقع حقيقي, و انتماء الأندلسيين و الريفيين لنفس العالم المتوسطي,تولد
عنه بين ضفتي المضيق طيلة قرون طويلة نوع من التضامن الحضاري. و يمكن ملاحظة ذلك
في مناسبتين اثنتين: لجوء الآلاف من المنفيين السياسيين الإسبان إلى شمال المغرب
بعد تمرد جيش إفريقيا الإسباني ضد الجمهورية عام 1936, و دعم هؤلاء الإسبان
للتطلعات الاستقلالية للمغرب منذ ظهورها.
الطابع الشعبي:
كانت
للعلاقات الثقافية بين الإسبان و المغاربة المنحدرين من هاتين المنطقتين طابع شعبي
بعيد عن الثقافة المتكلفة للطبقات الميسورة. لم تكن الحركة الثقافية الإسبانية
الرسمية موجهة فقط للمغاربة, و إنما كانت تهدف أيضا لاحتواء استياء غالبية الإسبان
المقيمين في المغرب. اليوم بعد 30 سنة على انقضاء الحماية, و مرور حوالي عقد على
بداية الانتقال الديمقراطي بوفاة فرانكو , يمكن التساؤل إن كانت هذه المبادئ قد
تغيرت. عام 1956, كانت لإسبانيا في المغرب بُنى تحتية تربوية مُكوَّنة من مدارس
عمومية و خاصة و دينية في مدن تطوان, طنجة, العرائش, أصيلا, القصر الكبير, الناظور
و الحسيمة, و وحدات تعليمية, في سلوان و الشاون, و مدرسة متعددة التقنيات في
تطوان, إضافة لمعهدين تعليميين في طنجة و تطوان كانا يتبعان للمعهد الإسباني –
المغربي في سبتة.
في بداية
الستينيات, أغلقتالعديد من هذه المؤسسات أبوابها, و قد تلقت القنصلية الإسبانية في
تطوان آلافا من رسائل الاحتجاج على إغلاقها و نُظمت مظاهرات من طرف الطلبة
المغاربة و الإسبان رفصا لتخلي الحكومة الإسبانية عنهم.
محاولة التدارك
تنبهت
إسبانياابتداءا من عام 1965 للخطأ الفادح الذي ارتكبته, فحاولت تدارك ما فاتها و
رد الأمور إلى نصابها, فقامت بشراء بقع أرضية و بناء مدارس جديدة في كل من
العرائش, وجدة, تطوان و الناظور , و قامت بتجديد المعهد الإسباني بطنجة حتى جعلت
منه اليوم واحدا من أفضل المعاهد الموجودة في المغرب.
لكن
الحكومة الإسبانية ارتجلت في بعض الحالات, فبعد أن اشترت أراضي لبناء مدرستين في
الرباط و الدار البيضاء, تراجعت عن الفكرة و عرضت البقع الأرضية للبيع. و بينما
كانت الحكومة ترتجل و تتسرع, كان المغاربة يفقدون الاهتمام بالإسبانية, و كان
يُترجم ذلك في تراجع عدد طلبات التسجيل في المعاهد الإسبانية. وفي نفس الوقت كان
أهل الشمال المغربي المتشبعون بالثقافة الإسبانيةمضطرين لتعلم الفرنسية حتى تُفتح
لهم آفاق أوسع في رحاب الإدارة العمومية المغربية المُفرنسة.
حاولت
إسبانيا أن تلعب نفس لعبة فرنسا التي استقرت عبر لغتها و ثقافتها في شمال المغرب,
فقامت بدورها بمحاولة للتغلغل في منطقة النفوذ الفرنسي. هكذا شيدت معهدا للتعليم
في الدار البيضاء ثم آخر في طنجة. كما فتحت مراكز ثقافية في فاس و الرباط و الدار
البيضاء, بالإضافة لمعهدي تطوان و طنجة و المكتبات الإسبانية.
في سنوات
الستينيات أيضا, كانت بعض الجامعات الإسبانية, و خصوصا جامعة غرناطة, تُرسل شهادات
الدراسات القانونية و الاستشارات الاجتماعية للمغاربة بمنطقة الشمال دون توفير
التحصيل العلمي الكافي.كان هذاالأمر أبعد ما يكون عن التبادل الثقافي الحقيقي و
أقربلصفقات تجارية خاصة بين بعض الأعيان الإسبان و المغاربة و توزيعا للنفوذ.
و
يبدوالارتجال مسيطرا على الحركة الثقافية الإسبانية في المغرب, على غرار ما هو
عليه الحال في قطاعات أخرى كقطاع الصحة مثلا, فالحركة الثقافية تتبع عموما إدارة
غير مختصة هي وزارة الشؤون الخارجية, و المستشارون الثقافيون في الرباط ينحدرون
غالبا من قطاعات ديبلوماسية أو اقتصادية لا تمت للثقافة بِصِلة.
تُنسجُ العلاقات
الثقافية الإسبانية المغربية الحقيقية على هامش القرارات الرسمية, بمبادرات شخصية
من مغاربة و إسبان. لقد أسس المغاربة جمعية لأساتذة اللغة الإسبانية و أخرى لصحفيي
اللغة الإسبانية. أما محمد بنعيسىمدير جريدة "المغرب" فينظم سنويا
بمبادرة شخصية منه مهرجانا ثقافيا إسبانيا مغربيا في مسقط رأسه بمدينة أصيلا,و قد
عرف هذا المهرجان مشاركة فنانين تشكيليين, سينمائيين, كتاب, شعراء و العديد من
الفنانين الإسبان. و يُعدُ هذا المهرجان اليوم المنتدى الأكبر و الأوحد للحوار
الثقافي الإسباني المغربي.
بعض
الكتاب الإسبان, و على رأسهمعاشق المغرب خوان غويتيسولو, يحاولون من خلال شعرهم و
أدبهم رأب الهوة بين الشعبين. لقد ساهم غويتيسولو إلى حد كبير في محاولات محو
الصورة النمطية عن المغرب و فصلها عن منغصات الإرث التاريخي: القرون السبعة من السيطرة
العربية المنقوشة في اللاوعي الإسباني, عقود الاستعمار, وضع سبتة و مليلية.
جولة كارلوس كانو في المغرب
تقوم
المنظمات الإسبانية في المغرب بما في وسعها أو بالأحرى بما تتقن عمله, لكنها على
كل حال تواصل الترويج لإسبانيا غير حقيقية, رغم أن هذا الأمر بدأ يتغير ببطء. إن النجاح
الكبير الذي لاقته مؤخرا في العديد من المدن المغربية حفلات المغني الغرناطي
كارلوس كانو تبين أن الشعب المغربي يريد التعرف على إسبانيا الديمقراطية. قبل
الظهور على خشبة مسرح الرباط, أخبر كارلوس كانو أحد الصحفيين: "أنظر دائما في
المسرح إلى ما وراء الصف العاشر, فرؤية الصفوف الأمامية مليئة بالسادة الجديين المرتدين
ملابس سوداء تصيبني بالاكتئاب". و الثقافة الإسبانية في المغرب تواجه نفس
الخيار, إما أن تغني للصفوف العشرة الأولى أو الغناء لكل المسرح.
لازالت
إسبانيا تملك في المغرب بنى تحتية ثقافية مهمة: معهدان للتعليم الثانوي و إعدادية,
ثمان مدارس للتعليم الأولي, مركز للتكوين المهني, أربعة مراكز ثقافية و مكتبتان,
أكثر من 200 أستاذ لأكثر من 5 آلاف تلميذ, إضافة لميزانية تُعدُ في إسبانيا أكبر
ميزانية مخصصة للتعاون الثقافي الخارجي. لكن مرة أخرى يميل المسؤولون لحصر
الانتشار الثقافي. فمدارس وجدة و القنيطرة تمَّ إغلاقها. و هذه السنة سيتم إغلاق
مدرسة الرباط, و هناك حديث عن إغلاق مدرسة العرائش أيضا.
موسوعة الأندلس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق