مقال جريدة الباييس الإسبانية عن "وريث الأمويين" المعتمد بن عباد ملك إشبيلية

مقال جريدة الباييس الإسبانية عن "وريث الأمويين" المعتمد بن عباد ملك إشبيلية

هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس.

ترجمة "مدونة صلة الرحم بالأندلس" لمقال جريدة الباييس الإسبانية "ورثة الأمويين" Los Herederos de los omeyas. للصحفي مانويل ألبرت. عدد 10 أبريل 2012.

بعد زوال الخلافة في قرطبة و تفكك الدولة الأموية إلى فسيفساء من ممالك الطوائف المستقلة سعت هذه الأخيرة إلى محاكاة عصر الخليفة عبد الرحمان الثالث على الصعيدين السياسي و الثقافي. بيد أن واحدة من هذه الممالك المسلمة تفوقت على قريناتها في هذا المجال:  البلاط الإشبيلي لبني عباد. 

لقد تحول المُعتمد, و هو ثالث ملوكها, إلى أسطورة ليس فقط بسبب التوسيع المذهل لمناطق سيطرته من الغرب Algarve إلى مرسية و إنما أيضا لجعله من بلاطه مركزا للمفكرين و الفنانين الذين تقلدوا المسؤوليات. و المعتمد نفسه كان ينظم الشعر -حيث كان تلميذا للقرطبي ابن زيدون- إلى جانب كونه رجل السيف و النزال.

بيلار ليرولا Pilar Lirolaأستاذة الدراسات العربية و الإسلامية في جامعة قادش نشرت كتابا شاملا عن هذا الزعيم الأندلسي و عائلته اسمه Al Mutamid y los abadíes. El esplendor del reino de Sevilla (siglo XI)"المعتمد و بنو عباد. مجد مملكة إشبيلية في القرن الحادي عشر" و قد أصدرته مؤسسة ابن طفيل للدراسات العربية بتعاون مع مؤسسة الثقافة و الفنون في إشبيلية و مجلس مدينة إشبيلية. 

الباحثة بيلار ليرولا

يهدف هذا العمل لتقديم رؤية واقعية و تاريخية مقارَنة و مبنية  على وثائق موثوقة لشخصية شوَّهتها و تلاعبت بها العديد من الإخباريات, خاصة المسيحية منها, و التي سردت حياته إلى جانب الخرافات التي صاحبتها. شخصيةٌ مازالت حاضرة في القرن العشرين في أعمال كُتَّاب و فنانين مثل أنطونيو غالا, رفاييل ألبرتي, فرناندو كوينيونيس, كارلوس كانو, إنريكي مورنتي و لولي إي مانويل و الذين كتبوا و غنوا له. بل إن بلاس انفانتي ذهب و زار قبر المعتمد خلال رحلته إلى أغمات (في المغرب) عام 1924, كما خصص له أحد أعماله الأدبية.

في مقدمة كتابها ذكرت ليرولا بأن "بلاطات ملوك الطوائف, و بخاصة البلاط الإشبيلي, بنخبة علمائه و أدبائه و موسيقييه و بالأخص شعرائه لم يكن يقل في رقيه عن البلاطات المشرقية التي كان يتَمثَّل بها, و لا حتى عن بلاط الخلافة القرطبية التي استفادت من التطور الكبير للشِعر في نهاية القرن العاشر الميلادي. و باندلاع الحرب الأهلية أو الفتنة و ما تلاها من لامركزية للسلطة انتشرت الثقافة في عموم الأندلس".

كان المعتمد يحمل السيف و الريشة معاً في دمه. والده المعروف بالمعتضد, و الذي قوَّى المملكة جغرافيا, كان إلى جانب كونه "دمويا و حاد الطبع" حسب وصف ليرولا, رجلا ذا حسٍ عالٍ بالشعر. و كتبت الباحثة في الشؤون العربية عنه: " كان يحمي و يدعم الأدباء و خاصة الشعراء, و ينظم الشعر على غرار والده القاضي. في فترة حكمه وصل الشعر إلى مرتبة عالية من مراتب العذوبة و بلغ قمتها في بلاط ابنه الذي أسس دارا خاصة بالشعر و الشعراء".

لكن الذروة الحقيقية تمَّ بلوغها في فترة حكم المعتمد. ليرولا لم تذخر أدنى عبارات الثناء عليه :"رجلٌ سليم النية, نبيل, مثقف و واسع الإطلاع, شاعرٌ ممتاز, داعمٌ عظيم و حامِِ للعلوم و الآداب". رغم أن حياة هذا الملك, الذي كان يقيمُ في القصر الملكي بإشبيلية Real Alcázar de Sevilla, كانت تراجيدية بشكل رهيب. فقد عاش في فترة اتسمت باضطراباتٍ سياسيةٍ و عسكريةٍ نَجَمَ عنها مقتل بعض أبنائه, و كان شاهدا على مصرعهم.

و رغم أن المعتمد كان أقوى ملوك الطوائف طيلة عقدين من الزمن إلا أنه لم يتوقف عن دفع الجزية السنوية التي شرع والده في دفعها بانتظام لألفونسو السادس. تقول المؤرخة: "كان مقدار هذه الجزية التي يدفعها ملك إشبيلية يرتفع باطراد و يَصعب بالتالي توفيرها. فلما ضاق ذرعا من عبئها الاقتصادي  و من الهجمات العسكرية المسيحية, كان المعتمد واحدا من الملوك الأندلسيين الذين طلبوا مساعدة المرابطين".

قدوم المرابطين من شمال إفريقيا غيَّر الساحة الإسبانية. فقد كبحوا الزحف المسيحي لكنهم بقوا في الأراضي التي جاؤوا لتحريرها قبل أن يُلحقوا كامل الأندلس بدولتهم. و كم هي حزينة نهاية المعتمد. فقد مات أسيرا في أغمات جنوب مراكش. كان سنه 55 عاما, و حينها بدأت الأسطورة.

ترجمة مدونة صلة الرحم بالأندلس.