هواية إسقاط الحكومات في إسبانيا, "أسقطنا حكومة بيدرو لنعيد انتخاب بيدرو".
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيث |
هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.
عديدة هي الأشياء التي يعشقها الإسبان:
فهم يحبون السهر تحت ضوء القمر,
و يعشقون الأعياد و مصارعة الثيران,
و يهيمون في طبق الكسكس بالأرز أو البايلا,
و يتيهون حبا في موسيقى الفلامنكو و في العزف على القيتارة الإسبانية,
و لهم عشق خاص لإسقاط الحكومات الإسبانية, يمينية كانت أو يسارية, و الدعوة لانتخابات نيابية مبكرة.
و كأنهم يريدون تعويض العقود الأربعة التي عاشتها البلاد تحت حكم الديكتاتور فرانكو بلا ديمقراطية و لا تعددية و لا انتخابات.
يُسقطون الحكومة تحت أية ذريعة و يتوجهون متحمسين لصناديق الاقتراع ليعيدوا, في حركة ذكية و سحرية, انتخاب نفس الأحزاب و نفس رئيس الحكومة!
شهر يونيو 2018, خسر رئيس الوزراء المخضرم مارينو راخوي اقتراعا على الثقة في البرلمان, فسقطت حكومته اليمينية, و حل محله زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيث.
اليوم, بيدرو سانشيث الذي لم يمض على تقلده هذا المنصب سوى 8 أشهر, فشل في تمرير مشروع الموازنة بعد تصويت البرلمان ضده, و هو يتجه للإعلان عن انتخابات مبكرة ستجري شهر أبريل المقبل.
و لن أستغرب لو أسفرت هذه الانتخابات القادمة عن فوز الحزب الاشتراكي و بقاء بيدرو سانشيث رئيسا للوزراء,
و حتى لو قدر الله و لم يحصل سانشيث على الأغلبية المريحة, فسيدعوا لانتخابات أخرى شهر يوليوز, ثم شهر أكتوبر, و لو اقتضى الحال انتخابات خامسة في شهر دجنبر,
و في كل مرة سيتوجه الإسبان مسرورين إلى مكاتب الاقتراع لممارسة هوايتهم الوطنية.
يسقطون بيدرو لينتخبوا بيدرو!
و هذا ليس غريبا على إسبانيا, فخلال القرن العشرين, جربت البلاد 5 أنظمة سياسية مختلفة, و يبدو أنها لم تجد بعد نظاما على مقاسها:
بدأت القرن العشرين بنظام ملكي شبه مطلق, لم تكن تزعجه سوى الأحزاب السياسية و القومية و النقابات التي كانت تطالب بإصلاح النظام و تخفيف قبضة الملك,
و بعد نكسة معركة أنوال, قام الدكتاتور الجنرال مغيل بريمو دي ربيراعام 1923 بانقلاب عسكري بتواطء مع الملك, منعت على إثره الأحزاب و النقابات, فبقي الملك كسلطة صورية, بينما كان الحاكم الفعلي هو الدكتاتور ربيرا.
في عام 1931, سقطت ديكتاتورية بريمو دي ربيرا و بعد انتخابات حرة, أُعلنَ قيام الجمهورية الإسبانية الثانية و سقوط الملكية. كان الأمر أشبه بالفوضى السياسية, حيث استمرت الجمهورية حوالي 5 سنوات جرت خلالها ما لا تحصى من الانتخابات و بالغ الإسبان في لعبة إسقاط الحكومات حتى بلغوا القصد و المراد, حيث أسفرت انتخابات عام 1936 عن فوز الجبهة الشعبية اليسارية ما دفع المحافظين داخل الجيش لإعلان الانقلاب على الجمهورية و اندلاع الحرب الأهلية,
انتهت الحرب الأهلية عام 1939, فعاش الإسبان ما بين 1939 و 1976 عصر "الكاوديو" الزعيم الأوحد فرانكو,
مات فرانكو عام 1975, فعاد خوان كارلوس حفيد الملك الإسباني ألفونسو 13 الذي أسقطته الجمهورية عام 1931, و نُصب ملكا على إسبانيا, ففتح البلاد على العالم و أدخل العباد في عالم الديمقراطية الرحب و الصاخب و تبنت إسبانيا نظاما ملكيا برلمانيا, للملك فيه سلطات رمزية, بينما يتمتع رئيس الوزراء المنتخب بسلطات واسعة.
و قد منح النظام الديمقراطي ما بعد فرانكو للأقاليم الإسبانية حكما ذاتيا, يتوفر فيه كل إقليم على برلمان و حكومة إقليمية منتخبة,
و هكذا فما بين انتخابات تشريعية عامة و التي تليها, يقضي الإسبان وقت فراغهم في انتخابات إقليمية أسفرت آخرها و التي جرت في إقليم الأندلس عن حصول حزب بوكس اليميني المتطرف على 12 مقعدا (حوالي 10بالمئة) و هي المرة الأولى التي يصل فيها اليمين المتطرف إلى برلمان إقليمي منذ التحول الديمقراطي عام 1975.
صلة الرحم بالأندلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق