صحيفة إسبانية تنشر سيرة موجزة للعلامة الغرناطي الأندلسي لسان الدين بن الخطيب
ملصق في المتحف التاريخي في قصبة لوشة عام 2014 احتفاءا بابن الخطيب, 7 قرون على ميلاده بلوشة. |
الترجمة للعربية هشام زليم.
كاتب المقال: خوثي أريناس روبيرو José Arenas Ropero.
صحيفة إديال Ideal الغرناطية الإسبانية.
تاريخ المقال: 24 يناير 2017.
حياتهُ انعكاسٌ أمين للبلاط "النصري", حيث كان فن العيش في كنف السياسة محفوفا بالكثير من المخاطر, فلا أحد كان يأمَنُ أن ينامَ خليفةً و يستيقظ مقطوع الرأس أو في المنفى.
تنحدر عائلته من سلمان في اليمن. و يُعتقد أنهم قدموا إلى الأندلس في القرن التاسع ميلادي و استقروا في قرطبة, و كنتيجة لمشاركة عائلة الخطيب في تمرد ضد الأمير الحكم الأول تم نفيهم إلى طليطلة عام 817 ميلادي, فمكثوا فيها طيلة قرن و نصف. و عندما طرد المسيحيون العرب نحو الجنوب, وصلت عائلته إلى لوشة في عام 967م و استقروا هناك حتى زوال مملكة بني نصر عام 1492, فكانت دورهم بين لوشة و العاصمة النصرية (غرناطة).
اسمه الشخصي هو "محمد", و لقبه التشريفي "لسان الدين", و اسم نسبه لوالده "الخطيب الغرناطي", و اسم نسبه العائلي "السلماني. كانت لوشة آنذاك واحدة من أهم مدن المملكة الغرناطية. لكن لا يُعرفُ شيء عن أي منطقة في المدينة كان فيها معقل عائلة بن الخطيب النافذة, و لا توجد أية إشارات لطفولة ابن الخطيب. المعروف أنه دَرسَ في مدرسة Madraza غرناطة رفقة ألمع رجالات العلم و الأدب, ما جعله يُحصل ثقافة واسعة. كيف لا و قد درس اللغة, الأدب, البلاغة, الطب, الفلسفة, التاريخ و الجغرافيا...إلخ.
ابن الخطيب سفيرا
عند وفاة والده و أخيه الأكبر في معركة طريف المعروفة أيضا بوادي سالادو (عام 1340م), عيَّنه راعيه الوزير علي بن الجياب كأمين لسره, و عند وفاة هذا الأخير بعد ذلك بثمان سنين تولى منصب مستشار يوسف الأول و الذي بعثه سفيرا إلى مملكة المغرب عام 1348. لما توفي يوسف الأول خلفه ابنه محمد الخامس الذي كلفه بتربية الأبناء الصغار للسلطان المُغتال, لكنه لم يعمر طويلا في هذه المهمة التربوية حيث بعثه السلطان الجديد كسفير إلى المملكة المرينية في المغرب عام 1354. لكن انقلابا جديدا حدثَ ما بين 1358 و 1359 أدَّى لخلع محمد الخامس و تنصيب الأمير إسماعيل على عرش الحمراء.
طابع بريدي إسباني لابن الخطيب |
المنفى في المغرب
نُفي السلطان و وزيره ابن الخطيب إلى المغرب و قضيا هناك ثلاث سنوات من عام 1358 إلى 1361م, و هي السنوات التي تفرغ فيها لكتابة أغلب تصانيفه, كما سافر خلالها في جميع أنحاء مملكة المغرب و اختار مدينة سلا كدار مُقام. في خضم ذلك, و بينما كان الخليفة (الغرناطي) يتفاوض مع بيدرو القشتالي لتنفيذ اتفاق المساعدة الذي وقعاه, حدثت انتفاضة في المغرب و قام السلطان المغربي الجديد بمساعدة الغرناطي المنفي على استعادة عرشه المفقود عبر مده بالرجال و المال لتحقيق ذلك. قُتلَ مغتصب الحكم إسماعيل (في غرناطة) على يد أبي سعيد, و هو مغتصب آخر للحكم لجأ إلى بلاط بيدرو الأول و الذي أمر بقتله. عاد السلطان (محمد الخامس) و وزيره بن الخطيب, لكن مكائد البلاط ستدفع اللوشي للتفكير في اعتزال السياسة, و لهذا الغرض وضع خطة لم يخبر بها أحدا. كانت هذه الخطة تعتمد على القيام بجولة عبر المملكة (الغرناطية) لتفقد الثغور و تحصين تلك التي لا تستجيب للمعايير, و عندما يصل إلى جبل طارق يعبر إلى سبتة و يطلب اللجوء عند السلطان المريني الذي سيمنحه المساعدة المرجوة. هكذا سارت الأمور وفق ما خطط له.
على رأس أعداء ابن الخطيب و الذين دبروا مكائد البلاط ضده كان هناك تلميذه و الوزير الجديد بن زمرك, و النباهي كبير قضاة غرناطة. تم إحراق كتبه و إتهامه بالزندقة و حُكم عليه بالموت في غرناطة, لكن كان من الصعب إعادته لغرناطة خصوصا و أن السلطان (المغربي) يخصه بمساعدته و حمايته. لهذا وجدوا أنفسهم مضطرين إما لإقناع السلطان أو تدبير ثورة, و هذا ما جرى بعد وفاة السلطان (المغربي أبي فارس المريني) و تنصيب ابنه, الصغير السن, و الذي خضع لتهديدات الوزير ابن زمرك بشن حرب لاحتلال جبل طارق (كان آنذاك بيد المغرب) إذا رفضوا تسليم بن الخطيب. فنجحوا أخيرا في محاكمته في فاس, حيث انتقل ابن زمرك بنفسه إلى هناك. حُكمَ على ابن الخطيب بالموت و في اليوم الموالي و لما كان يهمون بتنفيذ الحكم وجدوه ميتا و قد دُفنَ. فقاموا بإخراج جثته و أحرقوها, و تم دفن رفاته في مقبرة في فاس في عام 1375م, و كان سنه آنذاك 61 عاما.
كان بن الخطيب آخر شخصية عظيمة في الثقافة العربية الأندلسية. يقول عنه المستعرب اللامع و الأستاذ في جامعة غرناطة إميليو غارسيا غوميز Emilio Garcia Gomez مستحضرا قصائده "...كان آخر حامل للواء هذا النوع, و بعد أن أسلم الروح انطفأ النور, و سادت العتمة". و يبقى من الصعب جدا إيجاز حياته لأنها كانت كثيرة الأحداث و معقدة, فليس من المستغرب إذن أن يثير هذا العَلَم اللوشي, الذي وُلدَ و عاش في لوشة في خضم الزوبعة الإنسانية للقرن 13 ميلادي, هذا الكم من الاهتمام ليس فقط لدى دارسي التاريخ و الأدب و إنما أيضا بين الباحثين في العادات و أنماط العيش في الأندلس. إن حياته انعكاس أمين للبلاط "النصري", حيث كان فن العيش في كنف السياسة محفوفا بالكثير من المخاطر, فلا أحد كان يأمَنُ أن ينامَ خليفةً و يستيقظ مقطوع الرأس أو في المنفى. كان يجب على المرء أن يكون عبقريا و حذقا للبقاء وسط هذا العالم الإنساني المعقد. من أجل هذا كان التحايل و النفاق و "السباحة دون تبليل للقميص" صفات يتعلمها المرء في المدرسة حتى يستطيع البقاء.
شخصية عظيمة
ألف بن الخطيب حوالي خمسين تصنيفا أدبيا حول جميع معارف عصره: ثمانية حول التاريخ, اثنان حول الجغرافيا, اثنان حول السياسة, خمسة حول الأدب, خمسة حول الطب, ستة رسائل حول مواضيع متعددة, أربعة سير بينها واحدة لوالده عبد الله الخطيب, رسالتان حول مواضيع فلسفية, و واحدة حول الموسيقى...
كان موسوعة و خبيرا عارفا بالمملكة النصرية و المرينية في المغرب. و سأختم هذه السيرة الموجزة بكلمات للأستاذ غارسيا غوميز: "إذا كانت تصانيفه أشبه بالمتاهة فإن حياته كانت على نفس النمط. كان يتقن التفاصيل الصغيرة للغة العربية, و اعتاد أن يكتب, حتى في الرسائل التجارية, نثرا مسجوعا رهيبا, يتأرجح فيه الفكر و يقفز من قافية إلى قافية".
في تصنيفه "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار" الذي ترجمه إلى الإسبانية محمد كمال, يقول بن الخطيب عن لوشة:
قلتُ: فلوشة؟
قال مرأى بهيج، ومنظر يروق ويهيج، ونهر سيال، وغصن مياد، وجنات وعيون، ولذات لا تمطل بها ديون، وجداول تنضح بها الجوانح، ومحاسن يشغل بها عن وكره السائح، ونعم يذكر- بها- المانع المانح. ما شئت من رحا يدور، ونطف تشفى- بها- الصدور، وصيد ووقود، وأعناب كما زانت اللبات عقود، وأرانب تحسبهم أيقاظا وهم رقود. إلى معدن الملح، ومعصر الزيت، والخضر المتكفلة بخصب البيت، والمرافق التى لا تحصر إلا بعد الكيت. والخارج الذي عضد مسحة الملاحة، بجدوى الفلاحة. إلا أن داخلها حرج الأزقة، وأحوال أهلها مائلة الى الرقة، وأزقتها قذرة، وأسباب التطوف بها متعذرة، ومنازلها- لنزائل الجند- نازلة، وعيون العدو- لثغرها الشنيب - مغازلة. "
ترجمة هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق