في 27 يونيو 2009 الساعة: 20:36 م
المستعرب مكيل دي إيبالثا Mikel de Epalza
دأبت إسبانيا على إنجاب مستعربين و متخصصين في التاريخ الأندلسي و
الإسلامي حاولوا فهم الخصوصية الإسلامية و أبعادها و دراستها لعلّهم يخرجون
باستنتاجات تمكنهم من فهم ما حصل أثناء الفتح الإسلامي و تحليل أحداث
الألفية التي عاشها الإسلام بالأندلس منيرا ظلمات أوربا و كشف حقيقة ما حصل
للأمة المسلمة التي استحالت لطائفة مورسكية تُظهِر عقيدة و تضمر أخرى, و
لعلّهم أيضا يعثروا على نصفهم الآخر الذي ضحوا به لأجل الحفاظ على
الكاثوليكية. بداية القرن العشرين شهدت وجود اثنين من كبار المستعربين هما:
مكيل أثين بلاثيوث Miguel Asin Palaciosو خوان ربيراJuan Ribera, و في
نهاية سنة 2008 غادر هذا العالم مستعرب آخر اهتمّ بتأريخ فترة ما بعد سقوط
غرناطة و أماط اللثام عن عدة جوانب كانت مخفية من حياة المورسكيين سواء
بإسبانيا أو مناطق هجرتهم, خاصة بتونس, كما قام بترجمة معاني القرآن إلى
اللغة القطلونية, و عبّر عن وجهة نظر المورسكيين فيما يخص نظرتهم إلى عيسى
عليه السلام و العقيدة النصرانية عموما, وكان يحب أن يقارن بشخصية نصرانية
أسلمت في وقت سيطرة النصرانية على جزء كبير من الأندلس. فمن هو إذن هذا
المستعرب؟
يقول الباحث الإسباني فرناندو بيرميخو Fernando Bermerjo عنه: : "لمّا
أتيحت لي الفرصة, منذ سنوات, للتحدث (بجامعة) السوربون حول التقدم الذي
شهده في العقود الأخيرة مجال علوم الديانات بإسبانيا, قمت قبل السفر لباريس
بالاتصال بعدة مختصين أسبان ليفيدوني بآخر مساهماتهم. أكثر الردود التي
توصلت بها سخاء كانت من عند مكيل دي إيبالثا Míkel de Epalza الأستاذ بشعبة الدراسات العربية و الإسلامية بجامعة لقنت Alicante, فدون أن أطلب منه ذلك, لم يكتف فقط بتزويدي بمقتطفات من أعماله, بل أهداني أيضا ترجمته الحديثة للقرآن إلى اللغة القطلانية …" (1)
ينحدر المستعرب مكيل دي إيبالثا فيرير Míkel de Epalza Ferrer من عائلة بشكنسية (Vasca), ولد بمدينة بو Pau (بفرنسا) سنة 1938 – و عاش هناك حتى سن العاشرة – ثم تكوّن بقطلونية و اشتغل أستاذا بالديار البلنسية من سنة 1979 إلى 2007, و لمّا تقاعد – بعد مرور من جامعات وهران, الجزائر و تونس و جامعات إسبانية أخرى – توفي في دجنبر 2008م.
يعتبر إيبالثا أحد أكبر المستعربين بإسبانيا خلال القرن العشرين, فهو شخصية مختصة في دراسة الإسلام و من كبار الباحثين في تاريخ المدجنين و المورسكيين (انظر كتابه المورسكيون قبل و بعد الطرد, مدريد 1992). كما ساهم أيضا في نسج روابط علمية و أكاديمية بين العالم الإسلامي و إسبانيا, وشكل مرجعا في دراسة العلاقات الإسبانية-الجزائرية منذ القرون الوسطى إلى اليوم.
الترجمة التي قدّمها إيبالثا للقرآن بالقطلانية, بمساعدة اللغوي خوسيب فوركاديل Josep V. Forcadell و أستاذ الترجمة خوان بيروخو Joan M. Perujo نشرت بمطبعة Proa سنة 2001, و حازت على عدة جوائز تقديرية, كالجائزة الوطنية للترجمة بإسبانيا سنة 2002. أهمية هذه الترجمة للمائة و أربعة عشر سورة في القرآن (6236 أية) تتمثل في جودتها الأدبية و محاولة المترجم تقريب المعنى للمتحدثين بالقطلانية مستغلا معرفته بالدين الإسلامي و لغة القرآن العربية و خبايا اللغة القطلانية, إضافة لإعجابه و تقديره لحضارة المسلمين, و هذا شيء لابد منه لترجمة معاني القرآن إلى أي لغة أخرى, فالمترجم لو كان له حقد على الإسلام فسينعكس ذلك على ترجمته التي لن تكون وفية إلى أبعد الحدود, و هذا ما حاول إيبالثا إيصاله بقوله أن الترجمة بعلم صحيح و تقدير ل"الآخر المخالف" هي الوسيلة الفعالة لهدم الأفكار المسبقة. هذه الأفكار التي ليست دائما في صالح الإسلام, خصوصا بأوربا و إسبانيا بالتحديد حيث عملت الآلة الدينية و الأدبية و الإعلامية على تشويه صورة الإسلام عبر قرون طويلة.
كان إيبالثا يكن احتراما شديدا لشخصية إسلامية عظيمة و خصّص لها بحث الدكتوراه, إنه الفرانثيثكاني (نسبة للطائفة الفرانثيثكانية النصرانية) ابن ميورقة أنسيلم تررميدا Anselm Turmeda, الذي أسلم و أصبح اسمه عبد الله الترجمان. عاش عبد الله على صهوة فرسه (لكثرة ترحاله) حيث ولد سنة 1355 م بميورقة, و درس بليردة Lérida و بولنيا Bolonia , و عيّن سنة 1379م قسيسا,و في الربع الأخير من القرن 14م اعتنق الإسلام بتونس. اعتناق عبد الله الترجمان الإسلامَ فاجئ الجميع, فحاولت السلطات بميورقة , و رجال الكنيسة بصقلية و سادة أراغون, بل وحتى البابا بشحمه و لحمه رده إلى النصرانية, و هو الأمر الذي رفضه عبد الله. و توفي سنة 1424م.
بعد الحرب الأهلية الإسبانية, و بالتحديد سنة 1942م, قامت بلدية Palma بشطب اسم Anselm Turmeda من أحد الشوارع التي كانت قد سمّيت باسمه و أطلقوا على الشارع اسم فرانثيثكاني ميورقي آخر لم يسلم, و بعد عشرات السنين أعادوا تسمية الشارع باسم أنسيلم تورميدا.
عملُ إيبالثا حول هذه الشخصية الإسلامية الفذة تجسد في كتاب بعنوان "الفراي أنسيلم تورميدا (عبد الله الترجمان) و جدليته الإسلامية-النصرانية: نشر, ترجمة و دراسة للتحفة", مدريد 1994." و هو عبارة عن نشر لأطروحة الدكتوراه التي قدّمها سنة 1967 بجامعة برشلونة, و"التحفة" هي آخر مؤلف كتبه الترجمان عبد الله.
يقول فرنادنو بيرميخو :" على غرار تورميدا, تعلّم إبيالثا العربية. على غرار تورميدا, عمل مترجما. على غرار تورميدا, رحل عبر البحر المتوسط و عاش في عدة بلدان. على غرار تورميدا, تعلّم حب عالم مختلف عن العالم الذي وُلد فيه. على غرار تورميدا, عاش حياة مليئة بالأحداث…زوجته مارية خيسوس روبيرا Mª Jesús Rubiera, وهي مستعربة مثله, روت أن أحد زملاء زوجها في إحدى المرات, قال لها – على سبيل المزاح -"تحياتي لتورميدا", يقصد طبعا دي إيبالثا". (1)
و هذه بعض أعمال مكيل دي إيبالثا:
-ترجمة معاني القرآن العظيم إلى اللغة القطلانية.
- “Los moriscos antes y después de la expulsión” (ed. Mapfre, 1992)(المورسكيون قبل و بعد الطرد) و قد عرّبه الأستاذ جمال عبد الرحمان بإذن من المستعرب نفسه, و عنوان الكتاب المترجم للعربية (المورسكيون في إسبانيا و في المنفى).
-“Fray Anselm Turmeda (Abdallah al-Taryuman) y su polémica islamo-Cristiana” (ed. Hiperión, 1994) (ذٌكر أعلاه).
-“Jesús entre judíos, cristianos y musulmanes hispanos (siglos VI-XVII)” (Universidad de Granada, 1999), (عيسى عند اليهود, النصارى و المسلمين الأسبان من القرن 6 إلى 17).
-“El Corán y sus traducciones” (Universidad de Alicante 2008). (القرآن و ترجماته).
-"Los moriscos frente à la inquisicion, en su vision islamica del cristianismo " (المورسكيون في مواجهة محاكم التفتيش, نظرتهم الإسلامية للنصرانية). و هو بحث قصير في 43 صفحة, لكنه قيم حيث يبرز اعتقاد المورسكيين في عيسى عليه السلام, و في الأناجيل و في النصرانية عموما, و استنتج أن عقيدتهم لا تختلف أبدا عن العقيدة الإسلامية, و بحكم مجاورتهم للنصارى كانوا أقدر من غيرهم على مجادلتهم و رد دعاواهم, كيف لا وهم الذين تربوا على الإسلام و تظاهروا بالنصرانية فعرفوا كل صغيرة و كبيرة في تلك العقيدة. و استدل إيبالثا بنصوص مورسكيين تركوا نصوصا تدافع عن وجهة النظر الإسلامية اتجاه العقائد الكاثوليكية, كنصوص محمد الربضان, و خوان ألونثو أراغونس, و ابراهيم الطيبلي و أحمد الحنفي رحمهم الله جميعا.
ينحدر المستعرب مكيل دي إيبالثا فيرير Míkel de Epalza Ferrer من عائلة بشكنسية (Vasca), ولد بمدينة بو Pau (بفرنسا) سنة 1938 – و عاش هناك حتى سن العاشرة – ثم تكوّن بقطلونية و اشتغل أستاذا بالديار البلنسية من سنة 1979 إلى 2007, و لمّا تقاعد – بعد مرور من جامعات وهران, الجزائر و تونس و جامعات إسبانية أخرى – توفي في دجنبر 2008م.
يعتبر إيبالثا أحد أكبر المستعربين بإسبانيا خلال القرن العشرين, فهو شخصية مختصة في دراسة الإسلام و من كبار الباحثين في تاريخ المدجنين و المورسكيين (انظر كتابه المورسكيون قبل و بعد الطرد, مدريد 1992). كما ساهم أيضا في نسج روابط علمية و أكاديمية بين العالم الإسلامي و إسبانيا, وشكل مرجعا في دراسة العلاقات الإسبانية-الجزائرية منذ القرون الوسطى إلى اليوم.
الترجمة التي قدّمها إيبالثا للقرآن بالقطلانية, بمساعدة اللغوي خوسيب فوركاديل Josep V. Forcadell و أستاذ الترجمة خوان بيروخو Joan M. Perujo نشرت بمطبعة Proa سنة 2001, و حازت على عدة جوائز تقديرية, كالجائزة الوطنية للترجمة بإسبانيا سنة 2002. أهمية هذه الترجمة للمائة و أربعة عشر سورة في القرآن (6236 أية) تتمثل في جودتها الأدبية و محاولة المترجم تقريب المعنى للمتحدثين بالقطلانية مستغلا معرفته بالدين الإسلامي و لغة القرآن العربية و خبايا اللغة القطلانية, إضافة لإعجابه و تقديره لحضارة المسلمين, و هذا شيء لابد منه لترجمة معاني القرآن إلى أي لغة أخرى, فالمترجم لو كان له حقد على الإسلام فسينعكس ذلك على ترجمته التي لن تكون وفية إلى أبعد الحدود, و هذا ما حاول إيبالثا إيصاله بقوله أن الترجمة بعلم صحيح و تقدير ل"الآخر المخالف" هي الوسيلة الفعالة لهدم الأفكار المسبقة. هذه الأفكار التي ليست دائما في صالح الإسلام, خصوصا بأوربا و إسبانيا بالتحديد حيث عملت الآلة الدينية و الأدبية و الإعلامية على تشويه صورة الإسلام عبر قرون طويلة.
كان إيبالثا يكن احتراما شديدا لشخصية إسلامية عظيمة و خصّص لها بحث الدكتوراه, إنه الفرانثيثكاني (نسبة للطائفة الفرانثيثكانية النصرانية) ابن ميورقة أنسيلم تررميدا Anselm Turmeda, الذي أسلم و أصبح اسمه عبد الله الترجمان. عاش عبد الله على صهوة فرسه (لكثرة ترحاله) حيث ولد سنة 1355 م بميورقة, و درس بليردة Lérida و بولنيا Bolonia , و عيّن سنة 1379م قسيسا,و في الربع الأخير من القرن 14م اعتنق الإسلام بتونس. اعتناق عبد الله الترجمان الإسلامَ فاجئ الجميع, فحاولت السلطات بميورقة , و رجال الكنيسة بصقلية و سادة أراغون, بل وحتى البابا بشحمه و لحمه رده إلى النصرانية, و هو الأمر الذي رفضه عبد الله. و توفي سنة 1424م.
بعد الحرب الأهلية الإسبانية, و بالتحديد سنة 1942م, قامت بلدية Palma بشطب اسم Anselm Turmeda من أحد الشوارع التي كانت قد سمّيت باسمه و أطلقوا على الشارع اسم فرانثيثكاني ميورقي آخر لم يسلم, و بعد عشرات السنين أعادوا تسمية الشارع باسم أنسيلم تورميدا.
عملُ إيبالثا حول هذه الشخصية الإسلامية الفذة تجسد في كتاب بعنوان "الفراي أنسيلم تورميدا (عبد الله الترجمان) و جدليته الإسلامية-النصرانية: نشر, ترجمة و دراسة للتحفة", مدريد 1994." و هو عبارة عن نشر لأطروحة الدكتوراه التي قدّمها سنة 1967 بجامعة برشلونة, و"التحفة" هي آخر مؤلف كتبه الترجمان عبد الله.
يقول فرنادنو بيرميخو :" على غرار تورميدا, تعلّم إبيالثا العربية. على غرار تورميدا, عمل مترجما. على غرار تورميدا, رحل عبر البحر المتوسط و عاش في عدة بلدان. على غرار تورميدا, تعلّم حب عالم مختلف عن العالم الذي وُلد فيه. على غرار تورميدا, عاش حياة مليئة بالأحداث…زوجته مارية خيسوس روبيرا Mª Jesús Rubiera, وهي مستعربة مثله, روت أن أحد زملاء زوجها في إحدى المرات, قال لها – على سبيل المزاح -"تحياتي لتورميدا", يقصد طبعا دي إيبالثا". (1)
و هذه بعض أعمال مكيل دي إيبالثا:
-ترجمة معاني القرآن العظيم إلى اللغة القطلانية.
- “Los moriscos antes y después de la expulsión” (ed. Mapfre, 1992)(المورسكيون قبل و بعد الطرد) و قد عرّبه الأستاذ جمال عبد الرحمان بإذن من المستعرب نفسه, و عنوان الكتاب المترجم للعربية (المورسكيون في إسبانيا و في المنفى).
-“Fray Anselm Turmeda (Abdallah al-Taryuman) y su polémica islamo-Cristiana” (ed. Hiperión, 1994) (ذٌكر أعلاه).
-“Jesús entre judíos, cristianos y musulmanes hispanos (siglos VI-XVII)” (Universidad de Granada, 1999), (عيسى عند اليهود, النصارى و المسلمين الأسبان من القرن 6 إلى 17).
-“El Corán y sus traducciones” (Universidad de Alicante 2008). (القرآن و ترجماته).
-"Los moriscos frente à la inquisicion, en su vision islamica del cristianismo " (المورسكيون في مواجهة محاكم التفتيش, نظرتهم الإسلامية للنصرانية). و هو بحث قصير في 43 صفحة, لكنه قيم حيث يبرز اعتقاد المورسكيين في عيسى عليه السلام, و في الأناجيل و في النصرانية عموما, و استنتج أن عقيدتهم لا تختلف أبدا عن العقيدة الإسلامية, و بحكم مجاورتهم للنصارى كانوا أقدر من غيرهم على مجادلتهم و رد دعاواهم, كيف لا وهم الذين تربوا على الإسلام و تظاهروا بالنصرانية فعرفوا كل صغيرة و كبيرة في تلك العقيدة. و استدل إيبالثا بنصوص مورسكيين تركوا نصوصا تدافع عن وجهة النظر الإسلامية اتجاه العقائد الكاثوليكية, كنصوص محمد الربضان, و خوان ألونثو أراغونس, و ابراهيم الطيبلي و أحمد الحنفي رحمهم الله جميعا.
الهوامش:
(1) Míkel de Epalza, arabista e islamólogo
http://blogs.periodistadigital.com/antoniopinero.php/2008/12/10/mikel-de-epalza-
arabista-e-islamologo
موسوعة الأندلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق