2- الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا و ظهور الفلسفة الإستيطانية الإنجليزية لأمريكا و تأسيس فرجينيا.
و هو الجزء الثاني من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945.
Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945
للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.
ترجمة هشام زليم.
باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.
صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.
صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.
الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا و ظهور الفلسفة الإستيطانية الإنجليزية لأمريكا
لا وجود للإنجليز (في إمريكا) إلى حدود هذه الفترة (المترجم ه ز: أواسط القرن 16 م) . و إن كان ينبغي الإشارة إلى الرحلة الإستطلاعية التي قام بها الجنوي جون كابوت John Cabot عام 1497 من مرفأ بريستول Bristol الإنجليزي إلى خليج سان لوران Saint-Laurent. و كابوت هذا هو الذي أعطى اسمه Cabotage لنشاط الملاحة الساحلية (المترجم ه ز: الملاحة القصيرة المدى و القريبة من الساحل). و قد وصل ابنه سيبستيان بعده إلى فلوريدا و البرازيل. ثم لا شيء لمدة ثلاث أرباع قرن.
هكذا إذن فنموذج الفايكنج الذين عبروا الأطلسي في حدود عام ألف ميلادي تحت قيادة ليف إريكسون Leif Ericson و الذي من دون شك تم التطرق إليه عند سواحل الأرض الجديدة Terre-neuve (المترجم: في كندا اليوم), لم يمكن مُلهما لإنجلترا.
في عام 1576 تأسست شركة كاتاي Cathay للملاحة و بعثت مارتن فروبشر Martin Frobisher للبحث عن ممر شمال غربي (إلى الصين و الهند). كان فروبشر يحاول الالتفاف على كندا من الشمال, فاكتشف أرض بافين Baffin (المترجم: في كندا) و خليج فروبيشر Baie de Frobisher ( المترجم: في كندا أيضا), ثم جمع بعض الأحجار الشبيهة بشذرات الذهب و أصعد على متن سفنه بعض الهنود و قفِلَ عائدا إلى لندن.
شكل الأمر خيبةَ أمل بالنسبة الرأسماليين الذين مولوا رحلته. في هذا السياق وضع السير همفري جلبيرت Sir Humphrey Gilbert مخططا أكثر جدية و تعقيدا. ففي عام 1576 نشر بيانا للبرهنة على وجود ممر عبر الشمال الغربي إلى كاتاي Cathay (المترجم: الصين). لقد صار جلبيرت الآن مهتما بأمريكا, حيث اقترح متسائلا: لماذا لا يتم تثبيت مستوطنة هناك؟ ستكون قاعدة بحرية ضد إسبانيا , العدو الرئيسي لإنجلترا. ستزذهر هذه المستوطنة بفضل استغلال الثروات المحلية. و في حال اكتشاف الممر الشمال الغربي, ستوفر التموينات اللازمة للمَلاَّحة.
هكذا سادت فكرة وجوب القيام بحملة إنجليزية كبرى. ما بين 1577 و 1580 انبرى السير فرانسيس دريك Francis Drake لعبور مضيق ماجيلان (المترجم: في الشيلي حاليا) و الإبحار قرب ساحل المحيط الهادئ للقارة الامريكية. في عام 1578 نجح جلبيرت في إقناع الملكة إليزابيث الثانية التي أصدرت ميثاقا تسمح له بموجبه بأن يأسس في غضون ست سنوات مستوطنة في أمريكا و أن يمارس فيها سلطته المطلقة و يجني أرباحها, باستثناء الذهب و الفضة التي سيذهب خُمسها للخزائن الملكية. أقلع بعدها جلبيرت بوقت قصير. لا نعلم إن كان قد وصل للعالم الجديد أم أنه اكتفى بنهب القوافل البحرية الإسبانية.
رحلة فرانسيس دريك البحرية حول العالم |
في عام 1583 قام بانطلاقة أخرى, و هذه المرة اتخذ جلبيرت الاحتياطات اللازمة, حيث جمع في بريستول Bristol و سوتامبتون Southampton رؤوس الأموال الضرورية و نجح في تكوين طاقم مكون من 260 رجلا على متن خمس سفن. في يونيو 1583 رفع الأسطول الصغير المرساة في اتجاه الأرض الجديدة Terre-Neuve (المترجم: في كندا اليوم). لقد تم الاستيلاء رسميا على هذه الجزيرة باسم ملكة انجلترا. بعدها عرَّج جيلبرت نحو الجنوب. ثلاثة من بين السفن الخمسة انسحبت من الحملة, قبل أن يضطر جيلبرت لوقف إبحاره نحو الجنوب. و في رحلة العودة اعترضتهم عاصفة هوجاء أغرقت ما تبقى من سفن في قاع المحيط.
طريق جيلبرت البحري |
فهل يا تُرى انتهت المغامرة الإنجليزية في أمريكا؟ بالعكس. السير والتر رالي Sir Walter Raleigh, الأخ غير الشقيق لجيلبرت, حصل على ميثاق جديد عام 1584. و في الحين أرسل رحلة استطلاعية للساحل الواقع جنوب خليج شيزابيك Chesapeake (المترجم: في الولايات المتحدة اليوم). أبهرت المنطقة المستطلعين. فقرر رالي Raleigh تسمية المنطقة بلقب الملكة الإنجليزية, إليزابيت "الملكة العذراء" Virgin Queen, فصار اسمها فرجينيا Virginia.
في عام 1585 رست بعثة استكشافية أخرى أمام جزيرة رونوك Roanoke على الحدود الحالية بين ولاية فرجينيا و كارولينا الشمالية. في السنة التالية، اختار المستوطنون العودة إلى انجلترا. لكن رالي Raleigh كان متشبتا بمشروعه. يوم 8 ماي 1587, انطلق مائة و عشرون مستوطن من إنجلترا إلى رونوك Roanoke التي أَنجبت بها ابنة قائد البعثة جون وايت Jhon White طفلة أسمتها فرجينيا دير Virginia Dare, و هي أول رعية لصاحبة الجلالة ترى النور في أمريكا. عاد وايت White إلى انجلترا للتزود بالمؤونة. لكن أحداث أوربا، و خصوصا الغزو الفاشل للبحرية الإسبانية التي لا تُقهر Armada invencible لإنجلترا، أخرت عودته لأمريكا. في عام 1590, عندما وصل وايت White لرنوك Roanoke, لم يجد أثرا للمستوطنة، باستثناء كلمة واحدة نُقشت على إحدى الأشجار: Crotoan, و هو اسم جزيرة مجاورة.
الأهم من هذه الإخفاقات هو أن الإنجليز بدؤوا يستشعرون مفعول "فيروس" الاستيطان. لقد صاروا يَحلمون بأمريكا! متأثرين بكتاب العالم الإنجليزي توماس مور Thomas More المسمى "اليوتوبيا", رؤوا في أمريكا نوعا من "اليوتوبيا" (المدينة الفاضلة), ملاذا مثاليا للفقراء و المضطهدين, مصدرا للإثراء بالنسبة للأغنياء. لقد أجاد الجغرافي الإنجليزي ريتشارد هاكلويت Richard Hakluyt في التعبير على هذه الفلسفة الإستيطانية في تأليفه "خطاب بخصوص الاستيطان الغربي" Discourse concerning western Planting الذي ظهر عام 1584, و في تأليفه الآخر "المِلاحات و الرحلات و الاكتشافات الرئيسية للأمة الإنجليزية" The principall navigations, voiages and discovries of the english nation و الذي نُشرَ عام 1589, و مما جاء فيه "سيُحسنُ المستوطنون مستوى عيش إنجلترا, حيث سيخففون برحيلهم الاكتظاظ السكاني للجزر البريطانية, و يُوفرون بعملهم المنتوجات الضرورية للحاضرة (انجلترا), و يشترون البضائع الإنجليزية, و بالطبع سيشاركون, بشكل مباشر أو غير مباشر, في الحرب التي ما تزال دائرة بين انجلترا و إسبانيا, كما سيمنعون المبشرين الكاثوليكيين من تحويل الهنود إلى العقيدة الكاثوليكية, و سيجنون أرباحا. لن تختفي المبادرة الخاصة في هُوى التطلعات القومية. و نفس الأمر بالنسبة للخيال Imaginación. إذا كان الإسبان يبحثون عن " ينبوع الشباب"، فإن الإنجليز سيجعلون من أمريكا جنة الأرض الزاخرة بالذهب و الأحجار الكريمة، سيجعلونها أرض الرخاء حيث ستغذي الطريدة السكان بسهولة، حيث الأسماك متنوعة بنفس قدر كثرتها، حيث الغابات و الثروات الفلاحية ستثري الفقراء و تُدِرُّ إيرادات عظيمة للمستثمرين".
نهاية الجزء الثاني.
الجزء الثالث: ظروف و ملابسات تطور مستوطنة فيرجينيا الإنجليزية في أمريكا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق