8- تأسيس مستوطنة جورجيا الأمريكية عام 1732 بتوطين مساجين إنجليز فيها
و هو الجزء الثامن من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945.
Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945
للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.
ترجمة هشام زليم.
باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.
صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.
صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.
رابط الجزء 1: لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟
رابط الجزء 3: ظروف و ملابسات تطور مستوطنة فيرجينيا الإنجليزية في أمريكا
رابط الجزء 5: مستوطنة ماريلاند Maryland "أرض مريم" في أمريكا: ملجأ الكاثوليكيين المضطَهَدين
رابط الجزء 6: نيويورك New York : المدينة الأمريكية التي أسسها الهولنديون و استولى عليها الإنجليز
رابط الجزء 7 : 7- الأسرار الصادمة للمهرطقين "الصاحبيين" الذين أسسوا ولاية بينسلفانيا الأمريكية؟
و لكي ننهي القرن السابع عشر, كان من المناسب التطرق إلى تأسيس مستوطنات نيو جرسي New Jersey و الكارولينتين (كارولينا الشمالية و الجنوبية) و التي تأسست جميعها بين عامي 1660 و 1680 وفق نموذج منح الأراضي للامتلاك المؤقت, لكننا ارتأينا أن الأهمية الأكبر تكمن في استعراض نموذج مستوطنة جورجيا Géorgie و التي رأت النور عام 1732, و كانت بذلك خاتمة المشاريع الاستيطانية البريطانية في أمريكا الشمالية.
بعد خوضه لمعارك ضد الأتراك في أوربا تحت قيادة الأمير يوجين دي سافوي Eugène de Savoie, دخل الإنجليزي جيمس أوغلتورب James Oglethorpe إلى معترك السياسة و انتُخبَ في مجلس العموم البريطاني و عُيِّنَ ضمن لجنة التحقيق في وضعية السجون. لقد انزعج مما وقف عليه من حقائق خصوصا مصير المسجونين بسبب الديون و الذين تأثر لهم كثيرا. من هنا أتته هذه الفكرة: إرسال هؤلاء المدينين التعساء إلى أمريكا و منحهم فرصة تحقيق انطلاق ثانية. كانت فكرة سخية توازي الانجازات الكبرى للتطهيريين Puritans في بليموث Plymouth و تجربة وليام بين في بنسيلفانيا.
جيمس أوغلتورب James Oglethorpe |
لجأ أوغلتورب إلى أصدقائه و زملائه في البرلمان للحصول على المال و الأراضي و خصوصا الميثاق الملكي اللازم للاستيطان و الذي سيحصل عليه عام 1732 و كان خاصا بمنطقة في أمريكا بين سافانا Savanah و ألتاماها Altamaha. لم يكن هذا الموقع مفاجأً، فمنذ 20 عاما، انتشرت شائعات تتحدث عن تأسيس مستوطنة جديدة هناك. كانت الدعاية الموجهة للراغبين في الهجرة تعدهم بمغانم و امتيازات كثيرة: مناخ في غاية الاعتدال، أرض خصبة لا مثيل لها، غابات ستفسح المجال لحقول ستنتج كل الخضر و الفواكه و تجمع شتى أنواع الحيوانات و الأسماك. باختصار هي أرض الأحلام Cocagne أو كما وصفها منشور آنذاك: "هي على الأقل تُعادِلُ جنة عدن". لم يتردد أوغلتورب و سمى هذه الأرض الموعودة الجديدة باسم جورجيا على شرف الملك جورج الثاني ملك بريطانيا آنذاك.
لم يكن أوغلتورب لوردا مالكا للأرض، فجورجيا كانت مستوطنة تُدارُ وفق ميثاق مدته 21 عاما. لقد كان حاكمَها منذ عام 1733 حيث أسس مستوطنة سافانا Savanah التي استقبلت 1810 مهاجرا فقيرا (نصفهم انجليز و النصف الآخر من الألمان و الاسكوتلنديين و السويسريين) ثم قدِم إليها 1021 مهاجر آخرا بينهم 92 يهوديا.
خضع تقسيم الأراضي للقواعد المعتادة. الجديد في هذه المستوطنة هو منع السلطات الاستيطانية استقدام العبيد السود و مشروب الروم الكحولي Rum، حيث كانت الدوافع الأخلاقية تستدعي ذلك. لكن القرب الجغرافي من كارولينا الجنوبية غيَّر المفاهيم. فكارولينا مستوطنة آخذة في الازدهار بفضل الاستغلاليات الفلاحية الشاسعة جدا و اليد العاملة المكوَّنة من العبيد. هكذا قرر الجورجيون تقليد جيرانهم، فعلى كل حال لم تعد لديهم رغبة في طاعة أوامر الأعضاء المؤسسين الذين كانوا لا يخفون قناعاتهم بأن جورجيا إما أن تكون مملكة دودة القز (لإنتاج الحرير) أو لا تكون. في عام 1752, أي سنة قبل انتهاء صلاحية الميثاق، صارت أعمال الخير موضة بالية و تم السماح بالعبودية و بشراب الروم الكحولي. ثم صارت جورجيا مستوطنة ملكية إنجليزية و لم تعد تختلف أبدا عن باقي المستوطنات الإنجليزية في أمريكا الشمالية.
من ثلاث عشرة مستوطنة متناثرة على طول الشريط الساحلي الأطلسي, شيدت انجلترا في أقل من قرن و نصف امبراطورية أمريكية. كان هذا الإنجاز نتاج الحظ و الرغبة في الإثراء و إعلاء كلمة الرب و محاولة تطبيق تجارب اجتماعية و دينية و إرادة تأكيد حضور سياسي...تتعدد الأسباب و تتنوع و لا يقصي بعضها بعضا. عند التفكير بروية، نجد هناك ما يدعو للدهشة. فعدد سكان انجلترا عام 1700 لم يكن يتجاوز 6 ملايين و كان ملوكها يَعتبرون أنفسهم مُلاك جزء من قارة لا يعرفونها و لا أحد يعلم حتى ذلك الحين امتدادها. الآلاف من المستوطنين ركبوا البحر و واجهوا أهوال عبور يدوم شهورا، بالإضافة لمعاناة استقرار قاس و تقلبات مناخ صعب، كل ذلك من أجل حياة جديدة. كان دور الإنسان هنا أساسيا.
لقد كانت أمريكا في القرن السابع عشر حلما لا يمكن تبديده، و كانت أيضا تعبيرا عن نزعة إرادية صلبة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق