6- نيويورك New York : المدينة الأمريكية التي أسسها الهولنديون و استولى عليها الإنجليز
و هو الجزء السادس من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945.
Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945
للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.
ترجمة هشام زليم.
باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.
صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.
صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.
رابط الجزء 1: لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟
رابط الجزء 3: ظروف و ملابسات تطور مستوطنة فيرجينيا الإنجليزية في أمريكا
رابط الجزء 4: الحجاج المهاجرون الفارين بدينهم الذين أسسوا مستوطنة "انجلترا الجديدة" في أمريكا
رابط الجزء 5: مستوطنة ماريلاند Maryland "أرض مريم" في أمريكا: ملجأ الكاثوليكيين المضطَهَدين
ثلاثة أمثلة أخرى ستوضح بشكل أفضل خصائص هذا النموذج الاستيطاني:
ظهر اهتمام الهولنديين بالقارة الأمريكية منذ بداية القرن السابع عشر. فقد كانوا يبحثون, على غرار باقي الأوربيين, عن أقصر طريق نحو الهند لتجنب المرور عبر رأس الرجاء الصالح. وِفق هذه النظرة العالمية للتجارة, كان الهولنديون معارضين للبرتغاليين, و كان هدف الشركة الهولندية للأراضي الهندية الشرقية Compagnie Hollandaise des Indes orientales التي تأسست عام 1602 هو احتكار التجارة مع الشرق.
هنري هودسون Henry Hudson هو ملاح بريطاني كان في خدمة الهولنديين, و قد قاد بعثة استكشافية عام 1609 كانت مهمتها اكتشاف معبر شمال غربي. لقد وصل إلى الأراضي الجديدة Terre-neuve ثم دخل خليج ديلاوير Delaware, و توغل إلى الشمال حتى وصل إلى خليج آخر كان المستكشف فيرازانو Verrazano قد استكشفه من قبل عام 1524م, و سار في مجرى مائي شاسع صار يحمل اسمه "هودسون Hudson" و وصل حتى الموقع الحالي لمدينة ألباني Albany. كان من الواضح أنها ليست طريق الصين. في المقابل, الهنود الذين قابلهم - و كانوا ينتمون لاتحادية قبائل الإيروكواس Iroquois- أعطوه لمحة عن الترواث الهائلة من الفراء في المنطقة.
بعد هودسون Hudson, اعتاد تُجارٌ هولنديون ارتياد المنطقة. و في عام 1621, تأسست شركة الأراضي الهندية الغربية Compagnie Hollandaise des Indes occidentales. كان لهذه الشركة هدف مزدوج: تشييد المستوطنات في العالم الجديد و في إفريقيا. كان في أمستردام مقر الغرفة Chambre التي لها السلطة الكاملة على هولندا الجديدة New Netherland. في عام 1624, تم افتتاح منصة تجارية في هودسون في حصن أورنج Fort Orange (الذي سيحمل اسم ألباني Albany فيما بعد). و في عام 1626 تأسس حصن أمستردام Fort Ámsterdam في أقصى جزيرة منهاتن Manhattan, و لم يتأخر في حمل أمستردام الجديدة Nieuw Ámsterdam. كان الهولنديون حاضرين أيضا في الأراضي الحالية لنيوجرزي New jersey و وادي كونكتكات Connecticut قرب هارتفورد Hartford.
لقد قامت حكومة أمستردام الجديدة بحماية المستوطنة من خلال تشييد سور، لم يبق منه اليوم سوى ذكرى اسمه من خلال "شارع السور" وول ستريت Wall street. كان المرفأ مفتوحا منذ عام 1638 لكل المواطنين الهولنديين، ما أمَّن له نشاطا كبيرا للتبادلات التجارية و الصيد البحري. كما تم تشييد كنيسة مُستَصلَحة (بروتستانتية). أما الحانات فكان مرتادوها من المقيمين Résidents و البحارة العابرين و المهربين Contrebandiers.
من أجل تزويد المستوطنة بالمؤونة، شجعت شركة الأراضي الهندية الغربية المُدراء Patrons على الاستقرار في وادي هودسون Hudson. و المدراء هم المُلاك العقاريون المالكون لحقوق فيودالية على مساحات شاسعة. و ليكون المرء مديرا Patrón، يكفي أن يجلب على حسابه إلى أمريكا 50 عائلة من المزارعين. هكذا صار النظام العقاري للوادي موسوما بطبع السياسة الهولندية.
كانت هولاندا الجديدة New Netherland تميل إلى التوسع نحو الجنوب, لكنها اصطدمت بعائق. فعند مصب نهر ديلاوير Delaware, تأسست مستوطنة السويد الجديدة New Sweden برؤوس أموال سويدية و هولندية. و في عام 1638 تم تشييد حصن كريستينا Fort Christina تحت إمرة الهولندي بيتر مينوي Peter Minuit الذي تحول إلى خدمة ملكة السويد. شعر الهولندين بالقلق من هذه الدينامية السويدية. و في عام 1655, قام الحاكم الهولندي الجديد, بيتر ستويفسانت Peter Stuyvesant, الرجل ذو الساق الخشبية, بالاستيلاء على حصن كريستينا. هكذا اختفت من الوجود مستوطنة السويد الجديدة.
لكن المستوطنة الهولندية كانت تعاني من عدة نقاط ضعف أبرزها: تسييرها من طرف مسؤولين جشعين و طغاة يقودون المستوطنين بالعصا, غياب المؤسسات التمثيلية أَشعَرَ المستوطنين بعدم الاستقرار و بأنه يتم استغلالهم من طرف شركة الأراضي الهندية الغربية, كما كان الحال بالنسبة للمستوطنين الأوائل لفيرجينيا. بالإضافة إلى ذلك كانت هذه الشركة الهولندية تولي اهتماما ضعيفا بمستوطنة نيو أمستردام Niew Amsterdam, في مقابل اهتمامها المتزايد بالسُكَّر في جزر الأنتيل.
و أخيرا, بدأ القرب من الإنجليز يثير القلق بشكل متزايد, فهم موجودون في الشمال و الجنوب, و تتزايد أعدادهم و أيضا نشاطاتهم. لقد صار الهولنديون في قلب كماشة إنجليزية, و هم يعلمون أن وجودهم مشروط برغبة انجلترا في وجودهم. و ها هي لم تعد راغبة فيهم. في عام 1664, نزل أسطول عسكري إنجليزي صغير عند مصب نهر هودسون. فاستسلم الحاكم الهولندي بيتر ستويفسانت Peter Stuyvesant. هكذا حصل شقيق ملك انجلترا دوق يورك Duc d'York, و الذي سيصير الملك جيمس الثاني, على عقد الامتياز على هذه المساحات الشاسعة و استولى عليها. هكذا صارت أمستردام الجديدة هي يورك الجديدة New York و خلفت السيادة الانجليزية نظيرتها الهولندية.
رابط الجزء التالي:
7- الأسرار الصادمة للمهرطقين "الصاحبيين" الذين أسسوا ولاية بينسلفانيا الأمريكية؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق