الاثنين، 22 يوليو 2024

5- مستوطنة ماريلاند Maryland "أرض مريم" في أمريكا: ملجأ الكاثوليكيين المضطَهَدين

5- مستوطنة ماريلاند Maryland "أرض مريم" في أمريكا: ملجأ الكاثوليكيين المضطَهَدين



و هو الجزء الخامس من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945. 

Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945

للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.

ترجمة هشام زليم.

باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.

صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.

صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.

رابط الجزء 1: لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟ 

رابط الجزء 2 :الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا و ظهور الفلسفة الإستيطانية الإنجليزية لأمريكا و تأسيس فرجينيا.

رابط الجزء 3:  ظروف و ملابسات تطور مستوطنة فيرجينيا الإنجليزية في أمريكا 

رابط الجزء 4:  الحجاج المهاجرون الفارين بدينهم الذين أسسوا مستوطنة "انجلترا الجديدة" في أمريكا


مستوطنات أخرى

كان النموذج الثالث للاستيطان وسطاً بين النموذجين الأول و الثاني. فقد أعطى نموذج مستوطنة "فيرجينيا" الاقتصادي و نموذج مستوطنة "انجلترا الجديدة "الديني" نموذجا ثالثا.

لقد توالت المحاولات المستوحاة تارة من قوة القناعات الدينية, و تارة من دافع البحث عن الربح, و أحيانا من دوافع تجمع كليهما في آن واحد. مع ذلك, ينبغي استحضار عدم نجاح كل المحاولات, رغم أن المؤرخ يميل لعدم الاحتفاظ إلا بالنجاحات و إهمال الإخفاقات.

في المستوطنات المصنفة ضمن النموذج الثالث, منح الملوك الانجليز من تشارلز الأول (حكم من 1625 - 1649)  إلى جورج الثاني (حكم من 1727 إلى 1760), عقود امتياز Chartes de concession, ليس لشركات تجارية التي ولَّى عصر مجدها, أو لأبرشانيات Congrégations و لا للطوائف الدينية التي استمر الحذر منها, و إنما للوردات Lords, أي إلى أسياد كانوا يتصرفون كمُلاك عُموميين للأرض Propriétaires éminents du sol, يملكون سلطات فوضها لهم الملك لتنمية المنطقة, جلب مُهاجرين,  توزيع الملكيات العقارية, تحقيق أرباح و تنظيم الحياة السياسية, و طبعا كل هذا وفق ما تفرضه العادات و الأعراف الإنجليزية. في هذا الإطار, كانت السلطة الملكية تلعب دورا مهما جدا بطريقة غير مباشرة، بينما تراجعت المبادرة الخاصة لصالح نظيرتها العمومية. و قد بدا هذا التطور بشكل أوضح غداة الثورة الكرومويلية Révolution Cromwellienne (في انجلترا ما بين 1642 و 1651), في الوقت الذي كانت تتعزز في سلطة الملك في إنجلترا. كانت مستوطنات النموذج الثالث تمثل مرحلة النضج Maturité. لقد استوعبت انجلترا أنها في طور تأسيس امبراطورية و كانت تتأكد من تحكمها في زمام الأمور.

مستوطنة ماريلاند Maryland

كان هناك استثناء لهذا النموذج, أو بالأحرى نموذج رائد: يتعلق الأمر بمستوطنة ماريلاند Maryland. يعود تأسيسها إلى عصر الملك الانجليزي شارلز الأول (حكم من 1625 إلى 1649). حينها أراد جورج كالفيرت George Calvert, لورد بالتيمور Lord Baltimore, تأسيس إقطاعية Seigneurerie في الضفة الأخرى من الأطلسي على غرار أقران له كانوا يجربون حظهم في اسكتلندا الجديدة Nouvelle Ecosse و الأرض الجديدة Terre-Neuve و  جزر الأنتيل. من الإشارات الواضحة على اهتمام كالفيرت Calvert بأمريكا، مشاركته في تسيير أعمال شركة فيرجينيا و في مجلس انجلترا الجديدة. لكنه توفي عام 1632 قبل أن يحقق حلمه. حمل ابنه سيسيليوس Cecilius  المشعل من بعده و حصل على عقد لإنشاء مستوطنة على طول خليج شيسابيك Chesapeake. لم يتم ترسيم الحدود بشكل واضح و سيتم تحديدها فيما بعد. أطلق سيسيليوس كالفرت Cecilius Calvert على هذه المستوطنة اسم ماريلاند Maryland "أرض مريم". التباس لطيف في التسمية! فماري، مريم، هو اسم الملكة الانجليزية، و أيضا و خصوصا، هو اسم العذراء مريم والدة يسوع. لقد كانت عائلة كالفرت Calvert في واقع الأمر كاثوليكية. في وقت كانت فيه البابوية (الكاثوليكية) غير مرحب بها البتة في انجلترا، و كان فيه رجل الدين لود Laud حريصا على فرض احترام الأورتودكسية الإنجليكانية، أعاد كالفيرت إلى الواجهة مشروع جعل ماريلاند ملاذا للكاثوليكيين، أي ماساشوسيتس أخرى مخصصة لشريحة أخرى من "الزبناء".


كان هذا المشروع نجاحا و إخفاقا في نفس الوقت . لقد استفادت ماريلاند من مساعدة المستوطنات المجاورة, و صارت بفضل مناخها و أرضها مُنتِجا بارزا للتبغ. لقد أنجز إذن آل كالفيرت صفقة رائعة. لقد كانوا مُلاكَ أراضٍ عموميةلآ، أسيادَ ضيعات منحوها لأصدقاء و زبناء، بالإضافة لتحصيلهم الإيجار الذي يدفعه لهم المستوطنون. لكن المشروع فشل على الصعيد الديني. فماريلاند لم تجذب آلاف الكاثوليكيين. بل بشكل سريع حدث العكس . فقد كان هناك الكثير من البروتستانت و الانجليكان و خصوصا المنشقين Dissidents. فكان على لورد بالتيمور Lord Baltimore (الكاثوليكي) العمل بحذر، خصوصا و أن التطهيريين كانت لهم السلطة في الحاضرة في سنوات الأربعينات (1640). و ما من شك أن توزيع القوى الدينية هو ما يفسر عدم السماح لليسوعيين عام 1641 بامتلاك أراضي في ماريلاند. لكن في عام 1649, كفل ميثاق التسامح Acte de tolérance حرية الممارسة الدينية لكل المسيحيين شريطة أن يقبلوا عقيدة التثليث. بعد شد و جذب، صارت هذه هي القاعدة الذهبية لماريلاند. 

رابط الجزء السادس:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق