السبت، 27 يوليو 2024

7- الأسرار الصادمة للمهرطقين "الصاحبيين" الذين أسسوا ولاية بينسلفانيا الأمريكية؟

7- الأسرار الصادمة للمهرطقين "الصاحبيين" الذين أسسوا ولاية بينسلفانيا الأمريكية؟


و هو الجزء السابع من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945. 

Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945

للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.

ترجمة هشام زليم.

باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.

صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.

صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.

رابط الجزء 1: لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟ 

رابط الجزء 2 :الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا و ظهور الفلسفة الإستيطانية الإنجليزية لأمريكا و تأسيس فرجينيا.

رابط الجزء 3:  ظروف و ملابسات تطور مستوطنة فيرجينيا الإنجليزية في أمريكا 

رابط الجزء 4:  الحجاج المهاجرون الفارين بدينهم الذين أسسوا مستوطنة "انجلترا الجديدة" في أمريكا

رابط الجزء 5: مستوطنة ماريلاند Maryland "أرض مريم" في أمريكا: ملجأ الكاثوليكيين المضطَهَدين

رابط الجزء 6:  نيويورك New York : المدينة الأمريكية التي أسسها الهولنديون و استولى عليها الإنجليز

تُشكل بينسلفانيا Pennsylvannie مثالا آخر لمستوطنة في أمريكا الشمالية شيَّدها "مالك الأرض".

كان ويليام بين William Penn رجلا خارج المألوف. بدايةً من أصول عائلته. فوالده كان أميرالا في انجلترا رغم عدم انتمائه للطبقة النبيلة. و قد لعب دورا طلائعيا خلال ديكتاتورية Cromwell كرومويل (ما بين 1653 و 1658), لكنهُ نُكِّبَ بسبب فشله في تحقيق فتوحات بحرية في جزر الأنتيل, مُهدِراً بذلك فرصة ثمينة لنيل تقدير الملك تشارلز الثاني و الوصول إلى مناصب السلطة!  درس نجله ويليام في أوكسفورد و تخصص في القانون ثم سافر إلى الخارج. 

قد تبدو سيرة ويليام بين William Penn عادية حتى نعرف أنه كان عضوا في "جمعية الأصحاب الدينية" Religious Society of Friends, باختصار كان "صاحبياً" Quaker. حسب معتقد هذه الطائفة المقتدية بجورج فوكس George Fox, كل الناس سواسية لأنهم يملكون جميعا جزءا من الشرارة الإلاهية. الرؤى و الرجفات (To quake بالانجليزية تعني رَجَفَ) هي من عند الرب. بينما يقود النور الداخلي "الصاحبيين" Quakers الذين يرفضون أداء القسم و حمل السلاح, و لتذهب المؤسسات و المجموعات المنظَمة إلى الجحيم! الإنسان بمفرده يبحث عن الحقيقة. لا مكان للقساوسة, و لا للتعميد و لا للعشاء الأخير, و حدها الكتابات المقدسة و الإلهام المستوحى منها. لقد كان الصاحبيون Quakers ينتمون لأكثر التيارات التطهيرية Puritanisme راديكالية, و لا حاجة للتشديد على امتعاض المنشقين الآخرين منهم, فما بالك بالإنجليكان. 

ويليام بين

تعرض الصاحبيون Quakers للاضطهاد في انجلترا, حيث سُجن منهم 3 آلاف شخص خلال السنتين الأوليين لحكم الملك تشارلز الثاني (حكم من 1660 إلى 1685). رغم ذلك استمروا في الدعوة و تحويل الناس لمذهبهم. و هاهم في أمريكا الشمالية التي اعتُبِروا فيها جماعة خارجة عن القانون مع استثناء في جزيرة رود Rhode Island. هذا المنع لم يطفئ شعلة حماسهم لأن صاحبيي Quakers القرن السابع عشر كانت عندهم رغبة كبيرة لنيل الشهادة.

كان ويليام بين William Penn واحدا من "الصاحبيين"  Quakers مع احتفاظه بصداقة دوق يورك Duc d'York الذي كان كاثوليكيا و نسجه علاقات طيبة مع الوسط الإنجليكاني. لم يكن يطمح فقط للحصول على ملاذ للصاحبيين Quakers, و إنما على مكان يمكن أن يولَد و يتطور فيه مجتمع مُستوحى من الصاحبية Quakerisme. كان بين Penn يرنو لتطبيق أفكاره و قيادة "تجربة مقدسة" حسب تعبيره. و ها هي الفرصة تتاح له عام 1681.


كان دوق يورك Duc d'York مدينا للأميرال ب 16 ألف جنيه استرليني, و لتسديد هذا الدَين, منح الدوق لويليام بين William Penn جزءا من أراضي في ملكيته تقع تقريبا بين خطي عرض 40 و 43 درجة. مع بعض التحفظات القليلة, صارت بينسيلفانيا Pennsylvanie (و تعني غابة بين Pen) ملكية ويليام بين  William Penn.لقد صار اللورد المالك لها. في الحين, قام بنشر منشور بالإنجليزية, الفرنسية, الألمانية و الهولندية سماه "سرديات حول إقليم بنسيلفانيا" Récits sur la province de Pennsylvanie. وجه من خلاله الدعوة لكل أصحاب المهن الراغبين في العمل, و وعد الجميع بالحرية الدينية كما تعهد بمنح الأراضي أو إيجارها. و جعل من العاصمة فيلاديلفيا Philadelphie "مدينة الحب الأخوي" مصداقا لمعناها باليونانية, متبعا في تشييدها خطة الشوارع المتعامدة, كسابقة في أمريكا. كانت فيلاديلفيا في نمو مستمر, حيث ضمت 357 بيتا سنتان بعد تأسيسها, بينما بلغ عدد سكان بينسيلفانيا 9 آلاف نسمة عام 1685. عبر صاحبيون Quakers المحيط الأطلسي, و لكن أيضا تقويون Piétistes من وادي الرين (في ألمانيا) حملوا معهم صبغة جرمانية للمستوطنة. كما التحق أنجليز و إيرلنديون و غاليون (من بلاد الغال) بالهولنديين و السويديين المستقرين هناك قبل قدوم ويليام بين.

مدن ولاية بينسلفانيا
تدين بنسيلفانيا في جزء كبير من نجاحها للتسامح الديني. من هذه الناحية, لا شيء يشبه ما كان يجري في مناطق أخرى, مثل ماساشوسيت Massachusetts أو فيرجينيا Virginie. و المذاهب التي لا حصر لها المستقرة حول فيلادلفيا  Philadelphie هي شاهدة على ذلك. كما أن النجاح الاقتصادي هو من الأمور البارزة أيضا. فمنذ النشأة تموقعت بنسيلفانيا في ملتقى طرق بين الساحل الأطلسي و الغرب الأمريكي, و بين الشمال و الجنوب. و نغامر هنا باستباق الأحداث لنشير أنها كانت مزدهرة من خلال فلاحتها و حرفها و تجارتها, و أنه حتى السنوات الأولى للقرن التاسع عشر, كانت فيلادلفيا متفوقة على جميع المدن الامريكية الأخرى. 

في المقابل كانت الحياة السياسية مضطربة فيها. فغداة سقوط الملك جاك الثاني (جيمس الثاني), صارت الصداقة بين ويليام بين و الملك الكاثوليكي بمثابة عائق. و سرعان ما عاتب المستوطنون اللورد المالك بالاستئثار بمقاليد الحكم. في الأخير, وجد الصاحبيون Quakers أنفسهم في مأزق عندما كان عليهم التطبيق الحرفي لمبادئهم. فكيف يمكنهم ممارسة السلطة دون أداء القسم؟ كيف يدافعون عن أنفسهم دون حمل السلاح؟ لقد احتاجت "التجربة المقدسة" لتوافقات و لم تمنع نشوب توثرات مرتبطة بالحياة السياسية. 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق