مورسكيو مملكة مُرسية و التقية
هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس
كاتبة المقال فرنثيسكا أموروث فيدال |
مقال لمديرة أرشيف بلدة أرشينة Archena بمورسية فرنثيسكا أموروث فيدال Francisca Amoros Vidal. صحيفة لا فيغا La Vega. عدد الاربعاء 20 نونبر 1996.
بعد فتح قشتالة لمملكة مُرسية (عام 1243), لم يتغير وضع المسلمين إلا بشكل بطيء للغاية بفضل الشروط المُلائمة التي تضمنتها معاهدة التسليم. ظل التواجد القشتالي في ازدياد بطيء طيلة القرن الرابع عشر, و قد قُدرَ عددهم بحوالي 3 آلاف مستوطن قدموا من كل حدب و صوب بغرض الدفاع عن الأرض و استكشاف موادرها. رغم أن الغالبية العظمى من المُدجنين (المسلمون الذين كانوا يعيشون في الأراضي المُستردَة من طرف المسيحيين و استمروا في أداء شعائر دينهم) بقوا في أراضيهم, إلا أن البعض هاجر نحو غرناطة و شمال إفريقيا بسبب تصاعد الانتهاكات و فقدان الثقة الذي بدأ يشوب علاقتهم بالمستوطنين المسيحيين. في بعض الحالات نزل بعض سكان مرسية المدجنين للعيش في منطقة وادي رقوطي Valle de Ricoteالتابعة لطائفة سانتياغو و التي كان يعمرها بشكل شبه حصري إخوان لهم في العرق و الدين. أولى الجماعات (تجمعات المسلمين) التي تأسست في مملكة مُرسية كانت في بلدات رقوطي, أبران, أوخوس, أوليا, و فيلانويفا. قلة السكان المسيحيين و ضرورة استمرار الزراعات كانت عوامل حاسمة في المعاملة الحسنة التي حظي بها المدجنون.
كان في البداية قبول الآخر و التسامح أساس التعامل مع المدجنين, لكن الأمر كان في تغير مستمر حتى وصل خط النهاية خلال حكم الملوك الكاثوليك. وِفق معيار هؤلاء الملوك, على الدولة باعتبارها ممثلة سياسية و قانونية للأمة, واجب اتخاذ الاجراءات و حفظ الوحدة الدينية للساكنة. و للقيام بهذه المهمة تحديدا, تأسست محاكم التفتيش التي طردت اليهود الرافضين للتعميد في نفس سنة اكتشاف أمريكا (1492), قبل أن تطرد عام 1502 من رفض من المسلمين التعميد. و اعتبارا من هذا التاريخ لا يمكننا الحديث عن مدجنين في إسبانيا, و إنما عن مورسكيين أو مسلمين مُعمدين.
كان عدد أفراد الجماعات المرسية قبيل الطرد, حوالي 3500 شخصا. لا يُعرفُ عدد من غادر منهم شبه الجزيرة الإيبيرية, لكن من المحتمل أن الجزء الأكبر منهم بقي في الأراضي المرسية تحت الوضع الجديد كمورسكي. كل سكان بلدة فورتونا المسلمين تحولوا إلى مسيحيين عام 1501. إحصاءٌ أجريَ عام 1503 أحصى 22 أسرة في بلدة أرشينة, أي حوالي 100 نسمة, كلهم من دون شك مورسكيون. أما وادي رقوطي فكان يقطنه حوالي 950 شخصا.
بعد قرار الطرد, لم يتبقى للمورسكيين من خيار سوى إضمار عقائدهم, حيث كان عدد المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية بإخلاص قليلا جدا. فالإسلام يسمح للمؤمنين بالامتناع عن تأدية تعاليم دينية إذا خشوا التهلكة و تعريض حياتهم للخطر. من خلال التقية يُوهم المسلم باعتناق الدين الذي يُرادُ فرضه عليه, و في نفس الوقت يستمر الفقهاء سرا في تأدية وظائفهم. هكذا كان الكتمان أول قاعدة على المورسكيين احترامها, فإظهار اعتناق الإسلام أو انتقاد المسيحيين كان يقود في غالب الأحيان إلى محاكم التفتيش.
حافظ المورسكيون على التعاليم الدينية التي تلائم وضعهم. فإذا كان من الصعب جدا الوضوء أو الحج إلى مكة, كان بإمكانهم أداء الصلوات القرآنية و الحفاظ على عقيدتهم. في الغالب, كانت العبادات المرتبطة بالطعام هي التي تفضح سرهم. لقد حرصوا أشد الحرص على التزام تحريم أكل لحم الخنزير, و في بعض الحالات كانوا يشترونه ليوهموا غيرهم بتناوله, بينما كانوا يقدمونه طعاما لكلب منزلي. أما رمضان, الذي كانوا أقل تشددا فيه إلى جانب تفادي شرب الكحول, فكانوا يصومونه حسب المستطاع. كانوا في العادة يعلمون الأطفال المسيحية لكونها إلزامية, و لا يعلمونهم المعتقدات المسلمة إلا بعد بلوغهم السن اللازمة التي يكونون فيها قادرين على كتمان السر.
و تكشف محاضر محاكم التفتيش عن احتفائهم في حدود المستطاع بيوم الجمعة حيث كانوا يغيرون ثيابهم المنزلية ويرتدون أفضل ملابسهم. كما كانوا ينظمون اجتماعات تدعى "السمُرة" يغنون خلالها و يرقصون و يأكلون الكسكس (كعك من الدقيق و العسل). كما واصلوا في حدود المستطاع الاحتفال بالأعياد المسلمة, و كانوا أحيانا يحتفلون بالأعياد المسيحية على الطريقة المسلمة. كان يحصل هذا الأمر خلال عيد سان خوان المهم للغاية في بلدة أرشينة التابعة لطائفة سان خوان الأورشليمي حيث كانوا يقومون بالاغتسال الطقسي Bano Ritual.
كان رفض المورسكيين للعبادات الدينية المفروضة عليهم يظهر جليا خلال المناسبات الحياتية الكبرى: الولادة, الزواج, الدفن. بما أن الآباء المورسكيين ما كان باستطاعتهم رفض تعميد أبنائهم, فإنهم كانوا يسارعون عند العودة من الكنيسة لغسل رأس الرضيع بعناية و فركه بلباب الخبز لمحو آثار التعميد. و عند دفن موتاهم, كان المورسكيون يغسلون الميت بماء الرند و إكليل الجبل و الزهر, ثم يلبسونه أفضل ثيابه و يقومون بطقوسهم قبل أن يستدعوا القسيس. و بخصوص الاعتراف, كان الكُهان المعَرِّفون يؤدون وظيفتهم بسرعة حيث لم يكونوا يقفون لهم على خطيئة ما. و كان مورسكيو بعض البلدات يتركون كُهان بلداتهم للذهاب للاعتراف في كنيسة بلدة مجاورة كان كاهنها أصما.
بصفة عامة, كان المورسكيون يشعرون بتعرضهم للغدر, و لم ينسوا أبدا أن الملوك الكاثوليك تعهدوا في معاهدة تسليم غرناطة بالتسامح مع عقيدتهم إلى الأبد. طيلة فترة استيعابهم التدريجي في صفوف المسيحيين و حتى تاريخ طردهم النهائي, كان المورسكيون يشعرون بقربهم أكثر من رفاقهم في العقيدة أكثر من شعورهم بالقرب من أبناء وطنهم (و هذا من دون شك مصطلح حديث), بحيث أنهم تحسروا على النصر المسيحي في معركة ليبانتو, و في المقابل كانوا يحتفلون بانتصارات الأتراك و الجزائريين.
صلة الرحم بالأندلس.
بعد قرار الطرد, لم يتبقى للمورسكيين من خيار سوى إضمار عقائدهم, حيث كان عدد المسلمين الذين اعتنقوا المسيحية بإخلاص قليلا جدا. فالإسلام يسمح للمؤمنين بالامتناع عن تأدية تعاليم دينية إذا خشوا التهلكة و تعريض حياتهم للخطر. من خلال التقية يُوهم المسلم باعتناق الدين الذي يُرادُ فرضه عليه, و في نفس الوقت يستمر الفقهاء سرا في تأدية وظائفهم. هكذا كان الكتمان أول قاعدة على المورسكيين احترامها, فإظهار اعتناق الإسلام أو انتقاد المسيحيين كان يقود في غالب الأحيان إلى محاكم التفتيش.
حافظ المورسكيون على التعاليم الدينية التي تلائم وضعهم. فإذا كان من الصعب جدا الوضوء أو الحج إلى مكة, كان بإمكانهم أداء الصلوات القرآنية و الحفاظ على عقيدتهم. في الغالب, كانت العبادات المرتبطة بالطعام هي التي تفضح سرهم. لقد حرصوا أشد الحرص على التزام تحريم أكل لحم الخنزير, و في بعض الحالات كانوا يشترونه ليوهموا غيرهم بتناوله, بينما كانوا يقدمونه طعاما لكلب منزلي. أما رمضان, الذي كانوا أقل تشددا فيه إلى جانب تفادي شرب الكحول, فكانوا يصومونه حسب المستطاع. كانوا في العادة يعلمون الأطفال المسيحية لكونها إلزامية, و لا يعلمونهم المعتقدات المسلمة إلا بعد بلوغهم السن اللازمة التي يكونون فيها قادرين على كتمان السر.
و تكشف محاضر محاكم التفتيش عن احتفائهم في حدود المستطاع بيوم الجمعة حيث كانوا يغيرون ثيابهم المنزلية ويرتدون أفضل ملابسهم. كما كانوا ينظمون اجتماعات تدعى "السمُرة" يغنون خلالها و يرقصون و يأكلون الكسكس (كعك من الدقيق و العسل). كما واصلوا في حدود المستطاع الاحتفال بالأعياد المسلمة, و كانوا أحيانا يحتفلون بالأعياد المسيحية على الطريقة المسلمة. كان يحصل هذا الأمر خلال عيد سان خوان المهم للغاية في بلدة أرشينة التابعة لطائفة سان خوان الأورشليمي حيث كانوا يقومون بالاغتسال الطقسي Bano Ritual.
كان رفض المورسكيين للعبادات الدينية المفروضة عليهم يظهر جليا خلال المناسبات الحياتية الكبرى: الولادة, الزواج, الدفن. بما أن الآباء المورسكيين ما كان باستطاعتهم رفض تعميد أبنائهم, فإنهم كانوا يسارعون عند العودة من الكنيسة لغسل رأس الرضيع بعناية و فركه بلباب الخبز لمحو آثار التعميد. و عند دفن موتاهم, كان المورسكيون يغسلون الميت بماء الرند و إكليل الجبل و الزهر, ثم يلبسونه أفضل ثيابه و يقومون بطقوسهم قبل أن يستدعوا القسيس. و بخصوص الاعتراف, كان الكُهان المعَرِّفون يؤدون وظيفتهم بسرعة حيث لم يكونوا يقفون لهم على خطيئة ما. و كان مورسكيو بعض البلدات يتركون كُهان بلداتهم للذهاب للاعتراف في كنيسة بلدة مجاورة كان كاهنها أصما.
بصفة عامة, كان المورسكيون يشعرون بتعرضهم للغدر, و لم ينسوا أبدا أن الملوك الكاثوليك تعهدوا في معاهدة تسليم غرناطة بالتسامح مع عقيدتهم إلى الأبد. طيلة فترة استيعابهم التدريجي في صفوف المسيحيين و حتى تاريخ طردهم النهائي, كان المورسكيون يشعرون بقربهم أكثر من رفاقهم في العقيدة أكثر من شعورهم بالقرب من أبناء وطنهم (و هذا من دون شك مصطلح حديث), بحيث أنهم تحسروا على النصر المسيحي في معركة ليبانتو, و في المقابل كانوا يحتفلون بانتصارات الأتراك و الجزائريين.
صلة الرحم بالأندلس.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
ردحذفكلام عميق جداً يغير تفكيرك في واقع الأندلس