الاثنين، 1 يوليو 2024

1- لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟

 

لماذا تأخر الإنجليز في غزو أمريكا و لماذا تركوا المبادرة للبرتغال, إسبانيا و فرنسا؟ 


و هو الجزء الأول من ترجمة كتاب: "الأمريكيون: ميلاد و ازدهار الولايات المتحدة. من 1607 إلى 1945. 

Les Américains: Naissance et essor des Etats-Unis 1607-1945

للمؤرخ الفرنسي أندري كاسبي André Kaspi. تاريخ صدور الكتاب: فاتح يناير 1986.


ترجمة هشام زليم.

باحث في تاريخ المغرب, الأندلس و إسبانيا.

صاحب مدونة صلة الرحم بالأندلس.

صاحب قناة معلومات مغربية أندلسية على يوتيوب.


تعريف بالكاتب "أندري كاسبي André Kaspi"

"هو مؤرخ فرنسي ولد عام 1937. عمل أستاذا ما بين 1988 و 2006 في جامعة السوربون, حيث درَّس تاريخ الولايات المتحدة في جامعة باريس III  . كما أَطَّرَ ندوات و أشرف على أبحاث حول تاريخ العلاقات الفرنسية - الأمريكية في معهد الدراسات السياسية في باريس. و له العشرات من المؤلفات حول تاريخ و حاضر الولايات المتحدة الأمريكية.

أندري كاسبي André Kaspi

و الآن مع ترجمة محتوى الكتاب:

النبذة عن الكتاب الواردة في الغلاف الخلفي:

خلال السنوات الأولى من القرن السابع عشر, استقرت عُصبة من الإنجليز في فرجينيا و انجلترا الجديدة New Engalnd. في عام 1945, صارت الولايات المتحدة إحدى القوتين العظيمتين. كيف استطاعت الأمة الامريكية الانبعاث من رحم مستوطنات بئيسة؟ لماذا عبر عشرات الملايين من الرجال و النساء المحيط الاطلسي للهجرة إلى أمريكا؟ هل يُخفي تصنيع القرن التاسع عشر خلف نجاحاته الباهرة, حقائقا مظلمة و دراماتيكية؟ هل كان للأمريكيين دور "حاسم" في الحربين العالميتين للقرن العشرين؟ هل أنشأ فرانكلين روزفيلت, وسط كساد لا سابق له, مجتمعا أكثر عدلا و أكثر إنسانية؟

العديد من الأسئلة يطرحها المعاصرون و نحن معهم أيضا. إعلان الاستقلال, "وِعاءُ الصَهر" Melting pot, تمثال الحرية, الحُلم الأمريكي, نَصبُ الجنود الأمريكيين للعلم الأمريكي على جزيرة إيو جيما Iwo Jima, الإضرابات الدامية, الدُورُ الحقيرة Taudis في نيويورك, منظمة "كو كلوكس كلان" Ku Klux Klan, حظر المشروبات الكحولية -المترجم ه.ز: عام 1919-..., هذه كلها صور قوية تُخفي تاريخا معقدا و فاتنا لم ينته المؤرخون الأمريكيون من كتابته بعد.

مقدمة

لا يسترعي تاريخ الولايات المتحدة أي اهتمام في فرنسا. يبقى, في أحسن الأحوال,  مجرد فضول تُغذيه كُتبٌ متفاوتة القيمة, و مجالا هامشيا في البحث التاريخي الذي يُعد إحدى الشُعَب الأساسية الفقيرة في الجامعة. مع ذلك لستُ متشائما. فالعقليات تتغيرُ , وإن كان ذلك يتطلب الصبر. من يدري؟ ربما سيُظهر جيل جديد مَلَكَاتهِ و مواهبه. و من هذا المنظور ألَّفتُ هذا الكتاب. و هو لا يتطلع إلا لأهداف محدودة تتمثلُ في الجواب على أسئلة من المشروع طرحها, و استهلالَ تاريخٍ مجهولٍ رغم كونه محوريا و استنهاضَ الهمم. فإذا نلتُ مرادي, و لو جزئيا, فلن أكون حينها خيبتُ أملَ أولئك الذين غمروني بتشجيعاتهم و لم يتوقفوا عن الثقة بي: أقاربي, أصدقائي و طلابي الذين أود شكرهم بحرارة.


الفصل الأول: ميلاد الولايات المتحدة (1607-1815)

1) تأسيس المستوطنات الإنجليزية في أمريكا الشمالية.

يبدأ تاريخ الولايات المتحدة من إنجلترا القرن السابع عشر. ليس لأن الإنجليز هم من اكتشفوا أمريكا. بل بالعكس. فقد تركوا الأمم الأوربية الأخرى تسبقهم, و كأنهم كانوا يفتقرون للإمكانيات و للرغبة في المشاركة في المغامرة الكبرى العابرة للأطلسي, قبل أن يقرروا في الأربعين سنة الأولى من القرن السابع عشر القيام بالخطوات الأولى. بل و أسسوا مستوطنات استقر فيها حوالي 40 ألف شخص, أي حوالي 1 بالمئة من مجموع الساكنة الإنجليزية, و وضعوا أسس امبراطورية أمريكية. في المجموع, 13 مستوطنة على الأراضي التي ستصبح أراضي الولايات المتحدة, كل واحدة منها تأسست في ظروف خاصة و فق طباعها الخاصة, لكن كلها متحدة بشكل أو بآخر برابط مشترك بالحاضرة البريطانية.

                 أ) الاستيطان الإنجليزي في فرجينيا

يعود تأسيس فرجينيا إلى عام 1607م. و يبدو أن الإنجليز قد أطالوا التردد, و تركوا في البداية المبادرة للبرتغاليين و الإسبان و الفرنسيين. 

* البرتغاليون و الإسبان:

في القرن الخامس عشر, قادت البرتغال الرحلات الاستكشافية الكبرى. لقد عبر ملاحوها السواحل الإفريقية, و تجاوزوا خط الاستواء ثم رأس الرجاء الصالح. هكذا صار المحيط الهندي مفتوحا أمامهم. كانوا يبحثون في المقام الأول عن طريق إلى الهند للحصول على التوابل, و بشكل ثانوي عن مناجم الذهب و نشر المسيحية. 

الإسبان, القادمون الجدد بحثا عن الكنز, أعطوا دعمهم عام 1492 لكريستوف كولمبس الذي كان يزعم الوصول إلى الهند, ليس عن طريق الشرق, و إنما من الغرب لأنه كان يعلم أن الأرض دائرية. لقد اكتشف هذا الجنوي أمريكا دون أن يعلم, على الأقل جزر الأنتيل و جزءا من أمريكا الجنوبية. لقد أطلقَ كولمبس اسم "الهنود" على السكان الأصليين الذين التقى بهم. و هذا خطأ آخر يجد تبريره في الهدف الرئيسي من البعثات الاستكشافية. الذين جاؤوا بعده, و بمجرد ما عرفوا أن اليابان ( و كانت تسمى حينها سيبانغو Cipango), الصين ( و كانت تسمى آنذاك كاتاي Cathay) و بالطبع الهند تقع في الغرب, حتى استماتوا في البحث عن ممر في الشمال الغربي, أي عن ممر بحري يربط المحيط الهادئ بالأطلسي.

رحلات كولمبس الاستكشافية لأمريكا

لقد كان البرتغاليون و الإسبان في حاجة للكثير من الوقت لتثمين ما يزخر به باطن الأرض الأمريكية من معادن نفيسة من أجل تأسيس امبراطورية استعمارية فيما وراء الأطلسي. استولى البرتغاليون على البرازيل, و حاز الإسبان المكسيك ثم باقي أمريكا الوسطى و أمريكا الجنوبية. أما شمال القارة فلم يُثر اهتمام الإسبان رغم أن بعض بحارتهم قاموا بحملات استطلاعية بحثا عن الذهب و الفضة و أيضا عن "ينبوع الشباب" Fontaine de Jouvence.

أسطورة البحث عن ينبوع الشباب ارتبطت بالمستكشف الإسباني خوان بونسي دي 
ليون. الصورة لينبوع الشباب كما تصوره الرسام الألماني لوكاس كراناخ عام 1546.

في عام 1513 وصل الإسباني خوان بونسي دي ليون Juan Ponce de León إلى فلوريدا التي حسبها جزيرةً. ما بين 1539 و 1543 اكتشف مواطنه إرناندو دي سوطو  Hernando de Soto أنهارا مثل سافانا Savannah, ألاباما Alabama, نهر ميسيسيبي Mississippi العظيم, أركانساس Arkansas. في نفس الوقت, انطلق الإسباني الآخر فرانسيسكو فاسكيث دي كورونادو Francisco Vásquez de Coronado من المكسيك و عَبَرَ الوادي الكبير Rio Grande و جال في أريزونا Arizona, تكساس Texas و كنساس Kansas. لكن الجوهر غير موجود. أين هو الذهب الذي سيُبدد الشكوك؟ أين هم ملايين المستوطنين الذين سيجعلون عملية الاستحواذ ممكنة؟ لماذا توسيع امبراطورية بهذه الشساعة؟ لقد استنتج الإسبان أن أمريكا الشمالية ليست إلدورادو Eldorado آخر. هكذا قاموا بتشييد حصن في سان أوغستين Saint Augustine عام 1565 على الساحل الشرقي لفلوريدا حتى يكون سدا منيعا للدفاع عن المكسيك. كما تم إرسال بعثات كاثوليكية لنشر المسيحية بين السكان الأصليين في كارولينا الجنوبية و حول خليج شيسابيك Chesapeake. و كان لسان حال الإسبان: فليُجرب الآخرون حظهم في هذه المنطقة الشاسعة التي تبدو عدوانية و دون أهمية اقتصادية!

رحلات خوان بونسي دي ليون الاستكشافية.


الفرنسيون:

كان الفرنسيون هم أول هؤلاء "الآخرين". لم يكن ملك فرنسا يعطي أدنى قيمة للمرسوم البابوي Inter Coetera لعام 1493 و الذي أصدره البابا ألكسندر السادس, و لا لمعاهدة توردسياس Tordesillas لعام 1494. لم يكن يعترف بتقاسم العالم المستكشف حديثا الذي أقره الإسبان و البرتغاليون فيما بينهما. لم يتردد الملك الفرنسي فرانسوا الأول في إرسال بَحار فلورنسي هو جيوفاني دا فيرازانو Giovanni da Verrazano نحو العالم الجديد, الذي أُطلق عليه اسم أمريكا استحضارا لذكرى الجغرافي و البحار أمريكو فيسبوتشي Amerigo Vespucci. مهمته كانت: اكتشاف ممر عبر الغرب إلى كاتاي Cathay (الصين). أقلع فيرازانو في يناير 1524 من على متن  لادوفين La Dauphine و هي سفينة شراعية من ثلاث سواري و تزن 100 طن, و على متنها 50 من رجال البحرية و مؤونة ل8 أشهر. يوم السابع من مارس, أبصرت البعثةُ البَرَ على خط العرض 34 درجة. ساد الحماس و التفاؤل. هكذا شرَّف فيرازانو سيده و وطنه بالتبني بتسميته للقارة "فرانسيسكا" Francesca (نسبة للملك الفرنسي فرانسوا). ثم جال الساحل متجها نحو الشمال. يوم 17 أبريل, وصل إلى خليج نيويورك الذي كان يعتقد أنه سيقوده إلى الصين. لكن سرعان ما عرف خطأه و اكتفى بتسمية الأرض التي استكشفها في مدخل الخليج بأنقلامة الجديدة La Nouvelle-Angoulême و هي المنطقة التي ستقوم فوقها نيويورك فيما بعد. مع ذلك أصيب بخيبة أمل و عاد أدراجه حيث رسى مركبه في مرفأ دييب Dieppe  شمال فرنسا يوم 8 يوليوز 1524. 


بعد عشر سنوات و تحديدا عام 1537, عاد الفرنسيون ليجربوا حظهم مرة أخرى. كان قائد هذه البعثة يُدعى جاك كاغتيي Jacques Cartier و قد انطلق بحثا عن الذهب و الماس و وصل إلى جزيرة الأرض الجديدة Terre-neuve (في كندا اليوم) و إلى مصب نهر سان لوران Saint-Laurent. في عام 1535 قام برحلة ثانية. هذه المرة تجرأ كارتيي و توغل في نهر سان لوران و أسس مدينة كيبك Québec. و أوغل أكثر حتى بلغ المنطقة التي ستتأسس عليها موريال Montréal. أما ألماس كندا الذي جلبه معه فلم يكن سوى أحجار بيريت المعروف بالذهب الكاذب, لكن المهم هو أن كارتيي وضع الأسس لوجود فرنسي ستصير له أبعاد كبرى في القرن السابع عشر. أما بخصوص البعثة الفرنسية إلى فلوريدا ما بين 1562 و 1565 فقد فشلت بسبب قربها من مناطق سيطرة الإسبان.

رحلات كارتيي الاستكشافية إلى كندا


-نهاية الجزء الأول. في الجزء الثاني سنتعرف على الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا.

رابط الجزء الثاني: الخطوات الإنجليزية الأولى لغزو أمريكا و ظهور الفلسفة الإستيطانية الإنجليزية لأمريكا و تأسيس فرجينيا.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق