الاثنين، 19 مارس 2018

"الخليفة و الشاعر": رحلة الخليفة السلطاني المغربي إلى غرناطة عام 1932 و حضوره تكريم ابن الأحمر مؤسس مملكة غرناطة




هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 
الصورة للخليفة السلطاني المغربي أي نائب السلطان على شمال المغرب في غرناطة خلال إزالة الستار عن تذكار تكريم ابن الأحمر مؤسس الحمراء بمناسبة مرور ألف عام على ميلاده

في ثلاثينيات القرن العشرين كان شمال المغرب و صحراءه خاضعين للاستعمار الإسباني بينما كان وسطه خاضعا للاستعمار الفرنسي. كانت العلاقات المغربية الإسبانية آنذاك تعيش مرحلة هدوء نسبي بعد  أن وضعت حرب الريف أوزارها عام 1926م بإخضاع الإسبان , و بمساعدة من فرنسا, لشمال المغرب نهائيا. في هذه الظروف ظهرت بعض محاولات تقريب الهوة بين المغرب و إسبانيا على المستويين السياسي و الثقافي خصوصا بعد سقوط الملكية في إسبانياعام 1931 و إعلان قيام الجمهورية.  



كان قصر الحمراء في يونيو من سنة 1932م شاهدا على لقاء تاريخي. فقد كان الخليفة السلطاني أي نائب السلطان في شمال المغرب مولاي الحسن بن المهدي, ذو العشرين ربيعا, في زيارة رسمية لإسبانيا بدأها  من إشبيلية يوم 22 ماي ثم عرَّجَ على مدريد حيث استُقبلَ من طرف الرئيس الإسباني نسيتو القلعي الزموري Niceto Alcala Zamora, ثم شد الرحال إلى قرطبة قبل أن يصل يوم 28 ماي 1932 إلى غرناطة في زيارة خاصة للوقوف على آثار المسلمين بها و قد نزل هو وحاشيته بفندق بلاص Hotel Palaceأحد أفخم فنادق المدينة النصرية. و قد سعت السلطات الغرناطية لإنجاح هذه الزيارة حيث نشرت صحيفة El Defensor مقالا دعت فيه الغرناطيين لإكرام الضيف الكبير مشيرة لجذوره الغرناطية و دعتهم لاستحضار كرم الضيافة و النبل الفطري و روح الفروسية الموروثة عن الغرناطيين المسلمين. 

و قد كان في استقبال الخليفة المغربي خلال وصوله لغرناطة عمدة المدينة الباسكي خيسوس يولدي Jésus Yoldi و ممثلو المجلس البلدي و شخصيات سياسية و ثقافية أخرى. و أمام إعجاب الخليفة بغرناطة قال له عمدة المدينة : "لقد عَرَفَتْ مدينتنا كيف تَحْفَظُ كامل الذوق العربي الذي مَنَحَهُ أجدادُكَ لها".
الصورة للخليفة السلطاني في غرناطة رفقة المسؤولين الإسبان

بعد ذلك زار مولاي الحسن بن المهدي و الوفد المرافق له حلبة الثيران, قصر الحمراء, و قاموا برحلة إلى جبال الثلج سييرا نيفادا, و زاروا معهد الدراسات العربية ب Casa del Chapiz و معرض الصناعة التقليدية الإسبانية العربية في Corral de Carbon. كما شَهِدَ في قصر كارلوس الخامس أداء مسرحية "قصر اللآلئ" El Alcazar de las Perlas التي تتناول سيرة الأمير ابن الأحمر و التي ألَّفها الشاعر و الأديب الأندلسي الألميري  (ابن بلدة لوجر دي أندرش) فرنثيسكو فيايسبيثا Francisco Villaespesa و الذي يُعد شاعر غرناطة بامتياز. و قد استدعى الخليفةُ الشاعرَ إلى مقصورته و تجاذب معه أطراف الحديث فسُرَّ كثيرا بالحديث معه إلى درجة أنه قرر تمديد مقامه في عاصمة بني نصر بضعة أيام حتى يتسنَّى له حضور حدث تاريخي مهم سيكون الشاعر فيايسبيسا أحد أطرافه. 
الشاعر الألميري فيايسبيسا



فقد صادف تواجد الخليفة السلطاني المغربي في غرناطة احتفال المدينة بمرور 7 قرون على تأسيس مملكة غرناطة عام 1232 من طرف الأمير محمد ابن نصر (ابن الأحمر). و لإحياء المناسبة استدعت السلطات الشاعر فرانثيسكو فيايسبيسا إلى غرناطة. 

و يوم فاتح يونيو 1932 و بحضور شخصيات سياسية و ثقافية غرناطية و بحضور الخليفة السلطاني المغربي مولاي الحسن بن المهدي أُزيلَ الستار عن التذكار الذي شيدته البلدية على شرف مؤسس قصر الحمراء الملك ابن الأحمر. و قد كتب ما جاء فيه الشاعر فرانثيسكو فيايسبيسا. و هذه ترجمة ما جاء في هذا التذكار التاريخي الذي مازالت نسخته إلى اليوم في مكانه في قصر الحمراء قرب باب الرمان Puerta de las Granadas حيث أن التذكار الأصلي قد دمرته إحدى الصواعق. 
  
صورة اللوحة التذكارية اليوم

" إلى الأحمر, الفتى الأشهر في بيت آل نَصَر و مُشَيِّد الحمراء. لأنك تجاوزتَ حدود الزمان و المكان بإحراجِكَ كل محاسن الطبيعة من خلال إبداعكَ عجائب هذا القصر,  فطَوَّقت بالمجد و الخلود الجباه الربانية للمدينة الفريدة و المنقطعة النظير, تقبَّل تكريم غرناطة المفعم بالمشاعر و معه تقدير العالم و نحيب أبنائك المنفيين و الذين مازالوا في خلوات القفار يحلمون تحت ضوء النجوم بفردوس جنانكَ البهيجة.

"لا تَهَبْ مسبات الدهر و لا تقلبات القَدَر, فهِمَّتُك اللامتناهية تخلدت في إعجاز هذا المعمار. 

"قد تستمر ظِلال هذه الأسوار, لكن ذكراك ستدوم أبدية كملاذٍ وحيد ممكن للحلم و الفن.

"و حينها سيبني البلبلُ الأخيرُ الذي يُحلق فوق العالم عُشه و يشدو بتغريداته, كوداعٍ, بين أطلال الحمراء المجيدة". 

ف.فيايسبيسا.

الشاعر فيايسبيسا بالزي المغربي

فليس من المستغرب أن يقول الخليفة السلطاني و هو يغادر عاصمة بني نصر متأثرا بروعتها: "لو فقدتموني يوما ما ابحثوا عني في غرناطة". بعد غرناطة اتجه إلى مالقة حيث ركب الباخرة المتجهة إلى سبته و منها إلى تطوان.


المراجع: مقالين عن زيارة الخليفة السلطاني لغرناطة في جريدتي Ideal.es  و Granadahoy.

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق