بين المخرج الإسباني بيدرو المُدوَّر Pedro Almodóvar و العالم الأندلسي أبو حسن القلصادي

بين المخرج الإسباني بيدرو المُدوَّر Pedro Almodóvar و العالم الأندلسي أبو حسن القلصادي

بقلم هشام زليم.

صلة الرحم بالأندلس

المنتج و المخرج السينمائي الإسباني العالمي بيدرو المُدور Pedro Almodovar.

في هذا المقال لن أتحدث عن اسمه المدور الذي يوحي إلى أصل أندلسي بعيد مرتبط بحصن قرطبة المُدَور الواقع اليوم في بلدة مدور الوادي Almodovar del Rio قرب مدينة قرطبة. و المدور هو النطق المغربي و الاندلسي الدارج لدائري (1).

و لن أتحدث كيف كان المورسكيون يُعَربون اسم بيدرو, أو بطرس في نطق مسيحيي الشرق, إلى الحجري أو ابن حجر في حياتهم السرية اليومية المتأرجحة بين المسيحية ظاهرا و الإسلام باطنا. و ذلك مشيا على عادة العرب قديما الذين عربوا اسم حواري المسيح بطرس إلى اسم حجر فصار إسما شائعا لدى العرب يخفي تصورا بائدا للمسيحية مختلفا انقرض مع مرور الزمن.

و إنما سأتحدث عن عالم أندلسي مسلم ترك بصمة خالدة في علم الرياضيات.

سيقول قائل و ما علاقة المخرج الإسباني العالمي بيدرو المدور Pedro Almodóvar بهذا العالم الأندلسي المسلم؟ 

و أجيب أن العلاقة تكمن في اسم البلدة التي ولد فيها بيدرو المدور عام 1949 و هي بلدة قلصادة قلعة رباح Calzada de Calatrava الواقعة في منطقة Ciudad Real أي البلدة الملكية وسط إسبانيا. و عندما نقول قلصادة فسريعا ما يتبادر إلى ذهننا عالم رياضياتي أندلسي عظيم  و عالم بالفلك و الفروض والنحو و الفقه هو الإمام أبو الحسن علي بن محمد القرشي البسطي المشهور بالقلصادي نسبة إلى بلدة قلصادة الأندلسية. 

وُلد الإمام العلامة القلصادي في بلدة بسطة Baza في إقليم غرناطة في الأندلس عام 1422 ميلادية و توفي في مدينة باجة التونسية عام 1487 أي قبيل سقوط غرناطة عام 1492. و قد شارك في معارك الدفاع عن مملكة غرناطة ضد المد القشتالي. و  قام برحلات و زيارات لمدن شمال إفريقيا و أدى فريضة الحج.

و يُنسبُ القلصادي على الأرجح إلى بلدة قلصادة قلعة رباح القريبة من بسطة لانحدار عائلته منها رغم ولادته في بسطة الغرناطية.

و ينبغي التنبيه إلىأن العديد من البلدات في إسبانيا تحمل اسم قلصادة Calzada لكن القرب الجغرافي جعلنا نرجح فرضية نسبته إلى قلصادة قلعة رباح. بالرغم من أن العلامة اللبناني شكيب أرسلان نسبه في موسوعته الأندلسية الحلل السندسية لبلدة قلصادة الواقعة أقصى شمال إسبانيا و البعيدة جدا عن بسطة و غرناطة و المعروفة بSanto Domingo de la Calzada. فالمسافة بين بسطة مسقط رأس الإمام القلصادي و بلدة قلصادة قلعة رباح هي فقط 200 كلم, بينما تفصلها عن قلصادة سانتو دومنغو حوالي 700 كلم.

الطريق من قلصادة قلعة رباح إلى بسطة

الطريق من سانتو دومنغو قلصادة إلى بسطة

برز القلصادي في علم الرياضيات، وأبدع في نظرية العدد، وله فيها ابتكارات، وقد شرح عمل ابن البناء المراكشي في الحساب، وأضاف إليه عدة إضافات مهمة خاصة في نظرية الكسور، حيث يعد أول من رسم الكسور. كما شرح بدقة كبيرة طريقة إيجاد الجذور لأي عدد. يعد أول من استعمل الإشارات والرموز الجبرية المستعملة في الجبر حتى الآن. يقول العالم الرياضي السويسوري فلورين كاجوري Florian Cajori في كتابه «مختصر تاريخ الرياضيات» عنه: اشتغل القلصادي بالحساب وألف فيه تآليفات نفيسة وأبدع في نظرية الأعداد وله في ذلك ابتكارات، كما له بحوث في الجبر جليلة ومؤلفه «كشف الأسرار عن علم الغبار» يعد أول كتاب أثبت للأوروبيين، بأن الإشارات الجبرية كانت مستعملة عند علماء الرياضيات المسلمين. ونقل العالم الألماني فرانز ووبكه  Franz Woepcke في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي الإشارات الجبرية المستعملة عند القلصادي من نسخة خطية موجودة، وترجم أيضاً إلى الفرنسية النسخة المذكورة، وأدرجها في نسخة سنة 1895م من مجموعته.

 وضع أبو الحسن القلصادي العديد من المؤلفات في شتى العلوم، حيث ألف 13 كتابا في الحساب والنجوم والفلك، و16 كتاباً في الحديث والفرائض والفقه والعروض والمنطق والسياسة.

و أهم مؤلفاته في علوم الرياضيات:

كشف الأسرار عن علم الغبار 
شرح الأرجوزة الياسمينية في الجبر والمقابلة
بغية المبتدي وغنية المنتهي
كشف الجلباب عن علم الحساب
رسالة في قانون الحساب
شرح أيساغوجي في المنطق
رسالة في معاني الكسور
شرح تلخيص ابن البناء
تبصرة المبتدي بالقلم الهندسي
التبصرة الواضحة في مسائل الأعداد اللائحة
التبصرة في حساب الغبار
قانون الحساب

ومن كتبه في الفقه والمواريث:

كتاب النصيحة في السياسة العامة والخاصة
كتاب الفرائض مع شرحه
أشرف المسالك إلى مذهب مالك
شرح هداية الإمام في مختصر قواعد الإمام
الضروري في علم المواريث
تقريب الموارث ومنتهى العقول البواحث

الهوامش:

(1)  هناك من رجح أن يكون أصل Almodovar هو المُظفر و ليس المدور, غير أني أرى أن أصل Almodovar هو المدور و ليس المظفر، فقد قام الرحالة المغربي الإدريسي بزيارة بلدة مدور الوادي القرطبية في القرن 12 ميلادي و ذكر أن اسم حصنها المدور و ليس المظفر.