الأحد، 27 نوفمبر 2016

البريطاني جيرالد برينان...الرجل الذي تبنته الأندلس

 البريطاني جيرالد برينان...الرجل الذي تبنته الأندلس.

هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس.

جيرالد برينان

إدوارد فيتز جيرالد برينان Edward  Fitzgerald Brenan (وُلد في مالطا عام 1894 - تُوفي بمالقة جنوب إسبانيا عام 1987) هو كاتب بريطاني مختص في الشأن الإسباني, عُرفَ عنه ارتباطه بمجموعة بلومزبري Bloomsbury Groupالبريطانية للأدباء و الفنانين.



جيرالد هو الابن البكر للضابط الانجليزي في الجيش البريطاني هوغ جيرالد برينان من زوجته الإيرلندية إلين غيرترود غراهام. عاش جيرالد الابن طفولته متنقلا بين عدة بلدان بسبب التنقلات المتكررة لوالده. فبعد أن وُلد في مالطا عام 1894, انتقل رفقة عائلته في نفس السنة إلى إيرلندا, ثم إلى جنوب إفريقيا عام 1897, فالهند عام 1898, ثم عاد مرة أخرى إلى إيرلندا, قبل الاستقرار نهائيا عام 1902 بانجلترا في مدينة غلوسترشير. ولج عام 1903 إلى مدرسة "وينتون هاوس" قرب مدينة وينشستر عاصمة مقاطعة هامبشاير, و استكمل دراسته ما بين عامي 1908 و 1912 بثانوية "رادلي" بمقاطعة أوكسفوردشير. 


في غشت من عام 1912, غادر جيرالد منزل العائلة عاقدا العزم على الرحيل إلى آسيا و الاستقرار في إحدى قراها النائية بعيدا عن صخب الحضارة الأوربية. بدأ مشوار هذه الرحلة الطويلة بصحبة رفيقه جون هوب جونستون, فعبرا معاً إلى فرنسا ثم إيطاليا, و عند وصولهما إلى البندقية قرر رفيقه جون هوب عدم إكمال الرحلة, فواصل جيرالد رحلته وحيدا إلى ساحل دالماسيا الكرواتي قبل التوغل في البلقان. في البوسنة, أجبرته الظروف الجوية و تساقط الثلوج بكثافة في أواخر عام 1913 على التخلي عن المغامرة الآسيوية فعاد أدراجه إلى منزل والديه في انجلترا.

حاول والده إقناعه بالعمل في الإدارة البريطانية, فتقدم لاجتياز بعض الامتحانات. و في عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى, فانخرط جيرالد في صفوف الجيش البريطاني برتبة ضابط بدفع من والده, و شارك في العديد من المعارك, كمعركة يبريس, و السوم و معركة المارن الثانية (1918), فنال بعد الحرب العديد من الأوسمة العسكرية.


دخل جيرالد إلى مجموعة بلومزبري التي تجمع الأدباء و الفنانين البريطانيين بدعم من صديقيه جون هوب جونستون و رالف بارتريدج, و هناك تعرَّف على الفنانة التشيكيلية دورا كارينكتون التي ستجمعه بها عام 1922 علاقة عاطفية قصيرة و عميقة, لكنه أُحبط  بسبب حبها الكبير للكاتب المِثلي ليتون ستراتشي. كما تعرف على الأديبة فرجينيا وولف و الفنان رودجر فري و عالم حضارات الصين و الشرق الأقصى آرثر فالي.
برينان و دورا كارينكتون

القدوم إلى إسبانيا
 
جنى جيرالد برينان ثروة صغيرة بفضل إرث عائلي مكنته من الذهاب إلى غرناطة في إسبانيا, حيث سيقضي فترات طويلة ما بين 1919 و 1936, و قد قصد العاصمة النصرية القديمة بحثا عن السكينة و التفرغ  لممارسة هوايتيه الرئيسيتين: القراءة و المشي. و عُرف هناك باسم "الدون خيراردو" Don Gerardo.

وصل جيرالد برينان إلى كورونيا شمال غرب إسبانيا في شتنبر من عام 1919. و في الثالث عشر من عام 1920 استقر ببلدة يِخِن Yegen الغرناطية. في ربيع السنة نفسها, استقبل جيرالد في منزله بيخن زملاءه البريطانيين في مجموعة بلومزبري, رالف بارتريدج, الفنانة دورا كارنكتون و رفيقها الأديب ليتون ستراتشي. و في عام 1923 زارته فرجينيا وولف مرفوقة بزوجها الصحفي و السياسي ليوناردو وولف.


عاد إلى انجلترا عام 1924 و اتجه عام 1926 نحو فرنسا قبل أن يعود في أبريل من عام 1929 إلى يِخِن الغرناطية. انتقل إلى إشبيلية في أكتوبر من نفس السنة حيث بقي هناك حتى ماي من عام 1930 لما عاد إلى انجلترا حيث تعرف على الشاعرة و الأديبة الأمريكية كاميل وولسي (1895-1968) و نشأت بينهما علاقة عاطفية انتهت بزواجهما في روما في أبريل 1931.
من زفاف جيرالد و كاميل ووسلي


أصدر جيرالد في عام 1933 روايتهJack Robinson. A Picaresque Novel . في نفس السنة بدأت تختمر في ذهنه فكرة كتابة سيرة للمتصوف الإسباني سان خوان دي لا كروث San Juan de la Cruz فقام في السنوات التالية بزيارة للمناطق التي عاش فيها هذا القديس لجمع الوثائق و الحصول على مادة لمشروع كتابه. 

عاد في أكتوبر 1934 إلى يِخِن الغرناطية و بعد سنة انتقل للعيش في منزله الجديد في بلدة شوريانة بمالقة. عايش إلى جانب زوجته كاميل ووسلي بكثير من الدهشة و التفكر معركة مالقة خلال الحرب الأهلية الإسبانية (1936-1939), فشكل ذلك مادة لبحثه "المتاهة الإسبانية"  El laberinto español الذي نشره عام 1943  و ناقش فيه الأسباب الاجتماعية و السياسية للصراع المسلح بين أبناء الشعب الإسباني. مُنعَ هذا الكتاب في إسبانيا, لكن دار النشر Ruedo Iberico الواقعة في باريس تكفلت بنشره.


في عام 1946م نشر مقاله "Spanish scene" إضافة لمقالات كثيرة حول المتصوف سان خوان دي لاكروث في مجلة "Horizon". في عام 1949 قام بجولة سياحية حول إسبانيا توَّجها بإصدار كتاب عام 1950 سمَّاه "وجه إسبانيا" "La faz de Espana" كشف فيه في الفصل السادس عن قيامه بأبحاث حول مقتل الأديب الغرناطي فدريكو غارثيا لوركا. في عام 1951 سافر جيرالد إلى إيطاليا ثم إلى الولايات المتحدة و نشر كتابه "تاريخ الأدب الإسباني" "Historia de la literatura espanol". عاد إلى بلدة شوريانة بمالقة عام 1953, و في عام 1957 نشر كتابه الشهير "في جنوب غرناطة" "Al sur de Granada" استعرض فيه نتاج حياته و رحلاته في أرجاء مملكة بني نصر القديمة. سافر إلى المغرب عام 1959 و تعرض هناك لوعكة صحية خطيرة لم يتجاوزها إلا بمشقة كبيرة. بعد استعادته عافيته استأنف مسلسل أسفاره فحط الرحال هذه المرة باليونان. في عام 1962 نشر أول سيرة ذاتية له سماها "حياة خاصة" "Una vida propia". في عام 1966 سافر إلى تونس, الجزائر, إيطاليا, فرنسا, انجلترا و نشر كتابه "The lighthouse always says yes".
الروائي الأمريكي أرنست همنغواي رفقة جيرالد و زوجته كاميل في منزلهما في شوريانة بمالقة. 

يوم 18 يناير 1968 توفيت زوجته كاميل وولسي, و قد خلفت مذكرات كتبتها عن الحرب الأهلية الإسبانية أسمتها "مالقة وسط اللهيب" Malaga en llamas, إضافة لكتاب آخر ألفته عام 1944 عنونته ب"Spanish Fairy stories". كما قامت بترجمة رواية لبينيتو بريث غالدوس.

انتقل جيرالد برينان للعيش في بلدة "الهواريين الكبرى" Alhaurin el Grande بمالقة. ما بين 1968 و 1973 سافر إلى اليونان و تركيا و إيطاليا. و في عام 1973 نشر أخيرا كتابه حول سيرة المتصوف الإسباني سان خوان دي لاكروث, و في السنة الموالية نشر سيرته الثانية بعنوان "مذكرة شخصية 1920-1972". نشر عام 1977 بالانجليزية كتابه "أحلى الأوقات. قصائد". و في عام 1978, أصدر كتاب "أفكار في محطة جافة" "Pensamientos en una estacion seca" جمع فيه الحِكَمَ و الأمثال التي وقف عليها خلال رحلاته و قراءاته الغزيرة. 

حضيَ عام 1982 بتكريم شعبي في بلدة يِخِن الغرناطية, و تمَّ توشيحه بوسام الفارس البريطاني من طرف السفير البريطاني. و في 11 أكتوبر 1983 حضيَ بتكريم بلدة أوخيخار Ugijar بغرناطة و اعتبرته "ابن أوخيخار بالتبني".
جيرالد في سنواته الأخيرة.

كانت ثروته في تناقص مستمر. و في ماي 1984 دخل في ضائقة مالية خانقة اضطر معها للعيش في دار للمسنين في لندن. هذا الأمر استفز محبي و معجبي جبرالد برينان في الأندلس, فقاموا بحث السلطات الإسبانية على استقدامه إلى الأندلس لاستكمال ما تبقى من حياته على أرضها. هكذا قامت الحكومة المركزية بمدريد و حكومة إقليم الأندلس يوم 1 يونيو 1984 باستقدامه للإقامة في بلدة "الهواريين الكبرى" Alhaurin el Grande. و أُنشأت بنفس المناسبة مؤسسة "جيرالد برينان".

يوم 19 يناير 1987 توفي جيرالد برينان عن عمر يناهزُ 92 عاما, و قد أوصى قبل مماته بالتبرع بجثمانه للأبحاث العلمية, هكذا وُضعَ جثمانه في كلية الطب بمالقة. أُحرقَ جثمانه يوم 20 يناير 2001 و دُفنَ في المقبرة الإنجليكانية بمالقة إلى جانب زوجته كاميل.

ترك جيرالد برينان حوالي 50 كتابا يتناول أغلبها مواضيع إسبانيا و الأندلس و الرحلات و الأسفار.

يقبع جزء من أرشيف جيرالد برينان في جامعة تكساس بأوستين. الباحث جوناتان غاتورن آردي ألَّف بالقشتالية سيرة موسعة و موثقة لجيرالد أسماها "القلعة الداخلية" "El castillo interior" أصدرتها دار النشر الألف El Aleph بدعم من مجلس التربية بمنذوبية مالقة.

و تكريما لذكرى ابن الأندلس بالتبني, ألف و غنى المطرب الأندلسي كارلوس كانو أغنية عن جيرالد برينان.

منزل جيرالد برينان في شوريانة المالقية هو اليوم في طور تحويله إلى متحف يُخلد ذكرى هذا الرحالة البريطاني في هذه البلدة الصغيرة. 

 في عام 2003 أُنتجَ في إسبانيا فيلم بعنوان "في جنوب غرناطة" Al Sur de Granada اتخذ من كتاب جيرالد برينان الذي يحمل نفس الإسم مادة لأحداثه. و قد أدى الممثل البريطاني ماتيو ويليام كود دور جيرالد برينان في الفيلم. 

صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق