الأحد، 22 أكتوبر 2017

بين الفيلسوف ابن رشد الحفيد و المتصوف ابن عربي

بين ابن رشد و ابن عربي 
مدونة صلة الرحم بالأندلس.

المرجع: "ابن رشد الحفيد. سيرة وثائقية". تأليف محمد بن شريفة. ص 202-204.

إذا كان عصر ابن رشد هو العصر الذي وصلت فيه سلسلة الفلسفة بالأندلس إلى حلقتها الأخيرة فإنه كان أيضا عصر تيارات زهدية و صوفية ما لبثت بعد ذلك أن طمَّت على ما سواها, و قد كان يعيش إلى جانب ابن رشد في قرطبة و إشبيلية و مراكش أعلام في الزهد و التصوف, و من هؤلاء على سبيل المثال أبو عبد الله ابن مجاهد الإشبيلي و أبو عمران الميرتلي نزيل إشبيلية و أبو عبد الله ابن قسوم الإشبيلي, و لم نقف على ما يدل على صلة ابن رشد بهؤلاء الزهاد, و لكنا و جدنا أبياتا لأبي عمران الميرتلي يشير فيها - فيما يبدو- إلى محاولة ابن رشد الجمع بين الحكمة و الشريعة و هي قوله:


مُعارضةُ الشَرع بالعقلِ زيغٌ --- عليه يَقيسُ به من فُتِنَ
تعبَّدتَ   بالشرع   فاحكم  به--- على العقل إياك أن تفتتن
و بالشرع يفرق بين الهوى --- و بين الحِجى كلُّ عبد فطنَ

كما لابن قسوم أشعارا متعددة في ذم العلوم القديمة و أصحابها.

و يبدو أن الفتوحات التي حصل عليها الصوفي الشاب ابن عربي جعلت ابن رشد يتطلعُ إلى لقائه, و اختبار أمره, و معرفة سره, و كان اللقاء بقرطبة في سنة 580 هجرية, و في هذا التاريخ كان ابن رشد قاضيا بقرطبة بجنب واليها السيد أبي يحي.

و تذكُر بعض المصادر أن أهل ابن عربي كانوا أجنادا في خدمة هذا الامير, و بدأ ابن عربي نفسه في أول شبابه جنديا أو كاتبا لدى الأمير المذكور, ثم ترك هذا في سنة 580 يقول ابن عربي: "كان سبب انتقالي عن الجندية و نبذي لها و سلوكي هذه الطريقة و ميلي إليها أنني خرجتُ صحبة مخدومي الأمير أبي بكر ابن يوسف بن عبد المومن بن علي بقرطبة قاصدين المسجد الجامع فنظرته في ركوعه و سجوده و خشوعه كثير الابتهال إلى الله عز و جل فخطر لي خاطر أن قلت في نفسي: إذا كان هذا ملك البلاد خاضعا متذللا يصنع هذا بين يدي الله تعالى عز و جل فما الدنيا بشيء ففارقته من ذلك اليوم, و ما عدتُ رأيته أبدا ثم لزمتُ هذه الطريقة".

من هنا ندرك سبب معرفة ابن رشد لابن عربي و صداقته لأبيه كما يقول في الفتوحات و نلاحظ أن الحوار الذي دار بين الرجلين في المجلس الأول كما رواه ابن عربي يتسم بالرمز و الإلغاز كهذا الحوار : "فعانقني و قال لي: نعم! فقلتُ له: نعم! فزاد فرحه بي لفهمي عنه, ثم استشعرتُ بما أفرحه من ذلك, فقلتُ له: لا! فانقبضَ و تغيرَ لونه و شك فيما عنده".


و يقول ابن عربي إن ابن رشد طلبَ الاجتماع به مرة ثانية ليعرض عليه ما عنده في النظر العقلي و يسأله هل هو يوافق أم يخالف و لكن الاجتماع لم يتم.

و كما اهتمَ ابن رشد بظاهرة المتصوف الشاب ابن عربي الذي دخلَ خلوته جاهلا و خرج منها بعلم لدُني من غير درس و لا بحث و لا مطالعة و لا قراءة اهتمَ أيضا بما بلغ إلى سمعه من كرامات أبي العباس السبتي, روى التادلي صاحب التشوف قال: "حدثني أبو علي عمر بن يحي الزناتي قال: حدثني أبو القاسم عبد الرحمان بن إبراهيم الخزرجي قال: بعثني أبو الوليد ابن رشد من قرطبة و قال لي: إذا رأيتَ أبا العباس السبتي بمراكش فانظر مذهبه و أعلمني به قال: فجلستُ مع السبتي كثيرا إلى أن حصلت مذهبه فأعلمتهُ بذلك فقال لي أبو الوليد: هذا رجل مذهبه أن الوجود, ينفعل بالجود, و هو مذهب فلان من قدماء الفلاسفة".

و يتضح من هذين المثالين أن ابن رشد وزن حالتين بميزان الفيلسوف فقال عن حالة ابن عربي: "هذه حالة أثبتناها و ما ٍرأينا لها أربابا, فالحمد لله الذي أنا في زمان فيه أحد من أربابها".

و قرنَ مذهبَ أبي العباس السبتي في الجود و أثره في الوجود بمذهب أمبدقليس في الحب و تأثيره في الإيجاد مع أن أبا العباس كان يحتج لمذهبه بآيات و أحاديث يأولها أحيانا فهو يفسر قوله تعالى: "إنا عرضنا الأمانة على السماوات و الأرض" فيقول: "هذه الامانة هي الرزق, فالسماوات أعطت ما عندها من الماء و هو المطر, و الأرض أعطت ما عندها من النبات و الثمار و ما فيها من الأرزاق و أبت من إمساكها فصار الإنسان خازنا لما يجتمع عنده فيمنع منه المساكين إنه كان ظلوما جهولا".

مدونة صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق