الأربعاء، 29 أغسطس 2018

مقال "البحث عن قرطبة في فاس" للأندلسي مانويل حرازم.

مقال "البحث عن قرطبة في فاس" للأندلسي مانويل حرازم.
الباحث الاندلسي مانويل حرازم

مقال "بحثا عن قرطبة في فاس" و هو الجزء الثاني من مقال "بحثا عن قرطبة في المغرب" Buscando Cordoba en Marruecos. للاندلسي مانويل حرازم. المقال يعود لسنة 2009.

في هذا الفيديو سنبحث مع الإسباني الأندلسي مانويل حرازم عن قرطبة الأندلسية في مدينة فاس المغربية من خلال مقال "بحثا عن قرطبة في فاس" Buscando Cordoba en Fez.
قبل سرد المقال المهم للغاية سنقدم تعريفا مقتضبا بالكاتب و المؤرخ الأندلسي مانويل حرازم.

يوم 16 نونبر 2009 نشر موقع "المتحف المُتخيل لقرطبة" Museo Imaginado de Cordoba الذي يعنى بالتراث الأندلسي القرطبي مقالا في غاية الأهمية عن علاقة مدينة فاس المغربية بمدينة قرطبة الأندلسية للمؤرخ و الكاتب القرطبي مانويل فيغيروا ليون Manuel Figueroa León المشهور بمانويل حرازم تيمنا بالولي سيدي علي بن حرازم 
المتوفى في القرن 12 ميلادي و دفين مقبرة باب فتوح في مدينة فاس.

المؤرخ مانويل حرازم هو من مواليد قرطبة عام 1956 و قد وافته المنية عام 2020 في نفس المدينة. عُرف باهتمامه بالتراث الأندلسي و بالإرث المسلم لمدينة قرطبة خصوصا جامع قرطبة الذي يُعد من أهم المدافعين عن هويته المسلمة و له تآليف و مقالات في هذا الباب. كتاباته و مقالاته هي نتاج خمسة و عشرون عاما من الداراسات و الأبحاث و الأسفار إلى بلدان كثيرة على رأسها المغرب, الجزائر, تونس, ليبيا, مصر, سوريا, الأردن, لبنان, العراق, اليمن, و غيرها, بالإضافة لتركيا و إيران و الهند و اليونان و جل بلدان أوربا.
و قد ترك لنا مدونة ثمينة جمع فيها مقالاته و أبحاثه. 

و الآن نتلو على مسامعكم مقال "بحثا عن قرطبة في فاس" و هو الجزء الثاني من مقال "بحثا عن قرطبة في المغرب" Buscando Cordoba en Marruecos. للاندلسي مانويل حرازم. المقال يعود لسنة 2009.
 
ترجمة قناة معلومات مغربية أندلسية و مدونة صلة الرحم بالأندلس.


فاس هي مدينة الانعكاس بامتياز, و كأن بورخيس Borges قد صممها بنفسه في إحدى اهتياجاته الأدبية. واحدة من الأساطير الغير مُوَثَّقة تقول بأن أصل اسمها هو الانعكاس المقلوب لمدينة مستحيلة قامت في الماضي في نفس المَوضِع كانت تُدعى (سيف) (و تعني النهر بالامازيغية), و لم يبق لها أثر سوى في الخيال المحموم لمجموعة من المثقفين المحليين.

و إلى جانب الأسطورة, تتحدث الإخباريات التاريخية عن مدينة مزدوجة ذات وجهين متقابلين بشكل منعكس,  حيث سوران متقابلان يصَّعدان الضفتين المتقابلتين لنفس النهر, بعد تأسيس أسطوري, أيضا بشكل منعكس لمدينة كانت تتأسس في نفس الوقت تقريبا في العدوة الأخرى من مضيق جبل طارق, و تحديدا في قرطبة التي تربطها بها صلة وثيقة.
واجهة جامع الأندلسيين

أتحدثُ هنا عن فترة ملتبسة, ضبابية و تفتقر لمراجع موثوقة معاصرة لها, ذلك أن أولى الأضواء المسلطة عليها تعود لمؤلفات كُتاب كَتبوا بعد قرن أو قرنين.  هكذا تنتمي رواية تأسيس فاس و التأسيس الأموي للأندلس إلى نفس النسيج الخرافي و الأسطوري لتأسيس إسرائيل و روما و العديد من ممالك جنوب شرق آسيا. شخصيات تمثل آخر ما تبقى من سلالة حاكمة تنجوا بأعجوبة قبل أن تنبعث من جديد, مثل طيور الفنيق, في أقصى العالم, مثل قصة موسى و قصة أناستاسيا الروسية التي تُعدًّ آخر نسخ الخرافة. لهذا تجاسر المؤرخ غونزاليث فيران Gonzalez Ferrin و نعثَ بالأناستزيان (نسبة لأناستاسيا الروسية) كلا من عبد الرحمان الأول و إدريس الأول.


إنها صدفة في غاية الريبة تلك التي جعلت قرطبة و فاس يتقاسمان بشكل متزامن نفس الأسطورة. أسطورةُ بطلٍ ينجو من مذبحة عائلية و يؤسس مملكة بعيدة. قبل أن تتحول هذه الأسطورة إلى حقيقةٍ تاريخية بفعل سردها في الإخباريات بعد قرن من الأحداث. و تزداد الريبة أكثر حين العلم بأن المدينة التي أسسها إدريس الأول عمَّرها منفيون قدموا من المدينة التي أعاد تأسيسها عبد الرحمان الأول (أي قرطبة) قبل سنوات قليلة في الشطر المقابل من عَدوة مضيق جبل طارق. كل شيء مثير للريبة للغاية. و ما على الراغب في النبش في الموضوع سوى النهل من الكتاب المهم "التاريخ العام للأندلس" Historia General de Al Andalus لإميليو غونزاليث فيران Emilio Gonzalez Ferrin. و إذا لم يقتنع بما جاء فيه فعلى الأقل سيطلع على الكثير من الشكوك المعقولة.  

أسس إدريس الأول فاس في العُدوة اليسرى للنهر الذي يحمل نفس الإسم و عمَّرها بمنفيي ثورة الربض التي دارت أحداثها قبل سنوات في قرطبة, المدينة التي أسسها قبل سنوات الأناستازي الآخر عبد الرحمان الأول. الرواية الرسمية تتحدث عن كون المنفيين من المولدين, تحديدا من الحرفيين المسيحيين الذين كانوا يقطنون العدوة اليسرى من الوادي الكبير Guadalquivir. و من الغريب استدعاؤهم من طرف عَلَمٍ مؤسسٍ لمدينة مسلمة. و مرة أخرى ينجدنا غونزاليث فيران بشكوكه و يضع لنا التناقضات نصب أعيننا: من المحتمل أن الإسلام لم يتموقع بعد كديانة ناضجة و كان ما يزال يبحث عن مكان له بين عشرات الهرطقات التوحيدية التي كانت تواجه التثليث الامبريالي البيزنطي. و إن كانت اللغة العربية قد صعدت لتكون لغة الثقافة بدل الإغريقية و اللاتينية.  و نحن في عام 800 ميلادي.

مباشرة بعد ذلك, مقابل مدينة القرطبيين (في فاس) ظهرت مدينة أخرى عمَّرها المغتربون من القيروان و قامت في العدوة اليمنى لنفس النهر. هكذا انتقلتا من كونهما مدينتان متقابلتان إلى حيين في نفس المدينة: حي الأندلسيين و حي القرويين. و راحا يتنافسان بجامعيهما الأعظمين في جهارة و نقاوة نداء الآذان. و مايزال الأمر على هذا الحال. يخترقُ هذين الحيين شارعان رئيسيان يقودان إلى بابين من أجمل ما يكون: باب فتوح في حي الأندلسيين و باب بو جلود في حي القرويين, و كلا البابان يخرقان السور على قمة السفحين. 


دُفِنَ مولاي إدريس  قرب وليلي, المدينة الرومانية التأسيس, حيث عاش و قبره أكثر البقاع قداسة في المغرب الأقصى, و حوله ازدهرت مدينة تحمل اسمه (مدينة مولاي ادريس زرهون). ابنه ادريس الثاني هو من استضاف القيروانيين و قبره يحظى أيضا بتبجيل كبير قرب جامع القرويين. أما قبر عبد الرحمان في قرطبة فلم يحظ بنفس المكانة لوقوعه داخل مجمع القصر. و بدخول الملك المحارب المقدس (فرناندو الثالث القشتالي) ضاع إلى الأبد الموقع الصحيح لقبره.

يعد حي الأندلسيين اليوم من أقل الأحياء زيارة من طرف سياحة الجموع و هو في الحقيقة يفتقر للمآثر التي يتوفر عليها صنوه حي القرويين, لكن هذا لا يُفقده سحر الانسياب بين أزقته الضيقة أو الطواف بمركزه حيث توجد مَعلمتاه الرئيسيتان و الجذابتان: المسجد الجامع و مدرسة الصهريج. المعلمتان الأخرتان من بين معالم الحي فهي آيلة لسقوط: جامع الأنوار و هو الجامع الوحيد الأصلي الذي شيده مولاي ادريس الاول نفسه, و مدرسة السبعيين. أما الجامع الذي نراه اليوم فلم يحفظ شيئا من العمل الأصلي للأندلسيين الذين بنوه و بوابته الأثرية تعود للموحدين (القرن 12 ميلادي). و كذلك المدارس القريبة فلا علاقة لها البتة بالأندلسيين الأصليين و قد شيدت مثل جميع مدارس فاس في القرن الرابع عشر ميلادي في عهد الدولة المرينية. مدرسة الصهريج تعاني الإهمال و إن كانت تلوح في الأفق القريب أعمال ترميم واسعة النطاق. و من أجمل ما يسترعي الانتباه تلك الألواح الخشبية المنحوثة بإتقان و المُزَيَّنة بفتحات قرطبية تحيط بفضاء البهو. 
مدرسة عدوة الأندلس

عند عبور النهر عبر قنطرة الطرافين الصغيرة المشيدة في القرن 11 ميلادي و التي تضم جنباتها دكاكين على غرار القناطر الإيطالية الشهيرة, نصل مباشرة إلى ساحة الصفارين حيث تنتصب خزانة القرويين المرتبطة خصوصا بالأندلس حيث تحتفظ ببقايا الثقافة الأندلسية, أي تلك الكتب التي نجحت في الخروج من شبه الجزيرة الإيبيرية و النجاة من محارق سيثنيروس. يتعلق الأمر ببناية حديثة العهد تسمح فقط بالدخول إلى بهو صغير. 
قنطرة الطرافين

و بينما كنتُ سارح الفكر جالسا في الدرجة الأولى من السُلم أتفكر في الكنوز المحفوظة هنا و التي لا تنتظر فقط تقييمها و إنما أيضا استكشافها, فُتح باب و خرج منه باحثان يرتديان بدلة بيضاء و يضعان كِمامة و بأيديهم المغلفة بقفازات جراحية كانا يحملان كومات كتب قديمة جدا, و طلبا مني من خلال الإشارة فسح المجال لهما لصعود السلم. لم يكن لدي الوقت طبعا لالتقاط صورة أمامية لهما, و كان علي الانتظار حتى يصعدا السُلم و ينعطفا للدخول عبر باب فتحاه في الأعلى. و عندها التقطت لهما صورة. بعدها انتابتني رعشة حينما راودتني فكرة أن بعض هذه الكتب قد يكون مخطوطا لابن رشد, أو المخطوط الأصلي لطوق الحمامة أو حتى حسابات خياط أحد منهما. 
باحثان في خزانة القرويين

على الأقل يمكننا أن نَسعد بتعاملهم معها ظاهريا بشكل جيد.     
ترجمة صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق