الجمعة، 19 ديسمبر 2014

"لماذا طرد فليبي الثالث المورسكيين من إسبانيا عام 1609م؟" مقال للإسباني سيزار سرفيرا

"لماذا طرد فليبي الثالث المورسكيين من إسبانيا عام 1609م؟" مقال للإسباني سيزار سرفيرا
"طرد المورسكيين" لوحة غابرييل بويك رودا (1894)

 مقال : لماذا طرد فليبي الثالث المورسكيين من إسبانيا عام 1609م
¿Por qué expulsó Felipe III a los moriscos de España en 1609?















جريدة ABC الإسبانية. الكاتب سيزار سرفيرا ِCésar Cervera. مدريد. 3 دجنبر 2014.
ترجمة صلة الرحم بالأندلس.

"يُبرز المؤرخون العواقب الإقتصادية الوخيمة لقرار الطرد  و يصفون بالشعبوي هذا الإجراء الذي يقف وراءه الوزير المثير للجدل, دوق ليرما, المقرب من الملك. "

اعتبرَ الكاردينال (الفرنسي) ريشليوRichelieu, و هو العدوُ الأبدي للملكية الإسبانية, في مذكراته أن طرد المورسكيين من إسبانيا كان يشكل "أكثر الأعمال همجية في تاريخ البشرية". هذه شهادة لا يُستهان بها, فالكاردينال, على غرار باقي الزعماء الأوربيين في تلك الفترة, لا يُمكن اتهامه بالدفاع عن المسلمين أو أنه كان رجلا ذا قلب حنون و جياش المشاعر. و بالتالي, فقرار فليبي الثالث طرد 300 ألف مورسكي - ـأو الموروس الذين تحولوا للعقيدة الكاثوليكية- كان من الهمجية الشديدة أن هز أركان الإسلاموفوبيا المتجذرة و السائدة في أوربا آنذاك. كما كانت العواقب الاقتصادية و الديمغرافية مدمرة هي الأخرى. 

كانت تشير عبارة مورسكي للمسلمين المُعمدين (أو المنصرين) بعد استيلاء الملوك الكاثوليك على غرناطة, سواء كان تعميدهم اختياريا أو إجباريا. بعد محاولة لتنصير الساكنة بالوسائل السلمية, قام الملكان الكاثوليكيان فرناندو و إيزابيلا بزيارة لغرناطة عام 1499م تمّ خلالها تنبيههما إلى أن الجو الإسلامي لازال يسود المدينة, سواء في الأزياء أو العادات. لهذا تسلّم الكاردينال ثيسنيروس زمام الأمور و استعمل كل الوسائل بما فيها تلك التي لم يسمح بها الملكان. هكذا إذن حقق الكاردينال هدفه المنشود المُتمثل في تعميد آلاف المسلمين و تحويلهم لكاثوليكيين رومان, سواء كان اعتناقهم للمسيحية نابعا من إرادة صادقة أو بنية مُبيتَة للاستمرار في أداء تعاليم الإسلام سرا.

في عهد الملك شارل الخامس (الذي حكم بين 1519 و 1556), استطاع المورسكيون من خلال تقديم العطايا تأجيل تنفيذ التعميد القسري لعدة عقود. لقد تبنى العرش موقفا مرنا اتجاههم و سمح لهم بالاحتفاظ بعاداتهم و تقاليدهم. غير أن فليبي الثاني (الذي حكم بين 1556 و 1598) حاول القضاء نهائيا على الأقلية الإسلامية ب"الأسقفية الأقل مسيحية في كل البلاد المسيحية" -حسب وصف البابا- و وَأْدَ إمكانية مساعدة المورسكيين للأتراك في القيام بهجوم مباشر على الأراضي الإسبانية. أدّت التهديدات المُوجهة من مدريد إلى اندلاع الانتفاضة المسلحة في نهاية عام 1568 و التي اتسعت شرارتها إلى المرتفعات الجبلية الغرناطية.

فليبي الثاني يرسم معالم الطريق لابنه و خليفته.
شهدت انتفاضة البشرات تصعيدا رهيبا في أعمال العنف, و دامت سنتين, أي أكثر مما كان يتوقعه الملك نظرا لانعدام التنسيق بين ماركيز بلش و ماركيز موندخار, إضافة لعدم كفاءة القوات المرابطة في شبه الجزيرة - حيث كانت قوات النخبة آنذاك في الفلاندرز في هولاندا الحالية-. و من أجل تصحيح الوضع وُضِع الدون خوان النمساوي و لويس دي ريكسنس على رأس الجنود القادمين من إيطاليا. كان أداء دون خوان في هذه الحرب وراء تعيينه بعد ذلك قائدا بحريا عاما في "التحالف المقدس" في معركة ليبانتو (ضد العثمانيين).

رغم احتدام القتال, جاء النصر المسيحي عام 1571 و جلب معه ترحيلا شاملا ل80 ألف مورسكي غرناطي نحو مناطق أخرى في مملكة قشتالة, خصوصا نحو أندلوسيا الغربية و القشتالتين. منظر آلاف الأطفال و النساء و الرجال -الكثير منهم لم يشاركوا في الحرب- يحملون في يأس تام متاعهم استذرّ شفقة شقيق الملك خوان النمساوي الذي صرّح قائلا: "لا أعرف إن كان بالإمكان تصوير البؤس الإنساني بشكل أكثر دقة من رؤية هذه الأعداد الهائلة من الناس ترحل وسط فوضى و نحيب النساء و الأطفال المحملين بكل أنواع المشاق و العراقيل".
زاد الترحيل العام في تشتيت الساكنة المورسكية في إسبانيا, و خصوصا في المناطق التي كانت تضم تجمعات لمورسكيين هاجروا سابقا. حسب العديد من تحاليل الحمض النووي للساكنة الإسبانية الحالية, يوجد غياب شبه تام للكروموزومات الإفريقية في أندلوسيا الشرقية, في المقابل يُلاحظ  وجود قوي لهذه الكروموزومات (حوالي 20 بالمائة) في جليقية, ليون و إكسترمادورا. لم يضع تشتيت المورسكيين حدا للمشاكل الاجتماعية و الدينية التي كان يشكلها وجودهم في أعين الملوك. العديد من المستشارين حثوا فليبي الثاني على طردهم من كل الجزيرة الأيبيرية , لكن المخاوف من التسبب في اندلاع ثورة مسلحة أخرى دفعت الملك لعدم تبني هذا الخيار الذي كان يراه بلاط مدريد لا مفر منه, فترك لابنه و خليفته مسؤولية تنفيذه  بعد 40 سنة .

  
قرار مبني على الخوف. 
ترتبط فترة حكم فليبي الثالث (ما بين 1598 و 1622), على الصعيد الدولي, باتفاقيات السلام التي عقدها مع ابريطانيا, فرنسا و هولاندا, ما أعطى انطباعا أن الإمبراطورية الإسبانية تعيش حالة ضعف. و على الصعيد الداخلي, كان طرد المورسكيين الشامل أكثر إجراءاته شهرة. فمباشرة بعد اعتلائه العرش عام 1598, سافر الملك إلى بلنسية رفقة وزيره المقرب دوق ليرما, فرانثيثكو غوميز دي ساندوفال المؤيد لإبقاء الوضع كما هو عليه. خلال الزيارة لاحظ الملك عن كثب أن الساكنة المورسكية الكثيفة بهذه المنطقة كانت تتصرف ككتلة منعزلة. 

معارضة دوق ليرما, الذي كانت تربطه صفقات مربحة بالتجار المورسكيين, انتهت لما وعد الملكُ بمنح تعويضات اقتصادية للنبلاء الذين قد يتضررون بسبب الترحيل المُكثف المرتقب. هكذا, تحول الدوق من أهم مدافع عن هذه الأقلية الاجتماعية إلى القوة الدافعة لمخطط الطرد.

من بين الأسباب الكثيرة التي يقدمها المؤرخون لتبرير إقدام فليبي الثالث على منح الضوء الأخضر للخيار الذي لم يجرأ والده على فعله قبل 40 سنة خلت, نجد الخطر المتصاعد الذي يشكله المورسكيون على الأمن الداخلي. كما أن التزايد الديمغرافي الهائل لهذه الساكنة, التي كانت مستمرة إجمالا في أداء تعاليم الإسلام سرا, كان يهدد بتسهيل أي غزو أجنبي مستقبلا. حسب الحجج التي ساقها العرش, فإن مورسكيي أراغون قد اتصلوا بالملك الفرنسي, هنري الرابع, للقيام بثورة شاملة بمساعدة السفن الفرنسية. قد لا يكون المخطط حقيقيا, لكن الإمكانية كانت حاضرة كما كانت حاضرة عندما شك فليبي الثاني في تآمر المورسكيين مع الإمبراطورية العثمانية لغزو إسبانيا. 

رغم ارتفاع الأصوات المنتقدة في أوربا المسيحية, فإن قرار الطرد جاء أيضا لوضع حد للفكرة السائدة في أوربا حول مسيحية إسبانيا المشكوك فيها بسبب الوجود المورسكي على أراضيها. و كما كان الحال مع طرد اليهود عام 1492م, فالملكية الإسبانية كانت تبحث من خلال هذه الإجراءات عن القطيعة مع سمعتها كبلاد للمتحولين (اليهود) و للتراث الإسلامي.

على الصعيد الشخصي, كانت ملكة النمسا مارغريت تُكن كُرها دينيا للمورسكيين و من المحتمل أن رأيها كان له تأثير قوي على فليبي الثالث. من جهته, اعتقد دوق ليرما أن تزعمه لمقترح الطرد سيُحسن علاقاته المتدهورة بالملكة, و التي ستكلفه منصبه بعد 10 سنوات, فساند رأيها بقوة. بعد سنة من الإعداد, كانت أولى الطلائع المورسكية  المطرودة مكونة من مورسكيي مملكة بلنسية (قرار طردهم نُشر يوم 2 شتنبر 1609م), تلاهم مورسكيو أندلوسيا (قرار الطرد نشر يوم 10 يناير 1610) فمورسكيو إكسترمادورا, القشتالتين و مملكة أراغون (قرار الطرد نشر يوم 29 ماي 1610).

العواقب الكارثية على إقليم أراغون.
طرد حوالي 300 ألف مورسكي كانوا يقطنون شبه الجزيرة الإيبيرية زاد في البداية من شعبية دوق ليرما, ففي بداية الأزمة الاقتصادية التي ستعصف بالإمبراطورية الإسبانية تحول المورسكيون, كما اليهود من قبل, إلى الشماعة التي تعلق عليها كل المشاكل الاجتماعية, خصوصا لتشبتهم بعاداتهم الإسلامية إلى حد جهل الكثير منهم باللغة القشتالية.

شكل الطرد من المنظور الاقتصادي ضربة قوية للعديد من المناطق الإسبانية. فطرد 4 بالمئة من الساكنة المنتمية للطبقة العاملة -لم يكن بينهم النبلاء, كبار الملاك و الجنود- أدى لانخفاض إيرادات الضرائب. أما في المناطق الأكثر تضررا (حيث يُعتقد أن نسبة المورسكيين في مملكة بلنسية أثناء الطرد بلغت حوالي 33 بالمئة من مجموع السكان), فقد أدى انخفاض عدد الساكنة إلى فراغ مهول استمر عقودا طويلة في الميادين الحرفية, و إنتاج الحرير و التجارة و الزراعة. و إذا كانت الأضرار الاقتصادية في قشتالة غير واضحة للعيان على المدى القصير, فقد ساهم الطرد في تعميق الأزمة الديمغرافية لهذه المملكة التي كانت تبدو عاجزة عن توفير الموارد البشرية المطلوبة لاستغلال العالم الجديد (القارة الأمريكية) و تزويد جيوش عائلة هابسبورغ الحاكمة التي يُكون القشتاليون نخبتها العسكرية.

من جهة أخرى, لم يذُب المورسكيون في البحر عند مغادرة إسبانيا, و أولئك الذين نجوا من أعمال العنف التي رافقت طردهم توزعوا بين شمال إفريقيا, تركيا و بلدان إسلامية أخرى. العديد من المزارعين المورسكيين وجدوا أنفسهم مضطرين إذن للتحول إلى قراصنة استخدموا معرفتهم بالسواحل المتوسطية للقيام طيلة أكثر من قرن بهجمات ضد إسبانيا.

صلة الرحم بالأندلس

هناك تعليق واحد: