الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

"الإسلام الإسباني و انبعاثه" للباحثة البلنسية روزا مارية رودرغيز ماجدة.

الإسلام الإسباني و انبعاثه

 روزا مارية رودرغيز ماجدة Rosa Maria Rodriguez Magda 


Rosa Maria Rodriguez Magda



عنوان البحث: "الإسلام الإسباني و انبعاثه" L'Islam espagnol et sa renaissance.

الكاتب: الباحثة البلنسية روزا مارية رودرغيز ماجدة*  .Rosa Maria Rodriguez Magda   

المصدر: المجلة الفرنسية الجيو-سياسية Outre-Terre. العدد رقم 17 . الربع الأخير من عام 2006. ص 179-183.


* روزا مارية رودرغيث ماجدة, باحثة و مفكرة بلنسية. عضو في مجلس بلنسية للثقافة.

ترجمة هشام زليم.

تعتبر الهجرة في اتجاه إسبانيا المُعاصرة حديثة العهد نسبيا, لكنها اتخذت في السنوات الأخيرة منحا متسارعا. لقد شجعت الروابط الثقافية و اللغوية المتينة هجرة كثيفة من أمريكا اللاتينية, خصوصا من الإكوادور, بوليفيا, كولمبيا و الأرجنتين. بينما سهَل القرب الجغرافي من شمال إفريقيا تدفقا متصاعدا للمغاربيين و الجنوب صحراويين.


تضم إسبانيا 44.390.000 مقيما, بينهم 3.880.000 أجنبي, أي 8.7 بالمائة من مجموع الساكنة؛ هذا دون احتساب 1.650.000 مقيم غير شرعي إلى حدود دجنبر 2006. شهدت جزر الكناري في الفترة الأخيرة نموا دراماتيكيا للهجرة الغير شرعية التي تنظمها مافيات مختصة؛ ففي سنة 2006 أصبحت الجزر تُؤوي حوالي 30 ألف شخص  ينحدرون من شمال إفريقيا و أفريقيا جنوب الصحراء, أي 5 أضعاف السنة الماضية.

قامت الحكومات المتعاقبة في السنوات الأخيرة بجملة من التعديلات أدت, حسب الحزب الشعبي المُعارض (آنذاك), إلى تزايد هجرة غير شرعية لا طاقة  لإسبانيا و لأوربا بتحملها.

كل جنسية هي حالة خاصة, لكن الفارق على الصعيد الثقافي يبدو جليا مع المسلمين بالرغم من التعايش, المشهود به تاريخيا, بين الأعراف و الأديان في مدينتي سبتة و مليلية الإسبانيتين الواقعتين شمال أفريقيا. يعيش في سبتة 27 ألف مسلم من أصل 71.500 شخص, بينما مليلية تضم 26.400 مسلم من أصل 64.400 شخص. لكن الساكنة المسلمة في تزايد مستمر, و بعض التوقعات ترى أن المسلمين سيشكلون خلال العقد القادم الأغلبية في المدينتين؛ كما أن العسكريين المسلمين يشكلون 30بالمئة من القوات العسكرية بسبتة و مليلية.

تضم إسبانيا حاليا (دجنبر 2006) 900 ألف مهاجر مسلم أجنبي, أغلبهم مغاربة. و تتميز الحالة الإسبانية بثلاث خصوصيات:

* تملك إسبانيا مقاطعات "إسبانية" في أفريقيا ( ليست مستعمرات)؛

* احتل المسلمون إسبانيا Hispania  طيلة 8 قرون, إلى عام 1492 (سنة دخول الملكين الكاثوليكيين لغرناطة)؛ لقد صنع "المستشرقون" الخرافة, السائدة إلى الآن بقوة بين كثير من الكُتاب, حول الأندلس كمدينة فاضلة و عصر للعظمة و للانسجام بين الحضارات الثلاث: النصرانية, اليهودية و المسلمة؛

* خلال عقد السبعينيات ظهرت حركة للإسبان المعتنقين للإسلام مرتبطة من جذورها بالقومية الإسلامية الأندلسية: أي تسعى لإعادة أسلمة الأندلس و بالتالي عودة الإسلام لإسبانيا.

الإسبان المعتنقون للإسلام

هذه الحركة المكونة من 20 ألف شخص لها بالتأكيد طابع الأقلية, لكنها متواجدة بقوة في الإعلام و قادرة على التأثير في الرأي العام (1).

بعد وفاة الدكتاتور فرانكو عام 1975, شرع  "المرابطون" في نسج شبكة من الطوائف المسلمة على الأراضي الإسبانية. كانت فاتحتها في قرطبة و حملت اسم "المُجتمع من أجل عودة الإسلام للأندلس", كان من بين أهدافها إعادة إقامة نظام الخلافة و تأسيس مجلس أعلى عسكري. تدرَّج في هذه الحركة  العديد من المعتنقين للإسلام الأكثر بروزا اليوم, قبل أن يغادروها لتأسيس منظمات أكثر اعتدلال. توجد اليوم عدة طوائف من المعتنقين تختلف كل واحدة عن الأخرى و أحيانا تعارض بعضها الأخرى, و يُسجل موقع إحداها على الأنترنت (ويب إسلام WEBISLAM ) أكثر من مليون زيارة.

موازاة مع ذلك برزت في الثمانينات عدة حركات قومية إسلامية بالأندلس, مثل"الجماعة الإسلامية بالأندلس" التي ظهرت عام 1980 و أسست لها عدة فروع محلية و افتتحت جامعة ابن رشد الإسلامية في قرطبة التي ضمت في لجنتها الإدارية الفيلسوف الشيوعي سابقا رجاء جارودي المعتنق للإسلام و المدافع عن النظريات المشكِكة في الهلوكوست. لم يعد لهذه الجامعة وجود اليوم. 

اتفاقيات التعاون بين الدولة الإسبانية و المجلس الإسلامي بإسبانيا

كان المعتنقون للإسلام في حاجة لجمعيات قانونية, فأسسوا الفدرالية الإسبانية للكيانات الإسلامية بإسبانيا FEERI. كما أسس المواطنون الإسبان من أصل سوري اتحاد الطوائف الإسلامية في إسبانيا UCIDE. رغم اختلافهما, انضوت المنظمتان تحت لواء المجلس الإسلامي بإسبانيا مع حفاظ كل منهما على استقلاليتهما. في عام 1992 وقعت UCIDE اتفاقية تعاون مع الدولة الإسبانية تنص على: تخصيص جزء من عائدات الضرائب للجماعات الدينية, الحق في التوفر على مقابر للمسلمين, التغطية الاجتماعية للأئمة, الاعتراف بالزواج الإسلامي ثم الرعاية الدينية داخل الجيش و السجون و المستشفيات و توفير التعليم الديني الإسلامي في المدارس. تنص الوثيقة كذلك على تغيير أوقات الدراسة لتتماشى و أوقات الصلاة و تخصيص جدول زمني خاص برمضان, إضافة لتوفير أطعمة موافقة لتعاليم القرآن. اتفاقات أخرى وُقعت لكنها لم تدخل كلها حيز التطبيق. في المقابل, رفضت  الحكومة  تشريع تعدد الزوجات. هذا و تتلقى FEERI و UCIDE مساعدات من الدولة الإسبانية, و تنخرط فيهما الطوائف المسلمة المعترف بها قانونيا. و قد  تخلى مؤخرا المعتنقون حديثا للإسلام عن رئاسة FEERI لصالح مجموعات موالية للسعودية و للمغرب. 

الحنين للأندلس

في نظر العديد من معتنقي الإسلام, العرب لم يغزوا إسبانيا أبدا. حسب هذا التأويل للتاريخ, استقبل اليهود و الأريوسيون, المضطهَدون من قِبَل الكنيسة المتقهقرة التي كانت تودَ أن تفرض عليهم عقيدتها التثليثية, المسلمين كمحررين سيعيدون إليهم حقوقهم السياسية, الاجتماعية و الدينية.

الرأي الغالب لدى المعتنقين للإسلام هو مُناقضة الأندلس بعظمتها لظُلمات أوربا, و لتدمير هذه الحضارة تمّ اللجوء لاقتراف إحدى أعظم المآسي البشرية: إبادة المسلمين و اليهود و الآريوسيين. هي مُقاربة إيديولوجية و تبسيطية للأمور, نتيجتها المنطقية: عودة الإسلام للأندلس عبر استرداد حقيقي و الانعتاق من الاحتلال الإسباني الدموي و الغير شرعي.

لقد حان وقت مراجعة خرافة "الأندلس" عبر إظهار حنكة تاريخية. فمثل هذا التفسير يتلاعب بالتاريخ و يفتري على إسبانيا و أوربا القروسطية و يصنف إسلام تلك الفترة أعلى مرتبةً من ثقافة الغرب المُستنزَفة. يجب قبل كل شيء التذكير ببعض الأمور, فعكس أطروحة الاحتلال الإسلامي السلمي في مقابل الاسترداد النصراني للأراضي الموصوف بالإبادة, كان لكلا الفصلين, الاحتلال و الاسترداد, طابع حربي  و عسكري.  وجب التذكير أيضا أن الاحتلال الإسلامي لإسبانيا لم يكن مرادفا للتعايش السلس بالنسبة للنصارى و لليهود, و أن الأنوار الثقافية و العلمية لتلك الفترة كانت إلى حد كبير نتاج حكماء مسلمين و يهود هذَبوا الإرث الإغريقي بتعليقاتهم و معارفهم, و غالبا ما توبعوا بسبب أفكارهم.

هذه المقاربة ترمي جانبا الطابع المثالي لتلك الفترة و تأخذ بعين الاعتبار التعقيد التاريخي المتمثل في قدرة بعض العلماء المسلمين على التوفيق بين اعتبار أنفسهم ورثة الثقافة الإغريقية  الكلاسيكية دون أن يتخلوا عن عقيدتهم. كما تسمح برفع تحدي إعادة وضع أسس حوار حقيقي بين الثقافات. أيُّ مقاربة أخرى قد تشكل ذريعة إديولوجية لمن يسعى, بين الإسلاميين الحاليين, لاسترجاع الأندلس التاريخية. خصوصا و أن الحكومة الإسبانية قد تلقت تحذيرات من إمكانية التعرض لهجمات إرهابية (2). كما أن بعض الزعماء الإسلاميين الراديكاليين لا يكتفون بالمطالبة بالأندلس: ألم يطعن موقع جهادي على الويب في انتماء سبتة و مليلية لإسبانيا و دعا لتحرير المدينتين و إعلان الحرب على الدولة الإسبانية؟

خاتمة:

بعض المعتنقين الإسبان للإسلام وسطيون و منذمجون بالكامل, و ينسجون علاقات مع عدد كبير من المنظمات الوطنية و الدولية, و يودون أن تعترف بهم الدولة كمتحدثين معتمدين باسم الطائفة المسلمة. بينما يُشكل البعض الآخر طوائف روحية و حرفية صغيرة على هامش المجتمع. لكن, و رغم أن الغالبية تنادي بإسلام معتدل, فإن المعتنقين الإسبان يُطالبون بحقوق خاصة بهم  و يشكلون تيارا منفصلا عن المهاجرين المنحدرين من العالم العربي-الإسلامي.

مع ذلك, أفرزت دراسة حديثة قامت بها وزارة الداخلية الأرقام التالية: 74 بالمئة من المُهاجرين المسلمين يرون أن حياتهم في إسبانيا بين لا بأس بها و ممتازة؛ 80 بالمئة تأقلموا مع نمط الحياة و مع أعراف البلد, 83 بالمئة قالوا أنهم لا يلاقون عوائق لممارسة عقيدتهم. إضافة لاعتقادهم أن هوية إسبانيا و العلمانية تتماشيان تماما مع ممارسة ديانتهم, و اعتبارهم استخدام العنف لإعلان أو نشر دينهم أمرا غير مقبول. كما ترى الغالبية نفسها مؤيدة لعلمانية تُعامل جميع الأديان بمبدأ المساواة. و هذا يتعارض مع المطالب الخاصة التي تنادي بها بعض المنظمات المسلمة و جمعيات المعتنقين للإسلام, مثل تشريع تعدد الزوجات و تجنيس أحفاد "المورسكيين" المطرودين من إسبانيا في القرن 17 و الذين قد يُقارب عددهم اليوم أكثر من 5 ملايين أجنبي.

في المقابل, يجب أن يُسهِل صمود التراث العربي -اللغة, الآثار, العادات, الطبخ, الأعياد- إذماج المهاجرين المسلمين في مجتمع علماني يحترم حرية المُعتقد.

و في الوقت الذي لا يُنادي فيه المهاجرون أنفسهم بمطالب خاصة, لا يجب على منظماتهم الوقوف في وجه صيغة إذماج تحفظ لأوربا هويتها و قيمها الخاصة بها: كالديمقراطية, حرية الفكر و التعبير, المساواة بين الجنسين و حقوق الفرد على الجماعة.


الهوامش:
(1) Cf. Rosa María Rodríguez Magda, La España convertida al Islam, Barcelone, ´αltera, 2006; id., « El Renacer del Islam en España », Debats, n° 93, Pensar el Islam desde Europa, 2006, p. 8-15.

(2) El País, 5 nov. 2006.  

موسوعة الاندلس.






هناك تعليق واحد:

  1. هذه دورة التاريخ...
    يوم لك ويوم عليك...
    سيأتي يوم يعيد التاريخ نفسه وتكون احتياجات الناس في ذلك الزمن أن تكون اسبانيا الاندلس ثانية...

    ردحذف