الأحد، 28 ديسمبر 2014

النظام الاقتصادي الفريد لبلدة ماريناليدا Marinaledaالإشبيلية

النظام الاقتصادي الفريد لبلدة ماريناليدا Marinaledaالإشبيلية




بلدة مارينالبدا (2700 نسمة)
مارناليدا Marinaleda بلدة إشبيلية وديعة يحكمها منذ عام 1979 الحزب اليساري "جماعة وحدة العمال - التجمع الأندلسي لليساريين" CUT-BAI و يطبق فيها نظاما اقتصاديا بديلا سمح للبلدة بتخفيف آثار الأزمة الاقتصادية التي تعصف بإسبانيا. معدل البطالة في البلدة هو صفر بالمئة, أي لا وجود لعاطل فيها.

خوان مانويل سانشيث غوريدو Juan Manuel Sanchez Gordillo, الشهير إعلاميا ب"روبن هود الأندلس" -لتزعمه عدة عمليات اقتحام مراكز تجارية و الاستيلاء على مواد غدائية بمعية رفاقه في النقابة الأندلسية للعمال SAT و توزيعها على المحتاجين و الفقراء-, هو بلا شك عُملة نادرة وسط الطبقة السياسية الإسبانية. هو نشاز داخل النشاز نفسه, فتحركاته الأخيرة لاقت استهجانا و انتقاذات حتى من داخل تحالف "اليسار المُوَحَد" IU الذي انضم إليه حزبه CUT-BAI عام 1986. 


مانويل غورديو
يُعتبر غورديو, بمعية رفيق دربه في النضال دييغو كانياميرو Diego Canameo, الزعيم التاريخي لنقابة عُمال الحقل SOC, العمود الفقري اليوم لنقابة SAT. يشغل أيضا, منذ عام 1979م, رئاسة المجلس البلدي للبلدة الأشبيلية الصغيرة ماريناليدا التي يسيطر عليها اليسار منذ أكثر من 40 سنة. دعم و انخراط سكان البلدة سمح بإطلاق تجربة سياسية و اقتصادية فريدة جعلت ماريناليدا جزيرة اشتراكية وسط الحقول الأندلسية.  

مريناليدا حمراء شيوعية جاهرت و تجاهر بعداوتها لكبار ملاك الأراضي و لليمين بصفة عامة, شهدت أحداث محلية و دولية لم تؤثر في توجهاتها: الانتقال الديمقراطي الإسباني (1975-1982), دخول الإتحاد الأوربي عام 1986 و انهيار الاتحاد السوفياتي معقل الشيوعية عام1991؛ ثم جائت الأزمة الاقتصادية الحالية لتمنح ماريناليدا فرصة إثبات أن تجربتها بديل حقيقي لاقتصاد السوق.

الشُغل:
يعمل جزء مهم من السكان في تعاونية أومار Humar Marinaleda SCA التي أسسها المزارعون أنفسهم  بعد سنوات من النضال. دأب المزارعون, طيلة سنوات, على احتلال أراضي ضيعة أوموثو Humoso الخاصة, التي توجد على أرضها التعاونية اليوم, ما كان يستدعي تدخل الحرس المدني لطردهم منها. في الأخير, نالوا مرادهم عام 1992, و امتثلت السلطة لمطلب سكان ماريناليدا "الأرض مِلكٌ لمن يخدمها", فأصبحت الضيعة في ملكية جميع السكان. هدف التعاونية حسب ما جاء في موقعها على الأنترنت " ليس الربح الخاص, و إنما خلق فرص عمل عبر بيع منتجات البستنة الصحية و ذات الجودة".

الأجور في التعاونية موحدة, حيث يتقاضى الجميع حوالي 1200يورو شهريا. تنتج حقولها, الواقعة في مرج وادي شنيل, الفاصوليا, الخرشوف, الفلفل و زيت الزيتون و يراقب العمال أنفسهم مختلف مراحل الإنتاج. تتوفر التعاونية أيضا على ورشة للتصبير, معصرة, مشاتل زجاجية, تجهيزات لتربية المواشي, إضافة لمحل تجاري. راتب العامل, مهما كان منصبه, 47 يورو في اليوم (35 ساعة  في6  أيام عمل في الأسبوع), ما يعادل 1128 يورو شهريا.

في فصل الذروة يعمل في التعاونية حوالي 400 شخص, و في غيرها من أوقات يعمل 100 شخص كحد أدنى. لا يُعتبر منصب الشغل ملكية لشخص بعينه حيث يُعتمد نظام المداورة و تُخفض ساعات العمل أحيانا حتى يعمل الجميع تطبيقا للمثل "اعمل أقل ليعمل الجميع". كما أن هناك من يعمل في أجزاء صغيرة من ممتلكاتهم المنزلية (حديقة المنزل و نواحيها). و تتوزع باقي النشاطات الاقتصادية على القطاعات الأولية في المجال القروي, كالتجارة و الخدمات الأساسية, إضافة للأنشطة الرياضة. 

في حوار مع جريدة البويليكو Publico عام 2012 شرح غورديو آثار الأزمة على بلدة مارنالدا, "لاحظنا إرهاصات للأزمة في أسعار المنتجات الفلاحية و في التمويل. عندنا مشاكل السيولة لكننا نبيع منتجاتنا بشكل جيد...لكن إجمالا وقع الأزمة على الفلاحة و التغذية كان طفيفا. ما يجري هو أن أولئك الذين غادروا سابقا الحقول للعمل في قطاع البناء عادوا اليوم لطلب العمل في الحقول. فالإشكالية إذن ليست في الحفاظ على فرص الشغل المتاحة و إنما في توفير فرص إضافية. الزراعة البيئية بالتأكيد تُوفر فرص عمل أكثر من التقليدية, و لإنقاذها من الأزمة و ارتفاع سعار المواد الفلاحية نحاول القيام بتجارة أفقية مع تعاونيات أخرى و إقامة علاقات مع باقي الدول التي تحتضن تجارب من نوع تجربتنا".



السكن
أمام الطفرة العقارية و المُضاربة التي استولت على قطاع البناء في إسبانيا خلال العقود الأخيرة, قررت مارناليدا السير في الطريق المعاكس تماما. ففي هذه البلدة الأندلسية يمكن الحصول على منزل مساحته 90 مترا مربعا بشروط جيدة للغاية و دفع 15 أورو شهريا فقط. الشرط الوحيد هو أن يساعد كل فرد  في أشغال بناء مسكنه. لقد قام المجلس البلدي بشراء الأراضي أو مصادرتها, و يقوم يتوزيع البقع و توفير الوسائل الضرورية للبناء, و على المعنيين بالسكن إما التعاون لإقامة المساكن أو استئجار بُناة محترفين. و كوسيلة لضمان اقتسام أعباء العمل و إتقانه لا يتم توزيع المساكن على المستفيدين إلا بعد إتمامها. 

يقول خوان خوثي سانشو أحد سكان ماريناليدا : "عندما تعمل في بناء منزلك تتلقى راتب 800 يورو, يذهب نصفه لدفع ثمن المسكن...تم اتخاذ هذا الإجراء حتى نقف في وجه المضاربة في أثمان المساكن". رغم صغر سنه, 21 ربيعا, يُعتبر خوان عضوا في "مجموعة العمل" داخل المجلس البلدي المُكلفة بتسيير الشأن العمومي اليومي للبلدة.


التعليم 
بينما كانت في السابق الغالبية الساحقة من المياومين بالكاد تعرف الكتابة, توجد اليوم بالبلدة دار حضانة و مدرسة و إعدادية. تتوفر الحضانة و الإعدادية على مطعم لا يكلف إلا 15 أورو للفرد شهريا. لكن و حسب ما يذكره سانشو "معدل الفشل الدراسي مرتفع شيئا ما لأن السكان يرون أنهم أمّنوا السكن و العمل و بالتالي لا يرون ضرورة للدراسة. إنها واحدة من النقاط التي يجب أن ننكب عليها"

ينتشر الانسجام و الوعي السياسي  بين سكان مارينلدا أكثر من أي بلدة أخرى في المنطقة, يقول سانشو: "كل الشباب هنا لهم أفكار سياسية. لكن الانسجام أقل بكثير من ذاك الذي جمع بين آبائنا في شبابهم...كل حاجياتنا تم تغطيتها اليوم و الساكنة بدأت ترتاح شيئا ما"

المشاركة السياسية:
يقوم النموذج الاقتصادي لبلدة مارينالدا على أركان أساسية أهمها المساواة و مشاركة الشعب. و تنتشر هذه المبادئ في كل مناحي الحياة. لا توجد شرطة و القرارات السياسية تُتخذ في مؤتمر يحضره كل سكان البلدة. حينما يقرر المؤتمر, فعلى الحزبIU و النقابة SAT تبني القرار, و على المجلس البلدي تنفيذه. يتم مناقشة الميزانية و التصويت عليها في اجتماعات عمومية. كما يصادقون على كل شطر من الميزانية تم تنفيذه. يتم تنزيل الميزانية حسب الأحياء, و لكل حي مؤتمره الخاص يدير فيه ميزانيته و استثماراته.


من جهة أخرى, تُعنى "مجموعة العمل" بالشأن اليومي و النظر في الملفات العاجلة, و هي غير منتخبة و الانضمام إليها تطوعي, و هي حسب سانشو "فضاء مختلط, تجدني فيه أنا, ذو ال21 سنة, و حتى سانشيث غورديو. عدد النساء فيها يعادل تقريبا عدد الرجال". أما الضرائب فهي حسب سانشو "منخفضة للغاية, و هي الأزهد في كل المنطقة".

المرجع: مقال لويس خمنيس سان مغيل بجريدة البوبليكو  Publico
La economia segun Sanchez Gordillo

صلة الرحم بالأندلس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق