الأربعاء، 17 ديسمبر 2014

سيرة القائد العسكري الإسباني خوثي ميلان أستراي José Millán Astray

خوثي ميلان أستراي José Millán Astray

هشام زليم.

مدونة صلة الرحم بالأندلس. 



ما تبقى من ميلان أستراي بعد عودته من حرب المغرب

خوثي ميلان أستراي إتريروس José Millan Astray y Terreros (وُلد بكورونيا الإسبانية, 5 يوليوز 1879- توفي بمدريد 1 يناير 1954) هو واحد من أشهر العسكريين الإسبان الذين عُرفوا بولائهم الشديد لبلدهم و بعلاقتهم الوطيدة بالجنرال فرانثيثكو فرانكو. كان مؤسس طابور "اللفيف الأجنبي" الإسباني La Legion Espanola و راديو إسبانيا الوطني. عُيِّن نائبا في البرلمان الإسباني خلال فترة حكم الدكتاتور فرانكو (1939-1975).

بداية المشوار
وُلد خوثي ميلان أستراي بمدينة لاكورونيا شمال غرب إسبانيا, يوم الخامس من يوليوز 1879. والده المُحامي خوثي ميلان أستراي (يشتركان نفس الإسم) و والدته بيلار تريروس سيكاديPilar Terreros Segade . ميول الوالد القانونية و الأدبية دفعته لإرغام ابنه على دراسة القانون رغم أن هذا الأخير كان يطمح في اتباع مسار عسكري, و هو الأمر الذي تأتى له في الأخير.

ميلان أستراي قبل دخوله حرب المغرب

ولج خوثي يوم 30 غشت 1894 أكاديمية المُشاة بطليطلة حيث تكوّن وفق منهج الدراسة الاستعجالي الذي أقرته الحكومة لسد خصاص الضباط بسبب الحروب التي كانت تخوضها آنذاك إسبانيا في مستعمراتها البعيدة (كوبا و الفلبين). أصبح, و هو ابن السابعة عشر, ملازما ثانيا و عمل في فوج المشاة "أشتورياس 31" بمدريد. 
في فاتح شتنبر من عام 1896 ولج خوثي للمدرسة الحربية العُليا, لكنه لم يواصل تكوينه فيها لأنه اختار التطوع ضمن كتيبة توجهت للقتال في الفلبين. تميّز خلال مُقامه في تلك الجزر الأسيوية بشجاعته و بسالته, خصوصا خلال عملية الدفاع عن بلدة سان رفاييل رُفقة 30 جنديا فقط أمام هجوم شنه عدد كبير جدا من الثوار "التاغالو". موقفه البطولي هذا جعله يحصل, و هو ابن التاسعة عشر, على وسام "صليب مارية كرستينا".

المسار العسكري
عام 1897 عاد خوثي إلى إسبانيا و ولج مرة أخرى للمدرسة الحربية العليا التي غادرها من قبل إلى الفلبين, و تحصل فيها على ديبلوم "أركان الحرب". و في الثاني من مارس من عام 1906م, تزوج من إلبيرة كوتريز دي لا توري Elvira Gutierrez de la Torre, و هي ابنة اللواء كوتريز كامارا Gutierrez Camara . يُقال أن إلبيرة أخبرت خوثي ميلان أستراي مباشرة بعد عقد قرانهما أنها نذرت نفسها للرب و عاهدت نفسها على الحفاظ على عفتها مدى الحياة. ميلان تقبل الأمر و بقيت العلاقة بينهما ذات طابع "أخوي"(1). و إذا كانت هذه الرواية صحيحة, فإن الزواج الكاثوليكي لا يُعتبر ساريا بينهما.

أمام الهزائم المتوالية للجيش الإسباني في منطقة الحماية الإسبانية شمال المغرب, انشغل خوثي ميلان كثيرا بإحداث كتيبة من المتطوعين الأجانب تشبه "اللفيف الأجنبي" الفرنسي لمواجهة القبائل المغربية. هكذا توجه إلى الجزائر, المستعمرة الفرنسية, لدراسة تجربة اللفيف في معقلها الفرنسي. بعد عودته لإسبانيا, أعلن وزير الحرب اللواء خوثي فيالبا ركيلمي José Villalba Riquelme يوم 28 يناير 1920 إنشاء فيلق اللفيف الإسباني تحت مسمى "الفيلق الأجنبي", و عُيّن ميلان أستراي قائدا له.

العاهات المستديمة
اشتهر خوثي ميلان بعباراته التي كان يُحفز بها رجاله, مثل "عاش الموت" و "اللفيف لي". و خلال حرب المغرب (1921-1926) أصيب 4 إصابات خطيرة خلّفت له عاهات مستديمة و تشوهات في الوجه لازمته طيلة ما تبقى من حياته:

- الإصابة الأولى حدثت في 17 شتنبر 1921 في معركة خندق حمادي, حيث أصيب في الصدر بينما كان يعطي الأوامر لدخول مدينة الناظور المغربية.

- الإصابة الثانية تعرض لها يوم 10 يناير 1922 خلال معركة "دراع الأسف" حيث حوصرت كتيبته. هذا الحصار فكه الرقيب كونزاليز تابلاس, و خلال الانسحاب أصيب خوثي ميلان في رجله.

- الإصابة الثالثة كانت يوم 26 أكتوبر 1924. فمباشرة بعد ترقيته لرتبة عقيد , توجه لفندق عين يديبا  لقيادة فيلق ركيكة R'gaiga, لكنه وجد المقاتلين الريفيين قد قطعوا الطريق. لما وصل لخط النار الأول أراد تحفيز جنود فيلق بورغش فأصيب بطلق ناري هشَّم يده اليسرى ما أدى لبترها.

- الإصابة الرابعة, و هي الأخطر, تعرض لها يوم 4 مارس 1926, لما كان على رأس طابور خاض به معركة ضد الريفيين المغاربة استطاع خلالها الاستيلاء على منطقة لوما ردوندا Loma Redonda, فأمر بتحصينها. و خلال معاينته للمواقع الأمامية أصابته طلقات مباشرة في وجهه اخترقت عينه اليمنى و هشمت جزءا من خده الأيسر. هذه الإصابة أفقدته عينه و كانت تسبب له دوارا كلما أدار رأسه, و لازمه هذا الأمر طيلة ما تبقى من حياته.

الحرب الأهلية الإسبانية و المواجهة مع الفيلسوف أونامونو.
أستراي و فرانكو
وقف ميلان أستراي منذ البداية في صف فرانكو رغم أنه لعب دورا ثانويا في ثورة الجيش ضد الجمهورية الإسبانية الثانية و التي أدت لاندلاع الحرب الاهلية الإسبانية. و من الأمور الشهيرة في سيرته قصة جداله مع الفيلسوف الباسكي مكيل دي أونامونو Miguel de Unamono يوم 12 أكتوبر 1936 في قاعة المحاضرات بجامعة سالامانكا و التي حضرها العديد من الشخصيات الفرانكاوية للاحتفال بعيد "العِرق" (يسمى اليوم عيد "الإسبانية" Dia de la Hispanidad" ذكرى اكتشاف أمريكا). و كان من بين الحاضرين أسقف سالامانكا إنريكي بلا إي دنييل Enrique Pla y Deniel, و الحاكم المدني و زوجة فرانكو كارمن بولو مارتنيز فالديس Carmen Polo Martinez Valdésو خوثي ميلان أستراي.

ما جرى, حسب ما جاء في كتاب "الحرب الأهلية الإسبانية" للباحث في التاريخ الإسباني, البريطاني هوغ توماس Hugh Thomas كان كالتالي: بعد المراسيم الافتتاحية و كلمة المحامي خوثي مارية بيمان José Maria Péman, ألقى البروفسور فرانثيثكو مالدونادو خطابا عنيفا هاجم فيه بشدة قطلونية و بلاد الباسك, واصفا إياهم "بسرطانات في جسد الأمة", و اعتبر أن الفاشية هي علاج إسبانيا, مضيفا: "سنعرف كيف نبيدهم و نستأصلهم استئصالا...مثل جَراَّح مربوط الجأش و متحرر من المشاعر الفاسدة". فهتف أحدهم في القاعة بشعار اللفيف الشهير "عاش الموت". فرد ميلان أستراي بالعبارات التي اعتاد تحميس الشعب بها: "إسبانيا"...فرد الحضور "واحدة".


الفيلسوف أونامونو
بعض الطلاب الفالانخي حاولوا تلطيف شعار "عاش الموت" بهتافهم "عاش المسيح الملك" و "السلام الرحيم" لكن صخب الجموع غلب عليهم فرددوا معهم شعار اللفيف. و عاد ميلان أستراي للهتاف مرة أخرى :"إسبانيا" و ردت الجموع "عظيمة"..."إسبانيا"..."حرة". فقامت مجموعة من الشباب الفالانخي المرتدين للقمصان الزرقاء بأداء السلام الفاشي: اليد اليمنى لأعلى و صورة فرانثيثكو فرانكو خلفهم. في هذه اللحظة قام ببطء مدير الجلسة الفيلسوف مكيل دي أونامونو و ألقى خطبة مرتجلة عصماء : "تنتظرون كلمتي. تعرفونني جيدا و تعلمون أني عاجز على المكوث صامتا. أحيانا, الصمت يساوي الكذب, لأن الصمت قد يُفسر كعلامة للرضى. أريد أن أُعلق على خطاب البروفسور مالدونادو. سأترك جانبا التهجم الشخصي الذي يعنيه انفجاره المفاجئ في وجه الباسكيين و القطلان. فأنا, كما تعلمون, وُلدت في بلباو, و الأسقف - و أشار إلى أسقف سالامانكا- هو قطلاني رأى النور في برشلونة, شاء أم كره (..). استمعت للتو للشعار النيكروفيلي و الأهوج "عاش الموت"...و باعتباري خبيرا في الميدان, أقول لكم إن هذا التناقض السخيف يبدو لي مقيتا. فاللواء ميلان أستراي شخص معاق. ليس من الضروري أن نقول هذا بصوت خافت. هو مُعاق بسبب الحرب. و هكذا كان ثرفنتس أيضا. لكن للأسف, يوجد اليوم في إسبانيا الكثير من معطوبي الحرب. و إذا لم يقف الرب بجانبنا فسيزداد عددهم بشكل كبير. تزعجني فكرة أن اللواء ميلان أستراي بإمكانه إفتاء قواعد في سيكولوجية الجماهير. معطوب تنقصه عظمة ثرفنتس الروحية لابد أنه يشعر بمواساة كبيرة و هو يرى عدد المعطوبين يتكاثر من حوله".


أستراي, أونامونو و زوجة فرانكو
هنا هتف ميلان أستراي حانقا "الموت للفكر الخائن"..."عاش الموت", لكن نظرا للصخب و الضوضاء التي اجتاحت القاعة لم تُسمع جيدا الجملة الأخيرة, فخُلقت أسطورة قول ميلان أستراي "الموت للذكاء, عاش الموت", و قد روج لهذه المقولة الأسطورية تصريحات أطلقها سيرّانو سونيير Serrano Suner, الذي لم يكن حاضرا أصلا في القاعة.

واصل مكيل أونامونو كلامه دون هوادة قائلا: "هنا معبد الذكاء, و أنا كاهنه الأعظم. أنتم تدنسون حرمه المقدس. ستنتصرون, لأنكم زرعتم القوة فقط, لكنكم لن تُقنِعوا أبدا. فلكي تُقنِعوا يجب أن تستميلوا, و كي تستميلوا تحتاجون أشياءا لا تملكونها: المنطق و الحق في الكفاح. يبدو لي ألا فائدة تُرتجى من الطلب منكم أن تفكروا في إسبانيا. هذا ما عندي لأقوله."

اشتعل الحضور غضبا على أنامونو و وجهوا له سيلا من الشتائم, و لم يستطع مغادرة القاعة إلا بمساعدة زوجة فرانكو التي رافقته ممسكة بيده لمغادرة الجامعة و اصطحبته حتى باب منزله.


نهاية الحرب الأهلية و سنوات ميلان أستراي الأخيرة
بعد نهاية الحرب الأهلية, شغل ميلان أستراي منصب رئيس قطاع الصحافة و الدعاية في نظام فرانكو. يُقال أنه كان يدير مكتب الصحافة كثكنة عسكرية, حيث كان يرغم الصحفيين على الاصطفاف عند إطلاقه الصافرة. في عام 1941 التقى و أُغرم بكاسيت ريتا Rita Gasset ابنة الوزير السابق رفاييل كاسيت و ابنة عم الفيلسوف خوثي أورتيغا إي كاسيت. لمّا حملت ريتا, قرّر ميلان الانفصال عن زوجته الأولى إلبيرة, و بسبب مخاوف فرانكو من الفضيحة, اتجه ميلان و ريتا إلى لشبونة و هناك أنجبت في 23 يناير 1942 ابنتهما برغرينا Peregrina. 

وفاته
توفي ميلان أستراي في مدريد يوم فاتح يناير 1954 بسبب مشاكل في القلب, و كان حينها يتولى منصب المدير العام لمؤسسة"فرسان المعطوبين في الحرب من أجل الوطن". طبيبه و صديقه في "اللفيف" مانو خوثي رودرغيث ريي Mano José Rodriguez Rey هو من أخبر فرانكو بوفاة ميلان. دُفن في مقبرة بلدة المُدينة Almudena. 

إرثه
كان ميلان أستراي مهووسا بالثقافة اليابانية, و خاصة البوشيدو Bushido. و هو يُعتبر مترجم النسخة القشتالية لكتاب The soul of Japan رغم أن النص المُترجم يذكر "تعاون" لويس ألفارس دي إسبيخو Luis Alvarez de Espejo.  أسس بتعاون مع صحفيين و كُتاب مثل رويز ألبنييز, ديونيسيو ردرويخو و إرنستو خمنيث كاباييرو راديو إسبانيبا الوطني, و هو الراديو الرسمي للمعسكر الثائر على الجمهورية. و بكونه مُحاضرا و مُعلَقا في الراديو خلال الحرب الأهلية, فقد كان واحدا من مخططي صعود نجم فرانكو لقمة هرم الدولة في حكومة برغش و واحدا من مؤسسي أسطورة فرانكو "الزعيم".

الهوامش:

(1) مقال "Los politicos espanoles tambien tienen sus "Affaires de canapé" لبيدرو غارسيا لواسيس.
 
هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق