الثلاثاء، 10 مارس 2015

الشيوعية الإسبانية دولوريس إيبارُّوري Dolores Ibarruri (باسيوناريا Pasionaria)

الشيوعية الإسبانية دولوريس إيبارُّوري Dolores Ibarruri (باسيوناريا Pasionaria)

دلورس إيباروري - لاباسيوناريا

وُلدت السياسية الإسبانية دولوريس إيباروري غوميز Dolores Ibarruri Gomez, و تُدعى أيضا باسيونارياPasionaria (و يعني إكليل الألم, استعارة من الإكليل على رأس السيد المسيح بعد صلبه), ببلدة غايارتا Gallartaفي بلاد الباسك يوم التاسع من دجنبر 1895 و توفيت في مدريد يوم 12 نونبر 1989. تعتبر واحدة من أبرز الوجوه السياسية خلال الجمهورية الإسبانية الثانية (1931-1939) و أثناء الحرب الأهلية (1936-1939). تُعد الزعيمة التاريخي للحزب الشيوعي الإسباني, و جمعت إلى جانب نضالها السياسي الكفاح من أجل حقوق المرأة حيث عملت على إثبات أن النساء كيفما كُنَِ هُن حُرات في تقرير مصيرهن. تعتبر صاحبة العبارة الشهيرة "لن يمُروا" No pasaran التي صارت شعارا لمقاومة الغزاة, و قد صرخت بها في خطاب لها في مدريد خلال حصار قوات فرانكو للمدينة. كما تُنسب إليها أيضا مقولة: "من الأفضل الموت واقفا على الحياة راكعا".     


السنوات الأولى

وُلدت دلورس في بلدة غايارتا Gallarta ببلاد الباسك و قد تغير موقعها اليوم بسبب إقامة منجم مكانها, و هي تنتمي لبلدية أبانتو إي سيرفانا Abanto y Ciervana. تنتمي دلورس لعائلة تعمل في قطاع المناجم. والدها أنطونيو إيباروري كان عاملا كارليَّ الأيديوليوجية Carlista (تيار سياسي محافظ معاد لليبرالية) عُثر عليه رضيعا متروكا في مدخل كنيسة بلدة "إيباروري" التي حمل اسمها فيما بعد, و قد أٌلحقت هذه البلدة عام 1965 بمنطقة موخيكا Mujica الباسكية. أما والدتها خوليانا غوميز باردو فتنحدر من بلدة قسطلرويز Castelruiz بإقليم سوريا Soria. 

وجدت دلورس نفسها مرغمة عام 1910 على ترك مقاعد الدراسة بسبب صعوبة الظروف الاقتصادية, و كانت قد بلغت في تعليمها مراحل متقدمة و شرعت في تحضير الماجستير. عملت كخياطة و خادمة, و قالت عن هذه الفترة من حياتها: "من كان سيدفع مصاريف السفر و الكتب و الطعام و التسجيل؟...كانت الظروف تهيؤني لأصير خادمة في البيوت أو أتزوج فأصبح امرأة عامل منجم, فأكرر بالتالي تاريخ عائلتي الطويل".

تزوجت عبر الكنيسة يوم 16 فبراير 1916 من عامل منجم اشتراكي يُدعى خوليانو رويز كابينيا Juliano Ruiz Gabina و استمر زواجهما 17 عاما. انتقلا للعيش في سوموروسترو Somorrostro. كانت دولورس مولعة بالقراءة و كانت تستغل منصب زوجها القيادي الاشتراكي للتعرف على الماركسية المُناقِضة تماما للتربية المحافظة و الكاثوليكية التي تلقتها. كانت دولورس تعتبر العقيدة الماركسية وسيلة إديولوجية للنضال من أجل "تحرير الطبقة العاملة".

شاركت إلى جانب زوجها في الإضراب العام لسنة 1917, و انضمت للتجمع الاشتراكي ببلدة سوموروسترو, و انشقت عنه رفقة زوجها مع المنشقين الشيوعيين عام 1919.  و في عام 1920 تأسس الحزب الشيوعي الإسباني و انخرطت دولورس في لجنته الإقليمية ببلاد الباسك.

المسار السياسي

في أحد مهرجاناتها الخطابية

تأثرت دلوريس كثيرا بالثورة البولشفية في روسيا  عام 1917 . و في عام 1918 استعملت لأول مرة الاسم المستعار Pasionaria خلال نشرها لمقال كتبته في صحيفة عمالية تُدعى "عامل المنجم الباسكي" El minero vizcaino. شغلت منذ البداية مناصب المسؤولية في الحزب الشيوعي الإسباني PCE ما أدى لاعتقالها في مناسبات عديدة. عام 1930 أصبحت عضوا في اللجنة المركزية للحزب, و في السنة الموالية, لما سقطت الملكية و قامت الجمهورية تقدمت لانتخابات المجلس التأسيسي لكنها فشلت في الفوز بمقعد. في نفس السنة انتقلت للاستقرار في مدريد حيث عملت في هيئة تحرير جريدة الحزب الشيوعي "العالم العمالي" Mundo Obrero. عام 1933 عُينت رئيسة لاتحاد النساء المعاديات للفاشية. بعد طلاقها من زوجها خوليانو, ربطت دولورس علاقة غرامية بفرانثيثكو أنطون Francisco Anton القيادي بالحزب الشيوعي فرع مدريد و الذي يصغرها ب 14 عاما.

أنجبت من زوجها خوليانو 6 أبناء: إستر Ester ن (1916-1919), روبن Ruben (1920-1942) الذي حارب في الحرب الاهلية و قُتل خلال خدمته كجندي ملازم أول في الجيش الأحمر السوفياتي خلال معركة ستالينغراد ضد الجيش الألماني يوم 14 شتنبر 1942, إضافة للتوائم الثلاثة أماغوريا Amagoria, أزوسينا Azucena و أمايا Amaya في عام 1923. أماغوريا توفيت مباشرة بعد ولادتها, أما أزوسينا فتوفيت بعد سنتين. ثم ابنتها الأخيرة إيفا Eva في عام 1928 لكنها لم تعش إلا ثلاثة أشهر ثم ماتت.
 
مع ابنها روبن خلال الحرب الأهلية

رسخت دولوريس إيباروري صيتها السياسي و القيادي عبر صحافة الحزب حيث كانت تكتب في صحيفتي "عامل المنجم الباسكي" "El minero vizcaino و "صراع الطبقات" Lucha de clases باسمها المستعار Pasionaria الذي اختارته بسبب مصادفة أول مقالاتها للأسبوع المقدس لسنة 1918م. اعتُقلت عدة مرات بسبب خطاباتها القوية و اللاذعة و لنشاطها النضالي خلال المظاهرات الشيوعية. دخلت مجلس النواب في الفترة الجمهورية كنائبة عن الحزب الشيوعي لمنطقة أشتورياس عام 1936. 

كانت واحدة من الوجوه الرئيسية خلال الحرب الأهلية و انتُخبت خلالها نائبة رئيس المجالس الجمهورية عام 1937. تحولت خلال هذه الفترة إلى أسطورة حية بالنسبة لجزء كبير من الإسبان. عارضت تسليم المدينة من طرف الكولونيل سيغسموندو كاسادو Sigismundo Casado لقوات فرانكو عام 1939 و قد شكل هذا التسليم نهاية عملية للحرب الأهلية بهزيمة المعسكر الجمهوري.

فترة المنفى 
 
رفقة كاسترو

غادرت دولورس إيباروري إسبانيا بعد نهاية الحرب الاهلية عام 1939 و اختارت المنفى في مهد الشيوعية في الاتحاد السوفياتي. أثناء المنفى, و بعد وفاة الأمين العام للحزب الشيوعي الإسباني خوثي دييغو راموس  José Diengo Ramos اختيرت  لتعويضه على رأس الأمانة العامة عام 1942. شخصيتها القوية و البراغماتية جعلت منها سلطة تحكيمية بين أعضاء الحزب الشيوعي الإسباني المغتربين في الاتحاد السوفياتي. في نفس هذه السنة قُتل ابنها روبن في معركة الدفاع عن ستالينغراد. 

قدمت دولوريس عام 1960 استقالتها من الأمانة العامة للحزب الشيوعي الإسباني لتتولى رئاسته. و قد خلفها كأمين عام سانتياغو كاريو Santiago Carillo و الذي شغل المنصب إلى حدود عام 1982. كانت دولورس عضوا في أمانة التنظيم الشيوعي الدولي إلى جانب جيورجي دمتروف و بالميرو توغليالتي و موريس توريز و آخرين. ساندت دلوريس موسكو في كل الهزات التي عاشتها الحركة الشيوعية الدولية.  كما أدانت ثورة ربيع براغ بتشيكوسلوفاكيا عام 1968 ضد النظام السوفياتي و التي قُمعها ستالين بالحديد و النار. نشرت مذكراتها "السبيل الوحيد" El unico caminoعام 1962.


العودة لإسبانيا

بعد وفاة فرانكو عام 1975 وُضع حد للدكتاتورية بإسبانيا, فعادت دلورس لموطنها يوم 13 ماي 1977 خلال الفترة الانتقالية. انتُخبت مرة أخرى نائبة عن أشتورياس في أول انتخابات ديمقراطية مع أن دورها السياسي كان رمزيا أكثر منه تنفيدي.

توفيت دلورس في مدريد عام 1989 و دٌفنت في المجمع المدني لمقبرة المُدينا Almudena. في يونيو 2005 أقيم المؤتمر السابع عشر للحزب الشيوعي الإسباني و انتُخبت خلاله دولورس إباروري "رئيسة شرفية للحزب إلى الأبد".


أقوالها الخالدة:

من أقوال دولوريس إيباروري الخالدة "من الأفضل الموت واقفا على الحياة راكعا", و هي تُنسب في الأصل للثائر المسيكي الشهير إميليانو زاباطا و قامت هي باقتباسها منه و منحتها بذلك مكانتها الخالدة. 

كما تُعتبر صاحبة عبارة "لن يمُروا" No pasaran, و هي في الأصل تعود للجنرال الفرنسي فليب بيتان Philippe Pétain الذي قالها خلال معركة الدفاع عن فيردان Verdun الفرنسية في الحرب العالمية الأولى. خلَّدت دولوريس هاتين العبارتين و جعلتهما تراثا للبشرية جمعاء. كما تُنسب إليها أيضا مقولة: "ليس المحارب الأفضل هو من ينتصر دائما, و إنما من يعود بلا خوف  للمعركة".

جمع غفير من الشعراء الإسبان تغنوا بها و بذكراها مثل بابلو نيرودا Pablo Neruda, مكيل إيرنانديث Miguel Hernandez, رفاييل ألبرتي Rafael Alberi, آنا بلين Ana Belen و غيرهم. 
 
قبيل وفاتها

و من الأقوال الجدلية المنسوبة إليها قولها قبيل الحرب الأهلية عن الزعيم اليميني خوسي كالفو سوتيلو : "هذا الرجل يتكلّم للمرة الأخيرة" و لم تمضي سوى أيام قليلة على قولها المزعوم حتى اغتيل كالفو سوتيلو, و كان هذا الإغتيال أحد أسباب اندلاع الحرب الأهلية. لكن لا يوجد دليل ملموس على نطقها بذلك التنبؤ و قد نفت هي بنفسها قول ذلك. من جهة أخرى يؤكد المؤرخ و البرلماني  السابق سلفادور دي مادرياغا Salvador de Madariaga صحة قولها تلك الجملة و ذلك في كتابه "Espana. Ensayo de Historia contemporanea حيث أورد أن دولورس إيباروري, باسيوناريا, صرخت في اتجاه كالفو سوتيلو قائلة "هذا يتحدث للمرة الأخيرة". و إن صحت هذه الرواية, فهذا يعني تورط الحزب الشيوعي في اغتيال خوثي كالفو سوتيلوو و بالتالي يكون هذا الحزب هو مُشعل فتيل الحرب الأهلية الإسبانية التي أتت على الأخضر و اليابس.


صلة الرحم بالأندلس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق