كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الرابع)
موسوعة الأندلس.
دانييل بيبس |
المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان: The Alawi Capture of Power in Syria
ترجمته من الانجليزية إلى الفرنسية Anne Marie Delambre de Champvert .
رابط الجزء الأول: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الأول).
رابط الجزء الثاني: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثاني).
رابط الجزء الثالث: كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثالث)
الجزء الرابع
الارتقاء السريع للعلويين ما بين 1920 و 1970.
تَطَلَّبَ ارتقاء العلويين نصف قرن. في العشرينيات كانوا مايزالون الأقلية الوضيعة التي وصفنا تفاصيلها في الأجزاء السابقة, و في عام 1970 ارتقوا فأصبحوا أسياد سوريا. هذا التحول المدهش حدث على 3 مراحل:
* مرحلة الولاية الفرنسية (1920-1946)
* مرحلة السيطرة السُنية (1946-1963)
* مرحلة الصعود العلوي (1963-1970).
* مرحلة الولاية الفرنسية (1920-1946)
* مرحلة السيطرة السُنية (1946-1963)
* مرحلة الصعود العلوي (1963-1970).
* مرحلة الولاية الفرنسية:
حسب السياسي السوري البارز يوسف الحكيم, تبنى العلويون سلوكا مواليا للفرنسيين, حتى قبل الاحتلال الفرنسي لدمشق في يوليوز 1920. "كان يرى العلويون أنفسهم أمام فرصة للانعتاق بعد قرون من الجحيم, فانخرطوا بالكامل في العهدة الفرنسية و لم يرسلوا أي وفد للمؤتمر الوطني العام. كانوا يعارضون بشدة الأمير فيصل الحاكم العربي السني لسوريا ما بين 1918 و 1920 حيث كانوا يَشُكون في رغبته الهيمنة عليهم, الشيء الذي دفعهم للثورة على نظامه عام 1919, مستعملين السلاح الفرنسي. حسب مُتابع مُطلِع, كان العلويون يلعنون الإسلام و يدعون لتدمير الإمبراطورية العثمانية". المراقب العام الفرنسي في سوريا الجنرال كوغو Gouraud توصل بتلغرام في أواخر 1919 من 73 زعيما علويا يمثلون مختلف القبائل كانوا يطالبون بإنشاء نقابة نصيرية حرة تكون تحت الحماية الفرنسية.
بعد عامين, ثار العلويون بقيادة صالح العلي ضد الهيمنة الفرنسية, و هو حدث تعتز به حكومة الأسد اليوم و تعتبره من الرموز البارزة في تاريخ مناهضة الإمبريالية. لكن التمعن الدقيق في هذه الثورة يدفع للاعتقاد أن الثورة العلوية كان مردها أن الاسماعيليين, و هم أعداء للعلويين, قد انحازوا إلى صف الفرنسيين, ما أدى لاندلاع العداوة بين العلويين و الفرنسيين. و ما أن منحت السلطات الفرنسية حكما ذاتيا للعلويين حتى فازت بالدعم العلوي.
في واقع الأمر, كان استثباب الهيمنة الفرنسية بعد الحرب العالمية الأولى في صالح العلويين أكثر من غيرهم من الطوائف الأخرى. كانت الجهود الفرنسية للتعاون مع الأقليات تعني أن العلويين سيحصلون على الاستقلال السياسي و سيخرجون من جلباب الهيمنة السُنية, هكذا إذن تأسست دولة اللاذقية (أو دولة جبل العلويين) في فاتح يوليوز 1922. كما نالوا استقلالية قضائية, حيث وضع قرار عام 1922 حدا للمراقبة القانونية السُنية, فقام العلويون بتحويل ملفاتهم نحو قانونيين علويين. استفادت الدولة العلوية الوليدة من ضرائب منخفضة و من دعم فرنسي سخي. فليس من المستغرب إذن أن يستقبل العلويون هذه التغيرات بحماسة. أحد المؤرخين المناهضين للعلويين قال: "بينما كانت حركات المقاومة تتصاعد ضد العُهدة الفرنسية, و بينما كانت دمشق و حلب و حوران تعيش على وقع تمردات مستمرة مطالبة بالوحدة و استقلال السوريين, كان النصيريون يباركون تقسيم البلاد إلى دويلات صغيرة".
في المقابل ساهم العلويون في إبقاء السيطرة الفرنسية, فمثلا صوتوا بكثافة عندما قاطع أغلب السوريين الانتخابات المُنظمة من طرف السلطات الفرنسية في يناير 1926, و وفروا عددا من الجنود للحكومة التابعة لفرنسا يفوق نسبتهم, مُشكلين أكثر من نصف الفيالق الثمانية للمشاة المُشكِلة "للقوات الخاصة" لجيش الشرق, كما عملوا شرطيين و مُخبِرين. ظلت الغالبية العظمى من "القوات الخاصة" إلى حدود ماي 1945 وفية لقادتها الفرنسيين. كان العلويون يخترقون المظاهرات السُنية, يُكسرون الإضرابات و يقمعون التمردات. كانوا موافقين صراحة على استمرار السيطرة الفرنسية و ذلك خوفا من أن يؤدي زوال حكم فرنسا إلى عودة الهيمنة السُنية عليهم. هنري دو جوفنيل Henri De Jouvenel المراقب العام الفرنسي لسوريا بين 1925 و 1927 تحدث عن سياسي علوي رفيع المستوى قال له "نجحنا في ظرف 3 أو 4 سنوات في تحقيق تقدم عجزنا عن تحقيقه في 3 أو 4 قرون. دَعُونا الآن في الوضع الذي نحن عليه".
عَبَّرَ العلويون صراحة عن مشاعرهم الموالية للفرنسيين عام 1936 لما أثار إلحاق الدولة العلوية مؤقتا بسوريا احتجاجات عارمة في صفوفهم. في هذه السنة رفع العلويون استعطافا للحكومة الفرنسية اعتبروا فيه الوحدة مع "السُنة" بمثابة "استعباد" لهم. في 11 يونيو 1936, بعث زعيم علوي رسالة إلى الوزير الأول الفرنسي ليون بلوم ذكره فيها "بعمق الشرخ الذي يفصل بيننا (العلويين) و بين السوريين (السُنة)" و طلب منه "تصور النكبة الكارثية التي ستنجُم عن الإلحاق".
بعد أيام, 6 من أعيان العلويين (بينهم سليمان أسد الذي يُقال أنه جد حافظ الأسد) بعثوا رسالة لليون بلوم ضمَّنوها الكثير من ملاحظاتهم: اختلاف العلويين عن السُنة دينيا و تاريخيا, لهذا يرفض العلويون الانضمام لسوريا لأنها دولة سُنية و السُنة يعتبرون العلويين كفارا, و بالتالي نهاية العُهدة الفرنسية ستُعرِضُ العلويين لخطر قاتل, "نَفَس الفيودالية الدينية يجعل البلد غير قابل للاستقلال, في المقابل, على فرنسا ضمان الحرية و الاستقلال للعلويين عبر البقاء في سوريا".
و في مُذكرة أخرى مرفوعة من العلويين لحكومة فرنسا في يوليوز 1936 نقرأ : "هل يجهل الفرنسيون اليوم أن الحروب الصليبية ما كانت لتفشل لو أن قلاعهم شُيدت في الشمال الشرقي لسوريا, في أرض النصيريين؟...نحن أكثر الأشخاص وفاءا لفرنسا". استعطاف آخر في شتنبر 1936 وُقِع من طرف 450 ألف علوي, نصراني و درزي, و جاء فيه: "يرى العلويون أنفسهم بشرا لا دواباً تُساقُ للذبح. لا توجد قوة في العالم تستطيع إجبارهم على الخضوع لنزوة خصومهم التقليديين و التاريخيين بإبقائهم عبيدا عندهم إلى الأبد. سيتحسرُ العلويون على خسارة صداقتهم و ارتباطهم الوفي بفرنسا النبيلة التي كانت إلى الآن محبوبة و مُقدرَة و معشوقتهم". مع ذلك خسرت اللاذقية مكانتها كدولة مُستقلة في دجنبر 1936, لكنها بقيت تستفيد من نظام إداري و مالي خاص.
اتخذت المقاومة العلوية للحكم السُني منعطفا آخر عام 1939 مع انطلاق ثورة مسلحة بقيادة سليمان مُرشد, و هو زعيم علوي محتال, بدين, أمي و مدعي معجزات, بل و كان يدعي الألوهية. ثار مُرشد على الأغلبية السنية بأسلحة فرنسية و استطاع تجنيد حوالي 5 آلاف مناصر علوي. ورد في تقرير قنصلي ابريطاني عام 1944: "القادة العلويون المحليون لهم تصور لنظام جديد في سوريا قائم على حكومة وطنية تعاملهم على الطريقة الفرنسية, تُعزز سلطانهم و تغمض أعينها عن تجاوزاتهم. إنهم يقومون بكل ما في وسعهم لتهييء الأمور, و يبدو أن الفرنسيين يدعمون الحركة". نجح مرشد في إبقاء سلطة دمشق بعيدة عن المناطق العلوية.
حتى الاستقلال, استمر الزعماء العلويون في تقديم عرائض للفرنسييين حتى تستمر رعايتهم لهم, مثل وثيقة وقعها 12 زعيما في مارس 1945 دعوا خلالها كل الجنود العلويين للبقاء تحت القيادة الفرنسية, كما دعوا إلى التحكيم الفرنسي في الخلافات بين الحكومة العلوية و دمشق.
في المقابل ساهم العلويون في إبقاء السيطرة الفرنسية, فمثلا صوتوا بكثافة عندما قاطع أغلب السوريين الانتخابات المُنظمة من طرف السلطات الفرنسية في يناير 1926, و وفروا عددا من الجنود للحكومة التابعة لفرنسا يفوق نسبتهم, مُشكلين أكثر من نصف الفيالق الثمانية للمشاة المُشكِلة "للقوات الخاصة" لجيش الشرق, كما عملوا شرطيين و مُخبِرين. ظلت الغالبية العظمى من "القوات الخاصة" إلى حدود ماي 1945 وفية لقادتها الفرنسيين. كان العلويون يخترقون المظاهرات السُنية, يُكسرون الإضرابات و يقمعون التمردات. كانوا موافقين صراحة على استمرار السيطرة الفرنسية و ذلك خوفا من أن يؤدي زوال حكم فرنسا إلى عودة الهيمنة السُنية عليهم. هنري دو جوفنيل Henri De Jouvenel المراقب العام الفرنسي لسوريا بين 1925 و 1927 تحدث عن سياسي علوي رفيع المستوى قال له "نجحنا في ظرف 3 أو 4 سنوات في تحقيق تقدم عجزنا عن تحقيقه في 3 أو 4 قرون. دَعُونا الآن في الوضع الذي نحن عليه".
عَبَّرَ العلويون صراحة عن مشاعرهم الموالية للفرنسيين عام 1936 لما أثار إلحاق الدولة العلوية مؤقتا بسوريا احتجاجات عارمة في صفوفهم. في هذه السنة رفع العلويون استعطافا للحكومة الفرنسية اعتبروا فيه الوحدة مع "السُنة" بمثابة "استعباد" لهم. في 11 يونيو 1936, بعث زعيم علوي رسالة إلى الوزير الأول الفرنسي ليون بلوم ذكره فيها "بعمق الشرخ الذي يفصل بيننا (العلويين) و بين السوريين (السُنة)" و طلب منه "تصور النكبة الكارثية التي ستنجُم عن الإلحاق".
و في مُذكرة أخرى مرفوعة من العلويين لحكومة فرنسا في يوليوز 1936 نقرأ : "هل يجهل الفرنسيون اليوم أن الحروب الصليبية ما كانت لتفشل لو أن قلاعهم شُيدت في الشمال الشرقي لسوريا, في أرض النصيريين؟...نحن أكثر الأشخاص وفاءا لفرنسا". استعطاف آخر في شتنبر 1936 وُقِع من طرف 450 ألف علوي, نصراني و درزي, و جاء فيه: "يرى العلويون أنفسهم بشرا لا دواباً تُساقُ للذبح. لا توجد قوة في العالم تستطيع إجبارهم على الخضوع لنزوة خصومهم التقليديين و التاريخيين بإبقائهم عبيدا عندهم إلى الأبد. سيتحسرُ العلويون على خسارة صداقتهم و ارتباطهم الوفي بفرنسا النبيلة التي كانت إلى الآن محبوبة و مُقدرَة و معشوقتهم". مع ذلك خسرت اللاذقية مكانتها كدولة مُستقلة في دجنبر 1936, لكنها بقيت تستفيد من نظام إداري و مالي خاص.
اتخذت المقاومة العلوية للحكم السُني منعطفا آخر عام 1939 مع انطلاق ثورة مسلحة بقيادة سليمان مُرشد, و هو زعيم علوي محتال, بدين, أمي و مدعي معجزات, بل و كان يدعي الألوهية. ثار مُرشد على الأغلبية السنية بأسلحة فرنسية و استطاع تجنيد حوالي 5 آلاف مناصر علوي. ورد في تقرير قنصلي ابريطاني عام 1944: "القادة العلويون المحليون لهم تصور لنظام جديد في سوريا قائم على حكومة وطنية تعاملهم على الطريقة الفرنسية, تُعزز سلطانهم و تغمض أعينها عن تجاوزاتهم. إنهم يقومون بكل ما في وسعهم لتهييء الأمور, و يبدو أن الفرنسيين يدعمون الحركة". نجح مرشد في إبقاء سلطة دمشق بعيدة عن المناطق العلوية.
سليمان المُرشد |
حتى الاستقلال, استمر الزعماء العلويون في تقديم عرائض للفرنسييين حتى تستمر رعايتهم لهم, مثل وثيقة وقعها 12 زعيما في مارس 1945 دعوا خلالها كل الجنود العلويين للبقاء تحت القيادة الفرنسية, كما دعوا إلى التحكيم الفرنسي في الخلافات بين الحكومة العلوية و دمشق.
موسوعة الأندلس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق