الاثنين، 8 يونيو 2015

كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثالث)



كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء الثالث).

موسوعة الأندلس
دانييل بيبس

المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان:  The Alawi Capture of Power in Syria

ترجمته من الانجليزية إلى الفرنسية Anne Marie Delambre de Champvert . 
الجزء الثالث
علاقة العلويين بالسُنة
في العادة, لا يُقيمُ غالبية المسلمين، سنةًَ و شيعةًَ، اعتبارا لجهود العلويين للتخفي, فقد اعتبروا العلويين طائفة مارقة عن الإسلام و غير مسلمة. حمزة ابن علي, أبرز أئمة الدروز, اعتبر أن جاذبية هذا الدين تكمن في فساده، و أشار بوضوح لوجهة نظره: "جميع ما حُرِّم من القتل والسرقة والكذب والبهتان والزنا واللياطة فهو مطلق للعارف والعارفة". من جهته اعتبر أبو حامد الغزالي (1058-1111), الذي يُعدُ في الإسلام بمثابة طوماس الأكويني في الكاثوليكية, "القول الوجيز فيه أنه يسلك مسلك المرتدين في النظر في الدم والمال والنكاح والذبيحة ونفوذ الأقضية وقضاء العبادات".


أما أحمد بن تيمية (1268-1328), الكاتب السني السوري الأصل الذي  لازال له تأثير قوي إلى اليوم, فقد أصدر فتوى فحواها أن "هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الْمُسَمَّوْنَ بالنصيرية هُمْ وَسَائِرُ أَصْنَافِ الْقَرَامِطَةِ الْبَاطِنِيَّةِ أَكْفَرُ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ; بَلْ وَأَكْفَرُ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَعْظَمُ مِنْ ضَرَرِ الْكُفَّارِ الْمُحَارِبِينَ مِثْلَ كُفَّارِ التَّتَارِ والفرنج وَغَيْرِهِمْ . ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يَتَظَاهَرُونَ عِنْدَ جُهَّالِ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّشَيُّعِ وَمُوَالَاةِ أَهْلِ الْبَيْتِ وَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِرَسُولِهِ وَلَا بِكِتَابِهِ وَلَا بِأَمْرِ وَلَا نَهْيٍ وَلَا ثَوَابٍ وَلَا عِقَابٍ وَلَا جَنَّةٍ وَلَا نَارٍ وَلَا بِأَحَدِ مِنْ الْمُرْسَلِينَ قَبْلَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَلَا بِمِلَّةِ مِنْ الْمِلَلِ السَّالِفَةِ". ابن تيمية حذَر من الشر الذي قد يصدر منهم: "وَلَهُمْ فِي مُعَادَاةِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ وَقَائِعُ مَشْهُورَةٌ وَكُتُبٌ مُصَنَّفَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ مُكْنَةٌ سَفَكُوا دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ ". و اعتبر "ألا ريب أن جهاد هؤلاء وإقامة الحدود عليهم من أعظم الطاعات وأكبر الواجبات وهو أفضل من جهاد من لا يقاتل المسلمين من المشركين وأهل الكتاب."

خارطة مذهبية لسوريا
لم يكن للعلويين وضع معلوم في النظام المِلِّي للإمبراطورية العثمانية. ظهير عثماني يعود لعام 1571 ذكر أن "نظاما قديما" كان يُطالب العلويين بدفع ضرائب إضافية للسلطات و كانوا يبررون ذلك بأن العلويين "لا يصومون, لا يصلون المكتوبة و لا يُوقرون أي ركن من أركان الدين الإسلامي". لقد اعتاد السُنة اعتبار المواد الغذائية التي يُنتجها العلويون نجسة و كانوا يتجنبون تناولها. حسب الجغرافي الفرنسي جاك وولرس Jacques Weulersse المتخصص بالعالم العربي (1905-1946) "لا يجرأ العلوي على دخول مسجد مسلم. قديما, ما كان أحد من زعمائهم الدينيين قادرا على الذهاب إلى المدينة يوم صلاة الجمعة دون أن يواجه خطر الرجم. كل مظهر علني لهوية مخالفة للطوائف كان يُعتبر تحديا في أعين السُنة".
لم يكن السُنة وحدهم  من يعتبرون العلويين مارقين من الدين الإسلامي, فالتيار الغالب لدى الشيعة سار على نفس المنوال. العلويون كانوا بدورهم يرون العديد من النواقص للجماعتين السالفتين. فُقهاء النحل السنية أدانوا المعتقدات العلوية و اعتبروا العلويين كفارا مشركين. أما فقهاء النِحل الشيعية الإثناعشرية فكانوا أقل حدة اتجاههم حيث كانوا يعتبرون العلويين غُلاة تجاوزوا الحدود بتأليههم لعلي. أما  العلويون فاعتبروا الشيعة الإثنا عشرية مُقصرين بعيدين عن إيتاء ألوهية علي حقها. 

كان هناك استثناء في هذا الإجماع على أن العلويين ليسوا مسلمين. في أواخر القرن 19م و مع وصول المبشرين النصارى و إبداء اهتمامهم بالعلويين, حاولت السلطات العثمانية ضمهم للإسلام. كانت للفرنسيين صلات خاصة بالكاثوليكيين و المارونيين في الشرق الأوسط, و كانت السلطات في إسطنبول تخشى أن تكون صلات مشابهة في طور النشوء مع العلويين, فقاموا بتشييد مساجد في مناطق العلويين و مدارس لتعليمهم الإسلام, كما قاموا بالضغط على الزعماء الدينيين العلويين لتبني طقوس سُنية؛ باختصار, حاولوا جعل العلويين يتصرفون كمسلمين حقيقيين. هذه الحالة المنعزلة انتهت بعد بضعة عقود و لم يكن لها أثر كبير على سلوك العلويين.
تحفظُ الديانة الإسلامية عداوة خاصة للعلويين. فعلى غرار الفرق التي ظهرت بعد الإسلام (كالبهائية و الأحمدية), يناقضُ العلويون  مبدأ أن محمد هو خاتم أنبياء الله, و هو اعتقاد يراه المسلمون غير مقبول. تعترف الشريعة الإسلامية بشرعية اليهودية و النصرانية, لأن هذه الديانات سبقت الإسلام و بالتالي بإمكان اليهود و النصارى الحفاظ على معتقداتهم. لكن العلويين محرومون من هذا الامتياز, حيث تنصُ تعاليم الإسلام على أن المرتدين, كالعلويين, يُباعون كعبيد أو يُقتلون. في القرن 19, أفتى شيخ سُني يُدعى ابراهيم المغربي بأن المسلمين يُمكنهم أخذ ملكية و حياة العلويين بكل حرية, بينما نقل الرحالة البريطاني ما يقال عنهم قائلا: "هؤلاء النصيريون, قتل واحد منهم خير من الصلاة طيلة اليوم".
كانوا يتعرضون للاضطهاد بصفة دورية, فحوالي 20 ألف قُتِلوا عام 1317, و نصف هذا العدد عام 1516, ما دفعهم للانعزال جغرافيا عن باقي العالم ببقائهم في مناطقهم الريفية. الجغرافي الفرنسي جاك وولرس شرح وضعيتهم الصعبة: "مهزومون و مُضطَهَدون, اختفى أتباع النِحل المُهرطِقة أو تخلوا عن الدعوة "لنحلتهم" للبقاء,...العلويون في هدوء انزووا في جبالهم...منعزلون في منطقة وعرة, مُحاطون بساكنة عدائية, و بلا أي اتصالات مع العالم الخارجي, بدأ العلويون يعيشون وجودهم المُنعزل في سرية و اضطهاد. عقيدتهم, و قد اكتمل تكوينها, لم تتطور بعد ذلك".
من جهته أورد المؤرخ الفرنسي المتتبع لتاريخ العلويين جون إميل جانو Jean emile Janot: "مُضطَهَد من طرف الأتراك, ضحية نبذِ حازم, مُبتزٌ من طرف مالكه المسلم, كان العلوي بالكاد يجرأ على مغادرة منطقته الجبلية حيث الانعزال و الفقر كانا يحمياته". في نهاية سنوات العشرينيات, أقل من نصف واحد بالمئة كانوا يعيشون في المدن: فقط 771 علويا, من مجموع ساكنة حضرية تعدادها 176 285. عام 1945, 56 علويا فقط تسجلوا على أنهم يعيشون في دمشق, مع أن الكثيرين استطاعو إخفاء هويتهم. لقد أصبح اسم نُصيري مرادفا لقروي. العلويون القلائل الذين كانوا يعيشون بعيدا عن جبالهم مارسوا التقية باستمرار. و إلى اليوم, يغلب العلويون في المناطق الريفية للاذقية, لكنهم لا يمثلون سوى 11 بالمئة من ساكنة عاصمة هذه المنطقة.

 جون لوي بوركهارت
لقد عبثت قرون من العداوة بالسيكولوجية العلوية. فإضافة للدعاء بلعن أعدائهم السُنة, هاجم العلويون الأجانب. لقد نالوا سُمعة رجال جبل شرسين و غير منضبطين عارضوا دفع الضرائب الواجبة للسلطات و غالبا ما غزوا و نهبوا القرويين السُنة في السهول. في عام 1812 لاحظ الرحالة و المؤرخ السويسري جون لوي بوركهارت Jhon Lewis Burdchardt - المعروف بابراهيم بن عبد الله و هو مكتشف البتراء- أن القرويين السُنة "كانوا يبغضون النصيريين بسبب دينهم, و كانوا يخشونهم, لأنهم كانوا غالبا ما ينزلون من الجبال ليلا و يعبرون نهر العاصي و يسرقون أو ينتزعون بالقوة دواب الوادي".

كانت الأمور تبدو أكثر سوءا عام 1860, حيث ذكر الكاتب و المُبشر البريطاني صامويل ليد Samuel Lyde  ى (1820-1865) درجة كره العلويين لغيرهم : "ليس هناك أبسط من أن يقتلوا مسلما لأنه عدو طبيعي أو نصراني لأنه شيء نجس". في نفس الفترة, كاتب و دليل سفر بريطاني كتب محذرا من الاستقبال الفج الذي  يجب توقعه من طرف العلويين: "إنهم عنصر همجي و شرس شيئا ما, ميالون للنهب و السلب و لإسالة الدماء إذا أُثيرت مشاعرهم أو أُثيرت شكوكهم"..." لهذا, يجب الحذر عند عبور أرضهم" .

انسحب العلويون إلى الجبل بسبب اضطهادهم و استقروا هناك في منأى عن العالم أجمع, من دون سلطة سياسية تتعدى حدود منطقتهم, بعيدا عن المراكز الإدارية الأكثر أهمية, تقريبا خارج نطاق التغيير التاريخي. استمرار وجود الممارسات القديمة في القرن العشرين جعل من المنطقة العلوية بلدا متخلفا. لم يتغير الشيء الكثير هناك ف "ليس الجبل الذي تمت أنسنته, و إنما الإنسان الذي أصبح متوحشا".عانى العلويون من هذا الوضع, "فالملجأ الذي غلبوا عليه أصبح سجنا, فرغم أنهم أسياد الجبل إلا أنه لم يكن بإمكانهم مغادرته".

واجهت الحكومات مشاكل لترويض الأراضي العلوية. ففي واقع الأمر لم تسقط تحت السيطرة العثمانية إلا في نهاية سنوات 1850. أدت تهدئة المنطقة فيما بعد لحدوث اختراقات اقتصادية سُنية و لتكوين طبقة علوية دُنيا. مثل مزارعين سيئي التربية مفتقرين لتنظيم سياسي أو لقوة عسكرية, عمل العلويون عموما  في مزارع تابعة لمُلاك عرب سنة,  و لا يينالون سوى خُمس الإنتاج. أما مُحصلو الضرائب العثمانيون فطالبوا غالبا في منطقة اللاذقية بضعف أو ب 3 أضعاف الضريبة الواجبة.

نساء علويات قديما
كان يعيش العلويون في فقر مذقع بعد الحرب العالمية الأولى ما دفع الكثير من الشباب لمغادرة وطنهم و الذهاب للعمل في مناطق أخرى. غادر الأبناء بحثا عن عمل كخدم أو الالتحاق بالقوات المسلحة. أما الفتيات فذهبن في سن السابعة أو الثامنة للعمل كخادمات في الوسط الحضري لدى العرب السُنة. انتهى المطاف بالكثير منهن عشيقات لأسيادهم (هناك تقديرات بأن حوالي ربع الاطفال العلويين في سنوات الثلاثينات و الأربعينات كان والدهم سُنيا), و قد وجد المسلمون و العلويون هذا الأمر مخجلا للغاية. بل كانت الفتيات تُبعن في بعض الحالات. لقد كان العلويون من بين أفقر فئات المشرق. المبشر البريطاني صامويل ليد Samuel Lyde ذهب إلى أبعد من ذلك بكثير حين كتب عام 1860 أن حالة المجتمع العلوي كانت بحق الجحيم فوق الأرض.

أججت الآثار السياسية للفقر الانقسامات التي اتبعت مسار الشرخ الجيوغرافي و الطائفي. كان السُنة يعيشون في المدن و كانوا أثرياء و سيطروا على العلويين. عام 1934 وصف الجغرافي الفرنسي جاك وولرس كيف كانت كل طائفة تعيش منعزلة مع عاداتها و قوانينها الخاصة بها. كانوا مختلفين و مُتعادين...فكرة الزواج المختلط كانت لا تخطر على البال. عام 1946 أورد جاك أن العداء بين الساكنة الحضرية و القروية عميق إلى درجة يمكن الحديث معها عن شعبين مختلفتين يتعايشان في إطار سياسي واحد. جيل بعد ذلك, لاحظ الباحث الألماني في شؤون الشرق الأوسط نيكولاوس فان دام أن التناقضات الحضرية - القروية كانت كبيرة بشكل  بدت خلاله المدن كمستعمرات للأجانب ملاصقة الساكنة الفقيرة في الوسط القروي...مع مرور الوقت, استحكمَ في الطائفة العلوية حذر كبير من السُنة الذين كانوا  مُضطهديهم على الدوام. هذا الشعور العلوي اتجاه السنة أعطى ثماره  في السنوات الأخيرة.

موسوعة الأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق