كيف سيطرت طائفة الأسد على الحكم في سوريا (الجزء السادس)
موسوعة الأندلس
المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان: The Alawi Capture of Power in Syria
رابط الجزء الثاني: كيف سيطرت طائفة الأسدالحكم في سوريا (الجزء الثاني).
الرجل الذي كسب الصراع الطويل للسيطرة على سوريا يُدعى حافظ ابن علي ابن سليمان الأسد. وُلد حافظ يوم السادس من أكتوبر 1930 بالقرداحة, و هي بلدة قريبة من الحدود التركية و من مقر زعيم الطائفة الدينية العلوية. حافظ هو الابن الثاني بين 5 أبناء (بيات, حافظ, جميل, رفعت, بهيجة), و كان لوالده ابن أكبر من زوجة أخرى. تنتمي عائلة الأسد لفرع نُميلاتية المُنتسِب لقبيلة المطاورة, ما يعني أن أجداد الأسد قدِموا من العراق حوالي عام 1120م.
تختلف الروايات إن كان والده مجرد فلاح بسيط, أو مزارع متوسط الحال, أو واحد من أعيان المنطقة. لكن الراجح أن العائلة كانت ميسورة الحال, ففي الوقت الذي كانت فيه منازل القرداحة مبنية بالطين الجاف, كانت عائلة الأسد تملك بيتا حجريا. مع ذلك, روَّج الأسد لتاريخ عائلي مبني على الفقر, حيث كان يحكي لضيوفه بعد توليه السلطة أنه كان يضطر لمغادرة مقاعد الدراسة إلى حين يُوفر والده 16 ليرة لدفع مصاريف المدرسة.
سواء كانت هذه الرواية صحيحة أم لا, فحافظ الأسد كان تلميذا نجيبا, و حسب ملفه الأكاديمي, انتقل إلى اللاذقية عام 1940 حيث ولج إعدادية اللاذقية. بعد عام 1944 غير اسمه العائلي من "وحش" إلى الأسد. عام 1948 انتقل إلى دمشق و طلب التطوع في الجيش السوري للمشاركة في القضاء على دولة إسرائيل الوليدة, لكن طلبه رُفض لصغر سنه. لكن حسب روايته هو بنفسه, فقد شارك في حرب 48. عام 1950 ولج الأكاديمية العسكرية بحمص و تخرج منها عام 1952, ثم دخل للمدرسة الجوية بحلب في نفس السنة. تخرج منها طيارا مقاتلا في عام 1954 و تميز في هذا المجال, حيث شارك في صد العدوان الثلاثي على مصر و يُقال أنه أسقط طائرة بريطانية. درس الأسد في مصر ثم في الاتحاد السوفياتي طيلة 11 شهرا من عام 1958, حيث تكون على كيفية الطيران بطائرات الميغ 15 و 17, كما تعلم شيئا من اللغة الروسية. خلال سنوات الوحدة بين مصر وسوريا ( الجمهورية العربية المتحدة 1958-1961) عُينَ قائد سرب طائرات ليلية قرب القاهرة.
كان حافظ الأسد نشيطا على الصعيد السياسي منذ عام 1945, حيث تولى رئاسة لجنة الطلاب بإعدادية اللاذقية, ثم رئاسة الاتحاد الوطني للطلاب . كان ما يزال طالبا عندما اعتقلته السلطات الفرنسية بسبب نشاطه السياسي. التحق بصفوف حزب البعث بُعيد تأسيسه عام 1947, ما جعله واحدا من أوائل أعضاء الحزب. ظل نشيطا داخل الحزب رغم تسلقه درجات السلم العسكري. أثناء تواجده في مصر في عام 1959, ساعد في تأسيس اللجنة العسكرية لحزب البعث و تنظيم أنشطتها. في هذه الفترة شرع في تعزيز موقعه داخل القوات المسلحة السورية.
كان الأسد شخصية ذات أهمية في عام 1961, فالقادة المحافظون الذين استولوا على السلطة في دمشق في هذا العام بعد الانقلاب على الجمهورية المتحدة مع مصر, أجبروا حافظ الأسد على الاستقالة من منصبه كنقيب و منحوه منصبا أقل شأنا في وزارة النقل. ظل الأسد يشارك في اللجنة العسكرية لحزب البعث و شارك في الانقلاب الفاشل ل29 مارس 1962, فهرب إلى طرابلس بلبنان حيث اعتقلته السلطات هناك و سجنته لمدة 9 أيام أٌعيد بعدها إلى سوريا. بعد هذه المغامرة الفاشلة لعب دورا أساسيا في انقلاب عام 1963 فجوزي بدعوته للعودة للجيش و بصعود صاروخي في درجات السلم العسكري: من رائد في بداية عام 1963 إلى لواء في نهاية عام 1964, ثم ماريشال عام 1968. تولى الأسد قيادة سلاح الجو عام 1963 و جعل منه فاعدة للاستيلاء على الجيش و السلطة خلال سنوات الصراع التي ستلي.
كان دعم الأسد حاسما لانقلاب فبراير 1966 الذي أطاح بالرئيس أمين الحافظ و أتى بالعلويين إلى الحكم. كانت مكافأته ترقيته ليتولى منصب وزير الدفاع و ذلك بعد 20 دقيقة فقط من إعلان قيام النظام الجديد. هذا التطور الجديد سمح للأسد ببسط سيطرته حتى خارج القوات الجوية. ليقود انقلابا سماه حركة تصحيحية في نونبر 1970 اعتُبر تكريسا لاستيلاء العلويين على الحكم في سوريا.
خاتمة
تعكس الكيفية التي وصل بها العلويون إلى الحكم في سوريا الثقافة السياسية بهذا البلد, و تُبرزُ الروابط المعقد بين الجيش, الأحزاب السياسية و الطوائف الإثنية و الدينية. سار حزب البعث و الجيش و العلويون بنسق واحد. من له الفضل فيما وصله العلويون؟ هل القادة البعثيون أصبحوا جنودا علويين؟ أم جنود علويون في الأصل أصبحوا بعثيين؟ في حقيقة الأمر, هناك وصفة ثالثة أكثر دقة: كانوا علويين في الأصل, فأصبحوا بعثيين و جنودا.
كان لحزب البعث و للقوات المسلحة دور مهم للغاية في الوصول للسلطة و انتقال الحكم من السُنة إلى العلويين. لكن لا يجب إغفال المسألة المذهبية و إصرار العلويين ككتلة على الوصول للحكم, فكما هو الحال دائما في سوريا, الانتماء الإثني و الديني أساسي في تحديد الهوية. رؤية الأسد فقط من زاوية البعثية و العسكرية, و تجاهل المناخ السياسي السوري و الانتماء الطائفي تبقى رؤية منقوصة.
رد السُنة على استيلاء العلويين على الحكم اتخذ شكلا طائفيا يؤكد ما خلصنا إليه أعلاه (يُشكل السُنة حوالي 69 بالمئة من الشعب السوري). تَمثلَ جانب من المعارضة السُنية للحكم العلوي في تحدي تنظيم الإخوان المسلمين للحكومة بوسائل عنيفة و أحيانا إرهابية. لقد كان الإخوان المسلمون قريبين من قلب النظام.
رغم كل قوتهم الحالية, يبقى العلويون أقلية صغيرة و محتقرة, و من الحتمي فقدانهم للسيطرة على سوريا عاجلا أم آجلا. عندما سيحدث هذا الأمر, من المرجح أن تقضي عليهم الصراعات الطائفية المعششة على جميع الأصعدة, و ستكون معركتهم الحاسمة مع الغالبية السُنية. بالتالي سيكون سقوط العلويين -سواء من خلال اغتيال أعلى الشخصيات, انقلاب داخل القصر, أو ثورة جهوية - شبيها بصعودهم.
موسوعة الأندلس
موسوعة الأندلس
 |
| دانييل بيبس |
المرجع: بحث الأمريكي دانييل بيبس Daniel Pipes لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط Middle Eastern Studies عام 1989, بعنوان: The Alawi Capture of Power in Syria
ترجمته من الانجليزية إلى الفرنسية Anne Marie Delambre de Champvert .
رابط الجزء الثاني: كيف سيطرت طائفة الأسدالحكم في سوريا (الجزء الثاني).
الجزء السابع
 |
| حافظ الأسد |
سواء كانت هذه الرواية صحيحة أم لا, فحافظ الأسد كان تلميذا نجيبا, و حسب ملفه الأكاديمي, انتقل إلى اللاذقية عام 1940 حيث ولج إعدادية اللاذقية. بعد عام 1944 غير اسمه العائلي من "وحش" إلى الأسد. عام 1948 انتقل إلى دمشق و طلب التطوع في الجيش السوري للمشاركة في القضاء على دولة إسرائيل الوليدة, لكن طلبه رُفض لصغر سنه. لكن حسب روايته هو بنفسه, فقد شارك في حرب 48. عام 1950 ولج الأكاديمية العسكرية بحمص و تخرج منها عام 1952, ثم دخل للمدرسة الجوية بحلب في نفس السنة. تخرج منها طيارا مقاتلا في عام 1954 و تميز في هذا المجال, حيث شارك في صد العدوان الثلاثي على مصر و يُقال أنه أسقط طائرة بريطانية. درس الأسد في مصر ثم في الاتحاد السوفياتي طيلة 11 شهرا من عام 1958, حيث تكون على كيفية الطيران بطائرات الميغ 15 و 17, كما تعلم شيئا من اللغة الروسية. خلال سنوات الوحدة بين مصر وسوريا ( الجمهورية العربية المتحدة 1958-1961) عُينَ قائد سرب طائرات ليلية قرب القاهرة.
كان حافظ الأسد نشيطا على الصعيد السياسي منذ عام 1945, حيث تولى رئاسة لجنة الطلاب بإعدادية اللاذقية, ثم رئاسة الاتحاد الوطني للطلاب . كان ما يزال طالبا عندما اعتقلته السلطات الفرنسية بسبب نشاطه السياسي. التحق بصفوف حزب البعث بُعيد تأسيسه عام 1947, ما جعله واحدا من أوائل أعضاء الحزب. ظل نشيطا داخل الحزب رغم تسلقه درجات السلم العسكري. أثناء تواجده في مصر في عام 1959, ساعد في تأسيس اللجنة العسكرية لحزب البعث و تنظيم أنشطتها. في هذه الفترة شرع في تعزيز موقعه داخل القوات المسلحة السورية.
 |
| حافظ الأسد في مدرسة الطيران |
كان دعم الأسد حاسما لانقلاب فبراير 1966 الذي أطاح بالرئيس أمين الحافظ و أتى بالعلويين إلى الحكم. كانت مكافأته ترقيته ليتولى منصب وزير الدفاع و ذلك بعد 20 دقيقة فقط من إعلان قيام النظام الجديد. هذا التطور الجديد سمح للأسد ببسط سيطرته حتى خارج القوات الجوية. ليقود انقلابا سماه حركة تصحيحية في نونبر 1970 اعتُبر تكريسا لاستيلاء العلويين على الحكم في سوريا.
خاتمة
تعكس الكيفية التي وصل بها العلويون إلى الحكم في سوريا الثقافة السياسية بهذا البلد, و تُبرزُ الروابط المعقد بين الجيش, الأحزاب السياسية و الطوائف الإثنية و الدينية. سار حزب البعث و الجيش و العلويون بنسق واحد. من له الفضل فيما وصله العلويون؟ هل القادة البعثيون أصبحوا جنودا علويين؟ أم جنود علويون في الأصل أصبحوا بعثيين؟ في حقيقة الأمر, هناك وصفة ثالثة أكثر دقة: كانوا علويين في الأصل, فأصبحوا بعثيين و جنودا.
كان لحزب البعث و للقوات المسلحة دور مهم للغاية في الوصول للسلطة و انتقال الحكم من السُنة إلى العلويين. لكن لا يجب إغفال المسألة المذهبية و إصرار العلويين ككتلة على الوصول للحكم, فكما هو الحال دائما في سوريا, الانتماء الإثني و الديني أساسي في تحديد الهوية. رؤية الأسد فقط من زاوية البعثية و العسكرية, و تجاهل المناخ السياسي السوري و الانتماء الطائفي تبقى رؤية منقوصة.
رد السُنة على استيلاء العلويين على الحكم اتخذ شكلا طائفيا يؤكد ما خلصنا إليه أعلاه (يُشكل السُنة حوالي 69 بالمئة من الشعب السوري). تَمثلَ جانب من المعارضة السُنية للحكم العلوي في تحدي تنظيم الإخوان المسلمين للحكومة بوسائل عنيفة و أحيانا إرهابية. لقد كان الإخوان المسلمون قريبين من قلب النظام.
رغم كل قوتهم الحالية, يبقى العلويون أقلية صغيرة و محتقرة, و من الحتمي فقدانهم للسيطرة على سوريا عاجلا أم آجلا. عندما سيحدث هذا الأمر, من المرجح أن تقضي عليهم الصراعات الطائفية المعششة على جميع الأصعدة, و ستكون معركتهم الحاسمة مع الغالبية السُنية. بالتالي سيكون سقوط العلويين -سواء من خلال اغتيال أعلى الشخصيات, انقلاب داخل القصر, أو ثورة جهوية - شبيها بصعودهم.
موسوعة الأندلس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق