الأحد، 4 ديسمبر 2016

القائد العسكري الإسباني داماثو برنجل بني مالك Damaso Berenguer Benimeli

القائد العسكري الإسباني داماثو برنجل بني مالك

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 
داماثو برنجل

داماثو برنجل إي فوستي Damaso Berenguer y Fusté ا (1873-1953) هو عسكري و سياسي إسباني ترأس الحكومة الإسبانية ما قبل الأخيرة في عهد الملك ألفونسو الثالث عشر, و هي الحكومة التي أٌطلِقَ عليها "الديكتاتورية البيضاء"Dictablanca. في عام 1929 منحه الملك ألفونسو لقب "كونت الشاون الأول". 

و اصل اسمه العائلي Berenguer هو قبيلة بني برنجل التي كانت تقطن خلال العصر الإسلامي في منطقة قطلونية.


 السنوات الأولى

وُلدَ داماثو برنجل إي فوستي  في كوبا في مدينة سان خوان دي لوس ريمديوس San Juan de los Remedios يوم الرابع من غشت 1873. والده هو داماثو برنجل بني مالك Damaso Berenguer Benimeli ينحدرُ من بلدة كايوثا دي أنصاريا Callosa de Ensarria بلقنت Alicante, أما والدته دولورس فوستي بايستروس Dolores Fusté Ballesteros فتنحدر من هابانا الكوبية. انتقل إلى موطن والديه إسبانيا بغرض الولوج للأكاديمية العامة العسكرية, و ترقى عام 1893 إلى رتبة ملازم ثاني و سنه لم يتجاوز العشرين ربيعا. في عام 1894 عاد إلى مسقط رأسه كوبا للمشاركة في الحملة العسكرية ضد الاستقلاليين الكوبيين, فكانت هذه التجربة فاتحة سلسلة طويلة من المعارك و الحروب التي سيخوضها خلال مساره العسكري. رُقيَ في يوليوز 1895 إلى رتبة ملازم أول, و إلى نقيب في فبراير 1896 بفضل الشجاعة و الإقدام التي أبان عنهما في المعارك. و في عام 1898 تم ترفيعه إلى رتبة رائد, و بعدها بسنة تزوج من آنا إلزالدي Ana Elizalde. خدِمَ في القبطانية العامة لأندلوسيا و ترأس العديد من الأفواج العسكرية. كما عمِلَ أُستاذا في مدرسة الفروسية و شارك, ضمن اللجنة التكتيكية, في تحرير قانون للتدريب التكتيكي.


نجاحات عديدة و نكسة كبرى

النجاحات
عُينَ في سنة 1911 على رأس إدارة القوات النظامية المحلية بمدينة مليلية شمال المغرب حيث قام بإعادة تنظيمها. بحكم منصبه في المنطقة الإسبانية شمال المغرب, تدخل دماثو برنجل عسكريا في عدة مناطق مغربية, من بينها: جبل أعرويت, تاوريت ناريش, بني سيدل...إلخ. أظهر في جميع هذه المعارك مهنية و دهاءا, ما دفع القيادة العليا لترقيته عام 1912 إلى رتبة عقيد, إضافة لتوشيحه بالعديد من الأوشحة التشريفية على غرار صليب مارية كرستينا و صليب سان إرمنيخيلدو, ثم رُقيَ بعدها, يوم 20 يونيو 1913, إلى رتبة عميد, و قد أصبح يحضى باحترام و تقدير كبيرين في صفوف الجيش. في فبراير 1916 عُينَ حاكما عسكريا لمالقة و بعد سنتين تم ترفيعه إلى رتبة لواء. في نفس السنة, أي 1918, عُينَ وكيلا لوزارة الحربية في حكومتي غارسيا بريطو و الكوندي دي رومانونس. 

في أواخر يناير 1919, عُيِّنَ مراقبا عاما لإسبانيا في شمال المغرب, و من موقعه هذا وضع مخططا طموحا لتهدئة و إخضاع منطقة الحماية الإسبانية في المغرب. تُوجت مساعيه في البداية ببعض النجاحات, تمثلت أهمها في الاستيلاء على مدينة الشاون في أكتوبر 1920 ما جعل الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر يمنحه عام 1929 لقب كونت الشاون الأول. في فبراير 1921 عُينَ نائبا دائما في البرلمان الإسباني.


النكسة الكبرى
كل العمل الذي قام به برنجل في شمال المغرب انهار بعد نكبة أنوال عام 1921 و التي هَزم فيها الزعيم المغربي عبد الكريم الخطابي الجيش الإسباني. سوء التحضير (قلة الجنود, أسلحة قديمة), و التحركات العشوائية للجيش (عدم الوقوف على مكامن القوة لدى المقاتلين الريفيين) عوامل ساهمت في انهيار القوات الإسبانية أمام مقاتلي عبد الكريم الريفيين. نتيجة لهذه النكبة, أُبعِدَ برنجل عن الجيش و تمت متابعته لمسؤوليته عنها. لكن بعد انقلاب بريمو دي ربيرا في شتنبر 1923 تم العفو عنه و إعادته إلى الجيش, حيث أُسقطت عنه تهمة الإهمال و تم بعدها ترفيعه إلى رتبة لواء. و في عام 1924 سيعين قائدا للفرقة العسكرية الملكية.

سقوط الملكية الإسبانية

في يناير 1930 استقال الدكتاتور مكيل بريمو دي ربيرا قائد المجلس العسكري الذي كان يحكم إسبانيا منذ عام 1923 بعد أن خسر دعم الجيش و الملك له, هذا الأخير كلف دماثو برنجل بتشكيل حكومة و تطبيع الوضعية السياسية الإسبانية التي أفسدتها 6 سنوات من الديكتاتورية. يوم الثلاثين من يناير تشكلت الحكومة الجديدة بقيادة برنجل الذي تولى أيضا وزارة الحربية. الآمال الموضوعة على هذه الحكومة (التي تُعرف بالديكتاتورية البيضاء) لتطبيع الحياة السياسية و الدستورية تبخرت بين أنصار الجمهورية و أيضا بين الجماعات الملكية التي همشتها ديكتاتورية بريمو دي ربيرا. كان هؤلاء يطالبون بمراجعة شاملة للتشريع و إعادة النواب و المنتخبين و المسؤولين الذين استُبعدوا غداة انقلاب عام 1923.

بهدف جبر خواطر منتقديه, أكَّد برنجل أن الحكومة الجديدة ستعمل على تهدئة البلاد و العودة للعمل بالدستور, و تعهد بالدعوة لانتخابات عامة, الأمر الذي عارضته الأحزاب التقليدية التي خشيت على مصالحها بعد سقوط الديكتاتورية. كما تحررت الحركة العمالية بعد سنوات من القمع فزادت من احتجاجاتها و تصاعدت بذلك حالة الفوضى العامة. اتحدت الأحزاب الجمهورية لإسقاط الملكية و وقعتا في غشت 1930 ما يُعرفُ بمعاهدة سان سيبستيان و في دجنبر من نفس العام حاول تمرد عسكري في قاعدة خاكا الجوية إقامة الجمهورية, لكن هذه المحاولة أُحبطت و أُعدمَ قائداها النقيببان جالان و غارثيا إرنانديث.


أمام هذا التدهور في الأوضاع, دعا برنجل لانتخابات عامة تُجرى في شهر مارس من عام 1931, لكن ممثلي الأحزاب رفضوا المشاركة فيها و دعوا لمقاطعتها. لم يُلتفت لهذه الدعوة إلى الانتخابات حتى من طرف شخصيات محسوبة على النظام الملكي, مثل الكوندي رومانونس, حيث كانت الأغلبية الساحقة تريد رحيل برنجل و الملك ألفونسو الثالث عشر. هكذا, قدم برنجل استقالته من رئاسة الحكومة يوم الرابع عشر من فبراير 1931, ما وضع الملك أمام مهمة شبه مستحيلة تتمثل في البحث عن خليفة لرئيس الوزراء المستقيل, حيث رفض كل أصدقاء الملك تولي المنصب مثل الدوق دي مورا, الكوندي دي رومانونس و غارثيا بريتو ماركيث الحسيمة, حيث كانوا يقترحون عليه شخصيات يرونها مناسبة للمنصب. كان أول من عُرض عليه تشكيل الحكومة السياسي القرطبي خوثي سانشيث غويرا لكنه رفض في البداية. ثم عرضه على ملكواديث ألفاريس الذي رفض أيضا. فعاد الملك و طلب من خوثي سانشيث تشكيل الحكومة, فاستجاب هذه المرة لطلبه بعد أن قبل الملك على مضض مطلبه المتمثل في إدخال الجمهوريين و الاشتراكيين المعتدلين في حكومته, لكن هؤلاء رفضوا إقامة أي معاهدة مع النظام الملكي, ما اضطر المحافظ خوثي سانشيث لأن يرفض نهائيا عرض تشكيل الحكومة. في النهاية و بعد اجتماع طارئ في وزارة الحربية تم تعويض برنجل في رئاسة الوزراء بالادميرال أثنار الذي شكل حكومة مكونة من الملكيين فقط, و استمر فيها برنجل كوزير للحربية.

وضعت الحكومة الجديدة مخططا تدرجيا لإعادة إسبانيا إلى المسار الدستوري: إجراء الانتخابات البلدية بتاريخ 12 أبريل, تتبعها انتخابات إقليمية يوم 3 ماي, ثم إجراء انتخابات عامة تنبثق عنها مجالس تأسيسية ستضع دستورا للبلاد بدلا من دستور 1876.

لكن النظام الملكي لم يصمد عند أول امتحان انتخابي و انهار كليا أمام الانتصار الكاسح للجمهوريين في المدن الإسبانية الكبرى, حيث كان النظام عاجزا عن التأثير في قرار الناخبين الحضريين كما كان يفعل مع الناخبين القرويين الذين اعتمد معهم طريقة التلقين الانتخابي. و من المعروف أن خسارة الملكيين للانتخابات البلدية لعام 1931 أدت إلى سقوط الملكية و قيام الجمهورية الثانية يوم 14 أبريل 1931.

السنوات الأخيرة

بعد قيام الجمهورية, اعتُقلَ دماثو برنجل بسبب دوره خلال فترة الديكتاتورية, و تمت متابعته قضائيا أمام المحكمة العليا عام 1932. عند وصول اليمينيين إلى الحكومة عام 1934, عُفيَ عنه فاعتزل من حينها الحياة السياسية, حتى أن دوره في الانقلاب العسكري لعام 1936 كان غير ذي بال.

توفي داماثو برنجل في مدريد عام 1954.

كتبه.

ألف برنجل أربعة كتب:

* La guerra de Marruecos. Madrid. Libr. Fernando Fe. 1918.
(حرب المغرب) عام 1918.

* Campañas en el Rif y Yebala. Notas y Documentos. Años 1921-22 Madrid. Sucesores de Regino Velasco. 1923.
(حملات في الريف و جبالة. ملاحظات و وثائق. عام 1921-1922) عام 1923

*Campañas en el Rif y Yebala (2 vols) Madrid. Ed. Arés. 1948.
(حملات في الريف و جبالة. الجزء الثاني) عام 1948.

* De la Dictadura a la República. Madrid. Ed. Plus Ultra. 1946
 (من الديكتاتورية إلى الجمهورية) عام 1946. و يمثل هذا الكتاب مذكراته الشخصية.

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق