الثلاثاء، 6 ديسمبر 2016

من مارية إلى مريم: قصة اعتناق مدريدية للإسلام.


من مارية إلى مريم: قصة اعتناق مدريدية للإسلام.
مريم في المركز الإسلامي "السنة " بفوينلابرادا.

ترجمة هشام زليم.

صحيفة إلباييس الإسبانية. مقال للصحفية باربارا أيوثو. بتاريخ 16 يوليوز 2016.
عنوان المقال بالإسبانية:

De María a Maryam: así se convirtió al islam una española de 29 años

من مارية إلى مريم: هكذا اعتنقت إسبانية عمرها 29 عاما الإسلام

قبل أيام قليلة اعتنقت هذه الشابة المدريدية, و هي نصرانية غير ملتزمة, عقيدةً جديدةً. خطيبها مسلمٌ و كانت تصوم رمضان منذ سنوات: "لم أقم بهذا بدافع حبي لخطيبي, قمت به من أجل نفسي".

اليوم الذي انطلق فيه نداء الآذان من جوال مريم قفزت عائلتها من مكانها. "لقد توقفت قلوبهم عن الخفقان, حيث لم يسبق لي أبدا أن أخبرتهم مباشرة: أبي, أمي, أنا مسلمة". هي اليوم مسلمة منذ أيام معدودات.

ترعرعت مريم في بيت نصراني غير ملتزم ببلدة فوينلابرادا Fuenlabradaبمدريد. عُمِّدَت باسم مارية و حضرت أول قربانة, لكنها لا تتذكر أنها ذهبت لحضور قُداسٍ آخر يوم الأحد. اعتنقت لتوِّها الإسلام في سن التاسعة و العشرين, اعتناقٌ, كما تصفه, جاء بصورة "تدريجية". في سن التاسعة عشر منحها خطيبها المغربي الكتاب الذي غيَّر كل شيء: "لم يكن القرآن و إنما كتابا يُدعى "الإسلام" كان يُباع في معرض الكتاب. أمرٌ ما فيه جذبني و بدأت أشعر بالفضول, لكنه لم يدفعني للإيمان بغتةً". استمرت طيلة سنوات في توسيع مداركها من خلال القراءة. حيث اطلعت في البداية على السيرة و تفسير القرآن و على برامج وثائقية, قبل أن تقرأ الكتاب المقدس.


"عشتُ طفولةً و مراهقة طبيعيتين للغاية, و كنت عندما بلغت السابعة عشر أو الثامنة عشر أقضي كل اليوم خارج البيت مع صديقاتي" تروي ذلك و تُمررُ يدها لا شعوريا على شفتها التي يظهر عليه أثر ثقب "البيرسنج". كان يُحدث تعرفها التدريجي على الدين تغييرات على عاداتها. لم تخفي ذلك على والديها لكنها أيضا لم تُفسر لهم الأمر بصورة واضحة. كانت تتشوف لأن يكتشفوه بشكل "طبيعي" حتى يسهل استيعابه و هضمه. قَدمتْ عائلتَها إلى خطيبها و شرعت في بعث إشارات لها,"كُنت أترُك الكتب حول الإسلام على مرأى الجميع. كانوا يُلاحظون أنني أتغير, أني أقضي وقتا أطول في المنزل و لا أذهب للمسبح كما كنت أفعل من قبل".

و هي تتحدث عن والديها, كانت تستحضرُ حاجزَ خوفٍ خفيٍ. إنها ترغب في حمايتهم, حيث لازال يتملكها شيء من الخوف, "ليس من ردة فعلهم, لأننا نعيش معاَ و قد شاهدوا بأعينهم تغير حالي نحو الأفضل, حيث لا أشرب الخمر, لا أدخن, و لا أتعاطى المخدرات. أذهب من المنزل إلى عملي و أعيش حياة هادئة. لكني لا أريد الضغط عليهم و ألا يتألموا من أجلي, فالأمر صعب".  لدى مريم خوفٌ آخر ينضاف لهذا الخوف: إنها الخشية من أفراد المجتمع: "أعلم كيف تمشي الأمور و كيف هو المجتمع هنا. أعلم أنه في اليوم الذي سأنزل فيه للشارع مع والداي مُرتدية الحجاب و يرانا أحد الأصدقاء, سيكون الأمر صعبا للغاية. فالناس عندما يرون معتنقا للإسلام يقولون: في أي ناحية فرَّط والداها؟ و هذا ما أريد تجنيبهما إياه, لا أريد لهما المعاناة".

لهذا هي تضبط اعتناقها للإسلام وفق سرعتين حتى يتسنّى لها الجمع بين التقليد الموروث و العقيدة المكتشَفة. و هي ليست على عجلة من أمرها. فلا تغطي رأسها في المنزل بما أنه ليس إلزاميا, كما لا تغطيه عندما تخرج للشارع برفقة أسرتها. "لقد رأوا الأوشحة و العبايات, لكن لم يسبق لهم أن رأوني أرتديها. بإذن الله, سأبقى هنا لوقت طويل, لهذا من الأفضل التدرج خطوة خطوة". تعلم مريم أن النقاش مع أهلها أمر حتمي لكنه مؤجل, مع ذلك تشعر بأنها مدعومة و مُحترمة, "عندما تطبخ والدتي لحم الخنزير تقوم بعزله عن طعامي. و عندما قمنا بطلاء حيطان المنزل و فقدت القرآن الذي أحتفظ به طيلة 7 سنوات, ساعدني الجميع في البحث عنه. لم أقل صراحة بأني مسلمة, لكني أيضا لم أرتكب أية زلة. أنا على يقين أن شكوكا و تساؤلات كثيرة تساورهم, لكن مع ذلك أرى أن الوقت لم يحن بعد".

كانت مريم تصوم رمضان طيلة 3 سنوات رغم كونها لم تُعلن إسلامها رسميا آنذاك. كانت ترتاد جامع M-30المُفضل لديها أو منزل عائلة خطيبها لتناول الإفطار. لكن في هذه السنة شيء ما تغيَّر. "استيقظتُ يوم الاثنين الماضي و قلت في نفسي أنه لا يجب أن تمر ثانية واحدة إلا و قد أصبحت مسلمة. رأيتُ أنني حصَّلتُ العلم الكافي للقيام بهذه الخطوة. تكفي السنوات الطويلة التي مرت". هكذا أخبرت أقرب صديقاتها و خطيبها و طلبت منهم الحضور إلى جامع المركز الإسلامي "السُنة" في فوينالابرادا. هناك نطقت بالشهادتين أمام الإمام: "كنت أنطقُ العربية بشكل سيء, و كنت متوترة بسبب رغبتي  القيام بهذا منذ مدة طويلة, راودتني نوبة بكاء و دخلت في حالة ارتباك. كان أمرا مثيرا, ثم شعرتُ بالطمأنينة. يُمكنك أن تقوم بالأمر في معزل عن الآخرين أو وسط الناس, و قد قررت القيام بإشهار إسلامي وسط الناس لأنه في صالح الطائفة".


تعتزم مريم الزواج من خطيبها, لكن هناك أمران يعيقان ذلك, "أعلم أن 99 بالمئة من الناس سيعتقدون أنني اعتنقت الإسلام بدافع حبي لخطيبي, و أن الأمر خَلفَه رجلٌ". لكنها تنفي ذلك بشدة قائلة: "سيكون هو أول من يمنعني من القيام بالتحول من أجله, فالإسلام لا يجب أن يكون بالإجبار بل يجب أن ينبع من القلب. كان سيمنعني من النطق بالشهادتين إرضاءا له, لأن سيكون غير عادل لكلينا". و أضافت أنه إذا لم يتم الزواج بينهما, ستُكمل طريقها كمسلمة, "لم أعتنق الإسلام بدافع حبي لخطيبي, لأني اعتنقته من أجل نفسي, و هذه هي الحقيقة. إنه أمر توصلت إليه بنفسي"..."بإمكان الناس قول ما شاءوا, بأنه لُعبَ بدماغي, و تحولت من أجل خطيبي. من حقهم أن يعتقدوا ذلك, رغم أنهم مخطئون. و ليس من حقي محاكمتهم". في محل عملها يتعزز هذا الرأي. فهي تعمل منذ 8 سنوات في محل للوجبات السريعة, و لا تضع هناك الحجاب, "في العمل لم أجد نفسي مدعوة لتبرير تحولي, لأنهم يريدونني كما أنا".

مثل غالبية المسلمين, ترى مريم أن المجتمع الإسباني ما يزال يُضمر أحكاما مُسبقة و خاطئة عن دينها. و هي تُحَمِّل وسائل الإعلام جزءا من مسؤولية التشويه بتركيزها على الجوانب السلبية. و بنوع من الأسى كانت تتحدث عن سوريا و اعتداءات بروكسيل, بينما تجهم وجهها حين ذكرها "الدولة الإسلامية", "يتمُ الخلط بين الدين و الثقافة. صحيح أنه توجد بلدان مسلمة لا يُعاقبُ فيها من يسيء للنساء, لكن الإساء للمرأة حرام في الإسلام. فالدين لا يدعو لذلك, و المشكلة تكمن في الناس أنفسهم و في سوء التربية". كما شددت على أنها تُحس الآن أكثر من ذي قبل بقيمتها كامرأة. و أضافت: "ماذا؟ الإسلامُ مُتعصبٌ للرجال ضد النساء؟ بالعكس, توجد سورة كاملة في القرآن مخصصة للنساء, و هناك حديث للنبي يقول بأن الجنة تحت أقدام الأمهات".
 

تحاول مريم أيضا تبديد شبح الإخضاع. فأحد الدوافع الذي حبَّبَ إليها اعتناق الإسلام هو إحساسها بأنها غير مُقيدة و مكبلة, "فلو كنتُ مُنِعتُ من العمل أو من الخروج يوما لرؤية صديقاتي, أو مُنعتُ من القيام بأشياء أحب القيام بها, كما يحدث في البلدان التي تمنع المرأة من السياقة, لما اعتنقتُ الإسلام". و بعد تعدادها التغيرات التي عاشتها, ذكرت أنها تشعر الآن بسعادة أكثر, و صحة أكبر و حياة متوازنة, "أضع الوشاح كلما غادرت المنزل و أصعد إلى السيارة, و أشعر بالحرية. عندما أضعه و أحس ألا أحد ينظر إلي و ألا أحد يزعجني, فهذه بالنسبة لي هي الحرية. أن تستطيع ارتداء ما تشاء, بما في ذلك تغطية نفسك." ثم قارنت نفسها بالفتيات اللواتي يخترن ارتداء شورت قصير: "يعتقدن ألا بأس في ارتدائه, و بالنسبة لي لا بأس أيضا في تغطية نفسي. لا أعتدي من خلال ذلك على حقوق أي شخص, و هو أمر مريح و إيجابي بالنسبة لي". 


بالنسبة لمريم, هي وُلدت مسلمة, و كان عليها فقط إعادة الاتصال بالله. هي اليوم تريد متابعة دراسة العربية و تبديد مخاوف عائلتها. لكنها لا تتذكر متى تغير اسمها من مارية إلا مريم: " من السهل على المسلمين نطق مريم بدل مارية, هكذا بدأوا مناداتي بمريم". كما أن المتحولين للإسلام ليسوا ملزمين بتغيير اسمهم السابق, إذا لم يكن يتعارض مع الإسلام, و هو الحال بالنسبة لاسمها. 

هي الآن تحاول المزج بين إرثها و اختيارها, بين الحجاب و كشف شعرها. هي مريم, و في نفس الوقت مارية.

موسوعة الاندلس. 

هناك تعليق واحد:

  1. اللهم ثبتها و زيدها علما و يقينا وارزقها حفظ القرآن الكريم وأسعدها في الدارين الدنيا والآخرة ... اللهم آمين

    ردحذف