الأحد، 5 فبراير 2017

ذئبُ الجرمان...أدولف الداخل.

ذئبُ الجرمان...أدولف "الداخل" للأندلس عام 415م
أدولف, لوحة للرسام الإسباني رايموندو مادرازو (1858). متحف برادو بمدريد.
هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس

أدولف أو أتولف (Ataulphus أو الذئب النبيل) هو أول ملك من القوط الغربيين دخل شبه الجزيرة الإيبيرية و كان ذلك في عام 415م, واضعا بذلك اللبنات الأولى لمملكة قوطية على أرض إسبانيا ستستمر لزهاء 3 قرون حيث ستنهار عام 711م بدخول المسلمين للأندلس بقيادة طارق بن زياد.

ينتمي أدولف للسلالة البالتية و كان مولده في عام 372م و والده هو أتناريك. عُينَ أدولف ملكاً للقوط الغربيين عام 410م بعد وفاة صهره ألاريك الأول. من أهم إنجازاته تحويل مملكة القوط الغربيين من مجرد تحالف قبلي يحكمه الزعيم, إلى مملكة قوية مُهابة الجانب لعبت دورا مهما في العصور القديمة المتأخرة.


أدولف تحت قيادة ألاريك الأول

في عام 409م كان الملك القوطي ألاريك الأول يفاوض الامبراطور الروماني فلافيوس هونوريوس في رافينا الإيطالية عاصمة الامبراطورية الرومانية آنذاك. كانت المفاوضات تتمحور حول تفويت أراضي رومانية لصالح الملك القوطي و شعبه. في نفس الوقت, كانت قوات قريبه أدولف تعبر جبال الألب و تتوغل في منطقة فنيتو الإيطالية لتقديم الدعم العسكري للملك القوطي.


بعد فشل المفاوضات, قرر ألاريك يوم 24 غشت 410م محاصرة روما, و لم يتأخر في اجتياحها و استباحتها. خلال هذه الحملة, أسَر القوطُ الكثير من الشخصيات الرومانية الرفيعة, و كانت من بينها غالا بلاسيديا Gala Placidia شقيقة الامبراطور فلافيوس هونوريوس و التي احتفظ بها أدلوف تحت رعايته.

عاث ألاريك و جيشه فسادا في جنوب إيطاليا, و حاول العبور إلى إفريقيا إلا أن سُفنه تعرضت للتلف بسبب عاصفة هوجاء.

أدولف ملكاً للقوط الغربيين

في أواخر عام 410م تُوفي ألاريك الأول في الأراضي الإيطالية بسبب الحُمى. بعد مراسيم الدفن, و جريا على عادة الجرمان, انتُخبَ أدولف على قبره خليفةً له. و كان أول قرار اتخذه هو وقف الزحف في جنوب إيطاليا بسبب نقص المؤن و ضعف الإمدادت, و الاستقرار مؤقتا في قلورية.
الامبراطورية الرومانية عام 395م

كان من الشائع آنذاك قيام جنرالات و نبلاء طامعين في الحكم بإعلان أنفسهم أباطرة في أنحاء شتى من الامبراطورية الرومانية. هكذا, و في عام 412م اتجه أدولف إلى الشمال تحت ذريعة خدمة جوفينوس, أحد هؤلاء الأباطرة المُدعين, بينما كان هدفه الحقيقي هو إيجاد موطأ قدم لشعبه و بلاطا لمُلكه. لكن سُرعان ما نشب الخلاف بين أدولف و جوفينوس, فقام الملك القوطي بالتحالف مع الامبراطور هونوريوس ضد جوفينوس المتمرد عليه فهزمه و قتله و بعث برأسه إلى الامبراطور الروماني تقربا منه. و بالفعل نجح أدولف في كسب ثقة و مودة الامبراطور الذي كافأه بالسماح للقوط الغربيين بالاستقرار في أكيتانيا و بلاد الغال الناربونية باعتبارهم ضيوفا Hospites للامبراطورية. و يوم فاتح يناير 414 عقد أدولف قرانه في نربونة بغالا بلاسيديا, أسيرته السابقة و شقيقة الامبراطور هونوريوس, وِفقَ الطقوس الرومانية, مما اعتُبِرَ زيادة في توطيد الروابط بين الامبراطور الروماني و القوط. و يُقال بأن زواج أدولف و بلاسيديا كان بدوافع عاطفية أكثر منها سياسية.


عمل أدولف على حُكم منطقته الجديدة بالاعتماد على القادة العسكريين الرومان. لكن سُرعان ما نشبت نار الخلاف مع الامبراطور هونوريوس بسبب إيغار الجنرال قنسطنطيوس صدر الامبراطور ضد أدولف فأقنعه بمعاداته و نجح في الحصول منه على إذن امبراطوري بمحاصرة موانئ البحر المتوسط التابعة للقوط لقطع طرق إمدادهم البحرية. لما ضاق الخناق على أدولف و شعبه القوطي, اضطر لعبور جبال البرانس و دخول الأراضي الإسبانية.

القوط الغربيون في إسبانيا

في عام 415م عبَرَ أدولف مع كامل حاشيته جبال البرانس و استقر في إقليم طرغونة و تحديدا في منطقة بارسينو Barcino نواة مدينة برشلونة الحالية. و هناك وُلِدَ أوَّل أبنائه من غالا بلاسيديا, و أسماه تيودوسيوس, تيمنا باسم جده من أمه الامبراطور الروماني تيودوسيوس الأول الأعظم و دليلا على رغبته في توحيد العادات القوطية و الرومانية, لكن هذا المولود تُوفيَ بعد ولادته بأشهر قليلة. حسب المؤرخ إيداسيو, هذا الحدث كان بمثابة تحقيق لنبوءة للنبي دانيال كان قد أخبر فيها بأن "ابنة ملك الجنوب ستتزوج بملك الشمال و لن يكون لها عقِبٌ أبداً".
تمثال أدولف بمدريد.
على عكس ما كان يتوقعه الملك أدولف, لم يتحسن حال القوط في إسبانيا, حيث استمر الأسطول الروماني في حصاره الموانئ الطرغونية مانعا كل تموين عن طريق البحر. عدد من المستشارين اقترحوا على أدولف عبور مضيق جبل طارق و غزو شمال إفريقيا من جهة المغرب بعدما كان ألاريك يُخطط لغزوها من جهة تونس. لكن أدولف رفض هذا الرأي مُتمسكا بإمكانية الوصول إلى اتفاق مع الامبراطور هونوريوس. موقفه هذا زاد من حدة امتعاض الطبقة القوطية النبيلة التي كانت ترفض أي نوع من المفاوضات مع الرومان.

على غرار ألاريك الأول و عموم الشعب القوطي, كان أدولف أريوسياً مُعتنقا للمذهب التوحيدي في الديانة المسيحية.

مقتل أدولف

يوم الرابع غشت من عام 415م, اغتيلَ أدولف بينما كان يتفقد جياده في اسطبل الخيول في بارسينو. لا يُعرفُ على وجه التحديد هوية الجاني, لكن يُعتقدُ أن الملك كان ضحية مؤامرة ترأسها خليفته سجيريك Sigerico. و هناك رواية أخرى تقول بأن قاتله هو واحد من رجال حاشيته كان أدولف قد استهزأ به بسبب عيب خلقي فعزم على الانتقام منه.

لم يُفارق أدولف الحياة على الفور, و استغل لحظات احتضاره لتعيين شقيقه الأصغر خليفة له. لكن سجيريك هو من تولى الحكم فقام بقتل أبناء أدولف الستة من زوجته الأولى, إضافة لاعتدائه على زوجته الثانية غالا بلاسيديا. لم يدُم حُكمُ سجيريك إلا أسبوعا واحدا, حيث اغتاله قائد قوطي يُدعى واليا Walia و نصَّب نفسه ملكا للقوط الغربيين في إسبانيا.



صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق