الأربعاء، 18 مايو 2016

السانية Azaña, قصة بلدة طليطلية غيَّر فرانكو اسمها.


السانية Azaña, قصة بلدة طليطلية غيَّر فرانكو اسمها.

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. .


يوم 18 أكتوبر 1936, اجتاحت القوات الفرانكوية في زحفها نحو العاصمة مدريد بلدةً طليطلية صغيرة تبعد حوالي 40 كيلومترا عن العاصمة. في اليوم الموالي, استدعى قائد القوات التي سيطرت على البلدة, الرقيب خيسوس بيلاسكو, ثمانية أشخاص من أعيانها لتشكيل مجلس إداري يتولى تسيير شؤون البلدة. بعد هتافات "عاشت إسبانيا و جيشها الوطني المجيد" كان أول إجراء اتخذه المجلس هو رفع التماس للجنرال فرانثيثكو فرانكو بأن يُصبح اسم البلدة "نومانسيا دي لا ساكرا" Numancia de la Sagraتكريما للفوج الذي احتلها و المُنحدر من منطقة نومانسيا. 

لم يُذكَر في نص الالتماس السبب الحقيقي لتغيير اسم البلدة الأصلي, لكن لا أحد من سكانها الألف كان يجهل السبب: فالبلدة كانت تُسمىًّ "السانية" Azaña (معناها الساقية في اللغة العربية), و رئيس الجمهورية الإسبانية الثانية آنذاك (العدو رقم 1 لفرانكو و قواته) كان هو مانويل السانية Manuel Azaña


لم يجرأ أحد من أهل "السانية" على الاعتراض على هذا القرار و لَفْتِ انتباه الرقيب فيلاسكو إلى أنه من الخطأ اعتبار اسم بلدتهم تكريما لرئيس الجمهورية  و أن الاسم ليس وليد الحقبة الجمهورية (1931-1939) بل يعود لما قبل عام 1158م, حيث ورد في هذا التاريخ اسم بلدتهم "السانية في وثيقة للملك القشتالي سانشو الثالث. لكن الرقيب فيلاسكو كان على قناعة تامة بأن مجرد ورود هذا الإسم على اللافتات و الملصقات سيثير غضب قواته التي لن تتردد في إطلاق الرصاص عليها كلما صادفتهم إحداها. 


العديد من سكان "نومانسيا دي لا ساكرا", "السانية" سابقا, يرغبون اليوم في أن تستعيد بلدتهم اسمها الأصلي. 

"أتذكر عندما كنت صغيرا بعض كبار السن يهمسون بصوت خافت أن البلدة ستعود لتحمل اسم السانية", المُتحدثُ هو أنطونيو مارتين, مؤرخ البلدة و ابن أحد الأعيان الثمانية الذين استدعتهم قوات فرانكو لتشكيل مجلس إداري و الذي قرر تغيير الاسم. أنطونيو, المُستقر حاليا بألمرية, تابع حديثه قائلا: "كان والدي, إنريكي مارتين, مستشارا في الإدارة المحلية و هو من كُلف بتحرير هذا القرار".  

يرغب مارتين اليوم في إنتاج عمل مسرحي من تأليفه يلقي الضوء على هذه الفترة من تاريخ بلدته الطليطلية حتى يطَّلعَ عليه أهلها ال4800 و يفتح بذلك نقاشا مجتمعيا ينتهي بإعادة اسم "السانية". 

لقد وصلت هذه المسألة عام 2009 إلى مجلس النواب, و لو على استحياء. و ذلك من خلال طلب كتابي وجهه النائب عن حزب اليسار الموحد غاسباريامازاريس لرئيس الحكومة الإسبانية آنذاك خوثي لويس رودريغيث ثابتيرويدعوه للتعجيل في استعادة البلدة لاسمها التاريخي مستغلا وجود الحزب الاشتراكي على رأس المجلس المحلي للبلدة. 

الحكومة المركزية نفضت يدها من هذه المسألة في جواب حمل تاريخ 29 شتنبر 2009 , اعتبرت فيه موضوع تغيير اسم بلدة ما شأنا خاصا بالبلدة و المجلس الإقليمي و الحكومة المحلية. 

النقاش حول اسم بلدة السانية أو "نومانسيا دي لا ساكرا" ليس وليد اليوم, و قد فُتحَ أول مرة مباشرة بعد وفاة فرانكو عام 1975 و عودة الديمقراطية لإسبانيا. لكن إلى حدود اللحظة لم يجرأ أي مجلس بلدي على اتخاذ الإجراء الحاسم. الوحيد الذي اهتم بالموضوع جديا و فكر في طرحه للتصويت هو كليمنتي سيرانو رئيس المجلس البلدي عن الحزب الشعبي, لكنه تراجع في النهاية بعد أن رأى أنه حتى أعضاء حزبه ليسوا مستعدين للتصويت لصالح مقترحه. 

في عام 2004 وصل العمدة الحالي الاشتراكي لورنزتوربيو لرئاسة المجلس المحلي و وعد بالدعوة لاستفتاء في البلدة يُقرر فيه السكان اسم مدينتهم. لكن لاشيء تم من ذلك.
في تصريحه لإحدى الجرائد عام 2009 اعترف العمدة لورنزو توربيو أنه من المستحيل أن تسمح الحكومة بإجراء استفتاء. و اعتبر أن الازمة الاقتصادية الحالية وضعت على طاولة المسؤولين ملفات أكثر استعجالا و سخونة من مسألة تغيير الاسم. رغم ذلك شدد لورنزو أنه سيكون أول المصوتين لصالح إعادة الاسم الأصلي و أشار إلى أنه أطلق اسم "السانية" على المركز الصناعي للبلدة و فضاء للأنترنت.


لكن بعض أهالي البلدة لا ينظرون بعين الرضى لموقف لورنزو من المسألة. فمثلا إنياكي كاونا, مستشار سابق في المجلس المحلي, يعتبر أن العمدة عمل دوما على إرجاء حل المسألة, و ما فتح الملف اليوم إلا لأسباب انتخابية.

رأي يشاطره أعضاء "الجمعية الثقافية السانية لاستعادة اسم نومانثيا دي لا ساكرا" التي يرأسها العمدة السابق كليمنتي سيرانو الذي وقف أعضاء حزبه الشعبي في وجه مشروعه لاستعادة الاسم الأصلي.

و ينقسم رأي الأهالي بين مناصر و معارض لتغيير الإسم. و هو أمر يعزوه "البسيطي" بالدوميرو مولينا, أحد المناصرين لتغيير الإسم و الذي جعل "السانية" موطنه الثاني, إلى كون أغلب سكان البلدة اليوم من القادمين إليها حديثا من مدريد القريبة بحثا عن مساكن زهيدة الثمن, و بالتالي فهم يجهلون كل شيء عنها, ما يوجب تعريفهم أولا بتاريخ البلدة قبل أن يحددوا موقفهم من هذه القضية.



و جوابا على بعض الرافضين لتغيير الإسم و الذين يتعللون بأن الامر سيكون مكلفا ماديا, رد بالدوميرو بحزم: "هذا كذِب. ليس من الضروري تبديل بطاقات التعريف الوطنية و الكتابات كما يدعي الكثيرون".

هذا الانقسام في المواقف انعكس على بعض مناحي الحياة. فالبلدة مثلا تتوفر على فريقين لكرة القدم داخل القاعة. أحدهما يحمل اسم "النادي الرياضي نومانثيا", و الثاني, انشق عن الأول, و يحمل اسم "النادي الرياضي السانية". هذه الندية انتقلت إلى الأنترنت حيث يتبادل سكان البلدة الآراء المنافحة عن موقفهم من هذا الإسم أو ذاك من خلال منتدى يحمل عنوان "نومانثيا أو السانية".

هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس. .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق