الثلاثاء، 29 نوفمبر 2016

صحيفة إسبانية: "لو عاد عدو المورسكيين فليبي الثاني اليوم إلى غرناطة لمات من الرعب".

صحيفة إسبانية: "لو عاد عدو المورسكيين فليبي الثاني إلى غرناطة اليوم لمات من الرعب".


الشيخ أحمد برميخو إمام المسجد الكبير بغرناطة خلال صلاة عيد الأضحى.

صلة الرحم بالأندلس
هشام زليم.

ترجمة لمقال "Si Felipe II "El antimorisco" volviera a Granada moriria del susto"
"لو عاد عدو المورسكيين فليبي الثاني إلى غرناطة لمات من الرعب".
صحيفة El Espanol بتاريخ 27-11-2016. 
كاتبا المقال: بيبي براوونا Pepe Barahona و فرناندو روثو Fernando Ruso.

450 سنة مرَّت على المرسوم العقابي (المرسوم الملكي لعام 1566 الذي أصدره فليبي الثاني-المترجِم)... 

لو عاد عدو المورسكيين فليبي الثاني إلى غرناطة لمات من الرعب...




كان الملك قد  منع الحديث و الكتابة بالعربية, ممارسة الإسلام, ارتداء الحجاب, التخضب بالحناء...فاندلع التمرد المورسكي في البشرات الذي نجمت عنه حرب شرسة. أما اليوم...فهكذا تبدو غرناطة!

حظْرُ الحديث و القراءة و الكتابة بالعربية, عدم توقير الجُمَع, أن يرتدي المورسكيون ملابس قشتالية, ألا يستحموا في الحمامات و لا يستعملوا ألقابا مُسلمة. بهذا القرار العقابي المنشور عام 1567, و الذي أكمل في السابع عشر من نونبر 450 سنة على استصداره, حصرَ فليبي الثاني تقاليد المورسكيين المستقرين في مملكته. شمِلَ القرار غرناطة التي اندلع فيها تمرد الطائفة المسلمة في البشرات لتتحول إلى أشرس حرب شهدتها أوربا خلال القرن السادس عشر. دار النزاع بين عامي 1568 و 1571. رُحِّلَ مورسكيو غرناطة الناجون و المقدر عددهم بحوالي 80 ألفا إلى مناطق أخرى في أندلوسيا و القشتالتين. العديد منهم تم استعبادهم.

مع ذلك, لم تكن لسياسة اليد الصلبة للملك مع عرب آخر معاقل الأندلس أثر كبير في المجتمع الذي حافظ على تقاليده. بحيث استمرت في مملكة بني نصر إلى اليوم العديد من الأمور المحظورة.
صورة تشكيلية لفليبي الثاني عام 1565. الرسامة الإيطالية Sofonisba Anguissola

يستيقظ الدكتور بشير محجوب رجاء كل يوم عند الفجر. يؤدي أولى صلوات اليوم الخمس كما ينص على ذلك الإسلام. بعد ذلك يتوجه إلى جامعة الترجمة التحريرية و الشفوية حيث يُدرِّس الترجمة الفورية من العربية إلى الإسبانية و من الإسبانية إلى العربية. يبلغ من العمر 33 عاما, و يعيش و يعمل خارقاً الحظر الأول من المحظورات الإحدى عشر التي ينص عليها قرار 1567: "حظْرُ الحديث و القراءة و الكتابة بالعربية".

تتميز جامعة غرناطة بكونها الوحيدة في العالم التي توفر لطلابها إمكانية التخرج في الترجمة التحريرية و الشفوية بالعربية كتخصص أول. يحجُ إليها من أجل التكوين طلاب من الجزائر, موريتانيا, تونس, مصر, العربية السعودية, و في وقت سابق, حتى من سوريا. بالنسبة للبشير"تُعد الإسبانية لُغة مهمة بالنسبة لهم". جاء البشير إلى إسبانيا في سن العاشرة قادما من الجزائر ضمن برنامج "عطلة في سلام" و أيضا بسبب مشاكل صحية دفعته للبقاء مع الأسرة التي استضافته في بلدة خيدولا Jédula بأركش دي لا فرونتيرا بقادش.


الحديث, القراءة و الكتابة بالعربية تجارة مُربحة.

يتحدثُ الدكتور مُحددا "رغم أنها لُغةُ أقلية في إسبانيا, إلا أنه يوجد أكثر من مليون و نصف فرد يتحدثون العربية"..."تحصيل العربية هو تحصيلٌ لمُقوِّمٍ نوعيِ لا يتوفر عليه باقي المترجمين, ففي هذا المجال تنخفض الكفاءة و يرتفع الطلب"..."لِطلابنا عروض تتأرجح بين الجيدة و الرديئة, لكنها كثيرة سواء في القطاع الخاص أو العام. سواء من شركات تبحث عن صفقات في البلدان العربية أو شركات عربية تبحث عنها في بلدان تتحدث الإسبانية".

طُلاب في مكتبة  جامعة غرناطة للترجمة التحريرية و الشفوية. و هي المركز الوحيد في العالم للترجمة العربية.


يرى البشير أنه رغم الحظر الذي يقتضيه القرار العقابي لعام 1567, المعروف بعدائه للمورسكيين, إلا أن فليبي الثاني و جماعته من القانونيين و رجال الدين و العسكريين -بمن فيهم الدوق دي ألبا- لم  ينجحوا أبدا في جعل الطائفة العربية تتخلى عن لغتها. "لقد تحايلوا قدر المستطاع للحفاظ على لهجتهم. بل إن هذه اللهجة منحت إلى القشتالية مصطلحات كثيرة نستعملها اليوم".


تُعتبر العربية اللغة الوحيدة الغير محلية -لا تنتمي لمجموعة اللغات الرومانسية- التي منحت أكبر عدد من العبارات للإسبانية. هكذا بالنسبة للبشير "بشكل أو بآخر, كلنا نحن المتكلمين بالإسبانية نتحدث العربية". قام المورسكيون ببعض التكييفات, و كدلالة على ذلك قدم البشير هذا المثال: "كان يقومون بالجمع وفق القواعد الإسبانية, هكذا كانوا يقولون muslimes عوض musulmanes"

- مثل ال Spanglish؟ (اللغة الهجين التي تمزج الإنجليزية و الإسبانية في جبل طارق مثلا-المترجم).

"نعم, فقد كان هناك تمازج في مملكة منطقة غرناطة نتج عنه لهجة الألخميادو المكونة من عناصر إسبانية و عربية. الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية RAE نفسها تعترف بالأصل العربي لبعض الكلمات الإسبانية كالمُخدة Almohada مثلا".

 
بشير محجوب رجاء في جامعة الترجمة التحريرية و الشفوية في غرناطة.


كان للتضييق على استعمال اللغة أثره في المجال القانوني و التجاري, حيث أٌلغيت كل العقود التي حُرِرَت بهذه اللغة. لكن ذلك لم يجد له مكان على أرض الواقع. فمن وجهة نظر خوان بابلو أرياس توريس أستاذ الترجمة العربية بجامعة مالقة و الخبير الواسع الإطلاع في القرآن "لم يتم تطبيقه (الحظر) و استمر استعمال العربية في النشاط القانوني...و بقي الحال على هذا الشكل حتى القرن السادس عشر...فهناك وثائق قانونية, مثل الوصايا و الأحكام القضائية كانت تستدعي تدخل المُترجمين..."..."توجد شهادات تدُل على أن اللغة استمرت و استُعملت في العقود".

استنفر اضطهاد اللغة فرانثيثكو نونيث مولاي, أحد زعماء الطائفة المورسكية و المدافع عن رموز هويتها, الذي دافع عن اللغة العربية أمام بيدرو ديسا منذوب الملك في محكمة غرناطة معتبرا إياها لغة المسيحيين أيضا, حيث رافع أمام المحكمة قائلا "كيف يمكن أن يُحرم الناس لغتهم الطبيعية التي وُلدوا و تربوا عليها؟ إن المصريين و السوريين و المالطيين و جمع أخر من المسيحيين يتحدثون و يكتبون و يقرءون بالعربية و هم مسيحيون مثلنا". 
 
خوان بابلو أرياس توريس أستاذ الترجمة بجامعة مالقة حاملا مصحف "الكوثر" الذي عُثرَ عليه ببلدة الكوثر المالقية في أحد المنازل أثناء أشغال ترميمية.

 ديانة بين الجدران.

من بين المحظورات الكثيرة التي كان على المورسكيين اجتنابها تلك المتعلقة باعتقادهم: الإسلام. كانت مظاهر الالتزام بهذا الدين تتمثل في ممارسات متعددة. لهذا استقرت في مناطق إقامتهم عائلات مسيحية قديمة كانت تراقبهم حتى لا يؤدوا صلاة الجمعة و لا يتبعوا التعاليم القرآنية. كما أن رئيس المحكمة ألزمهم بضرورة تسليم الكتب العربية, و هو الحظر الثالث في سلسلة محظورات القرار العقابي.

بعضها (الكُتب) بقيت بعد ذلك محفوظة بين الجدران طيلة قرون. لم تُصدق عائلة أنطونيو سانتياغو أعينها حينما ظهرت ثلاثة كُتبٍ من بين جدران منزلها ذو المعمار التقليدي و الطراز الأندلسي و ذلك أثناء أشغال ترميمه. صوت أجوف أثار انتباه البنائين فعثروا على ثلاث مخطوطات عبارة عن نسخة من القرآن و كتابين دينيين, كانت محفوظة داخل قماش من القش لحمايتها من الرطوبة. و قد وُضعت هناك بُعيدَ القرار العقابي و عُثرَ عليها عام 2003.
 
مريم فونت, مسؤولة مكتبة مؤسسة الدراسات العربية تحمل كتاب علم الفلاحة لابن ليون (1348م)



أرياس شدد على أن "الكتب لم تكن لتَهزم عوامل الزمن لو لم تُحفَظ بين الجدران", و يُعدُ (أرياس) واحدا من أولئك الذين درسوا بعمق قرآن بلدة الكوثر الواقعة في منطقة الشرقية Axarquia بمالقة حيث عُثِرَ عليه. حسب هذا الخبير, هذا المصحف هو إرث عائلي و"كنز, بالنظر لتغليفه الذهبي", و هو يعود للفقيه محمد الخيَّار الذي عاش في نهاية القرن الخامس عشر. و عُثرَ إلى جانبه على متفرقات لكل المسائل التي كان ينظر فيها الفقيه, إضافة لدليل يحوي نصوصا نبوية, أدعية و عظات.

و يضيف هذا الباحث الذي أصدر دراسة عن قرآن الكوثر: "حالات العثور على مكتبات بين الجدران هي أمثلة واضحة للغاية على لجوء المسلمين آنذاك لهذه التقنية للحفاظ على كتبهم"..."العديد من العرب غادروا بعد قدوم المسيحيين خوفا من إجبارهم على التنصر تاركين مكتباتهم هنا, بينما كان آخرون يمارسون اعتقادهم خفية محتفظين بالكتب التي حظرها القرار". و أشار أرياس إلى مكتبة "توماس نافارو" بمؤسسة الدراسات العربية بمدريد التي تتوفر على مجموعة مخطوطات عربية و ألخميادية عُثِرَ عليها في سقوف مزيفة أو داخل الحيطان.

جزء مهم من هذه الذخائر التي وزعها المجلس الأعلى للأبحاث العلمية بين المكتبات, بينها مكتبة مؤسسة الدراسات العربية بغرناطة, أضحت مرقمة لتسهيل ولوج الباحثين إليها. "هكذا تُنشر للجميع و مجانا ذخائر كانت محظورة في عصرها. و هذا مناقض تماما لما كان يهدف إليه القرار العقابي الذي كان يرمي لمنع قراءة هذه الكتب", بهذه العبارات علقت مريم فونت مسؤولة مكتبة الدراسات العربية بغرناطة حيث يوجد أكثر من 1800 مجلد, "بكل منطقية, هي لا تُمنعُ اليوم, بل هناك حَثٌ على الاطلاع عليها".  
"حمام الاندلس بغرناطة.

الحجاب محظور...

ذهب القرار الذي شكل الدافع لتمرد البشرات إلى أبعد من اللغة, حيث فرض على المورسكيين التخلي عن أزيائهم. فكان الرجال ملزمين بارتداء الزي القشتالي, بينما كانت النساء مجبرات على المشي سافرات دون ارتداء تنورة المارلوتاسMarlotas  أو الملحفة almalafa و هو رداء كالجلباب يوضع من الرأس إلى القدم.

اليوم, النقاش مُستعر حوله أكثر من أي وقت مضى, و في شوارع غرناطة الكبرى تُشاهَد نساء تضعن الحجاب, و هو غطاء يترك الوجه مكشوفا, أو يضعن الشال الذي هو عبارة عن وشاح يوضع حول الرأس. تُشاهَدنَ حريصات على الصلوات الخمس التي يأمر بها الإسلام أتباعه.

صلوات منعها هي الاخرى القرار العقابي لعام 1567. خصوصا صلاة يوم الجمعة الذي يُعدُ يوم عيد بالنسبة للمسلمين. يوجد في غرناطة اليوم الكثير من المساجد التي فُتِحت بعد قوسي المنع الذي دام عدة قرون. شُيِِدَ أولها قرب مطل سان نيكولاس في حي البيازين الجذاب, و تقطن حوله واحدة من أكبر الطوائف المُتحولة للإسلام. ينطلق الأذان من منارته أربع مرات في اليوم, بينما لا يُنادى للصلاة الأولى تجنبا لإزعاج الجيران.

من خوثي إلى يوسف

على رأس المسجد يوجد الإمام أحمد برميخو مندوثا المزداد في غرناطة من أم أمريكية و أب جليقي اعتنقا الإسلام. و يتردد عليه يوميا يوسف إدريس مارتنيث فرنانديث ذو ال65 عاما و  الذي عُمِّدَ في دين المسيحية باسم خوان خوثي, و المُزداد لأبويه إزدورو و أماليا في بلدة لابنيثا بإقليم ليون. اعتنق الإسلام في سن الثلاثين بعد سنوات عديدة من دخوله في التصوف. كان التقرب في البداية عبر اليوغا ثم عبر التعاليم, الفلسفية أكثر منها دينية, لمُعلم صوفي. و لم يعتنق الإسلام حتى نطق بهذه الجملة " أشهد ألا إله إلا الله, و أشهد أن محمدا رسول الله". و يُقرُّ و قد ارتسمت ابتسامة على مُحياه: "مع ذلك لا زلتُ أتذكر الصلاة الربانية "أبانا الذي في السماوات"", بالرغم من ذلك فهو "مُسلم البدن و الروح, و مُقتنع و مُمثتلٌ مائة بالمئة".

شكل نطق الشهاداتين نقطة تحول في حياته. حيث شرع في إعفاء لحيته التي اشتعلت شيبا بعد 35 عاما. و كمواطن صالح أراد تسجيل وضعه و اسمه الجديد في السجل المدني, حيث قدم ملتمسا تولت إحدى المحاكم النظر فيه. و يذكر مُستحضرا "لقد ارتبكوا بشكل لا يمكن تصوره".

المُسلم المتحول يوسف إدريس فرنانديث مارتنيث (65 عاما)

"ألا يستخدموا أسماءا و ألقابا عربية": كانت هذه التوصية التي خرج بها المجمع  الإقليمي لأساقفة مملكة غرناطة, و هو الاجتماع الذي دفع فليبي الثاني, المُلقب ب"الحَذِر", إلى التخلي عن حذره للاصطفاف إلى جانب المُعسكَر المتشدد من بلاطه. و هكذا أُدخلَ حظر اتخاذ اسمٍ مورسكيٍ في القرار العقابي.

حسب ما ذكره يوسف, يوجد في قانون السجل المدني بند مشابه للذي ورد في القرار العقابي لعام 1567, و ينُص على أن الألقاب الأجنبية التي تتوفر على ترجمة في الإسبانية يجبُ أن تُترجم. هكذا إذن يوسف بالقشتالية هي خوثي"كان بحثا طويلا و سخيفا...رفضوا يوسف, لكن احتفظت بإدريس في بطاقة التعريف الوطنية...لقد أُرهقت للحصول عليه".

الإسم, اللغة, اللباس,...لقد وضع القرار العقابي لعام 1567 الساكنة المورسكية تحت مراقبة شديدة كانت تزيد من صعوبة التعايش. حاول العرب التفاوض لوقف تنفيذه على غرار ما قاموا به عام 1526 مع الملك كارلوس الأول مقابل 80 ألف دوقية. لكن فليبي الثاني أبدى صرامة فنفذت السلطات القانون و قامت بحملة مداهمات في البيازين لتجنب الاجتماعات السرية.


فقد المورسكيون بهذا القرار حق استعمال الحمامات الاصطناعية, و هي فضاءات مرتبطة ارتباطا وثيقا بتقاليد المسلمين, على غرار الوضوء قبل الصلاة. حيث توجد في الإسلام طهارتان, طهارة صغرى تسبق الصلاة, و طهارة كبرى واجبة لإزالة نجاسة الحيض أو خروج المني سواء كان بعد شهوة جنسية أو بصورة لا شعورية.


خطر الحمامات


غير أن الحمامات العربية كانت تؤدي دورا اجتماعيا كمركز للتجمع. حتى ذلك الحين, كان دخول الحمام حِكرا على المورسكيين فقط, فكان بالتالي مكانا مثاليا للتخطيط لانتفاضة بين السكان, "فكان منعها نوعا من إبقائهم تحت المراقبة", يقول بابلو كاسترو, مدير الماركتينغ ب"حمام الأندلس" أحد أول الحمامات العربية التي فتحت أبوابها في غرناطة بعد القرار العقابي لعام 1567 الذي كان ينص أيضا على تدمير الحمامات بعد منعها. و يبقى حمام قمارش بقصر الحمراء الوحيد الذي ظل صامدا بسبب استعماله من طرف الملوك الكاثوليك. باقي الحمامات تم إعادة بنائها.
زريدة غونزاليث (29 عاما) رسامة أوشام.

 يستقبل "حمام الاندلس" حاليا حوالي 250 ألف زائر سنويا. يأتي بعضهم من بلدان عربية, "فيفاجؤون عندما يجدونها مختلطة و ليست كالسابق حينما كانت يُقسَّم استعمالها بين الرجال و النساء", و يتابع كاسترو قائلا: "لقد التزمنا بالطابع التاريخي لكن الاستعمال اليوم يختلف عما كان عليه سابقا, و هذا تأويل يتماشى مع رغبة الغربيين".

النساء اليوم لا تتخضبن بالحناء, و هو فِعل حظره القرار, لكنهن يقمن بذلك اليوم في غرناطة وفق الطريقة الغربية. تشرح مارغا روبلس إحدى أولى رسامات الأوشام في المدينة النصرية: "الأوشام ذات الدوافع الإسلامية هي موضة اليوم". أكثر الأوشام طلبا هي رمز الحرية, بعض الكلمات العربية, مجسم الحمراء و يد فاطمة.

"لم أرسم أبدا وشم عبارة "الله".

تستوشم النساء أكثر من الذكور. قربُ ورشتها من مركزٍ للدراسات ترتاده نساء مسلمات دَفَعَ الكثيرات بينهن لخوض هذه التجربة و الاستسلام بين يدي مارغا لترسم على بشرتهن. "هي أوشام صغيرة و متوارية حيث يخشين أن تعلم أسرهن بذلك...فقد يجلب لهن ذلك المتاعب" تروي هذه الخبيرة التي تلوَّن جزء كبير من جسمها بالأوشام. الوشم, و إن لم يكن محظورا في العالم الإسلامي, إلا أنه يُعد غير شرعي لاعتباره تشويها لخلق الله. لتُضيفَ :"لم أرسم أبدا وشم عبارة الله".

لا ترسم مارغا أبدا أوشاما بالحناء, و هي عادة عند المسلمين في الأعراس, حيث تُخضَب العرائس بهذه المادة في اليوم الذي يسبق الزفاف. إنه طقس ما يزال محفوظا في البلدان العربية حيث تُختتمُ به الحفلات, و قد كانت تُصاحب مورسكيي غرناطة في حفلات السمُرة Zambras و لياليهم التي حظرها هي كذلك فليبي الثاني في قراره.

 سواء كانت أعراسا أو سهرات, كان من الإجباري إحياء مناسبات الحياة المدنية داخل منازل مُشرعة الأبواب و النوافذ و دون استعمال الآلات و الأغاني المورسكية. لكن رقصة السمرة استمرت حية في حي ساكرومونتي الغرناطي حيث كان يُقيم المورسكيون قبل أن يتحول لحي للغجر (الجيتان). و لازالوا إلى اليوم يُحيون هذا النوع من الطقوس في كهوفهم, و قد تحول اليوم إلى عرض من الفلامنكو الذي يتغذى من الإلهام العربي.

الاحتفال ممنوع  
إنركي قرمونة كورتيس, الملقب El Canastero, ابن مارية La Canastera مغنية و راقصة الفلامنكو. يُعد واحدا من المدافعين عن رقصة سمرة ساكرومونتي.

بالنسبة لإنركي قرمونة كورتيس, الملقب ب El Canastero لكونه ابن مارية La Canastera مغنية و راقصة الفلامنكو: "كان هناك غجر في غرناطة حتى قبل طرد المورسكيين". بخروج العرب من حي ساكرومونتي استقر الرومانيس Romanies (الغجر) في منازلهم و تبنوا حفلاتهم, و بينها رقصة السمرة التي نالت إعجاب العديد من السياح و المشاهير مثل إنغرد برغمانIngrid Bergman, أنطوني كوينQuinnAnthony   دنيس كوايد Denis Quaid, و الملكة فابيولا. 

يستعرض إنريكي لمجموعة من السياح اليابانيين لوحاته المعلقة في أحد الكهوف دقائق قبل بدء العرض. "نُكافحُ كي لا تختفي السمُرة, هذه الأغاني و الرقصات الروحية قائمة على الحفلات الغجرية المُستمَدة من التقليد المورسكي", بهذه العبارات يتأسف مغني الفلامنكو هذا دون أن يخفي حنينه لفترة الخمسينيات التي تُعد الفترة الذهبية لساكرومونتي "لم يعُد الرقص كما كان, فهو يولد داخل الإنسان, و لا يُمكن تَعَلُّمه, "رقصة ألبوريا alboreá,  كاشوتشا cachucha, و موسكاMosca ...لا يمكن مشاهدتها إلا هنا, و ليس على خشبات الفلامنكو في إشبيلية أو مدريد".

لكن إنريكي لا يعلم إن كان التقليد الذي ورثه عن والدته سيستمر لدى أبنائه, "كانت من قبل فرق للسمُرة في جميع أنحاء الساكرومنتي, أما اليوم فلم يتبقى سوى نحن. هناك ضعف اهتمام من طرف السلطات, فإما أن يساعدوننا للحفاظ على هذا الفن الذي هو فننا, و إلا فإن الضياع مصيره...لكنهم يخبروننا أنه لا يوجد مال". هكذا إذن, ما لم ينجح القرار العقابي في استئصاله, تستأصله الأزمة.


راقصات فلامنكو يرقصن السمُرة في أحد كهوف ساكرومونتي بغرناطة.


صلة الرحم بالأندلس.


هناك تعليق واحد:

  1. كل الشكر على هذه المعلومات القيمة .. كما نود نأمل منكم أن تفيدونا أكثر فيما يتعلق بتاريخ الموريسكيين مرة اخرى لكمجزيل الشكر والتقدير

    ردحذف