الثلاثاء، 23 أبريل 2013

"نصف رغيف خبز و كتاب" لفدريكو غارثية لورقا.



 "نصف رغيف خبز و كتاب" لفدريكو غارثية لورقا.

كلمة ألقاها الأديب الأندلسي الشهير فيديريكو غارثية لورقا الغرناطي سنة 1931م بمناسبة افتتاح مكتبة ببلدته فوينتي باكيروس (غرناطة).


"نصف رغيف خبز و كتاب" إلى شعب بلدة فوينتي باكيروس (عين رعاة البقر) بغرناطة

 شتنبر 1931م.

بقلم فدريكوغارثية لورقا الغرناطي (1898-1936م).


عندما يذهب المرء إلى المسرح, إلى حفل موسيقي أو إلى حفلة مهما كان نوعها, فإذا راقه العرض, يتذكر في الحال الأشخاص الذين يُعِزِّهم و يأسف لعدم حضورهم معه, و يخاطب نفسه "كم كان سيعجب هذا أختي, أبي...", فلا يستمتع بالعرض إلا و تُنغصه كآبة عابرة. هذه هي الكآبة التي أستشعرها أنا, ليس اتجاه أهل بيتي, الأمر الذي سيبدو تافها و حقيرا, و إنما اتجاه جميع الخلائق الذين, لقلة ذات اليد و لسوء حظهم, لا ينعمون بالفضل الأعظم للجَمال, الجَمال الذي هو حياة, طيبة, سكينة و حماسة.


لهذا لا أملك أبدا أي كتاب, لأني أهديها ما إن أشتريها, و هي لا حصر لها, و لهذا أتشرف هنا و أسعدُ بافتتاح مكتبة البلدة التي تُعتبر الأولى من دون شك في عموم إقليم غرناطة.

ليس بالخبز وحده يعيش المرء. أنا لو جعت و خرجت معوزا للشارع لن أطلب رغيف خبز, و إنما سأطلب نصف رغيف خبز و كتابا. و من مكاني هذا, أُهاجم بحدة أولئك الذين لا يتحدثون إلا عن المطالب الاقتصادية دون أي ذكر, إطلاقا, للمطالب الثقافية التي بحّت بالصراخ بها حناجر الشعب. من الجيد أن يأكل الجميع, لكن من الجيد أيضا أن يعلم الجميع. على الجميع أن ينعموا بثمار العقل البشري لأنه في حال العكس سيتحولون إلى آلات في خدمة الدولة, سيتحولون إلى عبيد في تنظيم اجتماعي رهيب.

إن شفقتي على رجل يريد التعلم لكنه لا يقدر, أشد من شفقتي على رجل يتضور جوعا. لأن الجائع يستطيع أن يُهدئ جوعه بسهولة من خلال كسرة خبز أو شيء من الفواكه, لكن الرجل الذي يملك رغبة جامحة للعِلم لكنه لا يملك الوسائل يعيش كربا فظيعا لأنه يحتاج لكتب, ثم لكُتب, ثم لكتب أكثر, و من أين له كل هذه الكتب؟

كُتبٌ, كُتُبٌ...ها هي كلمة سحرية تُعادل كلمة "حُب, حُب", و التي على الشعوب طلبها طلبهم للخبز, و استسقاءها استسقاءهم للمطر من أجل زراعاتهم. لما كان الكاتب الروسي الشهير فيدور دوستويفسكي, أب الثورة الروسية قبل لينين, سجينا في سيبيريا, بعيدا عن العالم, بين أربعة حيطان و وسط السهول الثلجية الموحشة و اللامتناهية, فطلب الغوث من عائلته البعيدة عبر رسالة, لم يكتب لهم أكثر من :"ابعثوا لي كتبا, كتبا, كتبا كثيرة حتى لا تموت روحي", كان يشكو البرد و لم يطلب نارا للتدفئة, كان يعاني عطشا شديدا لكنه لم يطلب ماءا, طلب كُتبا, أي آفاقا, أي سلالم ليرتقي إلى قمة الروح و القلب, فالحاجة الجسدية, البيولوجية, الطبيعية للجسم بفعل الجوع, العطش أو البرد تدوم مدة قليلة و قليلة جدا, لكن حاجة الروح الغير مشبعة تدوم طول الحياة.

لقد قال منيندث بيدال العظيم, أحد العلماء الحقيقيين في أوربا, بأن شعار الجمهورية يجب أن يكون هو "الثقافة". لأنه فقط من خلال "الثقافة" يمكن حل المشاكل التي يتناقش فيها الشعب المُشبع بالإيمان لكن المُفتَقر للنور.

بقلم الأديب الأندلسي فيديريكو غارثية لورقا الغرناطي.

صلة الرحم بالأندلس.

هناك 3 تعليقات:

  1. (لكن حاجة الروح الغير مشبعة تدوم طول الحياة )
    اعجبتني هذه الجمله كثيرا
    شكرا يا اخي على ترجمة هذا المقال الرائع

    ردحذف
  2. لاادري كيف اشكرك على جهدك الرائع ...وليس من المعقول ان أبعث كل مره لك رساله لاتتضمن سوى الشكر فلايوجد مايقال بعد ماتقدمه ...انا ادعو لك ولكل شباب الامه اللذين فعلوا شيئا لامتهم مثلك

    ردحذف
  3. Ohhh mon dieu vraiment il etait un ecrivant inoubliable merci monsieur Hisham pour la traduction

    ردحذف