الثلاثاء، 9 أبريل 2013

قصة فرار المورسكي شهاب من إسبانيا إلى هذا البلد العربي أو"رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب"

قصة فرار المورسكي شهاب من إسبانيا إلى هذا البلد العربي أو"رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب" 

بقلم المؤرخ المصري محمد عبد الله عنان. مجلة العربي الكويتية - العدد 131 أكتوبر 1969.


(الصورة: الحصن البرتغالي بمدينة الجديدة (البريجة) التي فر منها الشهاب)


من الشخصيات البارزة في الأدب المورسكي. شخصية كاتب يمتاز بحياته الغريبة, المشجية, و إنتاجه الأدبي القديم.

من هم المورسكيون

و لا بد لنا أن نعرف المورسكيين : هم العرب المتنصرون من بقايا الأمة الأندلسية المغلوبة, و هم الذين عاشوا تحت الحكم الإسباني , بعد إرغامهم على التنصر زهاء قرن من الزمان, منذ سقطت غرناطة أخر حواضر الإسلام بالأندلس في أيدي الإسبان سنة 1492, حتى أصدرت إسبانيا قرارها الشهير بنفيهم من أراضيها في سنة 1609م. و في خلال هذه الحقبة الطويلة عانى أولئك المورسكيون, ألوانا مروعة من الإضطهاد المدني و الديني, و من مطاردة ديوان التحقيق الإسباني , و أرغموا على ترك لغتهم العربية, واتخاذ القشتالية لغة للتخاطب و التعامل, و اتحذوا لهم لغة سرية خاصة هي لغة "الألخميادو" الشهيرة و هي القشتالية المحرفة تكتب بحروف عربية, ليستطيعوا أن يحتفظوا بتراثهم الديني القديم.



و لهؤلاء المورسكيين أو العرب المتنصرين أدب خاص بهم, "بالقشتالية و الألخميادو" و منهم من استطاع أن يحتفظ خلال الإضطهاد الغامر كذلك بلغته العربية القديمة.

هو أحمد ابن القاسم, المعروف بالشهاب الحجري


و من هؤلاء كاتب لا نعرف اسمه المورسكي النصراني, و لكنه يتقدم إلينا باسمه الأندلسي, وهو أحمد ابن القاسم ابن أحمد الفقيه قاسم ابن الشيخ الحجري و يعرف بالشهاب الحجري, و يعرف كذلك بأفوقاي, وهو مورسكي من أحواز غرناطة, استطاع أن يغادر الأندلس حسبما يحدثنا في سنة 1007ه, (1598م) أعني قبل النفي بأحد عشر عاما. و قد كانت مغادرة المورسكيين لإسبانيا يومئذ من الأمور الصعبة الخطرة. و كانت السلطات الإسبانية تتخذ كثيرا من إجراءات الحراسة المشددة للثغور و الشواطئ تحوطا من فرار المورسكيين إلى الشواطئ المغربية. و من ثم فقد كان فرار الشهاب الحجري من إسبانيا مغامرة مثيرة. و من حسن الحظ أن الشهاب قد حكى لنا قصة فراره في كتابه الذي سماه " رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب". و الأحباب هنا هم فيما يبدو إخوانه المسلمون فيما وراء البحر في عدوة المغرب. ولكن هذه الرحلة لم تصل إلينا مع الأسف, و لم يصل إلينا منها سوى شذور يسيرة نقلها بعض الكتاب المغاربة المتأخرين, و من هذه الشذور قصة فراره, نقلها إلينا لحسن الحظ كاتب مغربي متأخر في كتاب مخطوط عنوانه " زهرة البستان في نسب أخوال سيدنا المولى زيدان" و هي التي ننقلها فيما يلي.


و من المحقق أن رحلة الشهاب المفقودة هذه كانت تحتوي على معلومات هامة و نفيسة عن أحوال مواطنيه العرب المتنصرين و لعل البحث يظفر بها يوما ما.


استعد الشهاب سنين طويلة للفرار من إسبانيا


و قبل أن ننقل قصة فرار الشهاب إلى المغرب, يجدر بنا أن ننقل أولا ما يقصه علينا عن كيفية استعداده لهذا الفرار مدى أعوام طويلة خلال إقامته في إسبانيا. و هو يقص علينا ذلك في خاتمة كتابه المخطوط " العز و المنافع" الذي سوف نتحدّث عنه فيما بعد و ذلك على النحو الأتي:


" و أقول اعلم أن أول ما تكلمت به ببلاد الأندلس كان بالعربية و كانت النصارى.. تتحكم فيمن يجدون يقرأ العربية. فتعلمت القراءة الأعجمية للأخذ و اللأعطى- ثم ألهمني الله سبحانه أن أخرج من تلك البلاد إلى بلاد المسلمين لما تحققت أن ... كانوا في الثغور, يبحثون عن كل من يرد عليهم لعلهم يجدونه أندلسيا مخفيا ليحكموا فيه, لأنهم كانوا منعوهم من الثغور لئلا يهربوا إلى بلاد المسلمين. فجلست سنين لتعلم الكلام و الأخذ في كتبهم ليحسبوا أني منهم, - إذ أمشي إلى بلادهم للخروج منها لبلاد الإسلام. و لما أن جئت إلى البلاد التي هي على حاشية البحر, حيث هو الحرس الشديد, و جلست بينهم, فلم يشكو فيّ بما رأوا مني من الكلام و الحال و الكتابة, و جئت من بينهم إلى بلاد المسلمين. و بهذه النية تعلمت و بلغت في كتبهم و لكل امرئ ما نوى. ثم رأيت أن بسبب التعليم أنه كان بنية القرب من الله ببلاد المسلمين, فتح بدلك العلم المنهي عنه بيبان الملوك المسدود عن كثير من الناس".


قصة فرار الشهاب من إسبانيا
 

و الأن فلننقل قصة فرار الشهاب من إسبانيا إلى المغرب حسبما نقلها إلينا من رحلته صاحب " زهر البستان" في أواخر كتابه قال:


" ففي رحلة شهاب الدين الحجري المعروف بأفوقاي قال: لما تغلب العدو على جزيرة الأندلس و استولى على من بها من المسلمين و بقوا تحت عقد النصارى, و فتنوهم في دينهم, خرج متخفيا مجاهدا بدينه يطلب النجاة من بلاد النصارى إلى بلاد المسلمين, و ذكر ما جرى في طريقه إلى أن ركب في سفينة بمرسى شنتمري (بالبرتغال )جاءت بالزرع للبريجة فرحل إليها. قال وصلنا إلى البريجة في يومين.


قال , دخلنا عند القبطان, و سألنا من أين جئتم. و أخبروه بأنهم من نصارى أشبيلية, و أنهم وقع لهم ما أوجب الخوف على رقابهم فهربوا إلى البريجة (مدينة الجديدة بالمغرب حاليا) قال , و طلبنا منه الإذن في الرجوع إلى بلادنا متى أردنا ذلك, و كنا عزمنا على الهروب منها لبلاد المسلمين – و هنا نود أن نلاحظ أن قول الشهاب أنهم وصلوا من شنتمرية إلى البريجة في يومين هو قول لا يعتد به لأن المسافة بين البلدين لا تقل عن 600 كيلومتر في البحر, وهذه المسافة يقتضي لقطعها بالسفيتة البطيئة أسبوعين على الأقل لا يومين, و لا بد أن هناك تحريفا في النص-.


يقول الشهاب: " فلما رأينا منعتها " أي البريجة", بالسور الذي عرضه ثلاثة عشر ذراعا و البحر دايرها من جهتين, و خندقوا عليها من الجانبين الأخرين, قال استعملنا الحيلة في التخلص منها , بقينا في استعمال الحيلة من الإقامة بها حتى جاءت سفينة من بلاد الأندلس و عزمت على الرجوع و قلت للقبطان , أحب أن أرجع إلى بلادي في هذه السفينة, و إذا احتجت شيئا في بلاد الأندلس, أعطني زماما أبعث به إليها, قال فخرجت مع صاحباي عشية النهار بجميع ما نحتاج إليه من الطعام في السفر, ووجدنا قاربا صغيرا بالمرسى ينتظر من يركب فيه ليمشي إلى الفينة, فأعطيته الطعام و حوايج اللباس, و بقينا ننتظر التاجر صاحب السفينة إلى أن خرج من البريجة ستة من النصارى عيونا يتجسسون ليلا.. و يرجعون صبحا, فمروا بنا و مضوا إلى سبيلهم, و نحن ننتظر التاجر حتى أظلم الليل, فصلينا العشاء و قلت لصاحبي هذا وقت خير, ننجو فيه بأنفسنا, من.... إلى بلاد المسلمين, فعدلنا عن الطريق التي نمشي فيها لأزمور مخافة أن تلحقنا خيل النصارى, إذا أحسوا بهروبنا, و مشينا على حاشية البحر من جهة اليمين. ثم رأينا صومعة بلاد المسلمين في رابطة تسمى طيط خالية من أهلها.


و لما بدأ انشقاق الفجر أخلوا في البريجة النفض الكبير, و خرج النصارى عن أخرهم في طلبنا, فدخلنا شجرة من الدروا, وظللنا النهار كله حتى رجعوا, و بقينا يوما نسمع حس البارود, حتى أيسوا منا. و لما سمع قايد أزمور, وهو القائد محمد بن القايد ابراهيم الشعياني حس النفض الكبير, علم أنه حدث في البريجة شيء عند النصارى, وأمر الفكاك أن يمشي عندهم ليتكلم في بعض الأسارى, و يعرف ما حدث عندهم. فلقيهم بالفحص و سألوه عن نصرانيين هربا من إشبيلية إلى البريجة ثم هربا من البريجة إلى بلاد المسلمين فقال لهم الفكاك بلغوا عندنا صبحا. و إنما قال لهم الفكاك ذلك ليقنطهم.. و بقينا في الشجر إلى الليل و سرنا قاصدين أزمور, و بسبب الغيم لم نر نجوما نهتدي بها بجهة أزمور و بقينا جل الليل سايرين في الفحص إلى أن وصلنا عين ماء و شربنا منها, و جلسنا هناك إلى أن صلينا الصبح.


ثم سرنا لجهة أزمور, و بسبب الغيم لم نر الشمس إلى أن كانت في وسط السماء. و كنا نطلب الماء من شدة الحر, فوجدنا هنالك أبارا يابسة, و رأينا شجرة كبيرة, فمشينا إليها, وصلينا العصر, و استرحنا بظلها من حرحرة الشمس. فلما استرحنا سمعنا موج البحر ففرحنا, لأنا إذا كنا في حاشيته, نعرف الطريق, فوصلنا إليه عند المغرب, و علمنا أننا بين طيط و البريجة.


فقال لي صاحبي نمشي إلى طيط لنشرب من أبارها, فقفلت إن مشينا إلى طيط لم تبق لنا القوة على المشي من هناك, لما لحقنا من الجوع فخالفني ثم رجع إلى رأيي , وولينا على طيط ووجدنا طريقا متسعة, وصرنا إلى نصف الليل, فتحققنا أنها طريق البريجة. ووقفنا على الموضع الذي تقف فيه طلائع النصارى. و جزنا من ذلك الموضع و تركنا البريجة عن شمالنا, ووصلنا إلى حاشية البحر, و مشينا إلى جهة أزمور و طلعنا جبل راينا المسلمين مشغولين فيه بالحصاد.


عند المسلمين


و لما رأونا جاؤا إلينا فقلنا لهم نحن مسلمون. ففرحوا بنا و أعطونا الماء و الخبز. و كان عهدنا به منذ ثلاثة أيام, و مشينا معهم لأزمور فأدخلونا على القايد محمد بن إبراهيم الشعياني ففرح بنا و أكرمنا. و قال لنا أين كنتم هذه ثلاثة أيام, فقد بعثنا في طلبكما, و لم نر منكم خبرا, و تكلم معنا في أمور الديانات فأجبته عنها. و كتب للسلكان مولاي أحمد الذهبي رحمه الله بذلك, و أخبره بحالنا, فأجابه السلطان أن يستصحبنا معه في حضور العيد مع السلطان.


و كان عيد الأضحى من سنة 1007 ه قرب , فخرجنا مع القايد محمد, متوجها إلى مراكش, لحضور العيد مع السلطان مولاي أحمد رحمه الله, فنزلنا من موضع فيه سوق بدكالة, فقال القايد محمد لبعض أصحابه أركب معهما إلى أن يراهما أهل السوق, فكان السوقة يتركون بيعهم و شراءعم و يأتون إلينا, يتعجبون منا, و يسألون عن حالنا, يحسبوننا نصارى فيقولون لنا اشهدوا شهادة الحق, فسكتنا عنهم حتى أكثروا علينا, فقلت أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله, قالوا و الله إنه قالها خيرا منا, فمشوا عنا مسرعين, ثم رجعوا إلينا بالتمر و الخبز و الدراهم . فقلنا لهم لا نأخذ لكم شيئا, فلما رجعنا إلى القايد محمد بن إبراهيم قال لنا ما ظهر لكما في سوق المسلمين قلت خيرا و الحمد لله.


" ثم وصلنا إلى محلة الس
لطان مولاي أحمد الذهبي, و هي مخيمة بتانسيفت بسبب وباء كان بالمدينة, وكان استصحبنا في طريقنا إلى مراكش مع القايد محمد بن إبراهيم أكثر من ألف فارس من سفيان بثياب بالية رثة خلقة. و لما قربنا من محلة السلطان أمر القايد المذكور بإعطاء كل فارس قنباز و ملف و عمامة, و ذلك كله بالزمام, فخرجوا يوم العيد كأنهم شقائق النعمان, و كل قايد من قواد مولاي أحمد أعطى لأصحابه يوم العيد مثل ما أعطى القايد محمد بن إبراهيم لأصحابه فتبدلت علينا أحوالهم. و ظهر لنا منهم ما لم نكن نعرفه قبل. و عندما تكتّبت كتايب المسلمين يوم العيد, و تجندت الأجناد, جاء من عند السلطان مولاي أحمد الذهبي رحمه الله كاتب يحسب على كل قايد و أصحابه. يعملهم في ديوان و يعرضهم على السلطان. فسألت الكاتب عن نهاية ما بلغ في العدد, فقال لي تسع و عشرون ألفا, فقلت لو أن السلطان ذهب بمن معه من الجيش لاستنفذ بلاد الأندلس من يد النصارى".


السلطان أحمد المنصور الذهبي


كان ملك المغرب يومئذ هو حسبما تقدم السلطان أحمد المنصور. و كان قد و لي الملك في جمادى الأولى سنة 986م (أغسطس سنة 1578م) عقب موقعة القصر الشهيرة, و هي التي لقي فيها البرتغاليون على يد المغاربة هزيمتهم الساحقة و قتل ملكهم سبستيان و كان أخوه السلطان عبد الملك قد توفي قبيل المعركة بقليل, فبويع مكانه السلطانأحمد , و لقب بالمنصور تيمنا بالنصر العظيم الذي أحرزته جيوش المغرب المجاهدة, على جيوش الإستعماريين المعتدية.


و كان المنصور ملكا عظيما وافر الهمة و العزم, و كان عصره من أعظم عصور المغرب عزة و قوة و رخاء. و كان حينما وفد عليه الشهاب الحجري قد قطع في الملك أكثر من عشرين عاما. فلما قدّم إليه قائده محمد بن إبراهيم الشعياني و كان أثيرا لديه و موضع ثقته و تقديره لما أبداه في حكم منطقة أزمور من حزم و بر اعة أشاعت فيها النظام و الأمن, لمّا قدم إليه هذا الأندلسي الفار, ووقف على قصته و ما يتمتع به من كفايات أدبية و لغوية, أولاه عطفه, و أمر بتعيينه مترجما للبلاط و كان هذا أقصى ما يطمع إليه الشهاب. و أبدى الشهاب براعة في أ‘مال الترجمة من العربية إلى الإسبانية و من الإسبانية إلى العربية, و أسبغ عليه لقب "ترجمان سلاطين مراكش". و كان السلطان فوق ذلك يستعمله للسفارة عنه في بعض البلاد الأوروبية. و لما توفي السلطان أحمد المنصور في سنة 1012ه (1603م) استمر الشهاب في عمله بالبلاط المغربي خلال الحرب الأهلية التي تلت وفاة المنصور ثم مدة أخرى في ظل ولده السلطان مولاي زيدان.


الشهاب في تونس


و رحل الشهاب في أواخر حياته إلى الشرق و أدى فريضة الحج و لما عاد نزل بتونس و قرّبه أميرها يومئذ و هو الداي مراد. و هنالك توثقت أواصر الصداقة بينه و بين زميل مورسكي مهاجر يسمى باسمه الأندلسي الرئيس إبراهيم بن أحمد بن غانم بن محمد بن زكريا الأندلسي و هكذا نرى من حالة الشهاب و ابن غانم أن المورسكيين أو العرب المتنصرين لم ينزلوا عن أسمائهم الأندلسية العربية الصميمة, و أنهم كانوا يحتفظون بها سرا, حتى تتاح لهم فرصة الفرار من إسبانيا فيعودوا إلى الإسلام و يتسموا بها على الفور. و كان الرئيس ابن غانم هذا فيما يبدو من زعماء الجند, و قد ألف بالإسبانية (أو الأعجمية) كتاباغريبا في فن الجهاد بالمدافع : فقام الشهاب الحجري بترجمته إلى العربية و سماه"كتاب العز و الرفعة و المنافع للمجاهدين في سبيل الله بالمدافع". و قد انتهى هذا الكتاب الفريد إلينا. و توجد منه عدة نسخ مخطوطة بالمغرب و القاهرة. و قد ذكر في صفحة عنوانه " أنه من تأليف الرئيس إبراهيم بن أحمد ابن غانم بن محمد بن زكريا. كتبه بالأعجمية و ترجمه له بالعربية ترجمان سلاطين كراكش أحمد بن قاسم بن أحمد الحجري الأندلسي". و هو كتاب ضخم يحتوي على خمسين بابا في وصف البارود و الألات الحربية القاذفة, حسبما كانت معروفة حتى أواخر القرن السادس عشر, و طريقة تركيب المدافع و اختلاف أصنافها ووصف أجزائها و أدواتها, و طرق تعميرها و الرمي بها إلى غير ذلك من التفاصيل الفنية و العسكرية. و يتخلل ذلك عدة رسوم توضيحية جيدة لمختلف أجزاء المدفع و مختلف نماذجه.


قوة اللغة العربية عند المورسكيين


و يبدو من الأسلوب الذي ترجم به الشهاب هذا الكتاب و الذي قدمنا منه نموذجا فيما نقلناه منه في بداية هذا البحث, أن العربية كانت ما تزال قوية عند المورسكيين المثقفين, و ذلك بالرغم من كل ما فعلته إسبانيا, و فعله ديوان التحقيق الإسباني , لقتل العربية و التراث الأندلسي العربي. و يشير الشهاب في كتابه المذكور إلى المقري مؤرخ الأندلس وإلى كتابه الجامع " نفح الطيب" في قوله" و قد صحّ من كتب التواريخ التي جنعها العلامة الشيخ أحمد المقري في كتابه بمصر في الكتاب الجامع للتواريخ على بلاد الأندلس أعادها الله إلى الإسلام". 


وقد عاش الرجلان في نفس العصر. و الظاهر أن الشهاب الحجري قد لقى المقري بمصر خلال مروره بها في طريقه إلى الحج أو خلال العودة منه, وذلك في نحو سنة 1040ه (1631م) قبيل وفاة المقري بقليل.


رأي الشهاب في استرداد الأندلس



و قد أشرنا من قبل إلى الرحلة التي كتبها الشهاب الحجري بعنوان " رحلة الشهاب إلى لقاء الأحباب". و الأحباب همن فيما يرجح أنهم إخوانه المسلمون فيما وراء البحر أي في عدوة المغرب, التي لجأ إليها و قضى بها بقية حياته, و قلنا أن هذه الرحلة لم تصل إاينا و لم يصل إلينا منها سوى شذور يسيرة, نقلها إلينا بعض الكتاب المتأخرين, و منها قصة فراره من إسبانيا و هي التي نقلنا فيما تقدم عن كتاب "زهرة البستان". و مما يلفت النظر أيضا من أقوال الشهاب عن أحوال إسبانيا يومئذ ما نقله إلينا صاحب كتاب "نزهة الحادي", من الرحلة المذكورة و هو : " أن جزيرة الأندلس استردادها .......سهل, و استرجاعها.....قريب. و لما دخلت في أيام المنصور مراكش وجدت عنده من الخيل نحو ستة و عشرين ألفا, فلو تحركت هذه لفتحها و استولت عليها في الحين".



هذه هي قصة الشهاب الحجري الأندلسي, و هي نموذج لهذه الطائفة الغربية من كتاب الأندلس المغلوبة التي أرغمت على نبذ دينها و لغتها, و كل تراثها القديم, و مع ذلك فقد استطاعت بالرغم من قرن كامل من الإضطهاد المطبق و القمع الذريع, أن تحتفظ بقبس أخير من لغة الأباء و الأجداد, و أن تكوّن لها أدبا خاصا هو الأدب المورسكي.



انتهى.


هناك تعليق واحد:

  1. قصة الشهاب الحجري الأندلسي و ألفرار من إسبانيا مثيرة و غاية في الحزن كذلك لانها تذكرنا معاناة الموريسكيين للأسف لم يصلنا منها إلا القليل نشكر الصفحة جزيل الشكر

    ردحذف