الأحد، 18 يناير 2015

اللاتيفونديسم Latifundismo في إقليم الأندلس.

 اللاتيفونديسم Latifundismo في إقليم الأندلس.










  



موسوعة الأندلس

اللاتيفونديسم Latifundismo هو نوع من أنواع توزيع ملكية الأراضي, و يعتمد على تركيز ملكيات شاسعة في يد عدد قليل جدا من المُلاك. ظهر اللاتيفونديسم بالأندلس بين القرنين الثالث عشر و الخامس عشر ميلادي, أي في أوج حرب "الاسترداد", و ذلك مع إعادة توزيع الممالك النصرانية للأراضي المستولى عليها من يد المسلمين عبر منح أفضلها و أخصبها لرجال الدين و النبلاء و الجنود جزاءا لهم على مد يد العون للملوك "الفاتحين" و تأليفا لقلوبهم, بينما كانت الغالبية الساحقة من الأندلسيين ترى نفسها و هي تُجردُ من أراضيها و تُجبَر على العمل فيها لصالح الغازي, لهذا توصف  أراضي اللاتيفونديو بأنها عبارة عن "ضيعات استعمارية". 


يقول الدكتور علي الكتاني عن المآلات الاقتصادية و الاجتماعية لهذه الطريقة في توزيع الأراضي: " طريقة توزيع الأرض في الأندلس المعاصرة هي أكبر شاهد لاستمرارية الأمة الأندلسية عبر محنتها. فبعد سقوط مدن الأندلس و مقاطعاتها المختلفة, صودرت أراضي الأهالي و وزعت على طبقتين من المستفيدين: الكنيسة و النبلاء, و كلاهما من الشمال النصراني. و في القرنين الثامن عشر و التاسع عشر, وزعت أراضي شاسعة على أجانب فرنسيين و إنجليز. فأصبحت أرض الأندلس في يد عدد صغير من الملاك الأجانب عن الأندلس, بينما ظلت الجماهير الأندلسية, المنحدرة من أصول إسلامية, تعمل دون أرض, و تعيش مآسي الاستغلال و الحرمان. ففي أوائل القرن العشرين, كان واحد في المئة من أصحاب الأرض في الأندلس يملكون 42 في المائة منها. و في شريش, يملك ثلاثة في المائة من أصحاب الأرض 67 بالمئة منها. و تتوزع 45 إلى 81 في المائة من المزارع الغنية بمناطق إشبيلية و أطريرة و أستجة و قرمونة على الملاك الغرباء.

و أدى هذا الوضع إلى مشكلة أخرى, و هو أن الملاك, الكنيسة و النبلاء, الذين يملكون أراضي الأندلس و مزارعها و مناجمها, لا تربطهم بها رابطة, فينقلون ما يستثمرونه من أرضها إلى مناطق أخرى في إسبانيا لبناء المصانع و استثمار الأموال. لذا نرى حتى اليوم أن اقتصاد منطقة الأندلس اقتصادا استعماريا, تصدر فيه الأندلس المواد الأولية المعدنية و الزراعية إلى باقي إسبانيا, ثم تعود إلى شرائها منها مصنوعة بأغلى الأثمان. فتُصدر بذلك عمل أبنائها, الذين يضطرون إلى الهجرة إلى قطلونية و أوسكادي و مجريط للعمل في أحط المهن, لدرجة أصبح يُكوِّن فيها الأندلسيون اليوم النصف الأكثر فقرا من سكان قطلونية, و نسبة كبيرة من سكان أوسكادي و مجريط, و أصبح عدد الأندلسيين في إسبانيا, خارج الأندلس يساوي عددهم في الأندلس (سبعة ملايين). كما اضطر عدد كبير من الأندلسيين إلى الهجرة إلى غرب أوربا, يشاركون إخوانهم المغاربة مرارة الغربة و صعوبة العيش, و كذلك العنصرية و الاضطهاد. و أصبحت من أهم أنشطة الأندلس السياحة الجماعية التي غيرت شكل سواحلها و ثقافة أبنائها, و الصناعة الملوثة التي نشرت الخراب و المرض في كثير من مناطقها كمنطقة ولبة." (1)

أُطلق على الفلاحين الأندلسيين العاملين في الضيعات الاستعمارية (اللاتيفونديو) اسم الخورناليروس Jornaleros (المياومون), و هؤلاء البؤساء هم من كرَّس لهم بلاس انفانتي (1885-1936) Blas Infante, أب القومية الأندلسية, قلمه و وقته و حياته. يقول بلاس :”ظلت الصورة القاتمة للفلاح المياوم ''الخورناليرو" عالقة في وجداني منذ طفولتي. رأيته يمشي يحمل الجوع في طرقات البلدة, و قد اختلط عليه ألمه و ألم الليالي الشتوية الكئيبة…” (2).

الهوامش:

(1) "انبعاث الإسلام في الأندلس" د. علي الكتاني. ص 268-269.
(2) Ideal Andaluz. Blas Infante.

موسوعة الأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق