السبت، 5 سبتمبر 2015

مؤسس الفالانخي خوثي أنطونيو بريمو دي ربيرا José Antonio Primo de Rivera

مؤسس الفالانخي خوثي أنطونيو بريمو دي ربيرا José Antonio Primo de Rivera

خوثي أنطونيو بريمو دي ربيرا

خوثي أنطونيو بريمو دي ربيرا إي ساينز دي إريديا José Antonio Primo de Rivera Y Saenz De Heredia ثالث ماركيز لإيستيا (وُلد بمدريد في 24 أبريل 1903 و أًعدمَ بلقنت Alicante في 20 نونبر 1936), محامي, مفكر و سياسي إسباني؛ و هو الابن البِكرُ للديكتاتور مكيل بريمو دي ربيرا. يُعتبر خوثي أنطونيو مؤسس و زعيم حزب الكتائب الإسباني (الفالانخي Phalange). أٌدين و أًعدمَ بتهمة التآمر و التمرد المسلح ضد حكومة الجمهورية الثانية و ذلك خلال الأشهر الأولى للحرب الأهلية الإسبانية.
شعار الفالانخي


رُفِعَ مقامه في المعسكر القومي المناوئ للجمهورية إلى منزلة سامية و بُجلت ذكراه خلال ديكتاتورية فرانكو و اعتُبر أيقونة و شهيداً في خدمة دعاية "الحركة القومية". كُتمَ خبر إعدامه في المعسكر القومي خلال السنتين الأولتين للحرب, و كان يُدعى خلالها ب"الغائب". بعد نهاية الحرب تقدَّم اسمه كل لوائح قتلى المعسكر الفرانكوي في أغلب كنائس البلاد, و كُتب إلى جانبه "خوثي أنطونيو حاضر". هو السياسي الإسباني الوحيد في عصره الذي كان معروفا باسمه الشخصي "خوثي أنطونيو" دون الحاجة لذكر اسمه العائلي.


الطفولة

خوثي أنطونيو هو الإبن الأكبر للجنرال الديكتاتور مكيل أنطونيو بيرمو دي ربيرا رئيس المجلس العسكري الذي حكم إسبانيا ما بين 1923 و 1930. توفيت والدته و سنه لم يتجاوز الخمس سنوات, فربته إحدى عماته إلى جانب إخوته الخمسة. اختلطت في تنشأته الميولات العسكرية لوالده و الدينية الكاثوليكية لوالدته و عمَّاته. اجتاز البكالوريوس في المنزل دون الحضور للقسم حيث تكلف بتعليمه أساتذة خواص درسوه أيضا الفرنسية و شيئا من الإنجليزية. والده الجنرال لم يشجعه على اتباع مسار عسكري, فقرر دراسة القانون في مدريد اقتداءا بأحد أجداده الذي كان قاضيا, إضافة لتأثير الابن الأكبر لطبيب العائلة رايموندو فرنانديث كويستا الذي كان قد تخرج للتو من شعبة القانون.

اجتاز خوثي أنطونيو السنة الأولى من الجامعة في المنزل أيضا. في العام الثاني توجه إلى الجامعة و انخرط في الحياة الجامعية و ربط علاقة صداقة مع رامون سيرانو سونيير Ramon Serrano Suner. هذا الأخير إلى جانب رايموندو فرنانديدث كويستا سيُعينهما خوثي أنطونيو منفذين لوصيته بعد وفاته.


بعد إقرار قانون استقلالية الجامعات في عام 1919 و الذي سمح بإنشاء الجمعيات الطلابية, كان خوثي أنطونيو واحدا من أعضاء إدارة جمعية طلاب القانون, التي كان يترأسها صديقه سيرانو سونيير, و قد كانت هذه الجمعية منافسة لجمعية الطلاب الكاثوليك التي كان يتزعمها خوثي مارية خيل روبلس José Maria Gil Robles . رغم تربيته الدينية الكاثوليكية كان خوثي أنطونيو يرى أهمية  مزاوجة الأنشطة الدينية بالأنشطة المدنية العلمانية, و عارض بحزم منافسه "اليميني"  رئيس جمعية الطلاب الكاثوليك خوثي مارية خيل روبلس.

في عام 1922 تحصل خوثي أنطونيو على الليسانس بدرجة تفوق. بعد ذلك اجتاز الخدمة العسكرية في فوج تنانين القديس يعقوب Dragones de Santiago. في يونيو 1925 أنهى الخدمة العسكرية , و أكمل بجدارة كل الواجبات الدينية و العسكرية. و باعتباره جامعيا اختار التطوع للخدمة العسكرية لمدة سنة واحدة أنهاها بالحصول على رتبة فارس. عاش خوثي أنطونيو عن كثب تفاصيل الانقلاب العسكري لعام 1923 الذي وضع والده على رأس حكومة ديكتاتورية بمباركة الملك ألفونسو الثالث عشر. بعد الخدمة العسكرية, عاد خوثي أنطونيو ليوسع دراساته القانونية, و في أبريل 1925تخرج من مدرسة المحامين بمدريد و فتح مكتب محاماة خاص به. بعد فترة قصيرة وشحه الملك كواحد من كبار خدام إسبانيا في خدمة الملك ألفونسو الثالث عشر.


ديكتاتورية والده مكيل بريمو دي ربيرا و مساره السياسي

شارك خوثي أنطونيو في عام 1930 في المشروع السياسي لحزب "الاتحاد الملكي القومي". في الثاني من مايو من نفس السنة وافق على شغل منصب نائب الأمين العام للحزب و ذلك بغية رد الاعتبار لذكرى والده الدكتاتور مكيل أنطونيو بريمو دي ربيرا الذي هوجم بعد سقوط ديكتاتوريته و انهيار النظام الملكي و قيام الجمهورية الثانية التي أًعلنت في عام 1931. نشر في هذه الفترة في جريدة الأمة La Nacion (و التي تملكها العائلة) مقالات سياسية تُمجدُ ديكتاتورية والده. في دجنبر 1931, و في مقدمة كتاب "ديكتاتورية بريمو دي ربيرا في عيون الخارج" La Dictatura de Primo de Rivera juzgada en el extranjero شن هجوما عنيفا على المفكرين و اعتبرهم خاضعين لسيطرة الجماهير.


فشل خوثي أنطونيو في الحصول على مقعد نيابي عن مدريد في انتخابات 1931, حيث خسر أمام بارتولومي كوسيو Barolomé Cossio. اعتُقلَ عام 1932 للاشتباه بمشاركته في التهييء للتمرد الذي كان يخطط له الجنرال سان خورخو Sanjurjo, الأمر الذي ظل ينفيه, فخرج من محبسه دون توجيه أي تهمة له. في عام 1933, و في أوج صعود الحركة الفاشية في إيطاليا و النازية في ألمانيا, ساهم في إصدار مجلة الفاشيو El Fascio  و نشر مقالا عنوانه "توجهات نحو دولة جديدة", هاجم فيه الليبرالية السياسية: "لا تؤمن الدولة الليبرالية بشيء, و لا حتى بنفسها. تسمح الدولة الليبرالية بوضع كل شيء على محك التشكيك"..."لا يمكن للحرية أن تعيش دون أن يحميها مبدأ قوي و دائم. عندما تتغير المبادئ بفعل تقلبات الآراء, فحينها لا يكون هناك مكان إلا لحرية متناغمة مع الأغلبية. أما الأقليات فمدعوة للمعاناة في صمت".

يقول المؤرخ الإسباني إسماعيل ساث كامبوس Ismael Saz Campos عن التكوين السياسي لخوثي أنطونيو: "بالإمكان القول أن شخصيتنا بدأت حياتها السياسية في صفوف اليمين الملكي الرجعي المناهض للثورية –في الاتحاد الملكي القومي – الذي كان يضم في صفوفه العديد من رجال النظام الديكتاتوري لوالده بريمو دي ربيرا. هذا اليمين الرجعي و المناهض للثورية رافقه بصفة عامة و غطاه في مساره لفرض الفاشية و لتأسيس الفالانخي الإسباني في أكتوبر 1933 و في الخطوات الأولى لتشكيله".


الفالانخي و نشاطه

أسس خوثي أنطونيو إلى جانب خوليو رويز دي ألبا Julio Ruiz de Alba "الحركة الإسبانية النقابية", وهي النواة الأولى للفالانخي الإسباني, و هي حركة سياسية ذات طابع فاشي, مرتابة بالتالي من الديمقراطية و وسائلها, و تسعى لفرض دولة جديدة ذات طابع شمولي و تشاركي مبني على النقابية العمودية. منذ الخطوات الأولى كانت المبادئ التي تبناها خوثي أنطونيو طيلة حياته القصيرة بادية و بارزة: إسبانيا موحدة بمصير كوني يتعدى صراع الطبقات و القوميات, تصورُ إنسان جديد حامل لقيم خالدة, و عدالة اجتماعية تدعو الإنسان لحياة كريمة و إنسانية, و هذا كله في إطار من الروح الكاثوليكية. أُسسَ الفالانخي الإسباني في مسرح الكوميديا "بمدريد", يوم 29 أكتوبر 1933. خلال مراسيم التأسيس ألقى خوثي أنطونيو خطابا أكد فيه أن حركته معادية للدولة الليبرالية البرلمانية و انتقد فيه بشدة جون جاك روسو و "عقده الاجتماعي": "عندما نشر رجل بغيض كان يُدعى جون جاك روسو "العقد الاجتماعي" في مارس 1762  توقفت الحقيقة السياسية عن الوجود ككيان دائم. قبل ذلك, و في عصور سحيقة, كانت تُعتبرُ الدول  المُنفذة لمهمات تاريخية, و مكتوب على جبينها و على طالعها العدالة و الحقيقة. فجاء جون جاك روسو ليخبرنا أن العدالة و الحقيقة غير ثابتتين بالنسبة للمنطق, و أنهما في كل لحظة نتاج للإرادة...و بما أن الدولة الليبرالية كانت خادمة لهذه العقيدة فقد تشكلت لتكون متفرجة على الصراعات الانتخابية و ليس لتنفيذ مقصد المصائر القومية. المهم بالنسبة للدولة الليبرالية هو جلوس عدد محدد من السادة في مكاتب الاقتراع خلال فترة الانتخابات, و أن تنطلق الانتخابات على الساعة الثامنة  و تنتهي على الساعة الرابعة, و ألا تتحطم صناديق الاقتراع. بينما أنبل مصير لكل صناديق الاقتراع هو التحطيم. ثم بعد ذلك, احترام ما جادت به الصناديق في هدوء, و كأن لاشيء آخر يهمها". من خطاب خوثي أنطونيو في "مسرح الكوميديا" بمدريد يوم 29 أكتوبر 1933.


شرَّع خوثي أنطونيو لاستعمال العنف كوسيلة للوصول للدولة الشمولية: "و نريد في الختام القول أنه لو توجب الوصول لها بشكل من الأشكال بالعنف, فلن نتردد أبدا أمام العنف. (رادا على القائل "كل شيء إلا العنف") من قال أن الدرجة الرفيعة للقيم الأخلاقية تكمن في اللطافة؟ من قال أنه عندما يشتمون أحاسيسنا, قبل أن نتصرف كرجال, علينا أن نكون لطفاء؟ نعم, الأسلوب الحواري هو الوسيلة الأولى للتواصل. لكن لا يوجد أسلوب حوار مقبول مثل حوار "الخناجر" و المسدسات عندما تُهاجَم العدالة أو الوطن". Obras del Rio , 1971 P 66

"الوطن تخليق مهم, تخليق لا يتجزأ , له مهام خاصة لتنفيذها؛ و ما نريده نحن هو أن تكون حركة هذا اليوم و الدولة التي تأسسها الأداة الفعالة, السلطوية, في خدمة وحدة لا نقاش فيها, لهذه الوحدة الثابتة, لهذه الوحدة النهائية التي تُدعى الوطن" من خطاب  تأسيس الفالانخي بمسرح الكوميديا.

في انتخابات نونبر 1933 نال مقعدا في البرلمان بعد دخوله في تحالف ملكي محافظ عن دائرة قادش بالأندلس حيث تحظى عائلته بنفوذ كبير. في عام 1934 ذمج الفالانخي الإسباني بحركة الجماعات الهجومية القومية – النقابية JONS التابعة لأونيسيمو ريدوندو Onésimo Redondo و راميرو ليدزما راموس Ramiro Ledesma Ramos, فاتحا المجال لتأسيس حركة جديدة هي "الفالانخي الإسباني للجماعات الهجومية القومية – النقابية FE de JONS. في الوهلة الأولى, كانت للحزب الجديد قيادة ثلاثية تضم: خوثي أنطونيو, راميرو ليديزما و خوليو رويز دي ألبا. بعد سنة, و إثر اقتراع داخلي, انتُخبَ خوثي أنطونيو القائد الوحيد لحزب الفالانخي الإسباني. ابتداءا من هذه اللحظة, ستصبح شخصية خوثي أنطونيو الأيقونة الرئيسية للحزب.


خلال خطوات الحزب الأولى, لم يفك خوثي أنطونيو الارتباط بالدوائر الملكية. كان الفالانخي مجموعة هامشية ذات موارد اقتصادية ضعيفة, و كان يجد الدعم المالي لدى هذه الدوائر التي كانت ترى في الفالانخي قوة صِدام لمواجهة التنظيمات اليسارية و زعزعة استقرار الجمهورية الثانية. بعد ذلك راح يبحث عن دعم لدى إيطاليا الفاشية التي خصصت له في صيف 1935 راتبا شهريا قدره 50 ألف ليرة بصفته عميلا أجنبيا للحكومة الفاشية الإيطالية.

قام خوثي أنطونيو عام 1935 بجولة عبر مدن إسبانيا نظم خلالها لقاءات خطابية, و قد واكبتها صفحات الأسبوعية الفالانخية Arriba, و  صحيفة HAZلسان حال النقابة الإسبانية الجامعية. في هذه السنة طُردَ ليدزما من الفالانخي.

يقول الباحث خافيير توسيل في كتابه "الفاشية في إسبانيا: "تأخَر الفالانخي في خوض الطريق نحو الاستعمال الأتوماتيكي للعنف, لكنه كان أحد الأحزاب الرئيسية التي استعملته خلال السنتين التاليتين. استعمل منذ البادية لهجة عنيفة تصل بسهولة إلى حد الاستفزاز و القتل. من جهتها, الحركات اليسارية ردَّت, و سقط أول القتلى  بين قراء و موزعي الصحافة الفالانخية  في يناير 1934".
في أحد خطاباته

عندما سقط أول قتيل في صفوف الفالانخي, كان خوثي أنطونيو أكثر زعيم فالانخي أبدى تحفظه على إمكانية استعمال العنف بشكل تلقائي. أول ضحية فلانخية للعنف كان الطالب ماتياس مونتيرو Matias Montero, تلته مجموعة من عمليات الاغتيال في بلد الوليد , خيخون و مدريد, فقد اغتال الفالانخيون مانويل أندرس كاساوس Manuel Andrés Casaus المدير العام السابق للـأمن و مؤسس اللجنة الوطنية للحركة الجمهورية و أحد رواد إعلان الجمهورية بمدينة إيبار. كما اغتالوا  في سانطاندير الصحفي لوسيانو مالومبريس. بينما كان أول قتيل في صفوف اليساريين الخياطة خوانيتا ريكو Juanita Rico العضوة في الشبيبة الاشتراكية, و جاء قتلها ردا على مقتل الفالانخي خوان كويلار Juan Cuellar. قتلة ريكو اتهموها بالمشاركة في الشجار و التبول على جثة القتيل الفالانخي بعد قتله.


في انتخابات عام 1936 تكثل اليساريون في الجبهة الشعبية و اليمينيون في الجبهة القومية, أما الفالانخي الذي لم يتوصل لتوافقات فقد تقدم للانتخابات منفردا. كان خوثي أنطونيو يرى أن على الفالانخي التقدم للانتخابات ضمن تحالف الجبهة القومية اليمينية و كان من مناصري التوصل لاتفاق معهم, لكن رأي إدارة الفالانخي كان مخالفا للاتفاق المبدئي الذي تم التوصل له بسبب قلة المقاعد التي سيحصلون عليها , كما أنهم كانوا يتطلعون لتحالفات أقوى مع قوى أخرى. هذه الانتخابات أوضحت بالملموس ضعف القاعدة الشعبية  التي تحظى بها الفالانخي, حيث لم يحصلوا إلا على 44 ألف صوت في كل التراب الإسباني, ما يساوي 0,7 بالمئة من مجموع الأصوات.

في النفس السنة أعلنت حكومة الجبهة الشعبية الفائزة في الانتخابات عدم شرعية الفالانخي ( رفضت المحاكم بعد ذلك هذا الإجراء) بسبب مسؤوليتهم عن الفوضى العمومية, فقد نُسبَ لهم الاعتداء على الجمهوري و أستاذ القانون خمنيس ذي أسوا قُتل خلاله مرافقه, حيث أًطلقَ النار على خمنيث من طرف شابين فالانخيان ردا على اغتيال الطالب الفالانخي خوان خوثي أولانو, و قد اتهم الفالانخيون أستاذ القانون بالمسؤولية عن مقتله.

هكذا إذن اعتُقل خوثي أنطونيو بتهمة الحيازة الغير قانونية للأسلحة و كيل اتهامات للمحكمة و حُكمَ عليه ب 5 أشهر سجنا. سُجنَ في البداية بسجن موديلو Modelo بمدريد, ثم نُقلَ إلى سجن لقنت Alicante يوم 5 يونيو 1936. 


المؤامرة  ضد الجمهورية الثانية

تعرضت الجمهورية منذ أيامها الأولى لمؤامرات و حركات تمرد و عصيان. في غشت 1932 فشلت أول محاولة لإسقاط الجمهورية. و قد ظهر تياران متمردان في اليمين, واحد ذو طابع مدني مكون أساسا من حزب التجديد الإسباني و التجمع السلفي Comunion tradicionalista مدعوم من عناصر من داخل الجيش و هدفه إعادة النظام الملكي. و تيار آخر عسكري كان يبحث من خلال انقلاب عسكري عن إعادة نظام اجتماعي كانوا يرونه قد تضرر بسبب إعلان الجمهورية.

إلى جانب هذان التياران انضاف عام 1934 الفالانخي الإسباني الذي رأى النور من دون شك لغرض تمردي. لكن عكس التيارين الأولين اللذان كانا يريان حكومةً قويةً كوسيلة لإعادة النظام المفقود, كان الفالانخي يرى في هذه الحكومة القوية هدفا في الحد ذاته, و كان يقترح نظاما جديدا ذو طابع شمولي.

كان يتطلع خوثي أنطونيو إلى أن يكون الفالانخي محرك التمرد. لهذا ربط في مناسبات عديدة اتصالات بعسكريين لدعم تمرد يقوده الفالانخي. في التقرير السري حول الوضعية السياسية الإسبانية الذي حرره خوثي أنطونيو و بعثه للحكومة الإيطالية صيف عام 1935, تحسر على أنه في الوقت الذي حصلت فيه ثورة أشتورياس في أكتوبر 1934, لم يكن للفالانخيين القوات الكافية للرد بثورة مضادة. و عن الدور الحالي, أكد أن مهمة الفالانخي الآن تكمن في العمل دون كلل لتقوية كل الأجهزة. و في أكتوبر 1936 يمكن الحديث عن مخطط كامل و تحديد الأمور التي يحتاجون لها لتحقيق هدفهم.


في نهاية عام 1934 و بداية 1935, وضع خوثي أنطونيو تشكيلة الحكومة التي ستنبثق عن التمرد, و هي مكونة في أغلبها من فالانخيين, كما كان بينهم فرانثيثكو فرانكو وزيرا للدفاع الوطني, مولا وزيرا للمحافظات و سيرانو سونيير وزيرا للعدالة. بينما عيّن خوثي أنطونيو نفسه رئيسا للحكومة. في عام 1935, وضع عدة مخططات. ففي يونيو اجتمعت قيادة الفالانخي بالقادة الجهويين في محطة بارادور كريدوس لتهييئ تمرد ينطلق من فوينتس دي أونيورو, و هي بلدة في إقليم سالامنكا القريب من الحدود البرتغالية, و ذلك لإشراك الجنرال سان خورخو المنفي آنذاك في البرتغال, و كذلك لتسهيل الهروب إلى هذا البلد المجاور في حال الفشل. و في نونبر, وُضعَ مخطط آخر كان ينوي بدء التمرد من طليطلة بمساعدة الجنرال موسكاردو. لم تتحصل هذه المخططات على الدعم اللازم ففشلت في مهدها. بعد ذلك, لجأ خوثي أنطونيو مباشرة إلى فرانكو, قائد هيئة الأركان آنذاك لدعم التمرد. فرانكو اكتفى بتغيير موضوع المحادثة.

بعد فوز الجبهة الشعبية ذات التوجه اليساري في انتخابات فبراير 1936, تصاعدت المناورات لإسقاط الجمهورية. فقد انطلقت اجتماعات الجنرالات للقيام بتحرك ما. يوم الثامن من مارس, خلال اجتماع عُقدَ في منزل أحد أعضاء التجمع اليميني CEDA تم تحضير مخطط للقيام بانقلاب عسكري في 20 أبريل سيتمخض عنه مجلس عسكري برئاسة الجنرال سان خورخو, المنفي آنذاك. هذه المخططات تجاهلت الفالانخي الذي بقي على الهامش.


يوم 14 مارس, سُجنَ خوثي أنطونيو في سجن موديلو بمدريد بتهمة حيازة غير قانونية للسلاح. يوم 5 يونيو, نُقلَ إلى سجن لقنت Alicante. استفاد في سجنه من نظام مخفف للزيارات, فأدار الفالانخي من السجن و حاول من سجنه تأطير حركات تمرد. في نهاية أبريل حرر رسالة إلى ضباط الجيش وُزعت في الرابع من ماي, و فيها دعوة للانتفاضة: "قد تختفي إسبانيا تماما. الأمر بسيط: إذا بقيتم محايدين عن أداء الواجب أمام الصراع  الذي يدور الآن, فقد تصبحون بين ليلة و ضحاها و قد اختفى الجوهر و الثابت من إسبانيا التي تخدمونها(...) عندما يتعرض الثابت للخطر, فلا حق لكم في البقاء محايدين. لقد دقت ساعة دخول أسلحتكم إلى اللعبة لإنقاذ القيم الأساسية التي بدونها ليس الانضباط سوى تَصَنُع لا طائل من ورائه. كان الأمر دائما على هذا الشكل: المباراة الأخيرة هي دائما مباراة الأسلحة. و كما قال سبينغلر Spengler كانت هناك دائما عصبة من الجنود أنقذوا الحضارة". رسالة إلى العسكريين الإسبان.

ربط خوثي أنطونيو, ابتداءا من مايو 1936, خيوط التواصل بالجنرال مولا. ففي رسالة بعثها خوثي أنطونيو إلى بمبلونة حيث يقيم الجنرال, لم يُقدم كامل دعمه له و تحدث عن شروط, و قدم له 4 آلاف فالانخي مستعدين منذ اليوم الأول للثورة. واصلت المؤامرة طريقها و فشل الفالانخي أن يكون ذراعها السياسي المُلهِم. كان العسكريون على اتصال أيضا بالملكيين و بيمينيي CEDA و الكارليين. وقد كان كالفو سوتيلو من يمينيي CEDA يود خطف الصبغة الفاشية من الفالانخي.
خوثي أنطونيو بسجن موديلو بمدريد عام 1936

بعث خوثي أنطونيو يوم 24 يونيو دورية لكل القادة الجهويين للفالانخي يحثهم على عدم الانضمام لأي مشروع لا تكون الفالانخي قائدته و القوة التي تأسس دولته و يعتبرها مجرد قوة مساعدة للصِدام.


بعد 5 أيام فقط, و تحديدا يوم 29 يونيو, بعث خوثي أنطونيو دوريات جديدة تدعم هذه المرة التمرد. واحدة موجهة للخط الفالانخي الأمامي في مدريد يدعوهم فيها للأهبة و الاستعداد للوقت الحاسم: "حماسكم يبغي الصراع على الاستعداد, لكن ما هو قادم أعظم بكثير من أن نخوضه دون استعداد".  و أخرى موجهة للقادة الجهويين يدعوهم فيها لطاعة القيادات العسكرية وقت التمرد: "كل قائد جهوي سيتواصل حصريا مع القائد الأعلى للحركة العسكرية في المنطقة أو الإقليم". ثم يتدخل الفالانخيون بوحداتهم الخاصة و بقادتهم و أزيائهم الخاصة. من وجهة نظر اليميني خيل روبلس قد يكون هذا التحول مرتبطا بالزيارة التي قام بها الكارلي روديزنو إلى سجن لقنت Alicante أو ربما دارت محادثة بين شقيقه فرناندو (و هو صلة وصل خوثي أنطونيو بالمتآمرين) و الجنرال مولا حيث كان هذا الأخير غاضبا من لهجة دورية خوثي أنطونيو ل 24 يونيو.

يوم 13 يوليوز بعث رسالة أخرى إلى مولا طلب منه فيها تسريع القيام بالتمرد: "أنا على قناعة أن كل دقيقة من الجمود تترجم كامتياز ثمين بالنسبة للحكومة". و قد تقاطعت هذه الرسالة مع البرقية التي بعثها له مولا عن طريق أحد الضباط, يُخبره عن يوم المحدد للتمرد.


يوم 17 يوليوز حرر خوثي أنطونيو من محبسه إعلانا عبَّر فيه عن المشاركة اللامشروطة للفالانخي في التمرد: "مجموعة من الإسبان, بعضهم جنود و آخرون مدنيون, لا يريدون التفرج على التحلل الكامل للوطن. هم اليوم يثورون على الحكومة الخائنة, العاجزة, الشرسة و الظالمة التي تقود الوطن إلى الخراب (...) أيها العمال, الفلاحون, المفكرون, الجنود, البحارة, يا حراس الوطن, زعزعوا أركان الاستسلام أمام مشهد غرقه و تعالوا معنا من أجل إسبانيا واحدة, عظيمة و حرة. أعاننا الرب, إسبانيا في القمة".

إعدام خوثي أنطونيو و تداعياته

كان خوثي أنطونيو سجينا في سجن لقنت لما اندلع التمرد يوم 18 يوليوز 1936. قبل يوم, جمع هو و شقيقه أغراضهما, ما دفع للاعتقاد أنهما قريبان من مغادرة لقنت. قبل ذلك كانت هناك مخططات كثيرة لتهريبه من السجن. إحداها كانت تنوي نقله عبر طائرة صغيرة إلى مدينة وهران أو الجزائر, و أخرى عبر البحر إلى مايوركا. كل هذه المحاولات فشلت قبل أن تبدأ. كما كان هناك عرض, تقريبا يوم 18 يوليوز, من ضباط لقنتيين لاستعمال شاحنة خاصة بوحدة المهمات الخاصة لإخراجه من لقنت, و هو عرض رفضه خوثي أنطونيو.


يوم 13 يوليوز أصدر أمرا بتوحيد حركة الفالانخيين و العسكريين المتعاطفين في بلنسية, لقنت, ألكوي Alcoy و قرطاجنة. كان العديد من العسكريين مجتمعين في فندق فيكتوريا بلقنت حيث تستقر أخته بيلار و زوجة أخيه. يوم 17 اتجهتا إلى ألكوي للطلب من الفالانخيين التعاون و التكثل مع العسكريين. خلال عودتهما للقنت اعتقلتا و فرضت عليهما الإقامة الجبرية في الفندق. في فاتح غشت سُجنتا في إصلاحية البالغين بلقنت. فشلَ التمرد في بلنسية و لقنت فأحبطت محاولات تحريره. خرجت مجموعات من الفالانخي يوم 19 من بلدات المنطقة الشرقية قاصدة لقنت. إحدى المجموعات, و هي الأكثر عددا, خرجت من بلدة رافال فأُطلق عليها النار من ضباط يستقلون شاحنة لحرس المهمات الخاصة. لما سمعت المجموعات الأخرى بما جرى لهذه المجموعة تراجعت عن الزحف نحو المدينة.

عدَّل خوثي أنطونيو خطابه خلال الأربع أشهر التي سبقت إعدامه. فقبيل أشهر كان يعتبر الحرب "عامل التقدم و أمرا لا بد منه بالضرورة !".  أما في هذه الأشهر الأربعة فيتحدث عن وضع حد للصراعات و المصالحة. أعطى التغير الظاهر في موقف خوثي أنطونيو في الأشهر الأربعة الأولى التي عاشها من الحرب الأهلية انطباعا بعد ذلك أنها كانت أعظم فرصة ضائعة لمصالحة الطرفين في الحرب الأهلية الإسبانية. في غشت اقترح خطة لوضع حد للاقتتال. يوم 14 غشت قال خوثي أنطونيو لمارتن إتشيبريا Martin Echeverria نائب سكرتير الفالانخي بليفانتي : "إسبانيا تتفكك. النصر المطلق لمعسكر على الآخر غير متوقع لأي طرف, و قد يجلب من جديد الحروب الكارلية: إنه ارتداد إلى الخلف سيقضي على كل المكتسبات الاجتماعية, السياسية و الاقتصادية, و الدخول في حقبة من المجهول و الاستنزاف". دييغو مارتنيث باريو الذي رافق إتشبريا, روى أن خوثي أنطونيو اقترح على مارتن إتشبريا أن ينقل للحكومة طلبه الخروج من السجن على أن يعطيها وعد شرف بالقيام بمفاوضات في المعسكر القومي الثائر تهدف لإنهاء الحرب الأهلية و خضوع العسكريين و المدنيين الثائرين ضد الجمهورية للحكومة الشرعية. كان يتحدث, حسب مارتن باريو, أيضا عن حلول وسط قد تكون قاعدة لهذه المفاوضات, لكنه شدد على ضرورة وضع حد للصراع لأنه كان يؤمن كإسباني أن الصراع سيُعمقُ الفوضى و يزرع البلبلة في الوطن. (محاضرة ألقاها مارتنيث باريو في المكسيك عام 1941).

حرَّر خوثي أنطونيو وثيقة من صفحتين حلل فيها الوضع السياسي و أعطى فيها سلسلة من الحلول للخروج من الصراع المسلح. في ورقة أخرى اقترح قائمة أسماء شخصيات لتشكيل حكومة مصالحة. المخطط مبني على الخضوع لشرعية الجمهورية و العفو عن الثائرين عليها. حكومة المصالحة كانت مُشكَلة أساسا من جمهوريين معتدلين و لا تضم أي عسكري. لم تُعِر الحكومة الجمهورية أي اهتمام للمخطط حسب رأي مارتن باريو, و لم يكن الثائرون على استعداد لوضع أسلحتهم أمام هذا المقترح, كما أنه لم يكن هناك مجال للعفو عن زعيم الفالانخي الإسباني و اتنزاعه من يد العدالة.

ازدادت وضعيته في السجن صعوبة بعد الاحتجاجات التي قام بها معتقلون آخرون ضد الامتيازات التي يحضى بها الأخوان بريمو دي ربيرا. بعد تغيير مدير السجن اكتُشفَ في زنزانة خوثي أنطونيو مسدسان و مئة رصاصة. في الحين قُطع عنهم التواصل مع الخارج و مُنِع من تلقي الطرود و الصحف و من الاستماع للراديو.


في المعسكر القومي الثائر كانت هناك محاولات عديدة لتحريره. كما تلقت الحكومة الجمهورية عروضا كثيرة من الثائرين للإفراج عنه. ربما أقرب تلك المحاولات من النجاح كان اقتراح مبادلته ابن لارغو كاباييرو (الزعيم الاشتراكي في المعسكر الجمهوري و رئيس الحكومة آنذاك). هكذا اجتمع مجلس للحكومة , امتنع لارغو كاباييرو خلاله عن التدخل, فتم رفض العرض. فشلت كل محاولات الإفراج عنه. كما جرت مجموعة من عمليات "الكومندو" بعلم و موافقة فرانكو. اثنان منها جرت بالتعاون مع الرايخ الثالث الألماني, حيث كان الاعتماد على البعثة الديبلوماسية الألمانية بلقنت, و قد استُعمل المال لإرشاء من كانوا يحرسونه,  فتتدخل زوارق ألمانية لتقريب المُحررين من لقنت. فشلت هذه العمليات كما فشلت العملية الثالثة التي شاركت فيها سفينة إيبارا .

يوم الثالث من أكتوبر انطلقت المتابعة القضائية ضد خوثي أنطونيو و شقيقه مكيل, و زوجة هذا الأخير مارغريتا لاريوس, إضاقة لسجناء آخرين. كانت التهمة الموجهة لهم التآمر و التمرد العسكري, و عقوبتها الإعدام. عينت المحكمة العليا قاضيا للجلسة من مدريد لإدارة القضية, و يوم 11 أكتوبر بدأت التحقيقات مع المتهمين و استفسار الشهود. حضر خوثي أنطونيو لأول مرة أمام المحكمة يوم 3 نونبر, و نفى كل التهم الموجهة له. أجاب خوثي أنطونيو خلال محاكمته بردود تهربية عن كل الاستفسارات. فقد نفى إقامة اتصالات مع عناصر معادية للجمهورية, كما نفى المشاركة في الإعداد للتمرد و نفى التورط في تمرد الفالانخي في لقنت, مبررا ذلك بانقطاع الاتصالات عنه في الزنزانة, و هو أمر يتعارض مع المرونة  التي كان يستفيد منها آنذاك في محبسه. انسحب القضاة للتشاور, و بعد 4 ساعات, و تحديدا عند الساعة الثانية ظهرا, خرجوا بحكم الإدانة. حُكِمَ على خوثي أنطونيو بالإعدام بتُهمة التآمر, بينما حُكمَ على شقيقه مكيل بالسجن المؤبد لنفس التهمة, أما زوجة مكيل, مارغريتا لاريوس فقد حُكم عليها بالسجن ل6 سنوات و يوم واحد بتهمة التعاون مع متآمرين. في نفس الحكم أُطلقَ سراح المتهمين الثلاثة الآخرين الذين اتُهموا بالتواطؤ.

أكدت المحكمة العليا الحكم. الحاكم المدني للقنت, الشيوعي خيسوس مونزون, حاول تأجيل تنفيذه, لكن لجنة النظام العام المحلية أمرت بتنفيذ الحكم صبيحة يوم 20 نونبر.
المكان الذي يعتقد أن خوثي أنطونيو أعدم فيه

حسب شهادات, تم تنفيذ الحكم من دون انتظار موافقة الحكومة. يُقال أن خوثي أنطونيو مات بشرف, و كان إعدامه طقسا عاديا و خاليا من الدراما التي خلقتها الأسطورة التي نسجها أتباعه. عبر خوثي أنطونيو في وصيته عن أمنيته في "أن يكون دمي آخر دم إسباني يُراق في خلافات مدنية". و من الجمل الشهيرة في وصيته: "فلتستشعر كل شعوب إسبانيا على اختلافها بالتناغم في وحدة المصير الثابت".
صليب تذكاري لخوثي أنطونيو في كاتدرائية كوينكا

وصل خبر إعدام خوثي أنطونيو للمعسكر القومي الثائر على الجمهورية, فأُخفيَ طيلة سنتين, و صار يُعرفُ بالغائب. صورة "الشهيد" التي استُغلت في السنوات اللاحقة, ربما كانت أكثر استعمالا و أقل إزعاجا من صورته كزعيم سياسي. كما أن استمرار خوثي أنطونيو "حيا" لكنه "غائب", دفع الزعماء الفالانخيين لعدم محاولة تنصيب زعيم آخر للحركة خلفا لخوثي أنطونيو, و كان هذا الأمر يناسب فرانكو الهادف لتركيز كل السلط بين يديه. بعد إعدامه تحول إلى زعيم رمزي, و تنفيذ مخططاته المزعومة لإسبانيا أعطى تبريرا لفرانكو للقيام بأهدافه.

دار جدل في المعسكر القومي الثائر إن كان الثوار قد قاموا بكل ما هو ممكن للإبقاء على حياة خوثي أنطونيو. لم تكن العلاقة بينه و بين فرانكو جيدة, فقد رفض خوثي أنطونيو خلال الانتخابات عن كوينكا أن يظهر فرانكو بحانبه في لائحة المرشحين, و ربما لم يغفر فرانكو له أبدا هذا التصرف. الأكيد أن وفاة خوثي أنطونيو سهلت لفرانكو استخدام الفالانخي لأهدافه الخاصة. يحكي رامون سيرانو سونيير في مذكراته: " ليس مفاجئا بالنسبة للمطلعين القول بأن فرانكو لم يكن يُكن محبة لخوثي أنطونيو. كان الأمر متبادلا. فخوثي أنطونيو هو الآخر لم يكن يُكن تقديرا لفرانكو و أكثر من مرة –باعتباري صديقا مشتركا بينهما- عبر لي عن ضيقه من فظاظة انتقاداته".
طابع بريدي لخوثي أنطونيو في فترة حكم فرانكو

كان إعدام خوثي أنطونيو يعني إقصاء الزعيم الثائر الأوحد من المعسكر القومي الذي يملك الكاريزما القادرة على سحب البساط من تحت العسكريين , ما عبَّد الطريق لتحول الفالانخي لحزب النظام الوحيد بعد توحيده مع السلفيين (Tradicionalistas), فأصبح يُدعى "الفالانخي الإسباني السلفي" لJONS و زعيمه الوطني فرانثيثكو فرانكو.

بعد نهاية الحرب عام 1939 حُمل رفاته على الأكتاف من لقنت إلى الإسكوريال بمدريد. و ما أن انتهت الأشغال بكنيسة Valle de los caidos, حتى أمر فرانكو بنقل رفاته من الإسكوريال و نقله إلى هذه الكنيسة.

ذكر المؤرخ الأميريكي ساتنلي بايني Payneفي كتابه حول الفاشية أن خوثي أنطونيو لم يستطع أن يبلغ تأثيرا سياسيا مهما قيد حياته. ساهم بسلبية في تسريع و تضخيم الكارثة الإسبانية. نال شهرته و سمعته و تمجيده بعد وفاته. و ربما لم يكن الأمر ممكنا إلا من خلال هذه الطريقة... عند وفاته أصبح المثل الحي لعبادة الشهيد في كل أوربا المعاصرة ما منحه موقعا و صفة و دورا لم يكن ليصلها لو بقي حيا.

إيديولوجيته و فكره

تأثر خوثي أنطونيو كثيرا بوالده مكيل حيث بدأ مساره السياسي بالدفاع عن إرثه السياسي معتبرا ديكتاتوريته فرصة ضائعة قد لا تُتاح لإسبانيا مرة أخرى إلا بعد أمد بعيد. الفرصة, حسب تعبيره, أضاعها "أغرار" تركوا الفرصة تمر و لم يدركوا عمقها.
خلال مساره على رأس الفالانخي قام مرات عديدة بالتآمر ضد النظام البرلماني للجمهورية الثانية بغية فرض حكومة شمولية. في كتاباته نجد مرارا و تكرارا كلاما عن نظام تراتبي و شمولي: " لا توجد ثورة تُثمرُ نتائج ثابتة إذا لم تكن تحتفي بقيصرها. هو و حده القادر على كشف الطريق المطمور تحت الهتاف العابر للجماهير. القائد لا يطيع الشعب و إنما عليه خدمته, و هما ليسا سيان. خدمته تعني الأمر بتنفيذ ما فيه الخير للشعب, مع أن الشعب يجهل أين هو صلاحه. قد يُخطئ القادة بما أنهم بشر, كما قد يخطئ لنفس السبب المدعوون للطاعة عندما يُقدرون أن القادة يخطؤون. مع وجود فارق, و هو أنه في حالة خطأ التقدير الجماعي تنضاف الفوضى التي يمثلها رفض أو مقاومة الطاعة".

"لقد حان وقت إنهاء الوثنية الانتخابية. الجماهير خطائة مثل الأفراد, و عموما هي خطائة أكثر. الحقيقة هي الحقيقة (حتى لو حصلت على 100 صوت) ما ينقُصُ هو البحث عنها بإصرار, الإيمان بها و فرضها, ضد القِلة أو ضد الكثرة". (صحيفة Arriba ب يوليوز 1935).

كان كل مساره السياسي مبنيا على فكرة أن القومية السلطوية الفعلية يجب أن تكون مبرمجة و مأدلجة و منظمة أكثر من نظام والده.

في عام 1933 تحمس خوثي أنطونيو لنجاح هتلر فتقرب من الفاشية. اعتقد أنه وجد في الفاشية الركيزة الإيديولوجية التي كان يبحث عنها: "...أولئك الذين يعتقدون أن الفاشية مرتبطة بحياة موسوليني لا يفقهون شيئا عن الفاشية و لم يزعجوا أنفسهم بالبحث عما يعنيه التنظيم التعاوني. الدولة الفاشية, المبنية على الإرادة الحازمة للدوتشي, ستستمر بعد مُلهمها لأنها تُكون تنظيما تابثا و متينا. الديكتاتورية الإسبانية قصرت حياتها بيديها بشكل مستمر و ظهرت دوما, عبر إرادتها هي, كحكومة العلاج المؤقت(...) ما نبحث عنه نحن هو الاستيلاء على الدولة كاملة و بشكل نهائي, ليس لبضع سنوات, و إنما إلى الأبد. (...)نحن لا نقترح ديكتاتورية لترقيع السفينة التي تغرق, أو التي تُشفي المرض لفترة و لا تقترح سوى حل في ظل استمرارية الأنظمة و ممارسات الليبرالية المتداعية. بالعكس, نحن نسير لتنظيم قومي دائم, لدولة قوية إسبانيا, بسلطة تنفيذية تحكم و غرفة تعاونية تُجسد الحقائق الواقعية القومية. لن نتذرع بمرحلية الديكتاتورية و إنما بإقامة و إدامة النظام.". جريدة الفاشيو El Fascio, 16 مارس 1933).

كما لا يُمكنُ إنكار تأثير جيل 98 عليه و ذلك في نظرته التشاؤمية للمجتمع الإسباني و أيضا للتأثير الخاص لأورتيغا إي غاسيت الذي وجد في كتاباته مبدأه المبني على "وحدة المصير الكوني" الذي هو من ثوابته الفكرية القائمة على الحنين لإسبانيا الإمبريالية التي ضاعت بفعل "الغزو البربري" كما كان يسمي الاشتراكية و خصوصا الشيوعية.

      معاداة البرلمان

انتقد خوثي أنطونيو البرلمان في مرات عديدة و وصفه بأوصاف سلبية. و كان يرى أن اليمينيين من خلال نشاطهم البرلماني لن ينجحوا في وقف ثورة اشتراكية لا مفر منها: "اليمينيون في برلمانهم كالأطفال مع لعبتهم الجديدة...منعزلون في برلمانهم يعتقدون أنهم يملكون أبناء إسبانيا. لكن في الخارج توجد إسبانيا احتقرت اللعبة...إسبانيا هذه أسيء فهمها فاندلعت ثورة. الثورة في بدايتها دائما معادية للقديم. كل ثورة, مهما كانت عادلة, لابد أن تأتي على العديد من التوازنات المتناغمة. لكن للثورة بعد اندلاعها مخرجين: إما أن تُغرق كل شيء, أو أن تشق طريقها: ما لا يمكن فعله هو التملص منها أو تجاهلها". 17 دجنبر 1933.

كان خوثي أنطونيو يرى بأن المواطنين قادرون على التقرير في الشؤون البلدية و الإدارية لكنهم "جاهلون" بتقرير مصير الأمة: " لنيل إرادة الجماهير يجب نشر أفكار أكثر بساطة و سهلة الاستيعاب, لأن الأفكار الصعبة لا تصل الجماهير. ما يحدُث أن الرجال المٌؤهلين لن يقبلوا بالتجوال في الشوارع لمصافحة الناخب المحترم و يحكوا له الحماقات, بالتالي سيفوز أولئك الذين يتفوهون بالحماقات بصورة طبيعية و عفوية". من خطاب ألقاه في مدريد في التاسع من أبريل 1935.

"لا أثق في تصويت المرأة. أكثر من ذلك, لا أثق أبدا حتى في تصويت الرجل. كلاهما عاجزان عن الاقتراع. فالاقتراع الجماعي غير مُجدي و مُضر بالشعوب الراغبة في تقرير سياستها و تاريخها عبر التصويت. لا أعتقد أن للجماهير و لا للكثير من ممثليهم رأيا مثلا في أهمية  عقد تحالف دولي من عدمه أو التقرير في السياسة البحرية التي يجب اتباعها". حوار حول تصويت النساء في Lavoz بتاريخ14 فبراير 1936.

كما لم يكن يقبل أن تُقرر أغلبية ما حول حقائق مطلقة أو قيم أبدية, و لا مناقشة زعامة القائد.

       الدولة و الفرد

كان خوثي أنطونيو يدعو لدولة سلطوية سينال فيها الفرد الحرية الحقيقية التي لا تكون سوى في نظام سلطوي و ذو نظام: "الوطن هو وحدة مصير كوني (...)لا يمكن للدولة أن تخون وظيفتها, كما لا يمكن للفرد أن يستنكف عن التعاون مع دولته لفرض النظام الكامل لحياة أمته (...) لقد سادت فكرة المصير, علةُ وجود البناء (دولة أو نظام), في الفترة الأكثر مجدا التي عاشتها أوربا, القرن 13, قرن القديس طوماس. وُلدت من أذهان الرهبان الذين واجهوا سلطة الملوك و انتقدوها حين لم تكن مُبرَرة بتنفيذ هدف عظيم: صلاح رعاياهم". محاضرة في دورة للفالانخي الإسباني بتاريخ 28 مارس 1935.

كما شدد مرات عديدة على نظرته الأبوية للنظام السلطوي: "كل التنظيم, كل الثورة الجديدة, كل بنية الدولة و كل تنظيم الاقتصاد سيتجهون لإشراك هذه الجماهير الضخمة المقطوفة من أصولها من طرف الاقتصاد الليبرالي و الإجهاد الشيوعي في الاستفادة من هذه المزايا".

يرى خوثي أنطونيو أن سلطة الدولة تبررها مهمة سامية ينبغي تنفيذها. إسبانيا كأمة مُتحضرة عليها واجب فرض ثقافتها و سلطتها السياسية خارج حدودها, كما أن الدولة و زعيمها هما في خدمة الفرد. بالنسبة لخوثي أنطونيو, الكرامة الإنسانية, وحدة الإنسان و حريته هي قيم خالدة غير مرئية, و الإنسان لا يحصل على قيمته الإنسانية إلا إذا وهب حياته لمشروع جماعي عظيم و الدولة هي هذا المشروع الجماعي العظيم.

اليساريون و اليمينيون

بالنسبة لخوثي أنطونيو يكمن الخطر الأعظم الذي يتهدد إسبانيا في الثورة الاشتراكية. ففي كتاباته و الحركة العنيفة للفالانخي, كان اليساريون الأعداء المُعلنين بالنسبة له. بينما كان يرى أن اليمين تنقصه العقيدة و الاندفاع. في نهاية عام 1935, أمام إمكانية فوز اليسار في الانتخابات, اتهم خوثي أنطونيو اليمين بالجمود و عدم القدرة على مواجهة العدو (و كان يختصره في مانويل آزانيا) بعمل عميق و قوي, و اتهم اليمين بأنه يريد الحفاظ على الوطن و يريد الحفاظ على السلطة لكنه عاجز عن فهم الفرد الذي لم يجد ما يسد به رمقه.

إسبانيا و الكاثوليكية

يقول خوثي أنطونيو: "رأيتم مرات كثيرة دعائيين لأحزاب متعددة, جميعهم أخبروكم أنهم على حق مقارنة بالآخرين, لكن لا أحد منهم يحدثكم عن تلك المُحقة فوق الجميع: إسبانيا". إسبانيا هو المفهوم الأكثر استعمالا في خطابات خوثي أنطونيو. و الجملة الأكثر تكرار في خطاباته كانت "إسبانيا, وحدة المصير الكوني". هذا المصير هو الذي سيسمح بالقضاء على صراع الطبقات و هو الذي سيُجنبُ البلاد الحركات الانفصالية للقوميات. إسبانيا لها مصير امبراطوري لتنفيذه, و هذا المصير سيُوحد كل الإسبان في إطار هذا العمل الجماعي. "لا تجدُ إسبانيا تبريرها في أن لها لغة أو لأنها صاحبة تقاليد؛ إسبانيا تجد تبريرها في سمعتها الامبراطورية لتوحيد اللغات, لتوحيد الأعراق, لتوحيد الشعوب, لتوحيد التقاليد في مصير كوني, إسبانيا أكثر من عرق, أكثر من لغة لأنها شيءٌ يُعبرُ عنه بشكل أنا راض عنه أكثر فأكثر, فهي وحدة مصير كوني." (خطاب في البرلمان, 30 نونبر 1934).

الكاثوليكية حاضرة في المبادئ الأكثر استعمالا من طرف خوثي أنطونيو: "كل بناء في إسبانيا يجب أن يحمل طابعا كاثوليكيا".

كان لخوثي أنطونيو تصور روحي للتاريخ و للإنسان داخل الفطرة الكاثوليكية المعارضة للتأويل المادي للماركسية, تصور يهدف  لصهر السلفية بالثورة. استعادة الماضي الكاثوليكي لإسبانيا في مبادئه الأساسية و مزجه بروح ثورية تنافس الاشتراكية الماركسية التي استفادت من الإحساس بالظلم المستشري بين الناس. الباحث السياسي أرنو إيماتز Arnaud Imatz يعتبره سلفيا ثوريا و بعض المفكرين الكارليين مثل فرانثيثكو إلياس دي تيخادا يدخله في خانة المفكرين السلفيين. في المقابل رفاييل كامبرا يراه مقلدا للسلف.

الاقتصاد و النقابة

كان خوثي أنطونيو معارضا للرأسمالية التي كان يراها تركيزا للثروة و وسائل الإنتاج, و لليبرالية الاقتصادية حيث كان ينتقد أدام سميث, و كان يؤمن بنظام اقتصادي شمولي ما دفعه للانخراط في القومية-النقابية لراميرو لديسما راموس. و هو نظام  أعلى من التعاونية الإيطالية تضم فيه النقابة كل أصحاب المقاولات, كل العمال, و كل وسائل الإنتاج. هدف هذه النقابة هو الوصول لعدالة اجتماعية حددها خوثي أنطونيو في "وطن, خبز و عدالة".

خوثي أنطونيو و الفاشية

بدأ خوثي أنطونيو الاهتمام بالأفكار الفاشية في بداية عام 1933. دافع عن ديكتاتورية والده و كان يعتبر أن فشلها راجع لافتقارها لقاعدة إيديولوجية. اعتقد أنه وجد في الفاشية القاعدة الإيديولوجية الني سيبني عليها نظاما شبيها بديكتاتورية والده.

في أكتوبر 1933, 10 أيام قبل تأسيس الفالانخي الإسباني رسميا في مسرح الكوميديا, سافر خوثي أنطونيو إلى إيطاليا و تحادث مع موسوليني. كانت دوافع السفر, حسب ما ذكره للصحافة الإيطالية "الحصول على معلومات عن الفاشية الإيطالية و عن إنجازات النظام"..."و الحصول على نصائح لتنظيم حركة موازية في إسبانيا". زار في إيطاليا مختلف مقرات الحزب الوطني الفاشي. لحظات قبل زيارته لموسوليني روى للصحفي الذي كان يرافقه: "أنا كالتلميذ الذي يذهب لرؤية أستاذه". كتب بعد عودته لإسبانيا: "رأيت موسوليني عن قرب ذات مساء من أكتوبر من عام 1933 في قصر البندقية في روما. سمح لي هذا اللقاء بتصور أفضل للفاشية الإيطالية أغناني عن قراءة الكثير من الكتب". أهداه موسوليني صورة شخصية له من الحجم الكبير وضعها خوثي أنطونيو في مكتبه إلى جانب صورة والده مكيل. اعتنق خوثي أنطونيو فاشية كاملة مبنية على تصور صوفي للثورة الولادة, الشعبوية و المفرطة في القومية, موجهة لبناء دولة شمولية كقاعدة و أساس لجماعة قومية منظمة و متحمسة و تراتبية و غازية. هذا هو الحد الأدنى المشترك بين كل الفاشيات, و فاشية خوثي أنطونيو قد تجاوزت هذا الحد.

في الشهور التي تلت تأسيس الفالانخي, تناسلت تصريحاته الداعمة للفاشية. في فبراير 1934, كان انخراطه في الفاشية كاملا حيث اعتبرها "نمطا جديدا لتصور كل ظواهر عصرنا و تأويلها بطابع خاص". لقد وجد خوثي أنطونيو في الفاشية المفاهيم الأكثر استعمالا في خطاباته: "الفاشية ليست مجرد حركة إيطالية, هي كلية كونية و نسق حياة. كانت إيطاليا الأولى في تطبيقها. لكن, ألا يصلُح خارج إيطاليا تصورُ الدولة كأداة في خدمة مهمة تاريخية ثابتة؟ ألا تصلُح النظرة للعمل و الرأسمال كركنين لا بد منهما للجهد القومي للإنتاج؟ ألا تصلُح الإرادة في الانضباط و السيادة؟ ألا يصلُح القضاء على صراعات حزبية لصالح إجماع وطني؟ من يستطيع قول أن هذه التطلعات لا تخدم سوى مصالح الطليان؟" جريدة ألأمة, 23 أكتوبر 1933.

كان الفالانخي قد تأسس قبل 4 أشهر حينما اندمج مع الجماعات الهجومية القومية النقابية JONS. من وجهة نظر المؤرخ بايني, بالكاد كانت النقط ال27  المكونة لبرنامج الحزب تتميز عن المبادئ الفاشية. كان خوثي أنطونيو يعتقد أن التجربة الإيطالية قابلة للتصدير إلى إسبانيا. لقد اقتبس من الفاشية أو (تصادف معها) في نظرته القومية و نظرته للعدالة الاجتماعية:

مقتطف من حوار خوثي أنطونيو مع جريدة Ahora الآن بتاريخ 16 فبراير 1934

تنتشر بكثرة القناعة بأن الفاشية لا تستطيع ضرب جذورها في إسبانيا. ماذا تملك لتعارض هذه القناعة؟
-          أرى أنها ستتجذر. لقد حققت إسبانيا إنجازات رائعة في الانضباط. ما يجري أن هذه الرغبة استولت علينا بعد قرن من التقهقر. في هذا الوقت, ربما وهنت عُرى الانضباط و النظام, لكن لا أحد يجرأ على القول بأننا لن نكون قادرين على إيجاد وسيلة لإيقاظها من جديد. الفاشية سلوك كوني للعودة نحو الذات. يقولون لنا بأننا نقلد إيطاليا. نعم, نقوم بذلك بغرض البحث عن علة وجود خاصة بنا في معالمنا الخاصة. لكن, هذا السلوك المنقول, لو أحببتم, حتى لو كان أبديا, فإنه يثمرُ أكثر النتائج أصالة. إيطاليا وجدت إيطاليا. نحن سنعود نحو ذواتنا, و سنجد إسبانيا.

-          الفاشية قومية بالأساس, على ماذا تنبني القومية التي تبحثون عنها؟
-          الوطن هو عبارة عن مهمة. لو وضعنا فكرة الوطن في بوتقة ترابية أو إثنية, سنُحسُ بأننا ضائعون في الخصوصيات أو في المناطقية العقيمة. على الوطن أن يكون مُهِمَة. لم تعد هناك قارات لغزوها, بالتأكيد, و لا وجود لوهم الفتوحات. لكن  الفكرة الديمقراطية التي تسوقها عصبة الأمم تتقادم شيئا فشيئا على الصعيد الدولي. على العالم أن يكون مرة أخرى موجها من طرف 3 أو 4 كيانات إثنية. تستطيع إسبانيا أن تكون واحدة من هؤلاء الثلاثة أو الأربعة. هي تقع في موقع جغرافي شديد الأهمية  و تملك حمولة روحية تؤهلها للتطلع لأحد مناصب القيادة تلك. و هذا ما يمكن اقتراحه. لا أن تكون دولة وسطا, لأنه إما أن تكون دولة كبرى تؤدي مهمة كونية أو أن تكون شعبا متقهقرا و بلا معنى. يجب أن تستعيد إسبانيا طموح أن تكون دولة قائدة للعالم.

-          ليس كل المواطنين قادرين على تصور المثل القومية العظمى. ماذا ستقدمه الفاشية لرجل الشعب البسيط؟
-          بالنسبة للذي لا يستوعب المثل الأعلى القومي, فهو محرك المثل الاجتماعي. من دون شك, فحوى الحركة يكمن في العدالة الاجتماعية, في رفع مستوى المعيشة. تتطلع الفاشية للعظمة القومية, لكن إحدى مراتب هذه العظمة تكمن في التحسين المادي للشعب. الشأن الاجتماعي هو تطلع مهم... لكن, الشأن القومي هو مفهوم عند الناس أكثر مما يُتوقع. كل اشتراكي إسباني يحمل داخله قوميا.
في الشهور التالية تعرض الفالانخي للانتقاد باعتباره تقليدا للفاشية: "يقولون لنا أننا مُقلدون(...) بعد كل شيء, في الفاشية, كما في كل الحركات في كل الأوقات, توجد خلف الخصوصيات المحلية, ثوابت هي تراث لكل عقل بشري, و هي نفسها في كل مكان". أمام هذه الانتقادات, ابتعد خوثي أنطونيو في العلن عن الفاشية. في دجنبر 1934, أعلن: "الفالانخي الإسباني لJONS ليس حركة فاشية, له مع الفاشية بعض المصادفات في نقاط أساسية ذات أبعاد كونية, لكنه يوما بعد يوم يتخذ ملامحا ذات طابع خاص, و هو متأكد  أنه سيجد بالتحديد عبر هذا الطريق إمكانياته الأكثر خصوبة". ابتداءا من عام 1935, لم يعد خوثي أنطونيو لربط الفالانخي بالفاشية علنا. مع ذلك, في التقرير السري الذي بعثه للحكومة الإيطالية في صيف 1935 حول الوضعية السياسية في إسبانيا, نجد: "استطاع الفالانخي الإسباني لJONS التحول للحركة الفاشية الوحيدة في إسبانيا, الأمر الذي كان صعبا, إذا أخذنا في الاعتبار الطابع الفرداني للشعب". في فبراير 1936, كانت صورة الدوتشي موسوليني التي أهداها له لا تزال في مكتبه.

في أبريل رد على الزعيم اليميني مكيل ماورا الذي اتهمه بالفاشية بهذه العبارات: "لو امتلك مكيل ماورا لطف قراءة بعض خطاباتي –من خطاب مسرح الكوميديا يوم 29 أكتوبر 1933 إلى خطاب الأحد السابق للانتخابات الأخيرة-؛ لو قرأ الأعمال المنشورة لرفاقنا في جريدة Arriba, المجهولة للأسف في غالب الأحيان, سيلاحظ أن حركتنا هي الحركة السياسية الإسبانية الوحيدة التي حرصت بكل حزم على بدأ الأمور من بداياتها. بدأنا بالتساؤل عما هي إسبانيا(...) لم يدَّعي الفالانخي الفاشية أبدا ...".

الدولية الفاشية

ربط خوثي أنطونيو علاقة وطيدة بالفاشية و بمشاريع الدولية الفاشية. في عام 1933 تم تأسيس "لجنة العمل من أجل الدولية بروما" CAUR, و هي مكاتب نظريا ذات طابع ثقافي و مفتوحة في عدة مدن من العالم و تتبع مكتبا مركزيا بروما. كان خوثي أنطونيو عضوا مؤسسا للفرع الإسباني. نظمت هذه المكاتب عدة ملتقيات, أولها كان في مونتغو Montreux في دجنبر 1934. لم يشارك في هذا المؤتمر خوثي أنطونيو, لكن ربما عوضه (و لا يوجد دليل على ذلك) أحد أوائل مفكري الفاشية الإسبان إرنستو خمنيث كاباييرو, العضو في الفالانخي آنذاك. الصحافة الإيطالية ذكرت أنه شارك بالنيابة عن خوثي أنطونيو, الأمر الذي نفاه هذا الأخير, معتبرا أن الطابع الوطني القومي للحركة التي يتزعمها تمنعه من الظهور ضمن إدارة دولية.

في شتنبر 1935, نظمت مكاتب CAUR لقاءا ثانيا شارك فيه هذه المرة خوثي أنطونيو. لم تكن الفالانخي منخرطة في الحركة و قد برر في خطاب له أسباب ذلك: "إسبانيا ليست مستعدة بعد للاتحاد, من خلال وساطتي, في حركة ذات طابع ليس فقط دولي, و إنما يتعدى القومية و كوني. و هذا راجع ليس فقط للطبع الفرداني لإسبانيا, و لكن أيضا لأن إسبانيا عانت كثيرا من الدوليات (...) لو ظهرنا أمام الرأي العام الإسباني متَحِدين مع حركة أخرى دون أن يكون ذلك مرافقا بتحضير بطيء, عميق و صعب, فإن الوعي العام الإسباني سيحتج. من الضروري إذن تحضير الأذهان لهذه المشاريع التي تتعدى القومية (...) أعدكم جميعا أني سأفعل ما بوسعي في هذا الإطار و سأوقظ وعيا قوميا". من خطاب خوثي أنطونيو في المؤتمر الثاني لCAUR ب مونتغو Montreux.

في أبريل 1935, سافر خوثي أنطونيو لإيطاليا و كمحصلة لهذه الرحلة نال دعما من الحكومة الإيطالية مقداره 50 ألف ليرة شهريا. ظل هذا الدعم سِريا حتى بين أعضاء الفالانخي, و قد تكفل خوثي أنطونيو بنفسه بتحصيل هذا المبلغ من خلال سفره كل شهرين إلى السفارة الإيطالية في باريس. في صيف 1935, و كمقابل لهذا الدعم أرسل خوثي أنطونيو تقريرا سريا عن الوضعية السياسية الإسبانية بطلب من الحكومة الإيطالية.

سافر خوثي أنطونيو أيضا في ماي 1934 لألمانيا للحصول على دعم الرايخ الثالث. في ملتمسه للسفير الألماني أبدى اهتمامه بألمانيا الجديدة و خصوصا بمنظمتي SA (كتيبة العاصفة) و SS (الوحدة الوقائية). في هذه الزيارة التقى بهتلر, إلا أن هذه الرحلة و المحادثات التي أجراها لم ترقه لأنها نُظمت من طرف عضو ثانوي في الحزب النازي. كما أنه لم يحضى بأدنى أهمية خلال مقامه في برلين و زيارة هتلر كانت مجرد إجراء بروتوكولي.

خوثي أنطونيو و العنف

تزعم خوثي أنطونيو شخصيا العديد من أعمال العنف. منظره الرصين و هيئته المؤدبة لم تمنعانه من الدخول في نوبات غضب عندما يُذكرُ والده بسوء لكن سرعان ما كان يعود لهدوئه و يعتذر. خلال فترة الدراسة انتهت الكثير من نقاشاته بالشجار. بعد ذلك, حمل هذا العنف إلى البرلمان, لمدرسة المحامين و للمقاهي. في عام 1931, تزعم حادثا خطيرا باعتدائه على الجنرال كويبو دي يانو. كان هذا الأخير لا يتردد في الانتقاص من الديكتاتور والد خوثي أنطونيو. وصل خبر أحد تعليقاته إلى علم خوثي أنطونيو فحضر رفقة أحد إخوته و أصدقائه إلى المقهى الذي كان يرتاده الجنرال كويبو دي يانو, فباغته و هو جالس بضربة أرجعته للخلف. أصيب الجنرال كويب ودي يانو بجرح في جبهته تركت أثرا بعد ذلك. كان خوثي أنطونيو آنذاك متطوعا في أحد أفرع الجيش فتم فصله منه بعد محاكمة عسكرية, بسبب اعتدائه على الجنرال. تعارك في البرلمان في مناسبتين مع نائبين. كان السبب في إحداها انتقاد أحد البرلمانيين لوالده.

لما حُكم عليه بتهمة حيازة أسلحة, في الوقت الذي كان يُقرأ فيه الحكم الذي أدانه ب 5 أشهر سجنا, دخل في نوبة غضب, فشتم و هدد القضاة و مزق قميصه و رمى بالقلنسوة أرضا. أحد الضباط الواقفين بجانب خوثي أنطونيو علق قائلا: "فظ كوالده", فكان رد خوثي أنطونيو أن لكمه فرد عليه الضابط برميه بمحبرة أصابته في جبينه. في سجن موديلو بمدريد, لمّا تم إخباره بنقله إلى لقنت كان في غرفته, فدخل في نوبة غضب إلى درجة ارتفعت فيها درجة التأهب لدى الفالانخيين المحتجزين اعتقادا منهم أن قائدهم يتعرض لمعاملة سيئة ما دفعهم للدخول في مصادمات.

قبِل خوثي أنطونيو بالعنف كأمر طبيعي في العلاقات الاجتماعية و السياسية. لقد تربى في وسط عسكري و عاش في فترة كان يشكل العنف فيها جزءا من النشاط السياسي. تأثر بعمل جورج سوريل "أفكار حول العنف" الذي كان يعتبر مرجع اليمين المتطرف الأوربي آنذاك, و كان معجبا بموسوليني و أساليبه في محاربة اليسار و الوصول للسلطة من خلال الأعمال العنيفة.

تعرض خوثي أنطونيو لعدة اعتداءات استهدفت حياته. في 10 أبريل 1934 تعرضت سيارته لإطلاق نار, و دار تبادل لإطلاق النار بين مرافقه و سائقه و المهاجمين. إضافة لمحاولات اغتيال أخرى.

تأسس الفالانخي الإسباني كحزب سياسي ذو توجه فاشي بهدف الوصول للسلطة عبر السبل العنيفة بما فيها الاغتيالات عبر المسدسات. مع ذلك, و من بين جميع زعماء الفاشية الإسبان, كان خوثي أنطونيو أقلهم تحمسا للاستعمال التلقائي للعنف و الاغتيال. بالنسبة لخوثي أنطونيو لم يكن استعمال العنف مشروعا إلا إذا كان بداعي الوصول لهدف سام. وصول الفالانخي للسلطة لفرض نظام شمولي سيضمن وحدة إسبانيا التي كان يراها مهددة, و كان هذا هو الهدف السامي الذي يبرر استعمال العنف: "كان علينا أن نبرهن على أننا لسنا جماعة من المرتزقين مهمتهم إقصاء خصومهم. تحدثت في مسرح الكوميديا عن حوار الخناجر و المسدسات دون أن أقصد الكمائن التي يموت فيها خيرة الشباب, و إنما كنت أفكر في الاستيلاء على الدولة و الدفاع عن الوطن". هذا العنف لا يتناقض مع قناعاته الدينية ف"العنف ليس ممنوعا تلقائيا. لكنه ممنوع إذا استعمل ضد العدالة. فحتى القديس توماس في حالات قصوى, قبِل بالتمرد على الطاغية"..."لما سال دم هؤلاء الشباب فهمت أنه كان من الضروري الدفاع عن أنفسنا. هواجسي الأخلاقية و الدينية تصارعت داخلي, و بعد صراع طويل, الإيمان في مَثلنا انتصر على كل وهم و على كل تأنيب داخلي".

بدا مترددا عندما انتقل الفالانخي من غزوات الشارع و الجامعة إلى استعمال العنف التلقائي لإرهاب اليسار. لكن في الأخير قبِل هذا التحول. ما من شك أن العديد من القلاقل و الاغتيالات التي قام بها الفالانخي بعد فوز الجبهة الشعبية في الانتخابات تمت بعلمه و وفق إرادته, مع ذلك, في أبريل 1936, علِم بمخطط الاعتداء على الزعيم الاشتراكي لارغو كاباييرو, فعارض ذلك و ألغاه. يمكن إذن استنتاج أنه لم يكن يوافق على العنف, لكن " إذا لم تكن هناك وسيلة أخرى إلا العنف, فماذا ينبغي العمل؟ كل نظام انغرس بالعنف, و حتى في المعسكر الليبرالي".

صلة الرحم بالأندلس

هناك تعليق واحد: