الأحد، 30 سبتمبر 2018

صحيفة إسبانية: "هكذا جرى الاسترداد المفاجئ لقرطبة من طرف فرناندو الثالث الملقب ب"القديس" . كانت ضربة قاصمة للأندلس".

صحيفة إسبانية: "هكذا جرى الاسترداد المفاجئ لقرطبة من طرف فرناندو الثالث الملقب ب"القديس" . كانت ضربة قاصمة للأندلس". 


لوحة تظهر شفاف قائد إشبيلية يسلم مفاتيح المدينة للملك فرناندو الثالث الملقب بالقديس يوم 23 نونبر 1248 بعد 10 سنوات على سقوط قرطبة.
ترجمة هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس.

ترجمة مقال: Asi fue la inesperada reconquista de Cordoba por Fernando III"El Santo" : Un golpe critico a Al Andalus". 
"هكذا جرى الاسترداد المفاجئ لقرطبة من طرف فرناندو الثالث الملقب ب"القديس" . كانت ضربة قاصمة للأندلس". مقال للصحفي سيزار سرفيرا مورينو Cesar Cervera Moreno. صحيفة ABC اليمينية الإسبانية. نُشر يوم 28 شتنبر 2018.
صاحب المقال الصحفي سيزار سيرفيرا مورينو.
عندما وقف القشتالي على بابها, كانت المدينة تحتل موقعا ثانويا في الساحة المسلمة في شبه الجزيرة. كانت المدينة مقسمة بين أنصار القشتاليين و أنصار أمراء المؤمنين (تطلق عليهم الرواية القشتالية Mirama-molines, المترجم) الذين كانوا يتنازعون على السلطة على الصعيد الوطني.



ابتداءا من النصر المسيحي في معركة العُقاب (في الرواية القشتالية Las Navas de Tolosa) عام 1212م, وجدت الممالك المسلمة نفسها في شبه الجزيرة من دون دعم من الامبراطوريات الشمال إفريقية التي كانت, دورياً, تمد إخوانها في الدين بالجنود و السلاح. لقد بلغت حرب الاستراداد Reconquista على يد القشتاليين, الليونيين, الأراغونيين و البرتغاليين, ذروتها خلال ما تبقى من القرن الثالث عشر, ما تمثل في سقوط حواضر أيقونية في الأندلس.

مع ذلك, لم تستفد الممالك المسيحية في الحين من نصرها العسكري (في معركة العقاب, المترجم), حيث منعها من ذلك حداثة سن ملكي قشتالة و أراغون, و كذلك أطماع النبلاء الذين رافقوهما. لقد انتظر المسيحيون حتى عام 1224م لينتقلوا إلى مرحلة الهجوم مستخدمين تكتيكا كان في الماضي يستخدمه عظام الزعماء المسلمين ضدهم: اغتنام المواجهات الداخلية لعرض المساعدة على أحد الأطراف مقابل دفع إتاوات و تسليم حصون منيعة. و هو عين ما سيفعله الملكان الكاثوليكيان بعد قرن (بل بعد قرنين و نصف تحديدا, المترجم) بحمايتهم لأبي عبد الله, في غرناطة, في مواجهة الامير مولاي الحسن و شقيقه ابن سعد "الزغل".

تكتيك الخنق الاقتصادي

فرناندو, الأول القشتالي منذ عام 1217م و الثالث الليوني اعتبارا من عام 1230م (بعد إلحاقه مملكة ليون بقشتالة- المترجم) استفاد أكثر من غيره من الانقسام الذي حدث بين الموحدين الإسبان (أمراء الدولة الموحدية الذين كانوا يحكمون ممالك الأندلس - المترجم) بعد وفاة أمير المؤمنين المستنصر بالله عام 1224م. هكذا توزعت ولاءات حكام بلنسية, قرطبة, غرناطة و إشبيلية بين وريثي المستنصر بالله: أبو محمد المخلوع و عبد الله العادل. لقد ظهرت تلقائيا أحزاب تناصر أحد الطرفين في جميع ممالك الطوائف, ما أدى لتعميق النزاعات الإثنية و القبلية بين مسلمي شبه الجزيرة. وسط هذا الوضع الفوضوي للمجتمع الأندلسي, وضع فرناندو الثالث الاستيلاء على جيان كهدف له و دعّمَ تقدم الفصائل الدينية في إكسترمادورا (مملكة بطليوس- المترجم).


يذكر الكاتب فيسنتي أنخيل الفارس بالنزويلا Vicente Angel Alvarez Palenzuela في كتاب "تاريخ العصر الوسيط" Historia de la edad media بأن الفصائل العسكرية شنت عام 1234م حملات استهدفت مدن مدلين Medellin, ألانخي Alange, سانتا كروث, و في العام الموالي ماكاسيلا Magacela. كان ابن هود, من مقره في مورسية,  يتزعم الساكنة الإسبانية المسلمة في مواجهة الأمراء الموحدين و كان آنذاك رجل الإسلام القوي في إسبانيا. كان معنيا بالدفاع عن أكسترمادورا (بطليوس) أمام الزحف القشتالي, و لما توالت هزائمه, طلب الهدنة من فرناندو الثالث مقابل تنازلات قاسية, من بينها تسديد 430 ألف مرابطي (عملة الأندلس آنذاك- المترجم). الملك المسيحي طلب منه أيضا أن يغض الطرف عن الهجوم القشتالي على سلسلة من الحصون المسلمة في جبال الشارات Sierra Morena.   

و كنتيجة لهذا الهجوم, استولى المسيحيون على حصن التراب Iznatoraf, سانت ستبان Santisteban و شكلانة Chiclana ما جعل قوات فرناندو الثالث على مرمى حجر من جيان. هكذا كانت خطط الملك القشتالي تمر عبر الاستيلاء على جيان أولا. كان هذا قبل أن يعلم بالاستياء الداخلي السائد في قرطبة التي كانت على أهبة الحرب أمام ضغط الضرائب التي فرضها ابن هود للحفاظ على الهدنة. إمكانية انتزاع غنيمة بحجم قرطبة غيرت خطط القشتاليين عام 1236م.

استيلاء غير منتظر.

مع الغزو المسلم عام 711م, تحولت قرطبة إلى عاصمة الخلافة الأموية في الغرب و وصلت حينها إلى ذروة درجات المجد بساكنة كانت تُعد الأرقى في العالم. خلال حكم عبد الرحمان الأول (الداخل), بدأت أشغال جامع قرطبة الأعظم (استكملت في القرن العاشر الميلادي) الذي, إلى جانب الجامعة و المكتبة العمومية , ارتقى بالمدينة إلى مركز العالم الإسلامي في الغرب. كانت القصور تنتشر في جميع ربوع الحاضرة, و من بينها مدينة الزاهرة في تخوم قرطبة, و وقد وصلت الساكنة مستوى معيشي رفيع. لكن, منذ وفاة المنصور العامري في القرن الحادي عشر ميلادي دخلت المدينة في طور بطيء من الانحدار و توالت الصراعات حول السلطة, و قد أدت أعمال النهب إلى تدهور المعالم الأموية العظيمة. 

عندما وقف فرناندو الثالث على بابها, كانت قرطبة  تحتل موقعا ثانويا في الساحة المسلمة في شبه الجزيرة. كانت المدينة مقسمة بين أنصار القشتاليين و أنصار أمراء المؤمنين (تطلق عليهم الرواية القشتالية Mirama-molines, المترجم) الذين كانوا يتنازعون على السلطة على الصعيد الوطني. في خضم هذه الخلافات, استطاعت مجموعة مشكلة من مسيحيي أندوخار Andujar و أبدة Ubeda من تحريض بعض الأطراف على فتح أبواب حي الشرقية في يناير من عام 1236م. رواية أخرى تجزم بأنه لم تكن هناك مساعدة من الداخل, و إنما بعض المسيحيين القاطنين بالمناطق الحدودية تسلقوا الأسوار بمبادرة فردية منهم. ألفارو كولودرو alvaro Colodro, جندي بسيط, كان أول من اعتلى أبراج مدينة الخلافة. كان يرتدي نفس زي سكان المدينة المستعربين, و بفضل معرفته بالعربية, استطاع تسلق أحد الأبراج مستعملا سلما و استغل ثقة الحراس به و قتلهم بشكل سري. بعد ذلك فتح الباب و دخل منه 6 من أصحابه إلى قرطبة. 

بشكل أو بآخر اتسعت رقعة القتال بين المسيحيين و المسلمين داخل المدينة جراء هذا الدخول المفاجئ, في حين اتجه ملك قشتالة إلى محاصرة قرطبة حال سماعه بما جرى. في أيام قليلة عبرَ بلدات رودريغو Rodrigo, مدلين Medellin و ضوس إيرماناس Dos Hermanas و حط معسكره في بلدة القليعة Alcolea. منَعَ الملك إدخال المؤن إلى المدينة و أجهض بالطرق الديبلوماسية كل تحرك محتمل من قوات إسلامية أخرى لإنجادها. بعد 5 أشهر من الحصار و حرب شوارع, استسلمت قرطبة و سُلِّمت سليمة و خاوية على عروشها إلى المسيحيين. و كان فرناندو قد سمح بأن يحمل السكان معهم أغراضهم المتنقلة و أبقى على الجامع الأعظم نظير تحويله إلى كاتدرائية. 

بخسارة قرطبة, تسارعت وثيرة التفكك السياسي للأراضي المسلمة. ابن هود حصل على هدنة جديدة مع القشتاليين مدتها 6 سنوات كان عليه أن يدفع خلالها لفرناندو 52 ألف مرابطي سنويا, كل ثلث منها يُدفع كل 4 أشهر. اغتياله عام 1238م كان رصاصة الرحمة لآخر محاولة من المجتمع الأندلسي لتجاوز خلافاته الإثنية و القبلية القديمة. جيان و إشبيلية سقطتا بيد المسيحيين بعد سنوات قليلة من ذلك. في ظرف قرن واحد تحولت غرناطة إلى جزيرة مسلمة مُحاطة بمحيط مسيحي. 

ترجمة صلة الرحم بالأندلس.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق