الخميس، 31 يناير 2013

عصر الولاة بالأندلس( 92هجرية -138ه)

 في 24 يوليو 2008 الساعة: 22:10 م

 عصر الولاة بالأندلس( 92هجرية -138ه)

هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس.

تنبيه: هذا المقال يتبنى رواية التاريخ الرسمي للأحداث.

يقول العالم الأمريكي الشهير جوزيف ماكيب (Joseph Macabe) المولود سنة 1867م ,في كتابه "مدنية المسلمين في إسبانيا" الذي ترجمه من الإنجليزية  العلامة تقي الدين الهلالي , واصفا تدني مستوى أوربا في فترة دخول المسلمين لإسبانيا: "و إنه لفصل من أشد فصول البشرية شقاءا و حزنا من الفصول التي استشهدت فيها الإنسانية وإنه لأفظع فصل من فصول غضب الله. حقا لقد حطم بولس من ناحية و أوكستين من ناحية أخرى مدنية الإنسان. فهل هذا هو الذي سمياه – بعيدين عن اتباع الهوى - مدنية الله…؟

لقد فازا في جميع بلاد أوربة إلا زاوية واحدة ألا وهي جزيرة إيبيريا – الإسبانية – التي نسميها اليوم إسبانيا و البرتغال. لقد أزيل الصليب من تلك الأرض في ابتداء القرن الثامن وحكمها المحمديون. أجل لقد لمعت رايات العرب المطرزة محمولة مع متن القرأن ظافرة تجتاز جبال بيونيس تتألق في شمس بروفينس – فرنسة – ووصلت إلى  ليون و قرى بركاندي و صارت الممالك النصرانية مهددة".

الفس الأمريكي جوزيف ماكيب Joseph Macabe

لقد دخل المسلمون الأندلس في رمضان سنة 92 هجرية, وكان فتحها على يد والي طنجة طارق بن زياد النفزي بأمر من موسى بن نصير والي أفريقية. و كانت أولى فتوحاته ببلاد الأندلس جبل الفتح المسمى جبل طارق. فوصل الخبرالصاعق إلى لوذريق ملك القوط بالاندلس الذي جمع جيشا عرمرما و زحف لقتال الضيوف الفاتحين فالتقى بالجيش المسلم المكون من عشرة ألاف أمازيغي و ثلاثمائة عربي فوقعت المعركة الكبرى التي استمرت ثمانية أيام انتصر فيها المسلمون نصرا مظفرا و تشتت الجيش القوطي وقُتل ملكهم لوذريق. و تٌسمى هذه المعركة بوادي لكة أو وادي برباط.

يذكر المؤرخ عبد الواحد المراكشي المتوفى سنة 647 هجرية عن جيش طارق : "فأول موضع نزله –فيما يقال منها- المدينة المعروفة بالجزيرة الخضراء اليوم, نزلها قُبيل صلاة الصبح بموضع منها و عقد الرايات لأصحابه, فبُني بعد ذلك هناك مسجد, و عرف بمسجد الرايات, وهو باق إلى وقتنا هذا, أسأل الله إبقاءه إلى أن تقوم الساعة" (المعجب في أخبار المغرب ص10).

بعد هزمه لملك إسبانيا أمعن طارق في الأندلس ففتح قرطبة و مالقة وغرناطة قاعدة البيرة و مرسية ثم طليطلة الواقعة وسط الأندلس و بها التحق به موسى بن نصير بعد أن فتح  قرمونة و إشبيلية و ماردة و لبلة. فتوغلا معا في بلاد الأندلس وفتحا سرقسطة و بلاد البشكنس حتى وصلا إلى مشارف فرنسا. و كان موسى ينوي غزو كل أوربا من الغرب حتى يصل إلى القسطنطينية التي استعصى فتحها أنذاك من الشرق. لكن الخليفة الأموي الوليد نمى إليه الخبر فأرسل عهدا إلى موسى بألا يفعل خشية على الجيش الإسلامي من تغرير قد يُهلكه. فقفل موسى عائدا إلى دمشق سنة 95ه و قد استعمل على الأندلس ابنه عبد العزيز بن موسى.

لكن ما لبث أن قُتل عبد العزيز بن موسى سنة 97ه و مكث أهل الأندلس شهورا لا يجمعهم وال.

و قدم أهل الأندلس على أنفسهم أيوب بن حبيب اللخمي و كان رجلا صالحا, وهو ابن أخت موسى بن نصير, فوليها أيوب ستة أشهر و رغم قصر المدة فقد كان مسؤولا فيها على قرار واحد لكن ذو رمزية: لقد أمر بتحويل العاصمة التي اتخذها موسى بن نصير من إشبيلية إلى قرطبة.

ثم خلفه الحر بن عبد الرحمان الثقفي الذي وصل إلى الأندلس سنة 99ه من قبَل الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك, فملكها سنة و سبعة أشهر.

 ثم وليها السمح بن مالك الخولاني من قبل أمير المومنين عمر بن عبد العزيزالذي أوصاه خيرا بأهل الأندلس. و السمح هو من أعاد إقامة قنطرة قرطبة التي لازالت على أحسن حال إلى يومنا هذا. فملكها سنتين و سبعة أشهر و قيل ثلاث سنين.
المؤرخ الفرنسي أندري كلو André Clot

يقول المؤرخ الفرنسي أندري كلو في كتابه "إسبانيا المسلمة" عن السمح : "لقد ترك السمح اسمه في التاريخ. إنه أول مسلم من إسبانيا يقوم بحملة جادة إلى ما وراء البرانس. ففي عهد طارق بن زياد, كانت بعض الوحدات العربية قد وصلت إلى الرون, أفينيون و ليون ثم انسحبت. سنة 720م تجاوز السمح جبال البرانس في اتجاه ناربون و معه جيش عظيم و آليات مهمة (وهو شيء مبالغ فيه). قام بالهجوم على المدينة التي استولى عليها دون عناء كبير, ثم اتجه نحو  تولوز التي حاصرها لمدة طويلة. مما أعطى الوقت لأوديس دوق أكيطانيا بالوصول إلى المدينة و فك الحصار عنها. العديد من المسلمين قتلوا بينهم السمح نفسه". 

وكان مقتله سنة 102ه و ذلك يوم عرفة.

ثم ولي أمر الأندلس و لفترة قصيرة جدا عبد الرحمان بن عبد الله الغافقي في ذي الحجة102هجرية . وكانت هذه هي الولاية الأولى له.

ثم وليها عنبسة بن سحيم الكلبي من قبل يزيد بن عبد الملك في شهر صفر 102ه, فملكها أربعة أعوام و خمسة أشهر. و قد كانت له ملاحم في بلاد فرنسا عندما خرج غازيا سنة 105هجرية.

يقول أندري كلو عن فترة ولاية عنبسة: "هذه المرة تم تجاوز البرانس بجيش عرمرم و منظم, فاحتل عنبسة ناربون ثم كركسون و نيم التي استسلمت دون مقاومة. قام عنبسة بترك حامية بهذه المدينة و اتجه نحو الرون و سيون فالألب و بوركون. فسقطت شالونة و ماكون. و اتجهت وحدات لاجتياح ديجون و لونجر. الأسياد المحليون أعلنوا خضوعهم, فقام عنبسة بتأسيس رباطات و خاصة بمنطقة أفينيون. و سنة 725م سقطت أوطون …. ثم أخيرا تبعتها سانس و ليكسوي. و عاد بعدها العرب إلى إسبانيا".

ثم ولي الاندلس في أواخر سنة 107هجرية  يحي بن سلامة الكلبي من قبل هشام بن عبد الملك, فملكها سنة و نصف.

ثم وليها سنة 110ه حذيفة بن الأحوص العبسي ستة أشهر.

ثم وليها عثمان بن أبي شعبة الخثعمي سنة ونصفا.

ثم خلفه الهيثم بن عبيد الكناني سنة 111هجرية و كانت مدة ولايته أربعة أشهر.

و بعده تقلد الأمر سنة 112ه التابعي عبد الرحمان بن عبد الله الغافقي و كانت مدة ولايته سنتين و تسعة أشهر. فمن منا لا يعرف الغافقي؟

يقول المؤرخ الفرنسي أندري كلو عنه : "القائد الغافقي , الذي عوّض عنبسة سنة 730م, لم يشاطر نفس السياسة السلمية و المغامرة. فبعد استعدادات طويلة, ركّز قواته ببمبلونة (بشمال إسبانيا)سنة 732م و تجاوز البرانس إلى روسنفو و اتجه نحو أرلس ثم بوردو التي سقطت دون مقاومة … أودس (دوق أكيطانيا الفرنسي) حاول إيقافه على مشارف دوردوني لكنه هُزم و فرّ هو وجيشه طالبا من شارل مارتل, ملك الفرنك,  أن يهب للنجدة. فهبّ شارل بسرعة نحو المسلمين المتجهين إلى تور التي تأوي كنوز عظيمة في كاتدرائيتها. الجيشان اصطدما ما بين 25 و 31 أكتوبر 732م, في موقعة مريعة بمنطقة بواتييه و بالتحديد بمكان يسمى موسي لا باتايMoussais-la-bataille و هي تبعد عن بواتييه Poitiersبحوالي 20 كلم. و سبقت المعركة مناوشات دامت أسبوعا. لقد خسر المسلمون المعركة, وقتل الغافقي. أما الناجون فقد فروا إلى إسبانيا."

و قتل الغافقي بفرنسا في رمضان من سنة 114هجرية في معركة بلاط الشهداء.

بعد هذه الموقعة التي هُزم فيها المسلمون , أصبح شارل مارتل شخصية أسطورية ليس في فرنسا وحسب بل في جميع أوربا. ولا تجد كتابا تاريخيا في أوربا لا يُمجّد مارتل باعتباره منقذا لأوربا من زحف الإسلام. و أترك القارئ الكريم مع ما رد به العالم الأمريكي جوزيف ماكيب في كتابه السالف الذكر على تمجيد الأوربيين لشارل مارتل :

"و المدرسون الأغمار في مدارسنا العالية لا يزالون يقولون للأطفال  الأغرار –ناقلين- من مختصرات كتيبات التاريخ غير النزيهة و يطنبون في مدح (شارل مارتل) الظافر قدس سره العزيز حين لقي العرب في سهول فرنسة و صدهم عنها و حفظ العالم من المدنية."

"إذ لا يوجد في الدنيا مدرس في جامعة أو مدرسة يتجرأ أن يقول لتلامذته ما يعرفه كل مؤرخ أن العرب أقاموا مدنية من أعظم مدنيات العالم و أن شارل مارتل وجنده كانوا لصوصا خرابا متوحشين بارباريين و أن عرب إسبانية لو تجمعوا في فتح أوربا و بقوا فيها قرنين و أقاموا فيها مدنيتهم كما فعلوا في إسبانيا لكُنّا الأن متقدمين خمسة قرون أكثر مما نحن عليه اليوم و لا يستطيع عاد أن يعد مقدار الدماء و الدموع و الفاقة و العدوان التي سببها ذلك الظفر المبين الذي ناله شارل مارتل في السهول التي بين تور و بواتيي."


ثم ولي الأندلس بعد الغافقي عبد الملك بن قطن الفهري لمدة ثلاث سنين و شهرين.

ثم خلفه عقبة بن الحجاج السلولي و استمرت ولايته خمس سنين و شهرين. و قد أعاد هذا الوالي  الكرة على بلاد الفرنك.

يقول أندري كلو عن غزوات عقبة بفرنسا:" 3 سنوات  فيما بعد, إرسالية عسكرية جديدة غادرت سرقسطة بقيادة عقبة , الحاكم الذي وصفه المؤرخون العرب و المسيحيون بصفات عسكرية محترمة. قام عقبة بتأسيس رباطات ب لانكدوك و روون, ثم دخل إلى أرلس ثم أفينيون. الجزء الأكبر سقط في يد المسلمين. نذكر من بين المناطق التي سقطت : سان بول تروا شاتو , دونزير و ديرونس. و احتلت ليون و بوركون. لقد وصل الجيش المسلم حتى ألبس دو دوفيني و بييمون.

"رد فعل شارل مارتل لم يتأخر. فرفقة أخيه شيلدبروند استرجع عدة مواقع مهمة مثل أفينيون ثم زحف نحو ناربون, المدينة المهمة جدا بالجنوب الفرنسي. وهي مفصولة عن إسبانيا بسبب مقاومة مسيحيي البرانس."

"عقبة الذي عاد إلى قرطبة, أرسل سنة 737م قوات طوارئ مهمة لنجدة الحامية العربية المحاصرة بالمدينة. رغم الهزيمة التي ألحقها شارل مارتل بهذه القوات حتى قبل وصولها إلى ناربون, فقد بقيت هذه المدينة بيد المسلمين حتى عهد الأمويين بإسبانيا (أي بعد 15 عاما)."

و قد رحب سكان جنوب فرنسا بالمسلمين وهذا ما يؤكده جوزيف ماكيب :
"وصعد العرب جبال برينيه و بنوا عليها سلسلة من القلاع ليحصنوا أنفسهم من سكان غاليا – الأن فرنسا- الذين كانوا في نظرهم غريبي الأطوار متوحشين. و بمرور الزمن كما ذكرت سابقا فتحوا غاليا – فرنسة- ….و في وقت من الأوقات كان في بلاد فرنسة مائة ألف جندي من المور(المغاربة) يجوسون خلال ديارها و يدوخون أهلها. و في ذلك الوقت كانوا قد بلغوا درجة عالية في التمدن و الرقي. وقد رحب أهل جنوب فرنسة بهؤلاء الفاتحين و رأوا فيهم روما جددا بالنسبة إلى الفرنج و الجرمانيين الشماليين المتوحشين و لاحاجة إلى الإطناب في فشل المغربيين و عدم تقدمهم في أوربة (الذي يسمى في أكثر المدارس انتصارا للتمدن و النصرانية) و بأي شيئ عاد على أوربة. بل الأجدر بنا أن ننظر في الخطة التي ساروا عليها في إسبانيا نفسها حتى أوصلوها من الرقي إلى درجة جعلت بقية أوربة بالنسبة إليها همجية متوحشة.

ثم ولي الأندلس عبد الملك بن قطن الفهري للمرة الثانية سنة 123ه  و استمر في الولاية لمدة سنة و شهرا. وقد كان أحد المشاركين في الفتنة التي حدثت ببلاد الأندلس و قُتل خلالها.

ثم وليها بلج بن بشر القشيري بعد أن حارب ابن قطن و قتله و صلبه, فوليها ستة أشهر ثم قُتل.

فوليها  بعده, سنة 124ه  ,  ثعلبة بن سلامة خمسة أشهر ثم قُتل.

فتقلد الولاية على الأندلس سنة 125ه  أبو الخطار ابن ضرار الكلبي لمدة سنتين و شهرين.

ثم تولى أمرها ثوابة بن سلامة الجذامي سنة  128ه  و حكمها لمدة سنتين. فتبعه عبد الرحمان بن كثير اللخمي لكنه لم يطل في ولايته حيث اتفق أهل الأندلس على تولية يوسف بن عبد الرحمان الفهري الذي استمر واليا حتى سنة 138هجرية و هي السنة التي تغلب فيها عبد الرحمان بن معاوية المعروف بالداخل على الأندلس.

و يصف المؤرخون عصر الولاة كفترة اضطراب في الأندلس رغم ما تخلله من غزوات لبلاد فرنسا حيث حدثت فتن عديدة بين الأمازيغ و العرب و بين العرب أنفسهم. وكانت البلاد في حاجة إلى رجل قوي يجمع أهلها على كلمة واحدة و ينبذ الخلافات التي تفرقهم. 

في هذه الفترة الحرجة من تاريخ الأندلس  سقطت دولة بني أمية بالمشرق و قامت على  أنقاضها الدولة العباسية التي طاردت الذرية الأموية محاولة اجثتاتها فلم ينجوا من البطش العباسي إلا بضعة أمراء أموييين على رأسهم عبد الرحمان بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الذي فر إلى المغرب و منه إلى الأندلس حيث كان على موعد مع تشييد أعظم حضارة في أوربا خلال ذلك العصر و لطيلة قرون بعد ذلك.


و نختم بكلام رائع للعالم الأمريكي جوزيف ماكيب :

"ربما تتعجب إذا قيل لك إنه يجب أن يضم درس مدنية العرب في إسبانية إلى دروس الدين ونشوء الإنسان و ارتقائه. و سينقضي سريعا جدا متى علمت أنه يثمر لنا درسين حيويين مهمين. الأول أنه من أبطل الباطل أن يقال في أي بقعة من بقاع أوربة أنها لم تقدر أن تعود إلى المدنية بسرعة لأن الدولة الرومية قد سحقها الغزاة البارباريون من أهل الشمال تحت أقدامهم. الثاني أن البعث الحقيقي للتمدن في أوربة لا علاقة له بدين النصرانية بل هو عدوها المبين…".


هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق