الخميس، 31 يناير 2013

قبيلة جزولة الأمازيغية بالأندلس


في 8 يناير 2009 الساعة: 22:07 م 


قبيلة جزولة الأمازيغية بالأندلس

هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس..

قلعة الجزوليين






















عنوان البحث:

LA TRIBU BERÉBER DE LOS GAZULES EN LA TOPONIMIA HISPANICA
" قبيلة جزولة الأمازيغية في أسماء الأماكن الإسبانية"

صاحبة البحث:   مارية خيثوث روبييرا ماتا. جامعة ألقنت (أليكانتي) الإسبانية

مصدر البحث: http://www.alyamiah.com/cema/modules…rticle&sid=268

تعريب البحث:


لا تقتصر Alcalà De Los Gazules (قلعة الجزوليين) على كونها بلدة جميلة تابعة لقادش, فهي تحمل اسما رنانا يبدو مثيرا للأبيات الرومانسية. رغم ذلك لم يتمّ لحد الآن تحديد اسمها العربي –من دون شك qalà تعني قلعة Castillo- من بين الحصون الموجودة بمنطقة شذونة  أو الجزيرة الخضراء (1). للأسف, فالتعريف الوحيد ل"قلعة" كالتي تحمل اسم "الجزوليين" , و الذي قام به هويسي ميراندا  في "روض القرطاس" (2), كان خاطئا كما بيّن ذلك الدون إلياس تريس جليّا ؛ فالتعريف كان يقصد "قلعة غواديرا" (3)Alcala de Guadaira. لكن , عندما تظهر في النصوص العربية "قلاع" قد تكون للجزوليين, فإنها لا تظهر أبدا مقترنة بهؤلاء الأمازيغ. علينا تحديد أننا نعتقد أن الجزوليين الذين سمّي بهم هذا المكان في قادش, هم أفراد من قبيلة أمازيغية تدعى جزولة أو كزولة (4), ممّا يدعم بقوة أصل اسم هذا المكان. 

إن استعمال اسم المكان كمصدر لدراسة أماكن استقرار الأمازيغ بالأندلس هو اكتشاف منهجي عظيم لبيير كيشارد  (5), و ذلك رغم  طرحه لمشكل مهم : فاسم المكان في النصوص الإسبانية الغير مسلمة يبرز لنا ظاهرة التاريخ البديل (أوكرونيا) فيما يخص الفترة الإسلامية, حيث يمكنها أن تٌضاف في أي وقت من تاريخ الأندلس. إن غياب الاسم من المصادر العربية يمكن أن يكون مؤشرا على استقرار متأخر يعود للفترة المرابطية و الموحدية, و التي لعب فيها الأمازيغ دورا مهما جدا, كون المملكتان كانتا من إثنية أمازيغية.

في هذه السطور, ستساعدنا حولية أدبية عربية على إعطاء تفسير مقبول لوجود الجزوليين بالقلعة و بمناطق أخرى من الأندلس.

قام محمد بن شريفة, سنة 1994, بنشر كتاب غاية في الأهمية حول حياة و آثار كاتب أندلسي, كان مغمورا حتى هذه الفترة, هو ابن مغاور الشاطبي (6), كما قام بطبع أعماله التي لازالت غير شائعة اليوم. و مما لا شك فيه, أن عمل ابن مغاور (502-ه587)(1108-1191م) يطرح عدة نقاط مهمة, فالكاتب (ابن مغاور) عاش في شرق الأندلس, في فترة ابن مردنيش و إعادة التنظيم السياسي و الإداري الموحدي.

كان ابن مغاور سنة 570 ه(1174-1175م)  في خدمة الحاكم الموحدي لبلنسية, السيد أبو الربيع ابن عبد الله ابن عبد المؤمن, و انتقل رفقته إلى أشبيلية, حيث التقى بالخليفة يوسف ابن عبد المؤمن. لكن البروتوكولات الرسمية دامت لفترة طويلة أحس خلالها ابن مغاور بالحنين لأرضه شاطبة و لأهله, فطلب من أبي الربيع الإذن بالعودة فأذِن له, فغادر أشبيلية يوم الاثنين 12 ربيع الآخر 571 هجرية (الخميس 30 أكتوبر 1175م) (7). بعد فترة كتب رسالة يروي فيها تفاصيل كل مرحلة من رحلته (8). يعتبر هذا النص مهما للغاية ويستحق, بكل تأكيد, ترجمته للإسبانية؛ لكن سنقتصر في هذه الصفحات على ما يخص موضوع الجزوليين.

 كانت ميرانة Mayrâna أول محطة في رحلة ابن مغاور من أشبيلية , و قد عرّفها ابن شريفة على أنها اليوم هي Mairena Del Alcor. منها توجّه إلى أشونة Osuna. أما المحطة التالية فكانت الأصعب من ناحية تعريف اسمها: "واد الطين" Guadatin و هي غير موثّقة بهذه المنطقة (9). و لعلّها هي التي تُعرف اليوم ب "Arroyo Blanco". و أكثر من هذا غموضا, المكان المُسمّى ب"فج المصالب". كما مر على "صخرة العشاق", و هو المضيق الجبلي الذي شهد سنة 1424م هزيمة غرناطيي أرشذونة على يد حاكم أنتكيرة رودريغو نارفييز, قبل أن ينهزم هذه المرة سوتومايور و جيشه على يد الغرناطيين سنة 1435م (10). و انتهت المرحلة بلوشة Loja , حيث أصبح الطريق المتّبع معلوما. فكانت غرناطة هي المرحلة التالية  و منها إلى "وَد" التي تدعى اليوم ويتور سنتيان Huitor-Santillan.

 ثم سلك كاتبنا طريق Via Augusta القديمة الرابطة بين قادش و روما, و التي كانت كثيرة الاستعمال في الفترة العربية و صلة الوصل بين أندلوسيا و ليفانتي (11).  وصل إلى قادش و منها اتجه إلى بياسة Baza. و وصل عَبر بسطة القديمة  إلى القليعة (Cùlar Baza) متّبعا الطريق الذي ذكره الإدريسي بين غرناطة و مرسية (12): بلش (البيضاء أو الشقراء), لورقة, الحامة, ليبرالة (Librilla), قنطرة إشقاب ثم مرسية. لمّا اقترب ابن مغاور من ليفانتي Levante بدأ يشتكي من المطر و الوحل مما يوحي بأن شتاء 1175م كان ممطرا بشكل استثنائي. كان التوقّف التالي بأوريويلا Orihuela, و بعدها مباشرة وصل للنقطة التي تهمنا بشكل خاص.

توجّه من أوريولا نحو إلش Elche, حيث واجههم مستنقع وحلي رهيب صعب على ابن مغاور و رفاقه عبوره–من المحتمل أن واد بينالوبي Vinalope قد فاض فأوقع هذه الكارثة المعتادة خلال قرون إلى تمّ تهيئته بالقنوات قبل وقت قريب – و بدلا من أن يصلوا إلى إلش, و تجنبا لفخ المستنقع, غيّروا الوجهة نحو قَربَليان Crevilllente أين وجدوا الطريق المبلّط أو المعبّد. لكن خوف ابن مغاور لم يتلاشى بالكلية حيث وجدوا أنفسهم أمام قباب منصوبة للجزوليين:

(فتخلصنا و لم نكد, فاستقبلنا من جهات جزولة قبابا مضروبة, بل فخاخا منصوبة, بعد مواطن رحلوا عنها فحكت لنا آثارهم(…)) ص180(13). و لم يحسوا بالأمان حتى توسطوا جفن قربليان. لقد استمرّ الخوف من الجزوليين في المحطّة التالية من الرحلة, و التي انتهت في بطرير Petrer, حيث خُصّص استقبال سيء لقافلة ابن مغاور الصغيرة لأن سكان بطرير : (… قد نُذِروا بجزولة, فظنونا رائدهم, و عاينوا مركبي و شارته فتوهموني قائدهم, فهرّت لنا كلابهم, و سدت دوننا أبوابهم, فما يكلّمنا أحدهم إلا من خلل باب, أو من وراء حجاب, يخوفوننا بعقاب سيدنا و مولانا أمير المؤمنين…) ص 181(14), في النهاية, جاء رجل من أقصى البلدة, كان مرافقا سابقا لقائد يُدعى ابن دحنون و كان في خدمة ابن مردنيش ثم الموحدين, و تكلّم مع ابن مغاور و استعلم عن هوية المسافرين, فقام بطمأنة جيرانه و قاموا بإكرامهم. بعد بطرير, اتّبع ابن مغاور الطريق في اتجاهOnteniente  أونتنيان , ليصل أخيرا إلى موطنه شاطبة.

نريد من خلال هذا النص المهم تسليط الضوء على وضعية الجزوليين المستقرين بقباب في منتصف وادي بنالوبي؛ هذا الوادي الذي شكل منذ العصر الترياسي مسلكا طبيعيا عميقا بين قمم لامانشا و سواحل البحر المتوسط, و عبره صمم الرومان ممر Via Augusta الذي اضطر لمغادر الخط الساحلي عند مصب واد خوكار Jucar نظرا لصعوبة المرتفعات الجبلية التي تسود في الإقليم المسمى اليوم ألقنت . يعود هذا المسلك, الروماني ثم العربي, إلى البحر المتوسط عبر الوادي الذي سادته القلاع خلال العصر العربي, كقلاع : Villena, Sax, Petrer, Elda, La Mola de Novelda, Aspe و Crevillente وصولا إلى Elche. كان الخوف من وجود المجموعة  الأمازيغية يسكن قاطني هذه القلاع , حيث كانوا, في حالة بطرير, يتوجسون أن يكون الجزوليون مرسلين من طرف الموحدين لعقابهم بسبب علاقتهم مع ابن مردنيش, علما أن ثلاث سنوات قبل ذلك (أي في سنة 1172م) استحوذ الخليفة أبو يعقوب على وادي يينالوبي.(15)

لكن الأمر لم يكن كذلك, فالموظف الموحدي ابن مغاور أحس بنفس الرهبة أمام القباب الجزولية المنصوبة قرب قربليانCrevillente . و من الملح تَذَكُّر أن الجزوليين تعرّضوا لمذبحة على يد الموحدين بسوس (جنوب المغرب) سنة 1138م لمّا ثاروا عليهم(16). و من المحتمل أن بعض الجماعات من قبيلة جزولة كانت قد وصلت إلى الأندلس مع حلفائها المرابطين, لكن المذبحة المغربية و انتصار الموحدين بالجزيرة الإيبرية أرداهم إلى الحالة المزرية التي وصفها ابن مغاور: يخشاهم الجميع و ناصبين خيمهم بعيدا عن السكان.

لا نتوفر حتى الآن في الحوليات الأدبية على أخبار أكثر عن مصيرهم , لكن اسم المكان قد يقترح علينا مسلكا ما. فداخل حدود بطرير, ليس في وادي بينالوبي و لكن في جبال Sierra del Caballo على ارتفاع 800 متر, توجد منطقة تسمى Cachuli (17) التي قد ترتبط بالجزوليين الذين انتهى بهم المطاف لاجئين بأعالي الجبال, باعتبار وجودهم في الوادي يجعلهم في مواجهة عدد كبير من الأعداء. إذا صح هذا الافتراض سنجد أنفسنا أمام أثر آخر لهذه القبيلة البدوية في أندلس القرن 12 ميلادي: بلدة Catxola بنواحي Finestrat  في المنطقة الجبلية Marina Baixa بأليكانتي. و هناك أيضا بلدة Cazulas بغرناطة قرب الوادي الأخضرRio Verdeو تقع أيضا في أعالي الجبال. لقد لجأ الجزوليون, العدائيون و المضطَهَدون, إلى المرتفعات الصخرية لعلهم يستطيعون العيش كرعاة للماشية.

تسمح لنا هذه الفرضية بملأ فراغ في تاريخ Alcalà De Los Gazules (قلعة الجزوليين). فعلى غرار شرق الأندلس و غرناطة, وُجدت جماعات متفرقة من الجزوليين بحثت عن أعالي الجبال من أجل العيش تحت حكم الموحدين, فوجدوا ضالتهم في منطقة Alcalà De Los Gazules الحالية, حيث بالرغم من طردهم المحتمل من حصنها, كما حدث لهم في بطرر, استقروا في ضواحيها المقفرة.

بالقرب من "قلعة الجزوليين" يوجد مكان يسمى حاليا Las Cobatillas, و اسم هذا المكان قد يكون مشتقا من "قبة". و لنا أن نتساءل: هل لا علاقة لهذه "القبة"  بمعلمة ذات قبة أم بخزان ماء…إلخ, كما بالنسبة لاسم المكان Sierra de la Alcoba أم  له ارتباط بقبة هؤلاء الأمازيغ الجزوليين. إن مراجعة أسماء الأماكن الإسبانية التي تحوي كلمة Cobatilla تبيّن لنا أنها تقع في السلاسل الجبلية و التلية المنخفضة و الشديدة الارتفاع , و تقع كلها بمناطق كانت تابعة للموحدين, بمعنى آخر, لم نجد اسم المكان هذا في المناطق التي احتلها النصارى قبل القرن الثالث عشر:   Las Cobatillas de Alcal de los Gazules

Las Cobatillas de la Sierra de la Zarza الواقعة بين مرسية, غرناطة و ألمرية
ثم Cobatillas الواقعة ب Sierra de Algaydon بمرسية. قد يكون العلو منخفضا لكن لا توجد أبدا في السهول ك: Cobatillas قرب Santomera بمرسية, و أخرى بنفس الاسم قرب Guadiato بقرطبة.
نستطيع من خلال هذه  المعطيات تخيل معالم تاريخ هذه القبيلة الأمازيغية بالأندلس: فقد وصلوا رفقة المرابطين و استمروا في حياتهم البدوية, ثم اعتمدوا على السلب و النهب منذ الوقت الذي اضطٌهِدوا فيه و شٌردوا إلى أعالي الجبال حيث عاشوا حتى قدوم الاحتلال المسيحي. لم يبق من وجودهم سوى ذكرى اسمهم و, ربّما, طريقة عيشهم بالقباب.

الهوامش:

1
)كتاب خوان أبيلان بيريز JUAN ABELLءN PةREZ "قادش الإسلامية من خلال نصوصها" . جامعة قادش 1996. و فيه كل النصوص التي تخص إقليم قادش خلال الفترة العربية.
2)نفس المصدر ص 147.

3(3) ELيAS TERةS. Materiales para el estudio de la toponimia hispanoلrabe: nَmina fluvial. Madrid, 1986, pلgs. 354-355.

(4) G.S. COLIN. El x, II, 539-540, s. v. Djazûla (4)
(5) PIERRE GUICHARD. Al-Andalus. Estructura antropolَgica de una sociedad islلmica en Occidente. Barcelona, 1976.
(6) MUHAMMAD IBN SARIFA. Ibn Mugâiwيr al- Šâtibi, hayâtu-hu wa-âtaru-hu. Casablanca,
IBN SARحFA, pلgs. 62-63(7)
(8), Texto editado por Ibn tarifa, pلgs. 169-183. (9) ELحAS TERةS. Op. Cit.

(10) LUIS SECO DE LUCENA. Muhammad IX, sultلn de Granada. Granada, 1978, pلgs. 32 y 163.


(11) M. a JESUS RUBIERA MATA. Villena en la calzada romana y لrabe. Alicante, 1985.

12) Los caminos de al Andalus en el siglo Xlll. Estudio, ediciَn, traducciَn y anotaciones por Jassim Abid Mizal. Madrid: CSIC, 1989, pلgs. 87-88, 151 texto لrabe.
(13) Ibn Mugâwir, pلg. 180.
(14) Ibn Mugâwir, pلg. 181.
(15) RUBIERA. Villena, pلg. 56.
(16) G.S. COLIN. Op. Cit.

(17) معلومة زوّدني بها زميلي و صديقي Luis F. Bemabé.

19) معلومة زوّدني بها صديقي و زميلي. Fernando Velلzquez.


هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق