الخميس، 31 يناير 2013

المستعرب الإسباني الأموي خليل ابن أمية Rodolfo Gil Benumeya

كتبهاهشام ز. ، في 20 مايو 2009 الساعة: 07:12 ص

المستعرب الإسباني الأموي خليل ابن أمية Rodolfo Gil Benumeya
 
بقلم هشام ز.
صلة الرحم بالأندلس




















رودلفو خيل ابن أمية Rodolfo Gil Benumeya صحفي, كاتب و مؤرخ أندلسي وٌلد بأندوخار Andujar (بمحافظة جيان) في الخامس من يونيو  من عام 1901 و توفي بمدريد سنة 1975م. والده هو الكاتب رودلفو خيل فرنانديث و أمه تنتمي لأسرة غرناطية أصولها مورسكية مسلمة تنحدر من عبد الله شقيق قائد ثورة البشرات الغرناطية (ما بين 1568-1570) محمد بن أمية  (و اسمه المسيحي فرناندو دي بالور).



درس رودلفو بمدرسة ألفونسو الثاني عشر بمدريد, و تخرّج بدبلوم في الفلسفة و الآداب من جامعة العاصمة (تسمى حاليا جامعة كومبلوتنسي Complutense) حيث تتلمذ على يد المستعربين الشهيرين خوليان ربيرا Julian Ribera و مكيل أسين بلاثيوثMiguel asin Palacios , ثم تابع دراسته بالجزائر, باريس و تونس مخصصا معظم وقته للبحث في التاريخ الإسباني العربي.

سنة 1925 بعثه حاكم إسبانيا مكيل بريمو دي ربيرا Miguel primo de Ribera إلى المغرب لإدارة جهاز صحفي إسباني؛ هكذا انخرط ردولفو في مؤسسات الاستعمار الإسباني بالمغرب. كان مدرسا للفن الإسباني-الإسلامي و تاريخ المغرب بمركز الدراسات المغربية بتطوان, ثم بالمؤسسة الحرة لتطوان التي كان يديرها الزعيم الوطني المغربي عبد الخالق الطريس. شغل أيضا منصب نائب السكرتير العام لمؤسسة تهتم باليهود ذوي الأصول الإسبانية (اليهود السفاريد) Casa Universal de los Sefaridies التي كان يرأسها أنخيل بليدو Angel Pulido, ثم عضوا بهيئة التحرير لمنشورات "مجلة الجحافل الاستعمارية" "Revista de tropas Coloniales" ثم لمجلة "La Raza". سنة 1930, تزوّج من إيمليا كريمو Emilia Grimau شقيقة الزعيم الشيوعي خوليان كريمو Julian Grimau و أنجب منها طفلا.

ما بين 1930 و 1934 انضمّ لهيئة التحرير لمجلة "المغرب" الصادرة بباريس من طرف شباب مثقفين من تونس, الجزائر و المغرب؛ و شغل في نفس الفترة منصب نائب سكرتير المؤسسة الرسمية "Hogar Arabe" و نفس المنصب بالجمعية الإسلامية الإسبانية. سنة 1936 بُعث في مهمة ثقافية إلى مصر, و ما بين 1938 و 1940 عمل مدرسا للدراسات الإسبانية بمقر إقامة الطلاب المغاربة بالعاصمة المصرية, و أستاذا معاونا بجامعة الأزهر. كانت القاهرة في هذه الفترة مٌلتقى المٌغرّبين من عدة دول إسلامية, حيث أتيح لرودلفو خيل التعرف عن قرب على عدة شخصيات كأمير البيان شكيب ارسلان و المقاوم المغربي عبد الكريم الخطابي قائد الحرب الريفية في عشرينيات القرن الماضي. سنة 1940 عٌيّن محاضرا باللغتين العربية و الإسبانية بالجزائر, و سنة 1942 استقرّ نهائيا بمدريد حيث انشغل بأنشطة سياسية و صحفية, لكنه بقي على علاقة بالمغرب و مصر التي أدى فيها مهمات مرات عديدة, و سنة 1962 عمل بالبعثة الصحفية بالسفارة المصرية بمدريد (كانت مصر تسمى آنذاك الجمهورية العربية المتحدة) بعدها حصل على عدة أوسمة من طرف إسبانيا و مصر جزاءا لما قدمه من خدمات لهما.
















جذور خيل بن أمية الإسلامية أثرت على فكره و دفعته إلى مصاف القوميين  الأندلسيين. لقد شغلت هموم الوطن الأندلسي حيزا كبيرا من تفكيره و كتاباته رغم الهامش الضيق من الحريات المسموح بها في عهد الجنرال فرانكو؛ لقد طالب بالحق الأندلسي و استعادة المورسكيين لحقوقهم التي أجبروا على تركها في إسبانيا بعد طردهم في القرن 17. عند اندلاع الحرب الأهلية بإسبانيا سنة 1936م, كان خيل بمصر الشيء الذي أعفاه من التعرض للاضطهاد و القمع الذي كان ضحيته القوميون الأندلسيون, و على رأسهم رفيقه بلاس انفانتي Blas Infante "أب القومية الأندلسية المعاصرة", هذا الأخير تأثر بخيل في القضايا المتعلقة بالتاريخ الإسلامي للأندلس و الشتات المورسكي.

كان خيل عارفا متمكنا من اللغة العربية, و دافع عن الاستعمار الإسباني لشمال المغرب معتبرا إياه وسيلة لتوحيد ضفتي مضيق جبل طارق, اللتان ليستا سوى كتلة جغرافية و ثقافية واحدة تصدّعت ثم انقسمت بعد زوال الأندلس. و تنبني نظريته هذه, حسب قوله,  على الأساس التالي: "في فترة الانحدار التي عاشتها شبه الجزيرة الأيبيرية, قام سكان العدوة المغربية بالعبور لإسبانيا و ساعدوا أهلها على خلق (و ليس استيراد) ثقافة عظيمة؛ و الآن يحدث العكس, حيث يوجد سكان شمال إفريقيا في مأزق و على أبناء عمومتهم بشبه الجزيرة أن يساعدوهم على استرجاع (و ليس استيراد) عظمتهم الثقافية الماضية". انتهى كلام خيل بن أمية. و طبعا لم تكن هذه النظرية العاطفية هي المحرّك لمدبري احتلال المغرب.
 
يقول خيل ابن أمية:" من المستحيل قطعا خلق فارق مطلق بين الكلمتين: إسبانيا و المغرب, فوضع خط للفصل يؤدي لتجاهل كل الملامح المشتركة", ثم عدّ تلك الملامح:"أسبان من أصول مغربية و مغاربة من أصول إسبانية؛ مغاربة ذوي جنسية أو حماية إسبانية؛ من يسمون بالأسبان المرتدين الذين ذابوا في النسيج المغربي عبر ارتداد عرقي(Atavismo racial)؛ مغاربة أفريقيا الذين يحملون أسماء ك غرسية Garcia, كراكشو Carrasco, ملين Molina, أركون رويز Aragon Ruiz, شمورو Chomorro, الركينة Requena؛ أسبان يتباهون بألقابهم ك مدينة Medina, البرنس Albornoz, القنطرة Alcantara, مرينو Merino , مران Marin أو شيكو Checo؛ مغاربة و أسبان ينحدرون من نفس الجذر الأندلسي يحملون ألقابا ك بركاش Vargas, بنيعيش Venegas, بنيس Albeniz, الطريس Torres, الثغري Zegri, الخراز Alcaraz, الرندة Ronda" (1)
 
هذا الأسلوب في التفكير جعل خيل يتبنى موقفا وسطا بين التعاون مع مؤسسات الاحتلال الإسباني للمغرب و تعاطفه مع الوطنيين المغاربة. هذا التداخل في الأحاسيس و الولاءات توضحه بجلاء رسالته إلى الوطني المغربي أحمد بلافريج سنة 1933 و التي سنطلع عليها بعد قليل في هذا الفيديو.

يقول "أب الهوية الأندلسية المعاصرة" بلاس انفانتي عن خيل ابن أمية : "
قضايا الشعوب لا تموت أبدا. أكثر من مليون شخص من إخواننا الأندلسيين المطرودين ظلما من أرضهم مشتتون من طنجة إلى دمشق, حسبما أفادني به قبل سنة أحد أبطالنا الأشداء, المثقف الدءوب خيل ابن أمية. إن ذكرى الوطن (…)أقوى من أن تُنسى, تتجدد كل يوم. إنهم (و يقصد الأندلسيين المطرودين) يشكلون, باعتراف الشعوب الشقيقة التي تستضيفهم, نخبة الدم و الضمير بهذه البلدان. لقد عايشتهم, و عانيت معهم و تمنينا معا الانعتاق المشترك, لأن هذا الانعتاق إمّا أن يكون مشتركا أو لا يكون أبدا".

قبل سنوات كتب ابن خيل (و اسمه أيضا Rodolfo Gil Benumeya Gremau) عن والده : ("صحيح أني لست مغربيا. لكنني مسلم(…). أنا قبل كل شيء أندلسي, أي عربي و أشتغل لصالح إسبانيا لأن بلدي يشكل الآن جزءا منها, على أمل إعادة بعث إسبانيا العربية". هذا ما كتبه مورسكي في رسالة سنة 1933 (هذا الكلام لابن خيل متحدثا عن والده). و هي رسالة مكتوبة بالآلة الكاتبة و تحمل تاريخ 7 يوليوز من نفس السنة (أي 1933), من والدي رودلفو خيل ابن أمية إلى أحمد بلافريج, الزعيم المعروف و المناضل السياسي المغربي المنتمي لحزب الاستقلال و الذي عمل وزيرا ثم وزيرا أولا بعد حصول المغرب على الاستقلال. تناقش الرسالة السياسة الفرنسية و الإسبانية, و موقف الزعماء الوطنيين لدول الجنوب اتجاهها, و ليس هنا موضع بسطها. من المؤكد أن بلافريج هو اسم مورسكي, أصله من Palafresa و قد كان يحمله أحد الزعماء الأورناتشوس المهاجرين الذين استقروا بسلا الجديدة و الرباط؛ و ظهرت تواقيع Palafresa في عدة وثائق مرتبطة بالجمهورية"القرصانية" المغربية الجديدة التي أسسها الأورناتشوس و الأندلسيون, و قد درس كييرمو كوثالبيث Guillermo Gozalbez هذه الوثائق. يعود أصل ابن أمية إلى مولاي عبد الله البالوري. تحرّك والدي خلال فترة شبابه كثيرا بين المغرب و إسبانيا(…) و شارك منظِّرَ الأندلس الجديدة بلاس انفانتي أفكاره و أنشطته, و كان يكنّ له الاحترام و التقدير, و إن كان خيل بعد الحرب الأهلية أبدى في بعض كتبه انتقاده للموقف, المتردد حسب خيل, الذي أدى بالمفكر إلى الموت…"
 
و قد عاصر العلامة المغربي محمد تقي الدين الهلالي خيل ابن أمية, و أطنب في الإشادة به في معرض حديثه عن تشويه الأسبان لتاريخ الإسلام و الرجال الذي تصدوا لهذا التشويه, يقول تقي الدين الهلالي : " هذه الحملة التي يقوم بها كُتاب إسبانيا و المؤلِفون منهم في هذا الزمان يستاء منها كل مسلم و كل عربي و كل منصف و لكن أهل المغرب الأقصى هم أشد الناس استياء لأنهم حكموا بلاد إسبانية كلها بعد انقراض ملوك الطوائف ثم لما قامت الدولة النصرية اكتفت الدولة المغربية بحكم شواطئ إسبانيا الجنوبية من مالقة إلى روندة إلى جبل طارق و الجزيرة الخضراء و ساروا في حكم هذه الشواطئ سيرة حسنة و كانوا خير عون و حليف لدولة غرناطة العربية المسلمة و لولا إمدادهم و جهادهم و مساعدتهم لتقدمت حادثة غرناطة المسلمة (…)بأربعمائة سنة. و لما كان التواطؤ على الباطل من قبل أمة بأسرها نادر الوقوع فقد وجد في هذا الزمان من الأمة الإسبانية من أدبائها من يصدع بالحق و لا يبالي بغضب الفلنخي (2 و هو حزب فاشي إسباني) و نقمة المتحمسين المغالين في الوطنية, فمن هؤلاء الأستاذ الأديب "خيل بن أمية". و هذا الأديب من الرجال ذوي الأحوال الغريبة و الخصال العجيبة فقد ابتلاه الله بحب العرب و المغاربة و الصدع بفضائلهم و قرع المبطلين بالحجج الدامغة و البراهين القاطعة و كان ذلك سببا في تعصب ولاة الأمر عليه و حرمانه من المناصب الأدبية و العلمية فأصابه بسبب ذلك فقر مدقع و تحمل كل ذلك صابرا مخلصا لعقيدته لا يحول عنها و لا يزول و كان صديقا حميما للأمير شكيب أرسلان. و لما أعلنت الدعاية الإسبانية أنها تريد إحياء المآثر العربية و المغربية و الأدب العربي في إسبانيا استشير الأستاذ خيل ابن أمية و أشار على الحكومة إذ ذاك أن تدعو الأمير شكيبا و تستنير برأيه فتوجه الأمير شكيب أرسلان رحمه الله إلى إسبانيا ووضع لهم منهاجا عظيما لإحياء مآثر العرب و المغاربة في إسبانيا لو اتبعته الحكومة الإسبانية لعاد عليها بالخير العميم و لكن المشروع مات وهو جنين و كان دعاية مجردة و قد أشار على الأستاذ بن أمية بعض أصدقائه أن يسافر إلى مصر فإنه يجد هناك من يعرف فضله و يستفيد من أدبه فسافر إلى مصر و بقي فيها مدة فلم يجد فيها سوقا لترويج أدبه و عصبيته العربية فرجع من الرمضاء إلى النار, يعني على إسبانيا. و عزى بعضهم عدم نجاحه إلى انه يسلك سبيل الفلاسفة المهمِلين للتأنق في الملبس و التملق في الكلام و لا شك أن هذا عذر واه و لا يزال الأستاذ خيل بن أمية يعيش في إسبانيا معيشة ضنكا بسبب تعصبه للعرب". انتهى كلام تقي الدين (3)

ففي الفترة التي سطّر فيها العلامة تقي الدين هذه الكلمات عن خيل (في الأربعينات), لم يكن قد وصله خبر إسلامه (فلم يكن قد أخبر به أحدا غير أحمد بلافريج في رسالته المذكورة أعلاه سنة 1933) لقد كان خيل مسلما يكتم إسلامه على غرار إخوانه المورسكيين, و هذا ما يفسر تعاطفه الكبير مع المسلمين. و عُرف باسمه الإسلامي خليل ابن أمية.

يقول الدكتور علي الكتاني رحمه الله عنه: "احتفظ عدد كبير من أهل الأندلس بدينهم الإسلامي سرا و بعد سنة 1960م, تجرّأ بعضهم على إعلان إسلامه عند هجرته إلى المغرب, أو حتى في الأرض الإسبانية نفسها, كالمحامي خليل بن أمية الذي كان يعيش في مجريط…" (4)

و يقول الشيخ إبراهيم بن أحمد الكتاني رحمه الله:"ذَكَرَ  الكتابُ (يقصد كتاب "انبعاث الإسلام بالأندلس" لعلي الكتاني) أن خليل بن أمية, رحمه الله, غامر بإعلان إسلامه في وقت لم يكن يجرؤ على ذلك أحد, و كان رحمه الله معروفا بيننا بخليل بن أمية, و كان صديقا حميما لبطل الإسلام الخالد الأمير شكيب أرسلان رحمه الله, كما كان عضوا في جمعية إسبانية أسستها الحركة الوطنية المغربية من الأسبان الذين يعطفون على الحركة الوطنية, و لعلها كانت تسمى "بيت المغرب"."(5)

الهوامش: 

(1)La mirada del Otro, la vision del africanismo espanol. El gil Benumeya de los anos veinte. Por Dolores Enamorada.
(2)الفلنخي Falanje و هو حزب الجنرال فرانكو و هو حزب وطني معاد للشيوعية و هو الذي قام بالثورة الإسبانية و قضى على الجمهورية الشيوعية في إسبانيا.
(3)"مدنية المسلمين في إسبانيا". ترجمة العلامة تقي الدين الهلالي. ص8-9.
(4)"انبعاث الإسلام في الأندلس" للدكتور علي الكتاني .ص 327
(5)"انبعاث الإسلام في الأندلس" للدكتور علي الكتاني.ص 12


مراجع ترجمة الأديب و المفكر ردولفو خليل ابن أمية:

 
- مقال بموقع "الهوية الأندلسية" Identidad Andaluza. لابنه خيل ابن أمية كريمَو.
-"مدنية المسلمين في إسبانيا". ترجمة العلامة تقي الدين الهلالي 
-"انبعاث الإسلام بالأندلس" للدكتور علي الكتاني .

هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق