الخميس، 20 يوليو 2017

سيرة أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة للأديبة الغرناطية برخيدا كويين.



سيرة أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة للأديبة الغرناطية برخيدا كويين.


الغرناطية برخيدا كاييكو كويين.
هشام زليم
مدونة صلة الرحم بالأندلس.

برخيدا كاييكو كويين Brigida Gallego Coin أديبة غرناطية قدمت مجموعة من القصص القصيرة للأطفال عن شخصيات أندلسية مهمة مثل زرياب, مريمة, الثريا أو إيزابيل دي سوليس...و نقدم لكم في هذا المقال ترجمة للسيرة الذاتية لأبي عبد الله آخر ملوك غرناطة و التي روتها بلسانه. اسم القصة أبو عبد الله Boabdil .


و سيلاحظ القارئ أن الكاتبة برخيدا أنصفت غاية الإنصاف أبا عبد الله و نفت عنه اتهامات الجبن و الخيانة, بل رأت فيه, و هذا رأي عموم الأندلسيين و الغرناطيين خاصة, منقذ غرناطة و شعبها و حمرائها. فلم تُشر للجملة المكذوبة التي تُنسبُ زورا لوالدته عائشة الحرة حينما وبخته قائلة "ابك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالنساء" باعتبارها تنقص من قدره و تتنافى مع حب والدته له. كما سيلاحظ القارئ تشديدها على نكث الملكين الكاثوليكيين لعهودهما باحترام الأندلسيين و عقائدهم.

أترككم مع المقال. 
(الرسوم المرفقة للمقال هي من إنجاز إسبيرانثا كامبوس Esperanza Campos)


أُدعَى أبو عبد الله و قد وُلِدتُ في الحمراء. و أنا سليل الملوك.

والداي هما عائشة الحرة و السلطان مولاي الحسن, و يملك كلاهما شخصية قوية. كانا يتحدثان طوال الوقت في مسائل المملكة. 

عند ولادتي غمروني بالتمائم  حتى يضمنوا لي حسن الطالع و تكون حياتي سعيدة. لكن حدث أمرٌ أزعج والداي كثيرا: فقد تنبأ أفضل منجمينا: "سنفقد مملكة غرناطة حينما يصير أبو عبد الله ملكاً"

و حتى لا تتحقق أبدا هذه النبوءة دَرَّبوني بكل صرامة على فن الحرب. كانت الحصص تبدأ عند الفجر, حتى غدا السيف رفيقي الدائم.
المنجم و هو يخبر الملكين بنبوءته السيئة.
كنتُ بالكاد أجدُ وقتا للراحة. فإلى جانب التدريب, درستُ الرياضيات, الشعر, الأدب, التنجيم, الخط, العلوم...كان أساتذتي من كبار العلماء و ما كانوا يُفوتون لي أخطاءاً. لم أكن أعرفُ شيئا اسمه الكسل.

اتسمت حياتي بالوحدة حيث بالكاد كانوا يتركوني أُرفه عن نفسي, فواجبات ملك المُستقبل جسيمة للغاية. رغم ذلك كنتُ أنا و حسن و لولو و حامد نلعب أحيانا الغٌميضة في بهو السباع أو نجلس تحت أشجار النارنج لنخوض جولات من الشطرنج. 

كان تعلُّمُ الدفاع عن نفسي في جبال الثلج "سييرا نيفادا" من التداريب المفضلة لديَّ؛ فبعد نهاية التمارين, كنتُ أتزحلقُ بأعلى سرعة من أعلى القمم البيضاء ...كان أمرا في غاية الإمتاع.

كانت الحياة في القصر جذابة للغاية. ففي الحيز المخصص للحريم, تغني النساء و تنشدن القصائد و ترقصن و تتزينَّ. كان مكانا ممنوعا عليَّ. كما كانت الحمَّاماتُ أيضا في غاية الروعة.



كانت العلاقة بين والدَيَّ تسير من سيء إلى أسوأ. كانا يصرخان أحيانا إلى درجة إفزاع الخدم. فوصل الأمر بهما إلى الطلاق, و تزوج أبي شابة مسيحية تٌدعى إيزابيل دي سوليس. لم تتحمل والدتي السلطانة عائشة الأمرَ, و قالت لي و الألم يعتصر قلبها: "ابني العزيز أبا عبد الله, لقد صار والدك اعتبارا من اليوم عدوي".

في الحقيقة, كان أعداؤنا الحقيقيين هما الملكان الكاثوليكيان, إيزابيلا و فرناندو. كانا يرغبان في فتح غرناطة حتى تكون إسبانيا كلها مسيحية. لقد كانت لهما سلطة كبيرة.

ذات يوم, التقيتُ بألطف و أطيب فتاة في العالم: مُرَيْمَة. كانت ابنة واحد من أعز أصدقاء والدي, قائد لوشة الشهم, علي العطار. هكذا سقطتُ من حينها صريع الغرام. خمَّنتُ أني برفقتها سأكون قادرا على كل شيء: - مُريمة, أتوَدِّين الزواج بي؟  أجابتني قُرب شُجيرةِ وردٍ في جنة العريف: - نعم يا أبا عبد الله, أودُ ذلك.

كُنّا سُعداء. لكن مملكة غرناطة كانت تواجه مشاكل جمة. فرغم كوني الوريث الشرعي, كان شقيق والدي, عمي الزغل, يرى نفسه الأحق بالمُلك. كما كانت المسيحية إيزابيل دي سوليس ترغب في جعل ابنها, ثمرة زواجها بوالدي, الملكَ القادم. 

و طبعا ظل والدي السلطان الأعظم مولاي الحسن متشبتا بالحكم رغم تقدمه في السن, ما أدى إلى حروب داخلية أضعفتنا. و ذات يوم أكدت لي والدتي: " أبا عبد الله, سأنجح في جعلك أنتَ, وحدكَ أنتَ, ملكُا لغرناطة

و فعلا, بفضل ذكائها, صرتُ ملكَ غرناطة.

في صبيحة أحد الأيام, قدِمَ أحد الرُسُل حاملا معه أنباءا رهيبة: المسيحيون على مقربة شديدة منا. – سيدي, لقد شيدوا معسكرا ضخما سموه سانتا في Santa Fe.

لقد هالنا الأمر كثيرا.

أردتُ أنا و مُرَيمة الاطلاع عن قرب على هذا المخيم ففعلنا ذلك في سرية تامة: - مُرَيمة, سيهزمنا المسيحيون في وقت قصير. المئات من رجالنا سيقضون في المعركة.

ودعتْ مُريمة جيشنا من أعلى برج الحراسة. كانت مشغولة البال و تتخاطفها المشاعر المتشائمة.

كانت المعركة ضد المسيحيين, هذه المرة, في غاية الشراسة إلى درجة أن علي العطار, والد مريمة و أحد أفضل رجالنا, قضى في القتال. درستُ بعمق وضعنا السياسي و الاستراتيجي, و استنتجتُ الحقيقة: كان من المستحيل مقاومة اندفاع الملكين الكاثوليكيين. كانت لهما رغبة جامحة في فتح غرناطة, و كان جيشهم أصلب و أقوى بكثير من جيشنا.

-لا أرغبُ في مزيد من الدم و الألم يا أبا عبد الله. – و لا أنا يا مُريمة.

في هذه الليلة قررنا وقف الحرب حتى لا يُعاني شعبنا. 

كان صباح يوم 2 يناير 1492 باردا للغاية, و خلاله سلمنا مفاتيح غرناطة للمسيحيين. و قد تعهد الملكان الجديدان, إيزابيل و فرناندو, باحترام المدينة و عادات سكانها. و صدقناهما. 

كان أمر الملكين الكاثوليكيين: - ستسيرون إلى مكان منعزل و بعيد في البشرات يُدعى لاوجر Laujar. ستعيشون في قصر صغير يفتقر لترف الحمراء.

و بينما كانوا هم يستوطنون الحمراء, كنا نحن نسافرُ إلى مسكننا الجديد بينما القلب يعتصره الحزن. و كجزء من معاهدة السلم مع إيزابيل و فرناندو, سلّمنا أنا و مُريمة 
ابنينا أحمد و يوسف لهما و تعهدا بإعادتهما لنا.

عندما بلغنا على الطريق النقطة التي سنفقد بعدها رؤية غرناطة, استدرتُ بحصاني للإعجاب, للمرة الأخيرة في حياتي, بجمال المدينة, و بمسكننا الحمراء.

كان الموكب الصغير من الخدم يتنهد على وقع جملة: - لن يكون بمقدورنا العودة أبدا. كان الجميع يبكي بحُرقة ما عدا والدتي عائشة. أما أنا فلم أستطع المقاومة أكثر فانطلقت من مقلتاي دمعة صغيرة حزنا على فقدان غرناطة و أبنائي...

شدت زوجتي المخلصة مريمة على يدي و همست بصوت خافت حتى لا يسمعها أحد: "-أبا عبد الله, كان قرارك عين الصواب حتى لا يُعاني شعبنا. لو لم تُسلِّم مفاتيح المدينة سلميا, لكانت غرناطة الآن مكسوة بالجثث.

انتقلنا إلى البشرات. و مرت السنوات. و في صباح أحد الأيام قدِمَ رسولٌ من عند الملكين الكاوثليكيين: - سيدتي إيزابيلا و سيدي فرناندو يأمران بأن تغادرا إسبانيا و أن تستقرا بالمغرب الاقصى.

كانت مريمة تبكي و تقول: -أبا عبد الله, ما أعظمه من بلاء. لقد عشت دوما في غرناطة على غرار والداي و أجدادي و أجداد أجدادي. لستُ قادرة على الذهاب إلى المغرب الأقصى, فهو بلد غريب عني.

.مادمنا معا, سيسير كل شيء بيُسر, سترين مريمة -

- ألم يتعهد الملكان الكاثوليكيان بتركنا نعيش في البشرات و بإعادة أبنائنا إلينا؟

كنا نٌعدُ الأمتعة وسط جو من الحزن. كان قلبنا مِلكاً لغرناطة, لكن لم تبقَ لنا حيلةٌ غير الطاعة. فهم الملوك الآن .

لَمَّا أزف الرحيل, بدت مريمة شاحبة: - ماذا يحدث لك مريمة؟ علينا أن نكون أقوياء.
-أبا عبد الله, أشعر و كأني سأقضي هَماً و كمداً...لا أريد مغادرة أرضنا الحبيبة, و ما يُضيرني بنفس القدر الرحيلُ من دون أبنائنا.

اغتمت مريمة غما كبيرا فماتت حزنا و كمدا, و تركتني وحيدا. لم تتوقف عيناي عن 
درف الدموع حتى وصلنا إلى المغرب الاقصى.

استقررتُ في مدينة تُدعى فاس و عشت فيها حياة بسيطة. و شيئا فشيئا بدأ يصل أكثر فأكثر أشخاص طردهم الملكان الكاثوليكيان من غرناطة. لقد نكثت إيزابيل و فرناندو 
بوعدهما بترك شعبنا يعيش كمسلمين.

كانت بعض العائلات تردد: -حملنا مفتاح دارنا في غرناطة معنا لأننا نحلمُ بالعودة.

أحيانا, يقترب الصغار مني و يتوددون قائلين: - احك لنا حياتك و تاريخ غرناطة, أيها الملك أبا عبد الله.

فأشرع تحت النجوم في سرد حكايتي, و القلب يملأه الحنين."

مدونة صلة الرحم بالأندلس.

هناك 5 تعليقات:

  1. شكرا على المجهود ونتمنى المذيد

    ردحذف
  2. رواية قديمة باسلوب جديد و معلومات لم نعرفها مشكورة

    ردحذف
  3. إبك كالنساء ملكا لم تدافع عنه كالرجال وليس كالنساء

    ردحذف
  4. شكرا على مجهوداتك الحقيقة لا يعلمها الا الله

    ردحذف
  5. اسمي العائلي هو مريمي فهل له علاقة

    ردحذف