الجمعة، 7 يوليو 2017

مقال لصحيفة الباييس الإسبانية عن هِبة صدام حسين إلى فرانكو و الشعب الإسباني.

مقال لصحيفة الباييس الإسبانية عن هِبة صدام حسين إلى فرانكو و الشعب الإسباني.

هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس.
نائب الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين إلى جانب فرانكو خلال زيارته لإسبانيا عام 1974.

مقال نشرته جريدة الباييس El Pais الإسبانية بتاريخ 2 مارس 2003 بعنوان "هِبة صدام لفرانكو" El obsequio de Sadam a Franco للصحفي الإسباني الشهير إيغناسيو سيمبريرو. 

ترجمة هشام زليم .

كاد الرئيس العراقي, أحمد حسن البكر, يطيرُ فرَحا عندما أخبره ضيفه الإسباني, وزير الطيران الفريق خوليو سالفادور دياز ابن أمية Julio Salvador Diaz Benjumea خلال جلسة المباحثات بأن عليه القيام بزيارة دولةٍ لإسبانيا. كان ذلك في عام 1973, و بحكم عمله كمستشار في السفارة الإسبانية في بغداد, رافق مكييل أنخيل فرنانديز مازارامبروز Miguel Angel Fernandez Mazarambroz, الشاب أنذاك, الوزير الإسباني خلال الجلسة التي خصصها له الرئيس العراقي.



لن يُكتبَ للبكر زيارة إسبانيا, لكنه هو و قريبُه صدام حسين نائب الرئيس آنذاك و الذي سيخلفه في رئاسة الدولة عام 1979, سيُبرهنان بعد ذلك بقليل عن التقدير الكبير الذي كانا يُكِنَّانه للنظام الذي كان يحكم إسبانيا. يعود فرنانديز مازارامبروز, السفير في بريتوريا اليوم, بذاكرته قائلا: "كان القادة العراقيون يُكنون تقديرا عظيما لفرانكو".  

كان يرى العديد منهم في فرانكو نُسخةً أوربية لما يُمثلونه هم في بلدانهم: قوميون معتدلون يحافظون على الاستقرار عن طريق الحكم بيد من حديد. بالإضافة إلى ذلك, كان نظام فرانكو واحدا من أنظمة أوربا الغربية القليلة التي لم تكن تربطها علاقات ديبلوماسية بإسرائيل و لم تكن تعترف رسميا بالدولة العبرية.

تنطوي إسبانيا على حمولة عاطفية بالنسبة للعرب, خصوصا منهم أهل الشرق الأوسط البعيدين عن شبه الجزيرة الإيبيرية. ففي أراضيها الجنوبية ازدهرت الأندلس, أعظم الحضارات الإسلامية بإنتاجها الفني, الأدبي و العلمي و بتسامحها مع الأقليات الدينية الكاثوليكية و اليهودية.

لم يمنع كل هذا التعاطف إسبانيا الفرانكوية من المعاناة ابتداءا من أكتوبر 1973 جراء الصدمة البترولية الأولى الناجمة عن قرار الأعضاء العرب بالأوبك استعمال سلاح النفط للوقوف في وجه الموقف الغربي من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. سيخسر العرب ذاك العام حربهم الرابعة ضد إسرائيل, حرب يوم الكيبور.

تضاعف السعر أربع مرات.

حاول العرب التعويض عن هزيمتهم بالاتفاق, خلال اجتماع في الكويت, على الرفع الفوري لسعر برميل النفط 25 بالمئة, و زيادة 5 في المئة شهريا إلى حين إجبار الغربِ إسرائيلَ على الانسحاب إلى حدود عام 1967. في ظرف وجيز, تضاعف السعر فعليا أربع مرات.  


صُنِفت ثلاث دول كانت تُدافع عن إسرائل باستماثة "عدوةً للقضية العربية" هي الولايات المتحدة, الدنمارك و هولاندا, و تَقرَّرَ فرضُ حضر شاملٍ عليها. كانت الولايات المتحدة أقل اعتمادا على نفط الشرق الأوسط, و لم تتأثر إلا قليلا  جراء الاجراءات الانتقامية التي أضرت, خصوصا, بأوربا الغربية.

أما الدول الأكثر صداقة للعرب, كإسبانيا و اليونان, فلم تجنِ شيئا من سياساتها الداعمة لفلسطين. و عانت مثل غيرها من ارتفاع الأسعار المُقرر في الكويت و الذي سيؤدي إلى أزمة اقتصادية ستُصعب عملية الانتقال السياسي في إسبانيا. ارتفاع سعر البرميل رفع قيمة  الواردات الإسبانية من النفط إلى 6 بالمئة من الناتج الداخلي الخام. 

نظام عربي وحيد, هو النظام العراقي, سيتذكرُ فرانكو و سيحاول, على الأقل رمزيا, التخفيف من معاناته. لقد قررت بغداد في دجنبر 1973 منح هِبَةٍ لإسبانيا عبارة عن 35 ألف طن من البترول تُقلُّها ناقلة النفط "عين صالح" التي صُنعت إلى جانب 6 سفن أخرى مماثلة في مصانع Astilleros Espanoles الإسبانية لصناعة السفن. أبحرت الناقلة من البصرة و رست يوم 14 يناير 1974 في مرفئ إسكومبريراس بقرطاجنة. 

كان في انتظارها هناك, حسب ما أظهر مقطع فيديو وكالة نو-دو NO-DO (الوكالة السينماطوغرافية آنذاك)  المسؤول الحكومي بكامبسا و رئيس المعهد الوطني للصناعة, دون نسيان قادة المنطقة العسكرية الثالثة و المنطقة البحرية المتوسطية.  وكان يترأس هذا الوفد الرسمي وزير الصناعة ألفريدو سانتوس بلانكو, الذي سافر قبل فترة وجيزة إلى بغداد.


حسب تصريح السفير العراقي في مدريد مصطفى النقيب في قرطاجنة, الهبة العراقية أكبر من قيمتها المادية لكونها برهانا على المودة التي يكنها الرئيس البكر و الحكومة و الشعب في العراق لشخص رئيس الدولة الإسبانية و حكومته و شعبه.


و على مقربة من برج التفريغ في محطة إسكومبريراس صرح الديبوماسي العراقي قائلا "عندي ثقة بأن هذه الهبة ستكون دليلا للبرهنة لأصدقائنا الإسبان على أن العراق عازم على عدم ترك إسبانيا تُعاني جراء أزمة الطاقة التي تعصف بالعالم و عربون تقدير لأصدقائنا الإسبان الأوفياء الذين كانوا دوما في صف قضيتنا العادلة بكل ثبات وعزم".



فأجابه الوزير سانتوس بلانكو, حسب ما ورد في مقال لويس لوبيز بلانكو, الموفد الخاص ليومية ABC إلى قرطاجنة: " أُعبرُ عن عظيم امتناني للهبة العراقية, التي أبرزت في ظل الأزمة الطاقية العالمية الحالية مرة أخرى الوقوف الرائع للأمة العربية, و خصوصا حكومة بغداد, مع إسبانيا عبر تقديم كامل التسهيلات من خلال شركة النفط الوطنية العراقية للمساعدة في تجاوز الوضع الصعب الذي وَضعنا فيه نقص إمدادات النفط".



و اختتم سانتوس بلانكو رده عارضا خدمات الشركات الإسبانية بالقول: "يرغب بلدي في المشاركة في مخططات تطور العراق¸ لأنه  يرى بأن التجربة الإسبانية الحديثة قد تكون مفيدة جدا له. من جهته يستطيع العراق مساعدة إسبانيا المُحتاجة لمنتجاته".  


و قد خُلِدَ هذا الحدث في لوحة تذكارية من الفضة قدمها الوزير للسفير العراقي. و جاء فيها تعبير فرانسيسكو فرانكو باهاموندي عن شكره للرئيس العراقي و للحكومة و للشعب عن هذه "الهبة النفطية الكريمة". بعدها فتح سانتوس بلانكو صمام برج التفريغ, ليشرع 35 ألف طن من البترول في التدفق إلى خزانات مصفاة إسكومبريراس. 

مدونة صلة الرحم بالأندلس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق