الاثنين، 15 ديسمبر 2014

العرب لم يغزوا إسبانيا. (الجزء1 : مقدمة جدلية)



 العرب لم يغزوا إسبانيا. (الجزء1: مقدمة)


 هشام زليم.
مدونة "صلة الرحم بالأندلس"

المرجع: كتاب الباحث الإسباني  Ignacio Olague إيغناسيو أولاغوي, La revolucion islamica en occidente (الثورة الإسلامية في الغرب).
منشورات مؤسسة خوان مارش. وادي الرملة. Fundacion Juan March. Guadarrama


لما يتجاوز السائح فناء النارنج و يلج جامع قرطبة عبر القوس الحدوي الضخم الذي يأطر مدخله الرئيسي, يجد نفسه أمام مناظر غير متوقعة. تكتشف عيناه غابة من الأعمدة المصفوفة بتناسق, فتسحبه جاذبية جبارة تُرغمه على التقدم إلى الأمام أكثر فأكثر. تُذهله, منذ الخطوات الأولى, نفحات أريج عجيبة, و كأن روح هذا المعبد الغامض تُلامس وجهه. رغما عنه, يجد نفسه مشدودا نحو عالم مجهول, عالم قد يجنح نحو اللامعقول, لكنه يسحر الروح الحساسة و المتنبِهة. في خضم هذا الارتباك, يُدرك السائح في الحين عجزه عن إنشاء روابط ذهنية بين الخواطر القوية التي تراوده و بين تجاربه البصرية و ذكريات قراءاته. بوعي أو بغيره, حسب فطنته, سيُدرك منتهى قصوره في ربط علاقة بين ما يُشاهده و التحف الفنية للحضارات القديمة التي يحفظ لها صورة خالدة في ذاكرته, كالبانثيون Pantheon (معبد كل الآلهة), سانتا صوفيا, الكاتدرائيات القوطية...لقد اعتاد منذ الطفولة حساب أبعاد صرحِِ ما من المدخل بمجرد إلقاء نظرة بسيطة, لكن هنا, و بحدس سريع, يُدرك عجزه عن قياس امتداد ما يراه. تهرب الأعمدة كلما تقدم إلى الأمام, و إذا لاحقها تتلاشى في الأفق, فلا يسعه إلا إراحة بصره بالنظر إلى مكان ما لعله يقف على نهاية لها. و لا هندسة إقليدية قادرة على تفسير ما يرى حوله. اللاحدود يحاصره من كل جانب, نفس الصورة في كل الجهات و كأنها منعكسة في مرايا متعددة. 


بكل تصميم يواجه الزائر إذن الأساطين التي تحيطه من كل الجهات. طرازها توسكاني, أغلبها من الرُخام الأبيض الأملس و بعضها من المرمر, تتخذ أحيانا شكلا حلزونيا و أحيانا شكلا مجزعا؛ علوها و أناقة مظهرها يضفيان رونقا خاصا على الشوارع التي تتجلى أمام ناظريه. يُقدِّر في الحين أن التيجان متغايرة من دون شك بسبب أصولها المختلفة. يرفع عينيه إلى أعلى فيلحَظُ أنها تدعم أقواسا حدوية تتلاحق من عمود إلى عمود في حركة رشيقة و عبثية دون وضيفة ظاهرة, بينما هي في الحقيقة تعمل كدعامة تسنُد المنظومة الهشة للغاية.

يرفع الزائر عينيه أكثر, فوق الدعامات التي تسند الأقواس الحدوية تقوم أعمدة رشيقة تسند صفا آخر من الأقواس التي تدعم بدورها عوارض السقف. رشاقة تناوب الحجارة البيضاء و الطوب الأحمر في تشكيل لوني الأقواس الحدوية, إضافة لشكلها المنعرج و منظر ازدواجية الأقواس تعطي شعورا لا يمكن تخيله.

يواصل الزائر التقدم مشدوها وسط هذه الغابة المقدسة, ثم يتوقف عند الأماكن الخاصة من المعبد. يقف في البداية عاجزا على التعبير عن إعجابه, فلا يهمس إلا بهذه الكلمة: "هذا غريب!". و في غمار دهشته, تنبثق من أعماق ضميره هذه الفكرة: "و أخيرا! ها هو الشرق الفاتن, المنيع, الساحر". لقد شغل هوس الفلسفة الجارف صاحبنا الغربي بعيدا عن حاجياته اليومية. و في تجاوب مع سحر المشهد, يشرد فكره في حلم جميل كما شرد من قبل بصره بين الأعمدة...

ما أطيب إدراك هذه الصوفية الإسلامية! أهي بهذه الدرجة من الغموض حيث قد لا يشعر بها المؤمنون و هم يدخلون للمسجد تاركين نعالهم خلفهم, و كذلك النصارى الحاسرين في الكاتدرائية رؤوسهم ؟ و بينما تبقى هذه الاستفهامات دون إجابة فورية, تتبادر لذهنه لا شعوريا خواطر أخرى و تختلط ذكرى العرب لا إراديا و في انسيابية تامة في مجرى روابطه الذهنية. و بعد أن يستحضر النص المدرسي عن إنجاز شارل مارتل الذي كبح جماح الزحف العربي, لا يسعه إلا الشعور بنوع من التقدير اتجاه هؤلاء القوم الذين, رغم كل شيء, قاموا بإنجازات عظيمة. يستحضر الجيوش السراسينية (العربية) التي غزت نصف العالم و استقر أحفاد جنودها في هذه الأراضي الأندلسية التي تدين لهم بهذه الحضارة العظيمة. في خضم التأثُر و الذهول, ربما لم يخطر ببال الزائر أن بتيكا Betica كانت, من قبل أيضا, مسرحا لحضارة أخرى و مهدا للأباطرة الرومان, و أن قرطبة, مدينة الجامع, كانت حاضرة حتى قبل ظهور شعب السينيكا Senicasو اللوكانيين Lucanos. 

كم سيظل الزائر مبهوتا إذا قص أحدهم شريط أحلامه هامسا في أذنه أن وقت الاستيقاظ قد حان! فالعرب لم يغزوا هذه المدينة, و بالتأكيد لم يشيدوا هذه المعلمة العجيبة؛ فما هذه الأسطورة سوى بصمة موشومة في ذاكرة تدريس رجعي. هكذا إذن, خرافة فرسان خارقين, عرب الخيالة و الخيول, تقدموا مثيرين الزوابع الغبارية و العواصف الرملية, لازالت محفورة بقوة في الأذهان, رغم أنها بدأت اليوم في التزعزع نظرا للمعرفة الأكثر دقة بالتاريخ. لقد أدى الانقياد الأعمى خلف الإخباريين المسلمين و النصارى, حتى يومنا هذا, للاعتقاد الجازم بوجود هذه السحابة من الجراد التي غطت الغرب. لقد جلب هؤلاء البدو الرُّحل, حسب زعمهم, عناصر حضارة ستزدهر فيما بعد بشكل مدهش في جنوب شبه الجزيرة الإيبيرية, لهذا لا يطرح جامع قرطبة إشكالية. لا شيء يستدعي الشك و الريبة. ما كان يثير انتباه السائح خلال زيارته هو الاحتكاك الفجائي مع الإسلام الذي يجهله الغربيون. بالنسبة له, الجمال الغريب لهذه المعلمة المدهشة  ينتمي للفن الشرقي, بينما يعود السحر الصوفي الذي تُفرزه  لدين محمد.

كنيسة القديس يوحنا المعمدانSan Juan Bautista
في أواخر القرن الماضي (القرن 19) شرع باحثون أركيولوجيون إسبان في تجديد كنائس يعود تاريخ تشييدها إلى العصر القوطي. إحدى هذه الكنائس, دير القديس يوحنا المعمدان San Juan de Bautista, في بلدة بانيوس دي سيراتو Banos de Cerrato  بمنطقة بينتا دي بانيوس Venta de Banos, كان قد شيدها الملك القوطي رسيسفنتو Recesvinto عام 661م, و ذلك حسب كتابة موجودة في جناح الكنيسة قبالة الصحن الرئيسي. لا جدال في الأمر. تاريخ تشييدها يسبق بكثير الغزو المزعوم عام 711م, رغم ذلك تتوفر هذه الكنيسة على أقواس حدوية خارقة. عُثر على العديد منها في كل شبه الجزيرة الإيبيرية, بعضها يوازي روعة الأقواس القرطبية, لكنها لم تكن مسلمة. لقد وُجدت حتى في فرنسا, على ضفاف نهر اللوار, و التي حسب الرواية التقليدية للتاريخ لم يصلها العرب أبدا. في الأخير, تم التأكد في عصرنا من وجود أقواس حدوية حتى قبل العصر النصراني. بهذا الشكل يمكن اعتبار مسار تطورها من هذه العصور القديمة حتى بلغت أوج ازدهارها تحت حكم الخلفاء القرطبيين.

هاهي إذن إحدى خرافات التاريخ الغربي تتهاوى. القوس الحدوي الذي كانت منعرجاته العجيبة
مصدرا لأكثر الأوهام جموحا لم يجلبه الغزاة العرب من المشرق.
أكثر من ذلك, كلما تزايدت الدراسات حول فن الحضارة العربية, كان يتعاظم اليقين بأن المبادئ المعمارية المستخدمة في بناء جامع قرطبة لا يربطها الشيء الكثير بآسيا البعيدة. هكذا و على غرار القوس الحدوي, كان يبدو جليا بأن هذه التقنيات التي كانت في القديم تعتبر أجنبية كانت تنتمي للتراث المحلي الإيبيري, الروماني و القوطي. 

تتعقد المسألة أكثر إذا نظرنا للأمر من هذه الزاوية: لقد شُيد هذا المعبد بيد الإنسان و من أجل الإنسان. المهندس المعماري الذي وضع المخططات لم يطلق العنان لخياله لإشباع نزوته أو إرضاء حاجته للإبداع الفني. لا نقول هذا لنبخسه ميزاته الذهنية, بل بالعكس, يجب التأكيد على أنه قد وضعها في خدمة فكرة سامية: لقد وضعها في خدمة وضيفة شُيد المعبد لأدائها. باختصار, لقد شُيد لإقامة طقوس عبادة دينية. لكن يكفي التجول وسط غابة الأعمدة للانتباه إلى أن هذه العبادة لم تكن تنتمي لا للدين الإسلامي و لا للدين النصراني, لأن التجهيز الداخلي لهذه المعلمة لم يُصمم لتسهيل أداء شعائر تحض عليها هاتين الديانتين.

كي يأدوا الصلاة جماعة, راكعين و ساجدين باستمرار و بشكل متزامن, لم يكن المسلمون في حاجة سوى لفناء مثل الذي كان في دار النبي. يكفي أن يكون المكان مفتوحا و مُسقفا و يسمح باصطفاف المسلمين في صفوف طويلة مولية وجهها شطر جهة واحدة لمتابعة حركات الإمام الموجود أمام الجميع في المحراب, الحجرة المقدسة حيث يُحفظ القرآن. أما الطقوس الكاثوليكية فتتطلب مكانا رحبا مغطا يمكن فيه للنصارى متابعة القربان المقدس الذي يديره الراهب. في كلتا الحالتين تنبني الشعيرة على نفس المبدأ: الدور الذي يلعبه النظر في هذه الطقوس. و هذا ما يفسر السهولة التي استطاع بها المسلمون أقلمة الكنائس النصرانية لتوافق متطلبات طقوسهم دون الحاجة للقيام بتغييرات كبيرة في هندستها. كان يكفيهم القيام بأشغال بسيطة لتحويل الكنيسة "الباسيليكا" إلى مسجد. المثال الكلاسيكي نجده في دمشق, حيث قاعة الصلاة بالجامع الأموي لازالت تحفظ إلى الآن التصميم الخاص بالعبادة التي كانت من قبل, لما كانت كنيسة القديس يوحنا المعمدان. لم يحصل نفس الأمر مع جامع قرطبة. فوسط غابة الأعمدة, كانت حشود المؤمنين من دون شك تحس بنوع من الإنزعاج, هؤلاء لصعوبة تتبع حركات الإمام, و أولئك لعسر الاستحضار ذهنيا مع الراهب مختلف فصول القداس بسبب إعاقة الرؤية التي تشكلها كثرة الأساطين.

لهذا السبب تبنى النصارى في النهاية مبدأ الكنيسة على الطراز الروماني الوثني المُسمى "البازليك" نظرا لتركيبته الداخلية التي صُممت بطريقة تسمح للناس في كل الجهات برؤية مشهد كان يعرف في العصر الروماني الوثني إقبالا كثيفا: رؤية الملك الروماني بازليوس Basileus يقوم بوظائفه في جو من المهابة. لقد فرض هذا التصور المعماري نفسه في العصر النصراني ابتداءا من القرن الرابع الميلادي لأنه كان يسمح للمؤمنين بمتابعة حركات و صلوات القساوسة. و هذا أمر غير ممكن وسط غابة من الأعمدة. هكذا يبدو جليا لماذا جامع قرطبة, رغم التشويه الفني الذي قام به شارل كانت, لم يتحول إلى كاتدرائية و إنما لمجرد مذابح صغيرة لإقامة القداسات.  يُستنتج من كل ما سبق أن المسلمين و النصارى لم ينجحوا إلا في أقلمة المعبد مع حاجيات عبادتهم لأنه لم يُشيد في الأصل لتناسب طقوس ديانتهما.

سنعود لتسليط الضوء على هذه المسألة في الجزء الثالث من هذا الكتاب عندما ندرُس تاريخ جامع قرطبة. نحتاج الآن للإجابة فقط على هذا التساؤل المُلِح: إذا كان المعبد الأولي ذو التهيئة الداخلية المصمَمَة من غابة من الأعمدة لم يُشيد لا للعبادة المسلمة و لا للعبادة النصرانية, فإلى أي عبادة أو ديانة كان موجها إذن؟ ماهي الفكرة التي ألهمت قلم المهندس المعماري لما رسم هذه الأقواس الغامضة؟ أي علاقة كانت تربطه بالمُموِل الذي أمر ببنائه؟ فأولا و أخيرا من يدفع هو من يفرض نظرته. ما على الفنان إلا ترجمة هذه النظرة و تحقيقها على أرض الواقع. أي قوة كان يمتلكها هذا الأريج الذي استولى عليهما ليُنتج تعاونهما واحدا من عجائب الأعمال التي شيدها الإنسان؟ 

لم يُجب أحد على هذا التساؤل لأن لا أحد, حسب علمنا, طرحه أصلا. مع أن اللغز أكبر من أن يتم تجاهله, و هنا بيت القصيد. يكفي التفكر في صعوبات التصميم و البناء و التأويل الذي تطرحه هذه الغابة العجيبة من الأعمدة, للوقوف على حجم اللغز التاريخي الذي تحتويه. لا أحد إلى يومنا هذا تحمل عناء تفسير هذا الأمر. من جهتنا, في الصفحات القادمة سننكب على تفكيك الخيوط المتشابكة لهذا اللغز. نكتفي الآن بالإشارة إلى أن هذا اللغز مرتبط عضويا بواحد من أعظم مشاكل التاريخ البشري.

بفعل تباعد الزمن و الجهل و التعصب الديني, دُفنت و طُمرت القطعة من الماضي التي شهدت انتشار الإسلام على ضفاف البحر المتوسط, مثل مدينة قديمة جدا, تحت ركام رهيب من الكذب و الأساطير و التراث المزيف. تمّ تصوُر انتشار الإسلام وفق التفسير البدائي للنشاط البشري, ليس كثمرة حضارة و لكن كنتيجة لاحتلالات عسكرية متتالية و مندفعة. لم تُفرض اللغة و الدين و الثقافة  عبر قوة الفكرة, و لكن بقوة الحراب التي أبادت الخصوم المُحاربين, و قوة النار التي أرهبت السكان العُزل. بقدر كبير من المَشاهد المُعادة و السيناريوهات المتكرِرة وُصف غزو بلاد البربر, شبه الجزيرة الإيبيرية و جنوب فرنسا, دون ذكر مناطق أخرى لا مجال في هذا الكتاب للحديث عن إشكالياتها. جيوش عربية بأعداد خيالية تدفقت في كل الاتجاهات مثل موجة تسونامي, الأمر الذي شكل تحديا للجغرافيا و للتفكير المنطقي. 

لقد حان وقت عزل الشوائب المتراكمة على مر القرون و تسليط الضوء في هذا المسار على الخطوط العريضة للأحداث. آنذاك يصبح ممكنا إدراك الأريج الذي منح تلك الحيوية الفريدة لهذه العصور المظلمة و الخصبة, و حينها سيبوح جامع قرطبة بسره و يصبح بالإمكان التوصل لفهم دقيق لما جرى. نور جديد سيضيء آنذاك سبيل التطور البشري.

صلة الرحم بالأندلس.

هناك 7 تعليقات:

  1. أزال المؤلف هذا التعليق.

    ردحذف
  2. عزيزي هشام،
    المقال/ الكتاب مبني على منطلقات جديرة بالنظر. فلا شك أنه من الصعب (أو قل الخطأ) تفسير انتشار الافكار الاسلامية بالقوة العسكرية والإمكانيات المادية فقط وجل الشواهد التاريخية تدحض هذا التفسير. كنت قد ذكرت سابقاَ انني مقتنع أن الفتوحات الاسلامية ما هي إلا حروب تحرير، لم تكن لتنجح لولا الدعم الكبير والتعاون من سكان المناطق المحررة. هذه الواقع كان في العراق وبلاد الشام وفي مصر قبل أن يكون في الأندلس. فجميع هذه البلدان فتحت بجيوش صغيرة نسبياً بالمقارنة بحجم الامكانيات المحلية. أنا مؤمن أن انتشار الاسلام تطلب ظهوره في لحظة تاريخية مفصلية، حيث كانت الشعوب المختلفة مجهزة لقبول الدعوة. وهذا من تيسير رب العالمين. كذلك استلزم وجود خصائص معينة في حملة لواء الدعوة تمكنهم من أداء الواجب. إلا أن هذا موضوع آخر.
    بالعودة إلى موضوعنا، مع موافقتي لمنطلقات المقال، إلا أنني أنبه على عدد من المغالطات في الطرح والاستنتاجات. أنا في الأصل مهندس معماري وسوف أحاول حصر كلامي في هذا المجال تحديداً.
    لا أعرف كيف استنتج الكاتب أن التجهيز الداخلي لمسجد قرطبة لم يُصمم لتسهيل أداء الشعائر الاسلامية ومخطط المسجد ما هو إلا نسخة مطورة عن المسجد الأموي في دمشق والذي أستند على العناصر الأساسية في المسجد النبوي الأول في المدينة. أنظر صور المساجد المذكورة بالإضافة لمسجد القيروان كمثال أقرب زمنياً وجغرافياً وكذلك شكلياً لمسجد قرطبة.
    لا شك أن الزخارف والطراز المعماري بما يشمل الأقواس أندلسية النسب بإمتياز، إلا أن تقسيم المسجد إلى بيت الصلاة وإلى فناء مفتوح والعناصر الاساسية للمبنى هي هي في الحالات جميعها كالتالي:
    - جدار القبلة (مع إضافة المحراب في المسجد الأموي)
    - المنبر
    - الفناء المفتوح
    - مكان الآذان على سطح المسجد (والذي تطور للمئذنة في المسجد الأموي)
    - قاعة الصلاة المسقوفة، والتي ملئت بصفوف جذوع النخيل في المسجد النبوي والأعمدة الحجرية في المسجد الأموي، هذه الصفوف التي تلعب دوراً مفصلياً في تنظم وقوف المصليين للصلاة وليس إعاقتهم كما لمح الكاتب! (ومن اللطيف في هذا السياق تذكر قصة حنين عبد الرحمن الداخل لبساتين النخيل)
    ربما تكون نسبة مساحة سقف قاعة الصلاة للفناء المفتوح في مسجد قرطبة غير اعتيادية مما يضاعف التأثير البصري للأعمدة، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن بناء مسجد قرطبة في صورته النهائية استغرق فترة زمنية طويلة اشتملت على الكثير من التوسعات والإضافات. فنسبة السقف للفناء في المرحلة الأولى كانت متوافقة بشكل كبير مع الامثلة الاسلامية السابقة. ولا شك أن التوسع كان محكوماَ بمعطيات موقع البناء والامكانيات المتاحة.
    كما هو الفكر الإسلامي، العمارة الإسلامية تتميز بالتسامح والمرونة، وهذا ربما يفسر اختلاف وتنوع الطرز المعمارية في العالم الاسلامي مع تشابه الجوهر.

    ردحذف
  3. في موضوع آخر ذي صلة ولتوضيح بعض اللبس، المسجد الأموي لم يكن تعديلاً لمبنى "بازيليكا"، فموقع المسجد الأموي حوى في الأصل معبدأ آراميا والذي تحول فيما بعد لمعبد روماني قبل أن يحول لكنيسة بيزنطية. كان الهيكل يقع في منتصف فناء واسع محاط بجدار مرتفع تخترقه أربعة أبواب من الجهات الأربعة ولقد استعمل المسيحيون من سكان دمشق هذا الهيكل ككنيسة واستخدم المسلمون فيما بعد جزء من أرض الموقع كمسجد. عندما باشر الوليد بن عبد الملك ببناء المسجد الأموى قام بهدم جميع المنشآت داخل الجدران الخارجية للموقع وابتدأ من صفحة بيضاء (tabula rasa) ليشمل المسجد جميع المساحة بين هذه الجدران. يقول ابن عساكر: "هدم المسلمون جميع ما كان من آثارهم من المذابح والحنايا حتى بقي صرحةً مربعة."
    من جانب آخر، صحيحٌ أن المسيحين اعتمدوا مخطط "البازليكا" عندما سمح لهم بممارسة شعائرهم علانيةً مع تبني الدولة البيزنطية للمسيحية، إلا أن إختيار "البازليكا" كمثال لمبنى الكنيسة الأول كان (بجانب المناسبة الفراغية للمخطط) محاولة لتجنب محاكاة المعابد الرومانية الوثنية. حيث أن مبنى البازليكا في ذلك الزمان كان يستخدم كمبنى مدني عام (secular) يقع بجانب السوق ويتم فيه إقامة المحاكمات العامة وإبرام العقود التجارية. المهم أن مخطط مبنى البازليكا يختلف اختلافاً جذريا عن مخطط المسجد الاسلامي، فناهيك عن التوجيه المختلف للمبنيين (البازليكا للشرق والمسجد للقبلة)، فإن مبنى البازليكا يعتمد على وجود القاعة الوسطية (central nave) والأجنحة (aisles) انظر الصورة. هذا التعارض بين المخططين يمكن بسهولة ملاحظته في مسجد قرطبة بوضعه الحالي، حيث تشكل الكاثدرائية المضافة عنصراً دخيلاً وغير متجانس مع المسجد الأصلى. مما قد لمح إليه الكاتب كذلك فاستغرب كيف وقع في هذا الخطأ!
    يذكر الكاتب أنه سيسلط الضوء على هذه المسألة عند دراسة تاريخ جامع قرطبة في الجزء الثالث من الكتاب. كان بودي الاطلاع على هذا الجزء لتنفيد الاطروحات، إلا أن اللغة وللأسف تشكل عائقاً.

    في هذا السياق، لكم الشكر على توفير ما تيسر إلى الآن، وعلى تمكيننا من متابعة هذا البحث القيم :)

    أخوكم يوسف

    ردحذف
  4. لماذا تحذفون التعاليق كونككم تحذفون التعاليق هذا دليل على فرض أفكار نابعة من عقدة نزعتكم البربرية و ليست نابعة من الواقع

    ردحذف
  5. لماذا تحذفون التعاليق كونككم تحذفون التعاليق هذا دليل على فرض أفكار نابعة من عقدة نزعتكم البربرية و ليست نابعة من الواقع

    ردحذف
  6. خطة واضحة جدا و مكشوفة تفضح محاولة فاشلة لطمس تاريخ الحضارة العربية من حيث الفتوحات الإسلامية لأغلب القارات و محاولة تقليل شان العرب و مهاراتهم العمرانية في البقاع الاندلسية و السبب واضح الحقد العجمي و البربري على العروبة و الإسلام و عرب و كل ما هو عربي

    ردحذف
  7. الحقد الدفين أو الجهل، وجهان لعملة واحدة. الأمويون حكموا، العمالة والهندسة والفكر والجمال بربري، الأمازيغ وراء كل جميل بالأندلس والمغرب

    ردحذف