الأمير البرتغالي "المقدس" فرناندو البرتغالي و وفاته في فاس
بقلم هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس
عندما سقطت سبتة المغربية على حين غرة و في غفلة من التاريخ في يد البرتغاليين في 21 غشت 1415، اعتبر البرتغاليون ذلك الحدث إشارة لبداية عصرهم المجيد لبناء امبراطورية قوية, فشرعوا في الاستعداد لاحتلال طنجة التي كانت تعد من الحصون الساحلية المغربية المنيعة.
هكذا بعد أن وطد البرتغاليون أقدامهم بسبتة، اجتمع كبراؤهم عام 1437م في مجلس “الكورتيس” وعقدوا لابني الملك جواو الأميرين “هنريكي” المعروف بهنري الملاح و شقيقه الأصغر ”فيرناندو” المعروف ب"الأمير القديس" Infante Santo عقدوا لهما لقيادة الجيوش البرتغالية للزحف بها برا من سبتة إلى مدينة طنجة للإطاحة بها.
لكن وجود هذا الاسطول لم يكون له أي فائدة تذكر، إذ حينما علم البرتغاليون باستعداد الجيش المغربي المنطلق من طنجة لمقاتلتهم، ارتكب البرتغاليون خطأ قاتلا : لقد قاموا بإقامة معسكر في منطقة بعيدة عن الشاطئ و بالتالي خارج التغطية الدفاعية للأسطول البحري البرتغالي.
هكذا عندما نشبت المعركة العنيفة بين المغاربة والجيوش البرتغالية لم يكن بإمكان الاسطول البرتغالي تقديم أي مساعدة، فاستغل المغاربة ذلك وحاصروا البرتغاليين حصارا مميتا، ودامت المعركة أياما كبد فيها المغاربة البرتغاليين خسائر كبيرة، وأسروا منهم عدد لا يحصى من الجنود، وكان على رأسهم أميرهم “فيرناندو” الملقب بالأمير القديس الذي نُقل أسيرا إلى أصيلة ثم إلى فاس عاصمة الدولة المغربية تحت حكم بني مرين آنذاك.
كان لهزيمة البرتغاليين الفادحة في هذه المعركة و التي أطلقوا عليها اسم “كارثة طنجة” وقعا صادما في البرتغال، وزاد من مرارة الهزيمة أسر الأمير “فيرناندو” الذي جعل البرتغال تنقسم إلى قسمين بخصوص طلب المغرب بجلائهم عن سبتة المحتلة مقابل الافراج عن أميرهم.
فاجتمع القادة وممثلو البرتغال في مجلس” الكورتيس” وناقشوا طلب المغرب، فانقسموا إلى رأيين، منهم من رأى ضرورة الجلاء عن سبتة من أجل عودة الأمير، في حين دافع فريق آخر على ضرورة البقاء في سبتة لأسباب استراتيجية و في المقابل السعي للإفراج عن الأمير “فيرناندو” من خلال وسائل أخرى، فكان الرأي الثاني جواب البرتغال على المغرب أي رفض الجلاء عن سبتة و التفاوض مع المغرب لإطلاق سراح الأمير.
هكذا حاول البرتغاليون بشتى الوسائل استرداد الأمير، منها تقديم فدية مالية كبيرة و حتى القيام بمحاولة لتحريره من أسره في أصيلة، إلا أن جميع مساعيهم فشلت، إذ ظل المغرب متيقظا للمناورات و متشبثا بمطلب الجلاء عن سبتة المحتلة مقابل الافراج عن الأمير البرتغالي. طال تماطل البرتغاليين و إصرار المغاربة على موقفهم حتى مات “فيرناندو” بعد ذلك بستة سنوات في سجنه في فاس و تحديدا يوم 5 يونيو من عام 1443م.
وعندما تولى “ألفونسو الخامس” عرش مملكة البرتغال سنة 1458م، تمكن بعد سنوات من إعادة جثمان “فيرناندو” من فاس مقابل الافراج عن بعض الأسرى المغاربة، فتم دفنه في مدينة “باطايا” Batalha البرتغالية إلى جانب والديه في يوم تاريخي مشهود بكى فيه البرتغالييون أميرهم “المقدس” Infante Santo الذي فقدته بلاده في اليوم الذي سعى فيه للاطاحة بطنجة.
للإشارة فالأمير فرناندو هو غير مُطوب من قبل الكنيسة الرومانية الكاثوليكية و بالتالي لم تعتبره قديسا، لهذا يبقى إطلاق لقب "القديس" على الأمير فرناندو ضمن التقاليد البرتغالية فقط و في الإطار المحلي البرتغالي باعتباره ضحى بنفسه من أجل الوطن. بينما الكنيسة الرومانية الكاثوليكية تفرض شروطا صارمة على المرشحين للتطويب و القداسة تتعدى ما ينسبه البرتغاليون للأمير فرناندو.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق