هذا المقال هو ترجمة لمقال في صحيفة الباييس (البلاد) El Pais الإسبانية.
مغيل فرقاط لوكي Miguel Forcat Luque |
عنوان المقال : Negamos los españoles nuestros vínculos con árabes y musulmanes
(هل ننكر نحن الإسبان روابطنا مع العرب و المسلمين؟).
كاتب المقال: مغيل فرقاط لوكي Miguel Forcat Luque.
تاريخ المقال في صحيفة الباييس: 18 يناير 2021.
ترجمه للعربية: هشام زليم. صلة الرحم بالأندلس
هل ننكر نحن الإسبان روابطنا مع العرب و المسلمين؟
هناك في الحقيقة الكثير من أوجه التشابه بين إسبانيا و المغرب...غير أني لم أكن أعرفها. و سبب هذا الجهل, تحديدا, هو الذي أرغب في الكتابة عنه اليوم. لماذا لم أكن أعرف أن التأثير العربي و المسلم في إسبانيا بهذا القدر الوفير؟
أتذكر الأيام الأولى لوصولي إلى المغرب, كنت أتجول في مدينة الرباط عندما رأيت بائعا متجولا يعرض الزيتون. من أجل الترويج لسلعته, كان البائع يصيح: "الزيتون" (Aceituna بالإسبانية), فخمنتُ (ثم تأكدت بعد ذلك) أن كلمة الزيتونة Aceituna القشتالية مستمَدَة من كلمة "زيتون" العربية.
لقد أذهلني هذا الاكتشاف كثيرا: فالطهي حسب اعتقادي هو واحد من العناصر الثقافية التي تُعَرِّف بشكل كبير إسبانيا. و أرى أن مفتاح الطهي الإسباني هو الزيت, المشتق أيضا من الزيتون. كان اكتشافا هائلا بالنسبة لي أن أعرف أن قلب فن الطهي, و هو العنصر الثقافي المهم للغاية في بلدي, يحمل إسما عربيا. و هذا يوضح, بشكل أو بآخر, إلى أي حد كانت تشغل الثقافة العربية حيزا مميزا في الثقافة الإسبانية.
كنتُ خلال سنوات مقامي في المغرب أكتشف باستمرار تشابهات جديدة بين هذا البلد و بلدي. بعض الأمثلة نجدها في القاموس مثل (pantalones البنطال, azúcar السكر, guitarra قيتارة, blusa بلوزة, camisa قميص, música موسيقى...), في الطهي (النوغة التي تُباع في مدينة فاس هي شبيهة فعليا بتلك التي نتناولها في عيد الميلاد في إسبانيا) و في المعمار (الطراز المعماري لمدارس مراكش هو شبيه جدا بالموجود في قصر الحمراء بغرناطة).
هناك في الحقيقة الكثير من أوجه التشابه بين إسبانيا و المغرب...غير أني لم أكن أعرفها. و سبب هذا الجهل, تحديدا, هو الذي أرغب في الكتابة عنه اليوم. لماذا لم أكن أعرف أن التأثير العربي و المسلم في إسبانيا بهذا القدر الوفير؟
يوم 1 يناير 1986 انضمت إسبانيا أخيرا إلى المجموعة الاقتصادية الأوربية, الاتحاد الأوربي حاليا. كان هوى إسبانيا طيلة ال25 سنة الماضية أوربياً بامتياز. و هذا يمكن أن يُفسرَ لماذا, خلال تاريخنا الحديث, أعطينا أولوية لجيراننا الأوربيين متناسين, ربما, ما يربطنا بدول أخرى و ثقافات قريبة منا.
لكن, على هامش هذه السنوات الأخيرة, هل من الصحيح القول أننا نحن الإسبان لسنا على وعي تام بالتأثير العربي و المسلم على بلدنا؟ و إذا كانت هذه الفرضية صحيحة, كيف يمكن تفسير ذلك؟
دانييل خيل بن أمية Daniel Gil-Benumeya هو أستاذ في قسم الدراسات العربية و الإسلامية في جامعة كومبلوتنسي في مدريد. كما يعمل في مؤسسة الثقافة الإسلامية FUNCI (1)و هي مؤسسة تعمل على تعزيز الروابط بين إسبانيا و الثقافات الإسلامية.
لما سُئل خيل بن أمية عن هذا الموضوع أجاب: " جرت في إسبانيا عملية إخفاء. لقد انتهج الملكان الكاثوليكيان و من تبعهم من آل أشتورياس سياسة وحدة دينية أدت لطرد مسلمين و يهود أو تحويلهم قسريا, لكن أيضا تم قمعُ الكثير من العادات التي كانت تُربَط (أحيانا بالخطأ) بالديانة الإسلامية أو اليهودية...و بالطبع المنع الكلي للغة العربية التي كانت ماتزال في القرن السادس عشر واحدة من اللغات الأكثر تحدثا في إسبانيا. أما الباحث الفرنسي في الشؤون الإسبانية ألان ميلو Alain Milhou فقد أطلق مصطلح "استئصال السامية" Desemitización على كامل مسلسل تصفية الإسلام و اليهودية في القرنين 16 و 17".
يكمنُ سببٌ آخر في كون كتبنا المدرسية عندما تشرح تاريخ العصر الوسيط, تسلط الأضواء على الممالك المسيحية, بينما تتفادى الحديث عن الأندلس إلا على استحياء و كأن الأمر يتعلق بوجود أجنبي, كأنه "غزو دام 800 عام تم طرده في النهاية. هذا التعريف للأمة الإسبانية المرتبط بالكاثوليكية هو ما يُطلق عليه القومية الكاثوليكية Nacionalcatolicismo. إنه مصطلح يغطي كل الطيف السياسي الذي يسيطر اليوم, لأن هناك إجماعا عاما حول فكرة أن الشخصية الإسبانية لا تشمل الإسلام." يضيف الأستاذ.
كما يورد بن أمية أن الشخصية الإسلامية إما يتم تجاهلها أو يتم تصويرها في ملامح غريبة و نمطية للغاية, كما لو كانت ثقافة غريبة عنَّا كُليا. لقد شُرعَ, لحسن الحظ, في إعادة الاعتبار لليهودية من خلال خطوات مثل منح الجنسية الإسبانية لأحفاد اليهود المطرودين عام 1492, و هو أمر لم يطبق مع المورسكيين (رغم التقدم بالعديد من الملتمسات في هذا الصدد) أو تصنيف معاداة السامية كجريمة (و هو ما لا يجري مع الإسلاموفوبيا).
و يختم الخبير بالقول: "بالطبع, لم تكن الأمور دوما على هذا النسق. فقد كانت هناك أوقات قام فيها أشخاص بما في وسعهم للإقرار بهذه الصلة بين إسبانيا و الإسلام. كما كان هناك مفكرون مثل أمريكو كاسترو Américo Castro و بعده خوان غويتيسولو Juan Goytisolo قاموا بالكثير لإعادة الاعتبار لهذه الصلة. و اليوم تم الزج بنا في خطاب "صِدام الحضارات" و "التهديد الإسلامي" الذي ظهر بعد انهيار الاتحاد السوفياتي و مع أحداث 11 شتنبر, فصار من الصعب جدا و أكثر من أي وقت مضى الإعتراف بالتأثير الإسلامي".
الحقيقة ستجعلكم أحرارا
بما أن صلتنا بالعرب و المسلمين قد تم البرهنة عليها, فإني أرى من الأفضل تقبلها و اعتناقها. ليس من الصعب الإحساس بالفخر لاقتسام روابط مع شعب قدم الكثير للبشرية في مجالات مختلفة كالطب (العرب وضعوا علم تشريح العين), الرياضيات (نظام الترقيم المستعمل حاليا في جميع أنحاء العالم تقريبا هو الترقيم العربي. العرب اخترعوا المعادلات من الدرجة الأولى و الثانية...), الفلاحة, الصيد أو المعمار.
شخصيا, أرى أن معرفتي و قبولي بصلتي بالعرب و المسلمين بعد هذه السنوات السبع التي عشتها في المغرب كانت جد مفيدة بالنسبة لي. أولا, لأنه أصبح لي شعور بأني صرتُ الآن أعرف ذاتي بشكل أحسن بفضل اتصالي مع جزء من ماضيَّ و بجذوري التي كنتُ أجهلها. و خصوصا لأني أشعر الآن بأني تواصلتُ مع جزء من عائلتي التي كنت أجهلها و التي أفتخرُ أن أكون جزءا منها.
(1) مؤسسة الثقافة الإسلامية La Fundacion de Cultura Islamica مقرها في مدريد و الرباط. تضم هذه المؤسسة مركزا للدراسات حول مدريد المسلمة CEMI يُعنى باستعادة الإرث الإسلامي التاريخي في مدريد و التفكير و التحفيز للتفكير فيه. الكتاب الصادر حديثا: Madrid islámico: la historia recuperada (مدريد الإسلامية: التاريخ المسترجَع) يسلط الضوء على موضوع مدريد.
التعريف بصاحب المقال:
مغيل فرقاط لوكي Miguel Forcat Luque: هو اقتصادي في جامعة كومبلوتنسي في مدريد و يعمل في مفوضية الاتحاد الأوربي.
ترجمة هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.
الوعي بالهوية يحيي الحنين إلى الاصل
ردحذفla conciencia de la entidad despierta la nostalgia a los raíces