الجمعة، 14 نوفمبر 2014

"الشلوح" الأمازيغ و الصراع التاريخي بين فرنسا و ألمانيا

 "الشلوح" الأمازيغ و الصراع التاريخي بين فرنسا و ألمانيا
*
هشام زليم


النسر الألماني و الديك الفرنسي
يُقال بأن فرنسيا واحدا يُنتج فكرا, فرنسيان اثنان ينسجان قصة حب, و ثلاثة فرنسيين يشعلون ثورة. و يُقال أيضا أن ألمانياً واحدا ينتج شعرا, ألمانيان اثنان يشكلان تنظيما و ثلاثة ألمانيين يشعلون حربا. روح فرنسا الثورية كانت تصطدم بروح ألمانيا الحربية ما أدى لاندلاع ثلاث حروب, إثنان منها عالميتان, قبل أن يشكل تفاهمهما الاضطراري نواة اتحاد جنب العالم لحد الآن ويلات تنافرهما الأزلي.

خلال عقود الصراع العسكري و السياسي, تفنن الشعبان في السخرية من بعضهما و أبدعا في نحث الصور النمطية السلبية -و أيضا الإيجابية!- لبعضهما حتى بعد معاهدة الصداقة لعام 1963م!...إنه إرث أجيال و أجيال. فالألماني يعتبر الفرنسي متعجرفا, فاقدا لحس النظام, قليل الفاعلية, لكنه مثقف و يتقن فن العيش. بينما يرى الفرنسيُ الألمانيَ مفرطا في الجدية, عنيدا, فاقدا لحس المرح, عدوانيا, لكنه مُتقن لعمله و ميّال للفنون و الآداب. قصة الفيلسوف الفرنسي "فولتير" مع ملك بروسيا Prussiaفردريك الثاني تبين صعوبة العلاقة بين الشعبين حتى في فترات الود و الصفاء. لقد استضاف الملك فردريك صديقه الفرنسي فولتير الذي لجأ إلى بروسيا هربا من استبداد الملك الفرنسي, فاستقبله و أكرمه و أعطاه راتبا سنويا, و مكث في ضيافته أشهرا طويلة معززا مكرما.  لما توترت العلاقة بينهما و عاد فولتير إلى باريس أطلق عبارته الشهيرة المليئة بالجحود و الكفر بالنعمة و التي أصبحت مرادفا للعمل بلا أجر و طلب الربح مما لا طائل وراءه: "العمل لصالح ملك بروسيا"Travailler pour le roi de Prusse.  

الصورة النمطية للمرأة الفرنسية البهية و الثائرة, و المرأة الألمانية الجدية  والمحاربة.
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر و النصف الأول من القرن العشرين, انتشرت في فرنسا العديد من النعوت القدحية التي استهدفت الألمان, تبقى أشهرها عبارات: "لُو بوش" "Le Boche" (المُتحجِّر, العنيد), "فريتز" Fritz (تصغير فردرتش Friedrich أكثر الأسماء انتشارا في ألمانيا), و أيضا "الشلوح" "Schleuh". و "الشلوح" هم الأمازيغ القاطنون بين مراكش و الصحراء المغربية في المغرب الأقصى. و قد انتشر هذا النعث في فرنسا قُبيل اندلاع الحرب العالمية الثانية. 

يُجمع الفرنسيون على أن عبارة "شلوح" التي كانوا ينعثون به الألمان مقتبسة من اسم الأمازيغ المغاربة, لكنهم يجهلون سبب تسميتهم بها. لقد حاولوا إيجاد تفسير لهذا الأمر,  فقالوا أن الألمان همج و بربر يتحدثون لغة مبهمة و غير مفهومة مثل "الشلوح" الأمازيغ. الباحث الفرنسي روني راتويس René Ratouis خصص في كتابه "مذكرات حرب رجل غير محارب" Memoires de Guerre d'un non-combattant فصلا عن نعث الألمان بالشلوح, و ذكر ما يلي: " غيرتِ الحربُ الألمانَ بشكل مثير:  من "بوش" تحولوا إلى "شلوح". كان عدد مهم من الألمان على علم بأننا نقصدهم بالنعث القدحي "بوش" Boches لكنهم كانوا يجهلون وصفهم ب"الشلوح", بل إنهم لم يعلموا به إلا بعد نهاية الصراع. الفرنسيون لم يترددوا في استعمال التسمية الجديدة و استحسنوها. علمتُ فيما بعد أننا ندين بهذا الكشف للممثل الهزلي الودود بيير داك Pierre Dac الذي يستحق كل التقدير."

بيير داك
كان الممثل الهزلي الفرنسي بيير داك, اليهودي المعروف بعداوته للنازية و المنحدر من منطقة الألزاس الملاصقة لألمانيا, في جولة عام 1939 إلى خط الدفاع الفرنسي "ماجينو" على الحدود الألمانية, و من وحي هذه الزيارة أطلق أغنيته الساخرة من الألمان"سأُصبح من الشلوح" "Je vais me faire Chleuh". كانت هذه أول مرة ظهرت فيها هذه التسمية.

الأكيد أن بيير داك لم يخترع هذا الإسم و ربما التقى جنودا فرنسيين حاربوا "الشلوح" في المغرب الأقصى خلال فترة "الحماية" الفرنسية للبلاد و وقفوا على أوجه شبه مع الألمان: رطانة الأعاجم؟ ربما. شراسة القتال؟ ربما. محاولة لاستصغار الألمان؟ ممكن. المهم أن استعمال كلمة "شلوح" لنعث الألمان انتشرت انتشار النار في الهشيم بعد استعمال بيير داك لها و استعملها الفرنسيون كثيرا خلال الاحتلال الألماني لبلدهم ما بين 1940 و 1944.

صلة الرحم بالأندلس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق