الجمعة، 22 يوليو 2016

العلوج الأندلسيون في المغرب: ديل بوثو و جودر مثلا.

العلوج الأندلسيون في المغرب: ديل بوثو و جودر مثلا.


ترجمة هشام زليم.
صلة الرحم بالأندلس.

كاتب المقال إميليو تشيبريث

المرجع: مقال Los renegados andaluces للكاتب إميليو تشيبريث Emilio Ciprés. الصحيفة الإسبانية الالكترونية La voz del sur (صوت الجنوب). 12 يونيو 2016.

في القرنين الخامس عشر و السادس عشر, غادر مجموعة مهمة من المسيحيين الأراضي الإسبانية من أجل اعتناق الإسلام.  


عموما, حينما نتحدث عن طرد المورسكيين عادةً ما نُغفل جمعا غفيرا من الأشخاص غادروا طواعية إسبانيا طيلة القرنين الخامس عشر و السادس عشر. كان يُطلق عليهم "العلوج" (المرتدون), أي الذين وُلدوا مسيحيين و قرروا اعتناق الإسلام. حتى هذا الحد, يُمكن أن نتحدث على أنهم مُجرد متحولين, لكن أكثر ما كان يُميزهم هو مشاركتهم البارزة في النشاطات العسكرية و الإدارية في مختلف الممالك المسلمة في شمال إفريقيا. كانوا, بالتالي, إلى جانب المورسكيين , أكثر الإسبان تعاونا ضمن مشاريع هذه الممالك.


شهد القرن السادس عشر أمجد فترات الإمبراطورية العثمانية, و هي نفس فترة صعود نجم البرتغال و إسبانيا, ما أدى لاندلاع نزاعات مستمرة بين العثمانيين الباحثين عن توسيع إمبراطوريتهم في أوربا, و الإيبيريين التواقين لتوسيع نفوذ مملكتيهما ضمن الحدود البحرية الجديدة. لقد كان دمج هؤلاء العلوج الأوربيين في الجيوش العثمانية و زرعهم في هياكل مؤسسات الدولة, من الثوابت التي سرعان ما نقلها المغاربيون في إفريقيا, محاولين بذلك السير على منوال القوة الرئيسية التي تدين بنفس دينهم.
صورة صلاة المغرب في طنجة للرسام الفرنسي 
Jean-Jules-Antoine Lecomte du Nouy
(1923-1842)

من البديهي وجود حالات كان يُجبَرُ فيها هؤلاء الأفراد على الدخول في الجيوش الإسلامية أو العمل لصالح الفاتحين, لكن المُفاجئة تكمن في كون العديد منهم اختاروا الارتداد عن عقيدتهم و اعتناق الإسلام طواعية من أجل العمل في صفوفهم. و هذا الأمر هو ما لم تتقبله السلطات المسيحية, و خاصة عائلة هابسبورغ الحاكمة في إسبانيا و النمسا و التي كانت تعتبر نفسها الحامية العظمى للمسيحية في أوربا.  من هنا يأتي السؤال التالي: ما الذي كان يدفع الفرد إلى القيام بهذا التغيير؟

أهم دافع كان يُحرك العِلج هو توفر فرص للترقي الاجتماعي داخل المجتمعات المسلمة آنذاك أكثر من تلك المُتاحة في المجتمع المسيحي.هذا الترقي كان مرهونا بالاستحقاقات الفردية لكل شخص, فكان أمرا مغريا ليس فقط في إسبانيا و إنما في غيرها من البلدان المسيحية.

من جهة أخرى ينبغي التأكيد على أن الوظائف التي تولاها هؤلاء العلوج لم تقتصر على الميدان العسكري, و إن كان المجتمع المسيحي آنذاك يرتعب لرؤية هؤلاء الأشخاص يقاتلون, بل و يقودون الجيوش المسلمة في مواجهة المسيحيين ذاتهم. كان سليمان ديل بوثو Sulayman del Pozo أحد أبرز و أشهر الشخصيات العلوج, و قد ترعرع في كنف عائلة مسيحية متدينة في قرطبة. أُسرَ في وهران عام 1558, و عندما عُرضت عليه فرصة العودة إلى إسبانيا قرر البقاء في الأراضي الإسلامية. هكذا ارتد عن عقيدته المسيحية و شارك في مختلف المعارك التي حدثت في شمال إفريقيا, و كانت مشاركته أساسية في معركة القصر الكبير (معركة وادي المخازن في المغرب) عام 1578 و التي تُعرفُ أيضا بمعركة الملوك الثلاثة. 

كانت المنطقة المغاربية, و المغرب الأقصى تحديدا, مقسمة إلى ممالك و قبائل عديد, و لم تتوحد البلاد إلا بعد وصول السعديين إلى السلطة. دارت معركة القصر الكبير بين مُتطلعين اثنين إلى العرش ينتميان للأسرة السعدية: محمد المتوكل و عمه عبد الملك. شارك ملك البرتغال سيبستيان في هذه المعركة في صف محمد المتوكل, لكن المعركة حُسمت لصالح عبد الملك, و قُتل خلالها الملوك الثلاثة, فسميت بهذا الاسم. شكل هذا الحسم العسكري نهاية للأطماع البرتغالية و الإسبانية في السيطرة على المنطقة و وضع المغرب الأقصى كقوة صاعدة في المنطقة. من جهة أخرى, بوفاة الملك سيبستيان, توحد العرشان الإيبيريان تحت سلطة الامبراطور فليبي الثاني. 



اتهم الإسبان سليمان ديل بوثو بالتسبب في هزيمة الطرف المدعوم من طرف المسيحيين, حيث كانت مشاركته كضابط في جيش عبد الملك السعدي حاسمة. هذا المثال الحي يبين مدى حضور العلوج في مختلف المعارك التي شهدتها أفريقيا و البحر المتوسط, لكن هذا الموضوع لم يسترعي كثير انتباه من طرف المؤرخين الإسبان.

إن التعرف على حياة هؤلاء العلوج أمر في غاية الصعوبة, فالمصادر الإسلامية لا تُقدمُ الكثير من المعلومات حول حياتهم قبل التحول للإسلام. من جهة أخرى لا نجد الكثير من الشهادات في المصادر المسيحية. الإخباريون المسلمون اكتفوا بنقل أخبار عن حياتهم بعد اعتناق الإسلام, كما هو الحال بالنسبة للألميري جودر باشا Yawdar, الذي فتح (لصالح المغرب) في نهاية القرن 16 إمبراطورية سونغاي, إحدى أعظم الممالك الإفريقية على مر العصور, و التي كانت تقع في المنطقة الواقعة اليوم بين النيجر و بوركينا فاصو.

كان هؤلاء العلوج و المنفيون يحضون بتقدير بالغ في شمال إفريقيا و كانت الغالبية العظمى منهم تنحدر من شبه الجزيرة الإيبرية. لم يقبلوا جميعا هذا التحول طواعية و الكثير منهم كانوا مورسكيين طردوا عنوة من وطنهم. بينما كان بعضم مجرد مرتزقة. كان المورسكيون يشكلون أكبر جماعة من المنفيين و كان أغلبهم ينحدر من مملكة غرناطة القديمة و مناطق الوادي الكبير.

 شكل كل هؤلاء أحياءا خاصة بهم في مدنٍ كفاس و مراكش, و في حالات كثيرة ارتقوا و كونوا النخبة الاجتماعية و الثقافية لمدنهم و ذلك بفضل تكوينهم, حيث جلبوا معهم إلى شمال إفريقيا تقنيات و طرق العمل الأوربية. كان هؤلاء على معرفة مثلا بطرق صنع البارود, لهذا شكل منهم السلاطين السعديون مليشيات خاصة كانت تُضاهي الفرق الانكشارية العثمانية. و لمعرفتهم الدقيقة بالسواحل الجنوبية و الشرقية للأندلس, كانت نسبتهم كبيرة بين قراصنة البحر الذين كانوا يغيرون على السواحل الإسبانية.

كل هذه الأنشطة, سواء كانت عسكرية, إدارية, حرفية تقليدية...إلى غير ذلك, جعلت العلوج و المورسكيين يساهمون في بناء الدولة المغربية و يحضون بهيبة كبيرة في المجتمع المغربي لتلك الفترة.


صلة الرحم بالأندلس.  

هناك تعليق واحد:

  1. ولكن هل كل من انتقل من شبه الجزيرة الأيبيرية إلى بلاد المغرب كان ينوي خدمة الإسلام والمسلمين حقيقة ام انهم كانوا جواسيس على بلاد المسلمين.

    ردحذف