الأربعاء، 5 يوليو 2017

لقاء صحفي إسباني في مراكش مع أحفاد المعتمد بن عباد آخر ملوك إشبيلية و في تطوان مع أحفاد أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة



لقاء صحفي إسباني في مراكش مع أحفاد المعتمد بن عباد آخر ملوك إشبيلية و في تطوان مع أحفاد أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة
قبر المعتمد بن عباد و زوجته اعتماد الرميكية و ابنهما في أغمات قرب مراكش
هشام زليم.
مدونة صلة الرحم بالأندلس.

في عام 2010, قام الصحفي الإسباني إنمانويل كاماتشو Enmanuel Camacho بزيارة إلى مراكش و تطوان في المغرب للقاء أحفاد المعتمد بن عباد و أبي عبد الله الصغير. و قد دوََن تفاصيل هذه الزيارة في مقالة له بعنوان "بحثا عن الملوك المنسيين" En busca de los reyes olvidados. و نشره يوم الأربعاء 22 دجنبر 2010 بموقع "360 grados Press" الإسباني, مرفوقا بصور التقطها خلال هذه الرحلة الفريدة. و هذه ترجمة لما جاء في هذا المقال:

الصحفي الإسباني إنمانويل كاماتش.

سنذهب إلى المغرب للقاء أحفاد ملك إشبيلية الشاعر و أحفاد آخر ملك مسلم لغرناطة.


لما أَوكلوا إلي مهمة لقاء أحفاد المعتمد – ملك إشبيلية الشاعر – و أبي عبد الله – آخر ملك مسلم لغرناطة- لم أستطع إخفاء تكشيرة ساخرة مُحتشمة كانت أشبه بالابتسامة. وضعتُ في حقيبة الظهر بعض الملابس, دفترا و حاسوبا محمولا, و في غضون ساعات وصلتُ  إلى مراكش قادما من إشبيلية في صبيحة يوم ساخن. كانت مغادرة المكتب بالنسبة لي بمثابة مَكرُمَة.   



لستُ أول من يقوم بهذه المهمة. فقد سبقني إلى ذلك قبل 30 عاما أحد أساتذتي, الصحفي راموس إسبيخو, و قبل تسعين عاما, و في أوج حرب الريف, حَجَ إلى هناك بلاس إنفانتي أب الوطن الأندلسي. و كذلك فعل ابن الخطيب شاعر الأندلس العظيم و وزير سلطان غرناطة في القرن الرابع عشر ميلادي. أمام جلال قدر هؤلاء الرحالة, استشعرتُ نوعا من المسؤولية. 


أغمات
كان المعتمد أرقى ملوك الطوائف. كانت فترة حكمه صفحةً من العظمة. فبينما كانت أوربا تستعد للاحتراق في لهيب التعصب الديني و محاكم التفتيش, كان مهرطقو الجنوب ينيرون الدنيا من منارة أناقته و ثقافته. مات المعتمد سجينا و مطرودا من معشوقته إشبيلية من طرف متعصبين آخرين, هم إخوانه أمازيغ الصحراء. لقد قضى في أغمات, البلدة الواقعة في وادي أوريكا على سفح الأطلس الكبير. لقد انبجس شِعرُهُ من رحم الألم و دماء أبنائه و من نير الحسناء اعتماد, تلك الأمَة التي أصبحت أميرة ثم عادت مرة أخرى أمةً.    
حسين هزميري دكالي
خلف الشارع الرئيسي لبلدة أغمات, يوجد "قبر الغريب". بعد تكريم رُفاته, سرتُ بين الدُور الطوبية القديمة حتى وصلتُ لدار عائلة الدكالي. كنت أحملُ معي صورا فوتوغرافية قديمة, تعرَّفَ فيها حسين الهزميري دكالي على أقاربه و على نفسه أيضا. يعمل حسين موظفا في المقاطعة (الدائرة الحكومية). و هو ينتمي لسلالة تُعتبرُ حارسة بقايا المعتمد. و رغم عدم تفاخره بأصوله النبيلة, يختزن حسين في قرارة نفسه كبرياء الانحدار من نسل آخر ملك لإشبيلية.

منزل دكالي


مسكنُ آل الدكالي عبارة عن منزل متواضع لفقراء قرويين. كانت ربة البيت, هنية, تبدو أكثر اعتيادا على الأجانب من باقي نساء العائلة اللواتي بقينَ في الظل. أعدتُ معهم نفس الأمر. لقد أيقظت صور الماضي ذكريات من لم يعُد لهم وجود. قدمت لنا هنية ما تملكه. كانت يداها الخبيرتان و الصلبتان  تُحضران الشاي و مشروبا مريرا بعض الشيء مُعد من الجبن و الماء. إنها ضيافة الفقراء. أو هي ربما, عظمة بيت الملوك.
هنية هزميري دكالي سليلة المعتمد بن عباد

تركتُ خلفي بلدة أغمات و معها الاطلس الكبير, معقل المعتمد. على بُعد بضع عشرات من الكليومترات كانت ساحة جامع الفنا بمراكش تتزين لاستقبال المساء. أكشاك النهار تترك مكانها لعربات الأطعمة العربية, للمجاذيب, للمُداوين, للوشامين, للبهلوانيين, للحكواتيين و لمروضي الثعابين. إنه مكان مفعم بالأحاسيس. 
ضريح المعتمد بن عباد بأغمات قرب مراكش.

أما الكتبية, معلمة المدينة و شقيقة الخيرالدة, فتقف صامدةً في وجه الزمن. للحظات, يتوقف القرع المتواصل للطبول فاسحا المجال لساعة الصلاة. لقد حان وقت التوجه نحو الشمال.

ما تزال تطوان تفتخر بأصولها. الفخامة الكولونيالية لشوارعها ذات الطراز الإسباني تتعارض مع المدينة القديمة, الأقل انفتاحا على السياحة, بحيها اليهودي القديم و الشبه منسي. أبو عبد الله, آخر ملك للأندلس, مات يحمل تعاسة تسليم غرناطة للملكين الكاثوليكيين. لكن منفاه كان طيبا, كما أنه حضي بتشريف الملوك عند وصوله إلى هذه الأراضي.

هذه المدينة متاهةٌ من المنازل العنقودية و الازقة المتشابكة. مشيتُ في زقاق النجارين المكتظ؛ فللضوضاء في مدينة تطوان كامل السيادة. كما أنه ليس من السهل السير وسط عربات الأطعمة و محلات بيع الجلود و الملابس و الصناعة التقليدية.

مرت الآن حوالي 90 عاما على تعرف بلاس انفانتي هنا على أحمد الأحمر, سليل أبي عبد الله, كما مرت سنوات قليلة فقط على وفاة ابنه محمد. كما رحلت معهم ربة البيت عائشة . مع ذلك, و رغم الفواجع, لازال محل النجارة العائلي في مكانه.

لقد خلد عبد القادر الأحمر التراثَ. بيديه الصلبتين ينحت الخشب في محل بسيط. هو أعزب و لا عقب له. هذه الزيارة حركت عواطفه. أما شقيقه محمد, فقد قارب الثمانين عاما, رأى خلالها الكثير. هاجر إلى بلجيكا لأنه, حسب قوله, لم يكن يجد ما يأكله. و هناك ربى أبناءه الأربعة, بنتان و ولدان. لقد شتتت الحَاجَة عائلة الأحمر. إلى درجة أن البعض منهم ركب زوارق الهجرة.
محمد الاحمر سليل أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة المسلمين

بوفاة الوالد محمد, توقفت عائلة الأحمر عن المطالبة بماضيها. فأبناؤه رجال بسطاء لا يعرفون سوى ما ذُكرَ (عن والدهم)  قبل أعوام في قصاصة جريدة: "محمد الأحمر, ملك غرناطة". أما المؤرخون فلا يجرؤون على التأكيد بأن النجار و أخاه هما من سلالة أبي عبد الله. و رغم استمرار الشكوك, إلا أنه من الصعب تفادي قشعريرة عند التفكير في أنه ربما في دم هذين الرجلين تجري دماء سلالة أكثر من 20 ملكا لغرناطة. غادرتُ  تطوان و عيونها الأندلسية في المساء.



الآن, أتساءلُ في المكتب –أمام هذه الشاشة القاسية- عما هو صحيح و ما هو غير ذلك في هذه القصة. لقد عبث الزمن بالأثر, فلم يترك شهودا و لم يحفظ أدلة. لا وجود لوثائق و لا أثر لسِجلات, فلا أحد اعترف بهم, و لا أحد أفتداهم. و كأن دموعَ الملكَينِ المطرودََينِ من الأندلس ما تزالُ تنهمرُ على حاضر هؤلاء الرجال و النساء الذين يحملون دماءهم. إنهم بحقٍ الملوك المنسيون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق