الخميس، 14 فبراير 2019

آخر ملوك غرناطة لا بكى و لا وبخته أمه. و احذروا التاريخ فهو ك"طبيخ الشحاذين"



هذا الفيديو بعنوان: آخر ملوك غرناطة لم يبك و لم توبخه أمه. و احذروا التاريخ فهو ك"طبيخ الشحاذين" 

هشام زليم
صلة الرحم بالأندلس.
في هذا الفيديو سنروي و نَصِف قصة و حيثيات كذبة كبرى وضعها مؤرخ و راهب إسباني و صدقها الجميع دون تثبت فقط للنكاية في آخر ملوك غرناطة المسلمين. فالمرجو متابعة حتى النهاية للوقوف على أصل الكذبة. 


يُحبُ التاريخُ تصويرَ أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة باكياً.


و المؤرخون لا يمكنهم تصور سقوط غرناطة دون دموع أبي عبد الله.

و القراء و المهتمون بالشأن الأندلسي يحبون أن يختموا تاريخ الأندلس بالبكاء مع بكاء أبي عبد الله.


فنهاية الأندلس حدث محزن و أفضل سيناريو لهذه النهاية هو تصوير خروج أبي عبد الله "الزغبي" من غرناطة و دموعه تنهمر على خديه.

و يُحب التاريخ كذلك رؤية أبي عبد الله صاغرا ذليلا يتلقى الإهانة تلو الأخرى دون أن يبدي أدنى ردة فعل,

حتى والدته نالته سهامها المهينة و وبخته على تفريطه في غرناطة لما رأته يبكي ضياع ملكه و عاتبته عتابها الشهير "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".

و المؤرخون أعجبتهم هذه الجملة المنسوبة لعائشة الحرة, فتلقفوها و هللوا لها و نشروها في الآفاق. كيف لا و هذه الجملة أراحتهم و تريحهم من عناء البحث عن الأسباب الحقيقية و المنطقية لسقوط حضارة أندلسية عريقة, فنسبوا و ينسبون سبب ضياع حضارة ثمانية قرون إلى رجل واحد اسمه أبو عبد الله. و حجتهم: أليست والدته من قالت ذلك؟ 

و القراء و المهتمون بتاريخ الأندلس أيضا يحبون عتاب عائشة لابنها, و يرددون جملتها دون وعي و كنوع من الانتقام و التشفي و النكاية في أبي عبد الله كلما ورد اسمه أو سيرته. و لسان حالهم يقول: أليس هو من أخرجنا من الفردوس المفقود؟ فليتحمل تبعات تصرفه! 


من ناحية أخرى لنضع أنفسنا مكان الرواة الذين نقلوا إلينا هذا التاريخ و الذين كانوا مهووسين بأسطرة التاريخ و حشوه بالمغامرات و الأشعار و القصص الأسطورية, لقد كانوا في حاجة لخلق قصة أسطورية و لو خرافية لسقوط غرناطة, و لكم أن تتصوروا رتابة تاريخ نهاية الأندلس لو سُلمت غرناطة للملكين الكاثوليكيين عام 1492 دون أن يبكي أبو عبد الله و دون أن توبخه والدته. 

لقد كان من الضروري وضع حبكة درامية تراجيدية تليق بحدث هائل في حجم سقوط غرناطة.

و قد انبرى لهذه المهمة التاريخية المؤرخ و رجل الدين الإسباني أنطونيو دي غيفارا ( المزداد عام 1480- و المتوفى عام 1545م) و الذي اخترع قصة بكاء أبي عبد الله و توبيخ أمه له على ضياع ملكه قائلة "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال" و هي جملة قاسية مهينة و ظالمة في حق آخر ملوك غرناطة. 

و قد ألف دي غيفارا هذه القصة عام 1526م للتقرب و للترفيه عن الإمبراطور الإسباني شارل الخامس بمناسبة زيارته لغرناطة لقضاء شهر العسل فيها بعد زواجه من إيزابيلا البرتغالية,

و ادعى الراهب المؤرخ أنه سمع القصة من أحد مورسكيي حاشيته, و ذكرها في الرسالة رقم 19 في كتابه "رسائل مألوفة" Epistolas familiares الذي نشره عام 1539م في بلد الوليد. و هذا غلاف لطبعة من هذا الكتاب طبعت عام 1618.
كتاب رسائل مألوفة حيث وردت لأول مرة قصة توبيخ عائشة لابنها و بكائه,


فتلقفها المؤرخون و جعلوا الأسطورة حقيقةً, فصارت عنوانَ سقوط غرناطة.

فلولا أنطونيو دي غيفارا لما بكى أبو عبد الله,

و لولا دي غيفارا لما وبخت عائشة الحرة فلذة كبدها و هي التي شاع عنها حبها لابنها السلطان أبي عبد الله.

و بما أن الغالبية الساحقة من الجمهور على استعداد للإيمان بجميع روايات التاريخ دون تتبث و دون نقد, بالرغم من أن التاريخ عبارة عن "طبيخ شحاذين" فيه الغث و السمين, صدق الجميع قصة أنطونيو دي غيفارا, و لم يهتم أحد أصلا بصدقها من عدمه, ما دامت درامية و مثيرة للأشجان و تشعر القارئ بنوع من التشفي في حق الرجل الذي ضيع الأندلس حسب الرواية الرسمية للتاريخ الأندلسي و هي رواية للأسف خرافية و أسطورية و لا أصل موثق لها.

فصدق الناس بكاء أبي عبد الله,

و صدقوا تجريح عائشة الحرة لابنها بعبارة "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".

بل و بنوا تصورا لشخصية أبي عبد الله وفق رواية أنطونيو دي غيفارا, فخرجوا بتصور مشوه لشخصية لم يقدرها التاريخ حق قدرها.

أبو عبد الله لم يبك, و لم توبخه والدته. لكن أنطونيو غيفارا و المؤرخون بعده, تعاملوا مع التاريخ من منطلق "تأريخ ما يريد الجمهور قراءته" و ليس ما جرى حقيقة,

و الجمهور يريد أن يقرأ أن أبا عبد الله كان جبانا, 

و أنه بكى,

و أن أمه وبخته قائلة "ابك كالنساء ملكا لم تحافظ عليه كالرجال".

فمعذرة يا أبا عبد الله الغرناطي...

و لا غالب إلا الله.

صلة الرحم بالأندلس.

هناك 7 تعليقات:

  1. المغرب وريث الحضارة الأندلسية و لو بقيت هذه الأخيرة حتى عصرنا هذا لكانت مركزا ثقافيا و فكريا و خير دليل هو الزخم الحضاري الذي يعرفه شمال المغرب المتأثر بالرياح الأندلسية

    ردحذف
  2. جميل.. أنا سعيد جدا باكتشاف هذا الموقع...

    ردحذف
  3. إن لم ير أحد دموعا تذرفها عيناه فما لا شك فيه أن قلبه احترق ندما على تفريطه وضياع الأندلس نهائيا على يديه. ولله من قبل ومن بعد.

    ردحذف
  4. إذا لم يبك لسقوط آخر معاقل المسلمين في الاندلس وضياع ملكه فما الذي سيدعوه للبكاء بقية حياته .... متخاذلون خونه ألهتهم مجالس السمر والصراعات السياسيه الضيقه عن كل شئ، والرومي متيقظ يعد الخطط ويحشد الحشود لإنتزاع
    بلادهم منهم، ولا أدري على ما كانوا يعولون لبقائها واستمرار وجودهم فيها.

    ردحذف
  5. السلام عليكم، والموقع المسمى زفرة العربي استناداً إلى هذه القصة!
    وهل ذكر شكيب أرسلان الموقع والقصة في الحلل السندسية؟

    ردحذف