الخميس، 14 أغسطس 2014

مقال "شباب غفل" للمفكر المغربي سعيد حجي.

مقال "شباب غفل" للمفكر المغربي سعيد حجي.

هشام زليم

صورة المفكر و الصحفي سعيد حجي.


في عام 1938م, كتب المفكر و الصحفي المغربي السلاوي سعيد حجي (1912-1942) مقاله الشهير "شباب غفل" جلد فيه الشباب المغربي المتعلِّّم الخامل جلدا و عاتبه على عدم استفادته من إتقانه للغات الحية لتغيير واقع البلاد و العباد. بل و حمّله, هو دون غيره, مسؤولية قيادة المجتمع نحو التطور و التقدم.

مقال سعيد حجي "شباب غفل" لازال صالحا اليوم للشباب المتعلم المتقن للغات الحية و لعلوم العصر, و سيبقى صالحا طالما بقي التعليم و إتقان اللغات و العلوم وسيلة للحصول على منصب شغل دون الطموح لقطف ثمار العلم السامية.



"شباب غفل"

بقلم سعيد حجي. 
مجلة الثقافة المغربية. العدد 12-10 جمادى الأولى عام 1357 الموافق 8 يوليوز سنة 1938م.

لعلك إذا بحثت و أجهدت نفسك بالبحث في قواميس اللغة عن صفة تصف بها الشباب المغربي الذي حاول أن يقترب من مدنية العصر بتعلمه للغة من لغاتها الحية, لا تستطيع أن تجد صفة أوفق تصفه بها من كلمة "غفل".

فإن هذه الطائفة من الشباب, و هي صلة الوصل بين المغرب القديم المتهدم, و المغرب القادم المتجدد, أبعد الجماعات المغربية عن فهم مهمتها في الحياة, و هي بتعلمها العصري لم تزدد إلا حبا في الخمول, و شغفا بالانعزال, بل ما لنا نذهب بعيدا و نطلب منها أن تعمل للوسط الذي تعمل فيه و هي لا تعمل حتى لنفسها كإنسان حي متمدن, عليه واجبات و له حقوق, فإن ثقافتها - أو بالأصح تعليمها- يقف عند الحد الذي غادرت فيه المدرسة, و تُقسم الأيمان ألا تحيد عن فكرتها المدرسية الضيقة, طوال سنوات بل و طول عمرها, فلا تكاد تجد زمرة منها تشغل بالها بفكرة علمية, أو شغف فني, أو محاولة مستقلة ناجحة في ميادين الاقتصاد.

بل الأغرب من هذا أن أغلبها لم يتذوق حتى المطالعة في كتب المتعة و اللذة من روايات و قصص تحفل بها الخزانة الفرنسية, و الأنكى من ذلك كله أنها قلما تطالع الصحف الفرنسية اليومية لتعلم شيئا ما عن مجريات العالم و تعيش في عصرها.

حاول أن تتصل بهذه الجماعات من هاته الطائفة التي احتلت الوظائف و تربعت في كراسيها الضيقة, و حاول أن تجد فردا منها يشغل نفسه بنظرية فلسفية ينتصر لها أو ينددها, أو بفكرة اجتماعية يراها سلم النجاة لأمته , أو سبب التأخر بها, أو بديوان شعر ينشد أبياته, و يترنم لمعانيها, و يطرب لمقطعاته الموسيقية, أو برواية تجمع الفكرة إلى الأسلوب البديع و الخيال المنسجم يعيش في حلمها البديع و يحملك أن تعيش معه هنيهة. 

فهذه الطائفة - التي يجب أن توجه الحملة ضدها من جميع المثقفين المغاربة- تكاد تكون في عزلة عن الحياة العصرية, و لم تستطع أن تقترب منها إلا في بعض مظاهر لا تتصل بجوهر التجديد في أي ناحية من نواحيه العديدة, فهي في غفلة عن هذا العالم المتقلب المتجدد في كل يوم و لكل حادثة, و هي تغط في نومها لا تشاء أن تستيقظ حريصة على حياتها القائمة و لاهية بلذاتها التافهة عن فهم روح العصر و السعي في تجديد مظاهرها و تغيير أساليب معيشتها, فتعلمها لم يؤثر في الحياة المنزلية بشيء كما لم يؤثر خارج تلك الحياة بشيء, بل إن التعليم لم يؤثر في نفسيتها أقل تأثير, و لم يميز بينها و بين ذلك المغربي الذي قضى سنوات في مكتب ضيق الجدران.

إننا نربأ بالمدنية العصرية أن تمثلها لدى شعبنا هذه الطائفة من الشباب المهدم الآمال المحطم الأعمال, فإن الصورة التي يظهرون بها لا تمثل مدنية العصر في شيء, و من الواجب أن يفهم ذلك الجمهور المغربي و يعلم أن مظاهر هذه الطائفة شيء و مظاهر المدنية العصرية شيء آخر لا صلة بينهما بتاتا. و بذلك لا غير لا تسقط المدنية العصرية في نظره, بل يقدرها و يحترم رجالها و يعمل على اقتباس حسناتها.

فإن الشباب الذي تعلم اللغة الفرنسية أساء فهم مهمته, و لم يؤد رسالته للحياة المغربية في أية صورة من الصور, و هو فوق هذا و ذاك كسول قنوع لا يحس بآلام و لا يشعر بآمال و لا يطلب رفعة و لا يفكر في مجد لا لنفسه و لا لأمته.

فهو إذن شباب غفل لا يرجى خيره و لا يخشى شره. تلك مرتبته فليقدرها إن شاء.

المصدر: كتاب "سعيد حجي, فجر الصحافة الوطنية المغربية" عبد الرؤوف بن عبد الرحمان حجي. ص 125-126


صلة الرحم بالأندلس.

هناك تعليق واحد:

  1. الموضوع لا يتعلق بالمغرب فقط .. أغلب شباب الوطن العربي هكذا

    ردحذف