الأربعاء، 21 يناير 2015

شيوعيو ستالين و الحرب الأهلية الإسبانية.

شيوعيو ستالين و الحرب الأهلية الإسبانية.
 
ملصق دعائي للحزب الشيوعي الإسباني خلال الحرب الأهليىة الإسبانية



















لما ثار الجنرالات الانقلالبيون يوم 18 يوليوز 1936 على الجمهورية الإسبانية الثانية (1931-1939) انقسمت إسبانيا لفريقين: قسم مع الجمهورية أُطلق على أتباعه الجمهوريون و قسم ضدها أُطلق عليهم الثوار أو القوميون.

انبرى للدفاع عن الجمهورية جزء مهم من الجيش الذي رفض الانقلاب و بقي على ولائه للجمهورية إضافة لخليط مزركش من التيارات الفكرية و السياسية التي اتحدت لمحاربة الفاشية و الرجعية, مثل البورجوازية الليبيرالية, الاشتراكية, الشيوعية و الأناركية.  شكلت هذه التيارات مليشيات شعبية لمحاربة جيش الانقلابيين المُكون من كتائب نظامية إسبانية و مغربية, إضافة لعشرات الآلاف من الجنود الإيطاليين أرسلهم الفاشي موسوليني لدعم صديقه فرانكو, إضافة لدعم لوجستي فعال أمَّنه هتلر للانقلابيين.


بالنسبة للجمهوريين, كان من المنتظر أن تقوم الدول العظمى المدافِعة عن القيم السامية و المثل العليا بنصرة الجمهوريين. لكن الخيبة كانت عظيمة جدا, فقد وجد الجمهوريون الإسبان أنفسهم لوحدهم في ساحة المعركة ضد قوات فرانكو و موسوليني و طائرات و دبابات هتلر الذي رأى في الحرب الإسبانية فرصة "للتسخين" و الاستعداد للحرب الكبرى التي يخطط لشنها. لقد انتهجت فرنسا و بريطانيا سياسة عدم التدخل في النزاع الإسباني خوفا من الدخول في حرب مبكرة مع الألمان. أما الولايات المتحدة فقد نأت بنفسها عن هذا الصراع الأوربي الداخلي, بل و منعت مواطنيها من الالتحاق بالكتائب الدولية التي كانت تحارب إلى جانب الجمهوريين. بينما تبقى علامة الاستفهام كبيرة حول الدور الذي لعبه الاتحاد السوفياتي في هذه الحرب.

على غرار باقي القوى العظمى, كان الروس بزعامة ستالين يخشون طموحات هتلر التوسعية, فكانوا بالتالي يفضلون تجنب الاصطدام بألمانيا عنوة خلال الحرب الأهلية الإسبانية. قد يكون هذا سببا مهما لعدم تقديم الاتحاد السوفياتي دعما سخيا للجمهوريين, لكن كانت هناك أسباب أخرى. فالاتحاد السوفياتي, عكس فرنسا و إنجلترا, يعتبر نفسه نظاما ثوريا و من واجبه تصدير الثورة الشيوعية و حماية و تقديم الدعم للشيوعيين في كل أنحاء المعمور.

 كان الشيوعيون في إسبانيا فصيلا مهما في فصائل المعسكر الجمهوري, لذا وجد الاتحاد السوفياتي نفسه أمام مطرقة "إغضاب" هتلر و سندان قواعده الشعبية المطالبة بدعم شيوعيي إسبانيا, فدعم ظاهريا الجمهوريين لكن خلف الستار كان يحارب كل الفصائل الجمهورية التي قد تشكل خطرا على الشيوعية في إسبانيا, بل إن أحداثا حصلت خلال الحرب الأهلية أظهرت بجلاء أن الاتحاد السوفياتي كان يُفضل انتصار الفاشية على انتصار المعسكر الجمهوري بقيادة الأناريكيين أو الشيوعيين المعادين لستالين. 

كان الأناركيون يمثلون التيار الأكثر تطرفا في الجناح الجمهوري, و كانت مواقفهم الراديكالية المساندة للعمال و المزارعين تُحرج الشيوعيين الستالينيين الذين رفضوا, في إحدى التناقضات العجيبة مع مبادئهم, إلغاء الملكية الخاصة التي تُعتبر عصب النظام الرأسمالي "الشرير". كما واجه الشيوعيون التابعون لستالين معارضة ضارية من تيار شيوعي معاد لموسكو و  موالي لتروتسكي كان يُدعى "البوم POUM" (الحزب العمالي للتوحيد الماركسي). كان ستالين يرى في هذين التيارين خطرا على الشيوعية الستالينية فقرر القضاء عليهما.

كانت معركة الدفاع عن مدريد من اقتحام وشيك لقوات فرانكو (أكتوبر و نونبر 1936) فرصة استغلتها موسكو لتصفية الوجوه الجمهورية المُزعجة. هكذا تم اغتيال الزعيم الأناركي Buenaventura Durruti بوينفنتورا دوروتي في مدريد يوم 20 نونبر 1936 في ظروف غامضة, لكن أصابع الاتهام أشارت لتورط الشيوعيين الستالينيين؛ و يوم فاتح دجنبر من نفس العام اغتيل, في ظروف غامضة أيضا, الشيوعي الألماني هانز بيملر Hans Beimler أحد قادة الفرق الدولية البارزين و الذي لم يكن على وفاق تام مع القيادة في موسكو. 

لكن تبقى أحداث ماي 1937 في برشلونة النقطة التي أفاضت الكأس و أظهرت بما لا يدع مجالا للشك أن الشيوعيين الستالينيين لن يقبلوا بمنافسين لهم في الجناح الجمهوري و لو كانوا من جنس عقيدتهم. ففي يوم الثالث من ماي اندلعت في برشلونة مواجهات بين الشيوعيين و الشرطة التي يرأسها الشيوعي الستاليني يوزبيو رودرغيث سالاس من جهة  و الأناركيين و نشطاء "البوم" التروتسكيين من جهة أخرى. يوم السادس من ماي توقفت المواجهات بوضع الأناركيين و نشطاء "البوم" لأسلحتهم. قامت الحكومة بحل المنظمات الأناركية و حزب "البوم" POUM الشيوعي التروتسكي فشنت مليشيات الحزب الشيوعي الإسباني حملة تطهيرية ضد الأناريكيين و "البوميين". هكذا كانت أحداث ماي 1937 ضربة إضافية قوية تلقاها المعسكر الجمهوري و كانت واحدة من أهم الأسباب التي أدت لسقوط الجمهورية و دخول فرانكو لبرشلونة و مدريد و بلنسية عام 1939 دون أدنى مقاومة. 

صلة الرحم بالأندلس.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق